الحاجة الى تأسيس الأحزاب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الوصول الى السلطة، تحقيق المصالح، ربما هما اهم الاسباب التي تدعو مجموعة من المواطنين في بلدان تعيش ممارسة ديمقراطية الى تأسيس الاحزاب.

الممارسة الحزبية قديمة، نشات متأثرة بالكثير من التغييرات التي طرأت على المجتمعات البشرية، وكانت تلك التغييرات وما صاحبها اوجدت حاجات ومتطلبات يعجز الافراد منقسمين على تحقيقها وتلبيتها، مما ادى بهم الى التفكير في تكوين المنظمات والجمعيات والاحزاب.

في الطريق الى تحقيق المصالح للمجموعات، ظهر التنافس بين كل مجموعة واخرى عبر برامج او مشاريع تستهدف القاعدة العريضة من الاعضاء، ثم امتد الامر ليشمل قطاعات اوسع واكثر من الجماهير، لها نفس المطالب والاحتياجات.

الاحزاب فيما انتهت اليه في عالمنا المعاصر، هي القوى السياسية والتنظيمات التي تؤثر على الحياة السياسية، والتي تتدخل في صيرورة اتخاذ القرار السياسي، إما بالمشاركة في تعيين أو تسمية السلطة السياسية، أو تتدخل إلى جانب هذه السلطة للحصول على قرار، أو تعمل لتعديل أو تغيير القرار بشكل يكون مقبولا بالنسبة لها. و القوة السياسية بشكل موجز هي: (كل الطاقة الاجتماعية التي تقوم السلطة بتوظيفها). 

تعد الأحزاب عامل نشاط في الحياة السياسية والبرلمانية لأنها تمكن الشعب من التعبير عن رغباته ومطالبه بطريقة منطقية وفاعلة كما تقوي الروابط بين الهيئة الناخبة والهيئة الحاكمة، وهذا الدور للاحزاب يمكن ان يكون في نفس الوقت تعريفا لمفهومها.

اضافة الى تعريفات اخرى من قبيل، (الحزب السياسي هو تنظيم دائم، يتم على المستويين القومي والمحلي، يسعى للحصول على مساندة شعبية، بهدف الوصول إلى السلطة وممارستها، من أجل تنفيذ سياسة محددة).

كل تنظيم او مؤسسة يمكن ان تكون حزبا بتوفر اربعة شروط:

الاستمرارية: وهي ما تميز الحزب عن التنظيمات الوقتية الاخرى التي تختفي باختفاء مؤسسيها او انتفاء الحاجة اليها.

التكامل التنظيمي على المستوى المحلي (المدينة) وعلى المستوى القومي (الدولة).

امتلاك الرغبة في ممارسة السلطة، وهذا الشرط هو ما يميزها عن جماعات الضغط المختلفة.

ويعتبر هذا الشرط ايضا، هدفا مباشرا للحزب من خلال السيطرة على السلطة أو المساهمة فيها لممارستها، أما جماعات الضغط فتريد أن تؤثر على السلطة مع بقاءها خارج السلطة.

ومن الفروقات الاخرى بين الاحزاب وجماعات الضغط، ان الأحزاب تسعى إلى الدفاع عن مصلحة الجماعة الوطنية ككل، و ترتكز على التضامن العام، أما جماعات الضغط فلا تهتم بالمصلحة العامة، وإنما تدافع عن مصالح خاصة، كأن تهتم بمصلحة العمال أو مصلحة المزارعين...

المساندة الشعبية: وتتحقق من خلال الانتخابات أو عن أي طريق آخر.

هناك عنصران مهمان يمكن تلمسهما من خلال تعريفات الحزب الحديثة، وهما:

التنظيم: فالأحزاب هي منظمات مركبة، و بغير بنيان منظم لا يمكن أن تنتشر بين الناخبين أو أن تعمل من أجل تحقيق هدفها وهو الوصول إلى السلطة وتنفيذ برنامج سياسي محدد.

المشروع السياسي: فالتنظيم ليس هدفاً في حد ذاته، إنما يقام من أجل تحقيق المشروع بوسيلة أكثر فاعلية. فهدف الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في الديمقراطيات الغربية هو تغيير النظام الاجتماعي الموجود. أما بالنسبة لأحزاب اليمين أو الوسط فهدفها هو المحافظة على النظام الرأسمالي.

في الوقت الحالي، وبعد قطع مراحل طويلة من العمل الحزبي في البلدان الديمقراطية، استقرت وظائف الاحزاب السياسية على الشكل التالي:

الحزب كأداة لسير العمل الحكومي.

الحزب الذي يلعب دور (السمسار) ، أي وسيط بين الحاكم والمحكوم.

الحزب كناطق باسم الرأي العام.

الحزب كأداة لاختيار وتحديد المرشحين.

للحزب السياسي دور في التعبير عن عملية الاقتراع الوطني، ودور مهم في وظيفة التعليم السياسي.

في العراق ظهرت الاحزاب منذ عقود طويلة، ومرت بمراحل من السرية والعلنية، ثم انكفأت الى العمل تحت الارض، لاكثر من ثلاثة عقود، قبل ان تعود للظهور مجددا في علنية صارخة بعد العام 2003 واصبح تاسيس اي حزب ربما اسهل من شربة ماء، بغياب قانون للاحزاب ينظم عمليات التاسيس والتشكيل والتمويل وغير ذلك مما يتعلق بالاحزاب وحركتها داخل المجتمع.

هل نحتاج الى تشكيل احزاب جديدة في العراق، وما هي الفائدة التي نتوخاها من هذا التاسيس، وهل تكون الاحزاب الجديدة مفارقة لما عهدناه من عمل الاحزاب الحالية؟

قبل الاجابة على السؤال يمكن الاشارة الى عدد من الملاحظات:

الاحزاب الحالية على الساحة العراقية، اما هي احزاب قديمة كانت موجودة قبل العام 2003، او انها احزاب جديدة ظهرت بعد ذلك العام، والاثنان يشتركان في هدف واحد هو الوصول الى السلطة او المشاركة فيها، دون برنامج عمل واضح يلبي طموحات وحاجات المواطنين.

غياب الممارسات الديمقراطية داخل الاحزاب، والمتمثلة بانتخاب القيادات، وتخضع في الحالة العراقية الى استمرار او تابيد القيادة المؤسسة لتلك الاحزاب.

البقاء على ما يمكن تسميته باسر لحظة التاسيس، دون طرح رؤية جديدة لاحقة على تلك اللحظة، مما يخلق حالة من الجمود في العمل والتعاطي مع المتغيرات السياسية.

الاحزاب الاسلامية، ليس فيها من الاسلام الا سلوك وطبائع المتدينين، وهو سلوك لا يقترب من البراغماتية قدر اقترابه من الانتهازية والوصولية، والتي تجعل الممارسة الحزبية بعيدة عن الاخلاق السياسية التي تفترضها مثل هذه التسمية والتنسيب.

يمكننا الاجابة عن السؤال الذي طرحناه قبل هذه الملاحظات، ونقول:

نعم نحن بحاجة الى تاسيس احزاب جديدة، تغادر لحظة التاسيس وتنعتق منها لتنسجم مع المتغيرات التي تفرضها حركة المجتمع وفعل السياسة فيه، لتحقيق طموحات ومتطلبات الجماهير، على شرط ان تتوفر لتلك الاحزاب القدرة على القطع والتباعد عن جميع السلوكيات والافعال التي درجت عليها الاحزاب الحالية، اي بعبارة اخرى، اننا نطمح ان تكون تلك الاحزاب الجديدة، مصدرا لتلاقي الاخلاق في الفعل السياسي، وليس بمعزل عنه، مهما افترض او تطلب العمل السياسي من غايات تبرر الوسائل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/حزيران/2014 - 6/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م