إيران من الداخل ومعركة تكسير العظام

 

شبكة النبأ: يبحث الرئيس الإصلاحي في إيران "حسن روحاني" عن حصان طروادة لدخول معقل الإصلاحيين.

الملف النووي، كما يرى محللون، كانت البداية، او حصان طروادة، من اجل المشاركة في السلطة والحكم في إيران، سيما وان المحافظين قد تمسكوا بالسلطة ومقاليد الحكم منذ اسقاط الشاه، بينما كانت اغلب تجارب الإصلاحيين، محدودة في النجاح والتأثير، لعدة عوامل داخلية وخارجية، ربما كان اخرها حكومة خاتمي، الذي وصفة كثيرون "بالشخصية الضعيفة" التي لا تتناسب والقدرة على احداث التغيير داخل المؤسسات الحاكمة في إيران.

ربما الامر مختلف مع روحاني، الذي يرى كثيرون انه اعتمد على خطين في دعم مشروعه الإصلاحي:

1. الخط الأول يبدأ من الخارج نحو الداخل، من خلال عقد اتفاق تاريخي حول الملف النووي الشائك، والذي يعد نصراً استراتيجيا للإصلاحيين ومن خلفهم إيران، وهو ما يتخوف منه المحافظون، سيما وان ابرام الاتفاق يعني بالضرورة، رفع الحصار الاقتصادي والاعتراف بإيران كقوة نووية، إضافة الى التقارب مع الغرب والاعتراف بها ضمناً كدولة إقليمية كبرى، ومن دون اللجوء الى القوة او العنف، وهو بالتأكيد سيزيد من شعبية التيار الإصلاحي على حساب الطرف الاخر.

2. الخط الثاني، يسير بوتيرة ناعمة، وينطلق من الداخل نحو الخارج، ويعمل على إطلاق الحريات والمنع بصورة جزئية وناعمة، لتجنب التصادم المباشر مع المتشددين، وبالتالي فشل عملية الإصلاح، كما يرى متابعون.

يشار، ايضاً، الى الإصلاحيين داخل إيران كقوة لا يستهان بها، إذا ان لديهم العديد من القيادات والرجال داخل السلطة، كما ان لديهم شعبية كبيرة بين أوساط واسعة من الشعب الإيراني، وربما وصول روحاني الى رئاسة الجمهورية رسالة واضحة على قوة هذا التيار في منافسة الاخرين.

بالمقابل فان المحافظين أصحاب نفوذ قوي داخل الدولة ومؤسساتها، كما انهم قوة اقتصادية كبيرة تمتلك العديد من المنشأة الاقتصادية ورؤوس الأموال الضخمة، إضافة الى المؤسسة العسكرية، سيما القوات شبه الحكومية، التي لها ولاء مطلق للمرشد الأعلى والتيار الإصلاحي.

ويرى الكثير من المحللين، ان روحاني الذي اعتمد السياسية الخارجية، إضافة الى الإصلاح الاقتصادي من الداخل، لو تمكن من حسم الملف النووي والتقارب مع الغرب، فان ايران مقبلة على تغيير مهم في العلاقة التي تجمع الطرفين "إصلاحي ومحافظ".

ضراوة الصراع داخلية

فقد تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بكسب المعركة مع المتشددين الذي يعارضون سياسته للتقارب مع الغرب مع دخول المحادثات النووية التي يعارضونها مرحلة حاسمة، وحقق روحاني انتصارا ساحقا في انتخابات الرئاسة، وعدل عن موقف الاستعداء الذي تبناه سلفه محمود أحمدي نجاد تجاه الغرب، وقاد روحاني إيران للدخول في محادثات بخصوص برنامجها النووي للتوصل إلى اتفاق بحلول 20 يوليو تموز.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن روحاني قوله لمجموعة من المسؤولين خلال جولة إقليمية "يمكننا بالوحدة والانسجام إلقاء كل المشكلات وراء ظهورنا، وسنقف في وجه من لا يواكبون متطلبات الشعب"، وأضاف "سنقف ضد التطرف وبعون الله سنحقق النصر على المتطرفين" في إشارة إلى سياسيين ورجال دين يعتبرون انفتاحه على الغرب (بما في ذلك الولايات المتحدة العدو اللدود لطهران) إضعافا للجمهورية الإسلامية.

ومضى يقول "الشعب والزعيم الأعلى يقفون وراءنا في المحادثات (النووية)، سنفوز"، والزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي له القول الفصل في أي تغير كبير في السياسة الخارجية أو السياسية النووية. بحسب رويترز.

فيما قالت الكاتبة نجمه بوزورغمير "إن الجناح الذي يوصف بالتشدد في إيران بدأ تصعيد حملته ضد الرئيس حسن روحاني بالتزامن مع الزيارة التي يقوم بها المفتشون التابعون للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران".

وتضيف أن جماعة من البرلمانيين الإيرانيين الذين يطلقون على انفسهم لقب "القلقون" قد هاجموا روحاني في عدة مناسبات خلال الايام الأخيرة بسبب المحادثات مع الغرب والتي تهدف إلى التوصل إلى حل نهائي وشامل لأزمة الملف النووي، وتنقل الكاتبة تصريحات لأحد البرلمانيين خلال كلمة ألقاها أمام البرلمان قال فيها "اتساءل بجدية إلى أين تأخذ بلادنا أيها الرئيس؟".

ويضيف البرلماني نفسه "إنني أشعر بالقلق وسأنتظر لأرى إن كان أي اتفاق يعقده روحاني سيقلص من قدرة البلاد على تخصيب اليورانيوم أو يخضع ذلك لسقف بخصوص نسبة التخصيب". بحسب جريدة الفايننشال تايمز.

وتضيف الجريدة أن برلمانيا أخر ذهب لأبعد من ذلك مهددا روحاني بإمكانية عزله من منصبه هو وحكومته إذا تخطوا حدودهم في موضوع المفاوضات مع الغرب، وتوضح الجريدة أن علي أكبر صالحي رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية والمسؤول عن الجوانب الفنية في الملف النووي أكد أن بلاده ستقوم بتعديلات فنية على مفاعل المياه الثقيلة في أراك لتخفيض كمية البلوتونيوم التي يقوم بإنتاجها.

وتضيف أن أي اتفاق نهائي يجب أن يتم التوصل إليه قبل العشرين من يوليو/تموز القادم، وتقول الجريدة إن المتشددين في إيران يحاولون منع روحاني من البقاء في منصبه لفترة ثانية ويسعون لذلك من خلال انتقاده بشأن المفاوضات مع الغرب لكنهم لا يستطيعون أن يشكلوا تهديدا مباشرا لتلك لمفاوضات بسبب وجود أية الله علي خامنئي والذي يشكل المرجع الأعلى لاتخاذ القرار في إيران.

الاستفادة من العقوبات

من جانب اخر اتهم الرئيس الايراني حسن روحاني في رده على متشددين يلمحون الى انه يقدم تنازلات للغرب منتقدي حكومته باستخدام الاكاذيب والمبالغات لتشويه سياساته، وفي مقابلة في التلفزيون الحكومي لمح روحاني الى ان منتقديه هم "أقلية ضئيلة" تربحوا من العقوبات ويخشون ان يخسروا ذلك اذا رفعت القيود مع التوصل الى حل في نهاية الامر للنزاع النووي بين ايران والغرب.

وقال روحاني انه لن يقدم تنازلات عندما يتعلق الامر بالمصلحة الوطنية مضيفا ان العقوبات هي "ظلم كبير"، وقال روحاني "من خلال الاكاذيب والمبالغة يحاول بعض الناس اخراج الحكومة عن مسارها، هذا يتعارض مع المصلحة الوطنية وتوجيهات الزعيم، نحن لا نقدم تنازلات بشأن مصالح الشعب". بحسب رويترز.

وقال "العقوبات تمثل ظلما كبيرا وأمتنا تعاني، لكن حفنة تربحت بينما قضت العقوبات على الشفافية في المجتمع والاقتصاد"، وتابع "شعبنا سعيد بشأن رفع العقوبات وأقلية ضئيلة فقط غاضبة لأنها ستخسر، ومن هنا تنشأ كل المحاولات لتشويه الحكومة".

ووافق الزعيم الايراني الأعلى اية الله علي خامنئي الذي له القول الفصل في الامور الرئيسية بحذر على المحادثات بين ايران والقوى الست وهي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا، لكنه أصر على ان تحتفظ ايران بحق تخصيب اليورانيوم للبحث العلمي وعبر عن تشككه في ان الغرب مستعد حقا للتخلي عما يرى انه عداء للجمهورية الاسلامية.

لكن محللين قالوا ان العقبة المحلية الرئيسية التي يواجهها روحاني هي موقف متشددين ممثلين في الحرس الثوري الاسلامي وهو قوة عسكرية أصبح لها سلطة اقتصادية وسياسية في السنوات الأخيرة، وأبقت العقوبات التي فرضت معظمها دول غربية شركات النفط الغربية بعيدا عن قطاع الطاقة في ايران مما أتاح الفرصة للشركات التابعة للحرس الثوري للفوز بعقود مربحة.

تظاهرت للمتشددين وهامش الحرية

الى ذلك تظاهر الاف المتدينين المتشددين في طهران ضد ما قالوا انه عدم احترام النساء لقوانين اللباس التي تفرضها ايران المحافظة، بحسب وسائل الاعلام، وبموجب الشريعة الاسلامية المطبقة في طهران منذ ثورة 1979 يتعين على النساء ارتداء الحجاب لتغطية شعرهن، وارتداء الملابس الفضفاضة التي تغطي الجسم.

وشارك في التظاهرة التي جرت امام مبنى وزارة الداخلية "نحو 4000 متظاهر دعوا السلطات والناس الى الالتفات لوضع الحجاب والعفة في المجتمع"، وشارك في التظاهرة رجال ونساء، بحسب ما اظهرت الصور.

وجاء في بيان اصدره المتظاهرون ان "الحفاظ على العفة العامة والالتزام بالحجاب الاسلامي والاخلاق هي امور استراتيجية لن ننساها بحجة العقوبات الاقتصادية او تغيير الحكومة، وهناك بعض النساء اللواتي لا يراعين الحجاب الاسلامي"، وذكر ان "التظاهرة لم تستمر طويلا بعدما حضر قائد شرطة طهران حسين ساجدينيا الى مكان التظاهرة وناشد المتظاهرين انهاءها".

وقال حسين هاشمي محافظ طهران ان التظاهرة ليست قانونية لان منظميها لم يحصلوا على تصريح من وزارة الداخلية، وصرح لوكالة اسنا الطلابية الاخبارية "ان من يسعون الى النهي عن المنكر يجب ان لا ينتهكوا القانون"، وتضم قوات الشرطة الايرانية وحدة "الاخلاق" المكلفة التاكد من ارتداء النساء الملابس المطابقة للقوانين.

وطلب الرئيس الايراني المعتدل حسن روحاني من الشرطة الايرانية في تشرين الاول/اكتوبر ان تتعامل بليونة مع مسألة الحجاب، ونادى الرئيس الذي يحظى بدعم الاصلاحيين والمعتدلين وبعض المحافظين، بزيادة الحريات الثقافية والاجتماعية في الجمهورية الاسلامية قبل فوزه في انتخابات الرئاسة الصيف الماضي.

بالمقابل اطلقت السلطات الايرانية سراح الشباب الستة الذين اوقفوا بتهمة "خدش الحياء العام" لاشتراكهم في تصوير تسجيل فيديو يؤدون فيه اغنية "هابي" لفاريل وليامز، بحسب ما اعلنت مصادر عدة، وكتبت المصورة ريحان تارافاتي، وهي ضمن الموقوفين الستة، على موقع انستاغرام "مرحبا، لقد عدت"، وشكرت الشابة المغني فاريل وليامز على تضامنه معهم.

وكان وليامز كتب على موقع تويتر "انه أمر أكثر من محزن ان يسجن هؤلاء الشباب لأنهم حاولوا أن يشيعوا الفرح"، ولم تؤكد السلطات الايرانية خبر الافراج عن الراقصين الستة، كما ان مصادر عدة اشارت الى ان مخرج المقطع المصور ما زال قيد الاحتجاز، ويبدو ان الشباب استفادوا من مساندة الرئيس حسن روحاني. بحسب فرانس برس.

وجاء على حساب روحاني على تويتر الذي يديره مقربون منه "من حق شعبنا ان يفرح، لا ينبغي ان نكون شديدي القسوة ازاء تصرفات صادرة عن الشعور بالفرح"، وهي استعادة لمقطع من خطاب القاه بعد انتخابه في حزيران/يونيو من العام 2013.

ويظهر هذا الفيديو المنشور على موقع "يوتيوب" ثلاثة شباب وثلاث شابات غير محجبات يغنون ويرقصون في الشوارع وعلى اسطح مبان في طهران على موسيقى مغني البوب الاميركي صاحب اغنية "هابي" التي تلقى رواجا كبيرا حول العالم وتم نشر عدد كبير من التسجيلات المصورة التي استخدمت فيها هذه الاغنية في بلدان عدة.

الا ان هذا التسجيل المصور اثار احتجاجا في اوساط المحافظين الايرانيين الذين اعتبروا ان هذا النوع من التسجيلات يجسد انحرافا عن القيم الاسلامية والتحاقا بالقيم الغربية، ويرغم القانون الايراني المستند الى الشريعة الاسلامية والمطبق منذ 1979، النساء على ارتداء الحجاب.

وتمارس السلطات الايرانية رقابة على الانترنت وتحجب عددا كبيرا من المواقع من بينها ابرز شبكات التواصل الاجتماعي، وأكد قائد شرطة طهران حسين ساجدينيا في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الطالبية (ايسنا) أنه "بعد (نشر) مقطع فاحش تسبب بخدش الحياء العام على الانترنت، قررت الشرطة تحديد هوية المشاركين في هذا المقطع"، واضاف المسؤول ان التحقيق اوكل الى الشرطة ووزارة الاستخبارات التي تعمل بالتنسيق مع السلطة القضائية.

واوضح ساجدينا ان "ثلاثة رجال وثلاث نساء اعتقلوا" و"اقروا بجريمتهم"، مشيرا الى ان الفيديو نشر على الانترنت من دون موافقة الاشخاص الذين ظهروا فيه على يد ثنائي عمد الى خدعهم، وعادت مسألة الحريات العامة وحقوق النساء الى صلب النقاشات منذ انتخاب حسن روحاني رئيسا لايران العام الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/حزيران/2014 - 5/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م