أفريقيا الوسطى.. تدجيج لحرب الكراهية

 

شبكة النبأ: حذرت الكثير من المنظمات الدولية والإنسانية من مخاطر تزايد الصراع المسلح في جمهورية أفريقيا الوسطى، الذي أسهم في تردي الأوضاع الأمنية واتساع رقعة الانتهاكات وجرائم التطهير العرقي والديني التي قسمت المجتمع، أودت بحياة وتهجير الكثير من المواطنين الذين أصبحوا يعيشوا في واقع وأوضاع إنسانية خطيرة.

ويرى المراقبون أن تعقد الأوضاع في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تمتلك موارد طبيعية هائلة، هو بسبب التدخلات الخارجية لبعض الدول التي تسعى الى تعزيز نفوذها في المنطقة وذلك من خلال التحريض على العنف ونشر خطاب الكراهية داخل المجتمع. ودعم ومساعدة الأطراف المتصارعة وبناء تحالفات خاصة.

وبحسب بعض الخبراء فان قوات حفظ السلام لا تزال عاجزة عن وقف تلك المذابح التي ترتكب بحق المدنين والتي أدت إلى فرار جماعي غير مسبوق، وهو ما اعتبره الكثير إشارة واضحة على عدم جدية المجتمع الدولي بحسم هذه المعاناة وهو امر قد يؤدي الى تفاقم الأوضاع، فيما يرى مراقبون آخرون ان خطورة وحساسية الوضع الامني والحقوقي في هذا البلد الافريقي تنذر بحدوث كارثة إنسانية خصوصا مع تصاعد مشاعر الكراهية وازدياد اعمال القتل الانتقامية والتي ارتفعت بشكل خطير في الفترة السابقة على الرغم من وجود القوات الدولية المشتركة التي تحاولون استعادة النظام في البلاد، في حين تقدم بعض الدول جهود مساعدات إنسانية لا ترتقي لردع هذه الكارثة الإنسانية المتصاعدة، حيث ان هذه الجهود من خلال المساعدة الانسانية لا تتناسب مع حجم الكارثة المتصاعدة.

وفيما يخص اخر التطورات في إفريقيا الوسطى فقد قال رجل دين محلي ومسؤولون من الصليب الأحمر إن 31 شخصا كثير منهم مدنيون قتلوا في اشتباكات بين مقاتلين مسيحيين ومسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى.

واندلع القتال خارج بلدة ديكوا التي تبعد 300 كيلومتر شمالي العاصمة بانجي حينما هاجم مقاتلون من حركة سيليكا التي فيها أغلبية من المقاتلين المسلمين والتي استولت على السلطة العام الماضي حاجز تفتيش أقامه رجال ميليشيا تابعون لجماعة أنتي بالاكا المسيحية. وقال الأب فيرالدو دي سوزا وهو راهب محلي كاثوليكي "جمع متطوعو الصليب الأحمر 21 جثة معظمها لمدنيين. والباقون من أنتي بالاكا."

وأضاف دي سوزا إنه جرى اكتشاف عشر جثث أخرى ترتدي ملابس عسكرية في قبر جماعي ويعتقد أنها لمقاتلين من جماعة سيليكا. وتابع قوله أن بعض المصابين من القتال فروا باتجاه الأحراش. وقال إن امرأة أخرى قتلت في ديكوا. وليست هذه أول مرة تشهد فيها ديكوا أعمال عنف أهلية. وأدت أعمال العنف إلى نزوح نحو ربع سكان جمهورية أفريقيا الوسطى البالغ 4.6 مليون نسمة. بحسب رويترز.

وفي وقت سابق قتل 13 شخصا على الأقل حينما هاجم مقاتلو أنتي بالاكا الذين لهم وجود قوي في الريف بلدة يسيطر عليها مقاتلو سيليكا. ويفيد أهالي ديكوا أن قوة لحفظ السلام تابعة للاتحاد الإفريقي تتألف من نحو 50 موجودة في ديكوا. ولم يتسن على الفور التأكد من متحدث باسم البعثة مما إذا كانت القوات الأفريقية تدخلت خلال القتال الذي وقع. واستولى متمردو سيليكا على السلطة في المستعمرة الفرنسية السابقة ذات الأغلبية المسيحية في مارس آذار 2013 ولكنهم تخلوا عنها بضغط دولي في وقت سابق هذا العام.

من جانب اخر قال رجل دين وعضو سابق في البرلمان إن 28 شخصا على الأقل قتلوا أثناء قتال مستمر منذ عدة أيام في بلدة في وسط البلاد التي تعصف بها الحرب. وقال أوجستين ندوكولوبا العضو السابق في برلمان المنطقة في بانجي "خلال المعارك قتل 28 شخصا على الأقل منهم 22 مدنيا وستة من متمردي سيليكا."

وأضاف أن الأهالي أبلغوه أن الجثث ملقاة في الشوارع لأنه ليس هناك من يدفنها بينما لم يتمكن المصابون من الحصول على المساعدة. وقال إفيرالدو دي سوزا وهو رجل دين في بلدة ديكوا المجاورة إن سبعة أشخاص قتلوا في ثلاث قرى قريبة على يد متمردي سيليكا السابقين. وأضاف أن العدد النهائي للقتلى ربما يكون أعلى.

مقتل صحافية فرنسية

الى جانب ذلك فتحت نيابة باريس تحقيقا في مقتل المصورة الصحافية الشابة كاميل لوباج في افريقيا الوسطى حيث اعلن مصدر في الدرك انها سقطت في كمين اودى بحياة عشرة اشخاص على الاقل في هذا البلد الذي يشهد اعمال عنف متبادلة. ومقتل لوباج التي يأتي بعد اشهر على مقتل اثنين من صحافيي اذاعة فرنسا الدولية في مالي، وقال مصدر دبلوماسي ان تشريحا اول سيجرى للجثة قبل اعادتها الى باريس.

وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعلن في بيان مقتل لوباج (26 عاما) بينما كانت تجري تحقيقا في جمهورية افريقيا الوسطى. واوضحت الرئاسة ان "جثة لوباج عثر عليها خلال دورية لقوة سنغاريس في منطقة بوار" بغرب البلاد. وقال مصدر عسكري فرنسي طلب عدم كشف هويته ان " كانت كاميل لوباج برفقة اثنين من عناصر (الميليشيا المسيحية) انتي بالاكا (ضد السواطير) لاجراء تحقيقها".

واضاف انها "وقعت بالتأكيد في كمين نصبه مسلحون ينتشرون في المنطقة وتعرضت لاطلاق نار". وتابع ان عناصر الميليشيا انتي بالاكا "قاموا بانتشال جثتها وجثث رفاقهم وفتح تحقيق لتحديد الملابسات الدقيقة لقتلها". واوضح مصدر في الدرك في بوار ان "الكمين الذي اودى بحياة الصحافية وقع في غالو القرية الواقعة على محور بوار غروا بولاي (الكاميرون)". واضاف "جرت مواجهات استمرت اكثر من نصف الساعة واسفرت عن سقوط عشرة قتلى بينهم اربعة من الانتي بالاكا وستة من السيليكا (المتمردون السابقون) والمسلحين البول" الذين نصبوا الكمين. وتابع ان "عناصر الانتي بالاكا المتمركزين في بوار وكانتونييه على الحدود مع الكاميرون يقومون بدوريات في هذه المنطقة واشتبكوا عدة مرات مع عناصر السيليكا السابقين والبول المسلحين".

وقالت باريس ان دورية من القوة الفرنسية سنغاريس عثرت على جثة المصورة خلال تفتيش سيارة يقودها عناصر من الميليشيا المسيحية. وقال بيان في وزارة الاتصال في بانغي ان المصورة الشابة "لم تكن ترتدي سترة واقية من الرصاص عند مقتلها". من جهته قال البيان الرئاسي الفرنسي ان هولاند "طلب فورا ارسال فريق فرنسي وفريق من شرطة القوة الافريقية المنتشرة في افريقيا الوسطى الى مكان الحادث"، مؤكدا ان كل الجهود ستبذل "لكشف ظروف هذا الاغتيال والعثور على قتلة مواطنتنا". بحسب فرانس برس.

وقالت ماريفون لوباج والدة الصحافية الشابة في انجيه ان ابنتها "كانت شابة متحمسة لما تفعله وكانت تريد منذ سنوات العمل في التصوير الصحافي". واضافت "انها كانت تفكر بهذا المنطق دائما التوجه الى نزاعات لا تذهب اليها وسائل الاعلام. النزاعات المنسية. كانت تبحث عن صحف حرة في فكرها".

وقد دان مجلس الامن الدولي بشدة مقتل لوباج وطالب السلطات في هذا البلد بفتح تحقيق. وفي اعلان اقر بالاجماع، ذكر اعضاء المجلس بانه بموجب القوانين الانسانية الدولية فان الصحافيين الذين يمارسون مهنتهم في مناطق النزاع "يعتبرون بالاجمال مدنيين ويجب حمايتهم على هذا الاساس".

قائد جديد

في السياق ذاته قال متحدث باسم تحالف سيليكا في جمهورية إفريقيا الوسطى إن الجماعة المتمردة التي يغلب عليها المسلمون عينت قائدا عسكريا جديدا وتعتزم إعاد تنظيم صفوف مقاتليها المشتتين في خطوة ستعمق الانقسامات في الدولة التي مزقتها الحرب. وانزلقت المستعمرة الفرنسية السابقة إلى الفوضي بعد أن سيطر متمردو سيليكا على السلطة في مارس آذار 2013. وأجبر زعماء سيليكا على الاستقالة في ظل ضغوط دولية لكن ميليشيا أنتي بلاكا المسيحية كثفت هجماتها ضد المسلمين.

وفر مئات من زعماء سيليكا وآلاف المدنيين المسلمين من العاصمة بانجي والمناطق الجنوبية صوب الشمال والدول المجاورة مما يثير مخاوف من تقسيم البلاد بين الشمال والجنوب على أسس دينية. ويؤيد التقسيم كثير من الناس في بامباري وهي بلدة قرب الخط الفاصل بين الجنوب المسيحي والشمال الذي يغلب المسلمون على سكانه والتي اختارها متمردو سيليكا مقرا لهم لكن زعماء سيليكا منقسمون بهذا الشأن. وقال الكولونيل جوما ناركويو إن مؤتمر جماعة سيليكا الذي يضم أكثر من 500 ضابط ومسؤول والذي عقد في ديلي على بعد أكثر من 650 كيلومترا شمالي العاصمة بانجي عين الجنرال جوزيف زينديكو قائدا للجيش.

وقال ناركويو "الهدف من تشكيل هيئة أركان عامة لجماعة سيليكا هو توحيد صفوف جميع مقاتلي سيليكا وإعادة هيكلتها لأنهم مشتتون في الوقت الراهن." وأوضح أن الأركان العامة ستقرر تشكيل جناح سياسي للحركة. واضاف المتحدث "نريد أيضا تأمين منطقتنا وحماية الناس في المناطق الثماني التي نسيطر عليها."

من جانبها اعتبرت الرئيسة الانتقالية في افريقيا الوسطى كاثرين سامبا بانزا ان عملية نزع اسلحة المجموعات المسلحة التي تكفلت بها القوات الدولية المنتشرة في افريقيا الوسطى لم تحصل "بالشكل الصحيح" بسبب اعمال العنف المتواصلة. وصرحت الرئيسة في مقابلة مع صحيفة لوموند ان "فقدان الامن يستمر بشكل اساسي لان نزع الاسلحة لم يحصل بالشكل الصحيح.

وقالت الرئيسة الانتقالية "اعتقد ايضا ان المجموعات المسلحة تحاول التمركز للتمكن من الضغط غدا بهدف التفاوض". واضافت ان "ذلك يؤدي الى عودة انشطة عناصر تحالف سيليكا السابق الذين يبدون رغبتهم في تقسيم البلد"، بينما نشهد تصعيدا في الهجمات الدامية في الشمال والتي تنسب الى المتمردين السابقين في تحالف سيليكا.

وقالت ايضا "على الصعيد الامني، هناك ضغط اقل في بانغي، لكن داخل البلد لا يزال الوضع مثيرا للقلق". واضافت "ينبغي احلال سلطة الدولة (...) ينبغي ان تعود الادارة. ولاحقا يجب استئناف عملية مصالحة من الاساس، يجب ان تتعلم المجموعات التعاطي مع بعضها البعض من جديد". وتجتاح عمليات القتل بين مسيحيين ومسلمين افريقيا الوسطى منذ اكثر من عام. بحسب فرانس برس.

واسفر النزاع عن الاف القتلى ونزوح نحو 1,5 مليون شخص. وردا على سؤال حول امكانية تنظيم انتخابات بحلول شباط/فبراير 2015 في هذه الاجواء كما هو متوقع، اجابت سامبا بانزا "سنعمل بما يؤدي الى احترام هذه المهلة، لكن اذا بدا ان تنظيم انتخابات في الموعد المقرر يؤدي الى مشاكل اكثر من حلول، فسنتنبه للامر".

طائرت بدون طيار

على صعيد متصل صرح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون عمليات حفظ السلام إيرفيه لادسوس بأنه قد يتم نشر طائرات مراقبة بدون طيار غير مسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى. وتعيش أفريقيا الوسطى على وقع أزمة إنسانية غير مسبوقة أخذت طابعا طائفيا بسبب النزاع. وأعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون عمليات حفظ السلام إيرفيه لادسوس، أنه يبحث "إمكانية" نشر طائرات مراقبة بدون طيار في هذا البلد.

وقال لادسوس "أفكر بقوة في إمكانية نشر ما نسميه أنظمة مراقبة جوية بدون طيار أي طائرات مراقبة بدون طيار، وأؤكد أنها لن تكون مسلحة بل لمراقبة ما يجري". مؤكدا أن هذه الأداة يفترض أن تكون فعالة جدا في هذا النوع من الأراضي". وتشهد جمهورية أفريقيا الوسطى أزمة لا سابق لها اتخذت منحى طائفيا تمثل بمواجهات مسلحة وانتهاكات ارتكبها كلا الطرفين المتصارعين حاليا وهما التمرد السابق المؤلف من غالبية مسلمة وميليشيات انتي بالاكا التي تقاتله والمؤلفة من أكثرية مسيحية. بحسب فرانس برس.

وإزاء هذا الوضع وعدت الأمم المتحدة بأن تنشر 12 ألف جندي من قوات حفظ السلام سيحلون محل قوة الفصل الأفريقية المكونة من ستة آلاف جندي أفريقي إلى جانب حوالى ألفي جندي فرنسي منتشرين في إطار عملية سانغاريس و800 رجل أوروبي سيصلون قريبا. وستكون أولوية قوة حفظ السلام الدولية حماية السكان والقوافل الإنسانية وحفظ السلام ودعم عملية الانتقال السياسي وإحترام حقوق الانسان واعتقال المسؤولين عن الانتهاكات.

الحاجة إلى التعليم

من جانب اخر لا يزال حوالي 40,900 طفل وآلاف الشباب الذين نزحوا جراء العنف المتفشي في جمهورية أفريقيا الوسطى عالقين في مخيمات العبور في جنوب تشاد بلا مدارس رسمية يمكنهم الالتحاق بها، ومن دون فرص تدريب تذكر أو حتى وظائف، مما يجعلهم يواجهون مستقبلاً غامضاً. وقال إبراهيم عمر البالغ من العمر 25 عاماً في مخيم عبور دويابا بالقرب من بلدة سرح، التي يشكل العائدون التشاديون من جمهورية أفريقيا الوسطى غالبية سكانها، وقد ولد الكثير منهم في جمهورية أفريقيا الوسطى: "لا يوجد شيء يمكننا القيام به هنا. إننا لا نفعل شيئاً طوال اليوم". وأضاف عمر، الذي درس المالية في الكلية: "سأقبل أي عمل يمكنني القيام به. وذات يوم سأعود إلى بانغي لاستكمال دراستي".

وقال عبد العزيز طارق، الذي يبلغ من العمر 17 عاماً وهو من بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى: "إذا حصلت على تعليم يمكنك أن تفعل شيئاً، ولكن من دونه لن تتمكن من تحقيق أي شيء". وقد أقام المعلمون النازحون مدارس غير رسمية في بعض المواقع، فعلى سبيل المثال، أقاموا مدرسة في مخيم عبور دويابا التحق بها 3,200 طفل في المرحلة الابتدائية ومرحلة ما قبل المدرسة، ولكن لا توجد مدارس تلبي احتياجات طلاب المدارس الثانوية.

وتم نقل حوالي 4,000 طفل نازح إلى مدارس قائمة، ولكن حتى الآن لم يتلق أي طفل تعليماً رسمياً في المخيمات، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وتجدر الإشارة إلى أن نحو 97,000 لاجئ وعائد قد فروا من جمهورية أفريقيا الوسطى خلال عامي 2013 و2014 بحثاً عن الأمان في تشاد، بحسب التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقال العديد من الأطفال والشباب في مخيم دويابا أنهم شهدوا فظائع رهيبة، بما في ذلك رؤية بعض أفراد أسرهم يتعرضون للحرق أو تمزيق الأوصال أو قطع الرأس. وقال سليمان أدرامان، عضو لجنة الشكاوى في دويابا، أن "المدارس من شأنها أن تساعد على إشغال وقت الأطفال، ومنحهم شيئاً آخر يفكرون فيه. نريد مساعدة من الجهات المانحة، ولكننا نتحدث ونتحدث ولا يستمع إلينا أحد". وفي جميع أنحاء دويابا، التي تعد موطناً لنحو17,100 عائد ولاجئ، يتجول الشباب بحثاً عن أشياء يمكن القيام بها. وإذا أسعد الحظ بعضهم بالعثور على مساحة كافية وكرة، فإنهم يلعبون كرة القدم.

وعاد علي بوري حجازي الذي يبلغ من العمر 19 عاماً، من المدرسة إلى الحي الذي يقيم به في بانغي فوجد كل من حوله يُقتلون، بما في ذلك والدته. وقد قطعت الميليشيات ساقي حجازي، وأصبح الآن يسير على عكازين مكسورين. وكان حجازي يقف بجانب ملعب لكرة القدم ويشاهد أصدقاءه يلعبون، وقال: "لا أستطيع أن أدرس الآن - لا أستطيع حتى الوصول إلى المدرسة. كنت في السنة الرابعة في المدرسة الثانوية وكنت أرغب في دراسة علوم الكمبيوتر... وعندما أشاهد أصدقائي يلعبون كرة القدم، أجهش بالبكاء".

من جانبه، أفاد سيد صالح، رئيس قسم الأمن في دويابا، أن بعض الشباب هناك يتاجرون في الأمفيتامينات ويتعاطونها أثناء الليل. وحذر من أن "ترك الشباب بلا عمل يشكل تهديداً أمنياً،" إذ يتسكع هؤلاء الشباب بجوار مراحيض المخيم ليلاً، ويهجمون على النساء إذا اقتربن منها، بحسب ما ذكره صالح والعديد من الشهود. وأكد صالح أن "الوضع تدهور بسرعة كبيرة، لكننا نضيق الخناق عليهم، ونستهدف مخيم التجار شيئاً فشيئاً".

جميلة محمد 32 من معلمي المدارس الابتدائية المتطوعين في دويابا  تقول: "انقلب كل شيء في حياتي رأساً على عقب بين عشية وضحاها. كان علينا أن نفعل شيئاً لهؤلاء الأطفال عندما وصلنا إلى هنا. لا يمكن أن نترك الأطفال يفقدون العام الدراسي بأكمله". ويحاول المعلمون مساعدة الأطفال الذين فروا معهم على الرغم من افتقارهم إلى المواد الرسمية، فيما عدا أدلة المناهج الدراسية التي تقدمها وزارة التعليم في تشاد، وبعض الدفاتر التي توفرها منظمة اليونيسف.

وقد قدمت اليونيسف أيضاً الحصير والسبورات، ويضطر طفلان من كل فصل إلى تثبيت السبورة حتى لا تتقاذفها الرياح القوية. وتقوم المنظمة حالياً ببناء 12 فصلاً دراسياً مؤقتاً في دويابا - وهي مؤقتة لأن معظم العائدين سيتم نقلهم في نهاية المطاف إلى مرافق أكثر ديمومة، لأن دويابا عبارة عن قاعدة عسكرية نشطة - وتقوم أيضاً ببناء 24 مكاناً للتعلم في دانامادجا، وهو مخيم طويل الأجل إلى الغرب من دويابا سيستوعب سكان المخيمات المحيطة، بما في ذلك غوري.

والجدير بالذكر أن العديد من الطلاب يختفون في منتصف الصباح للبحث عن طعام لأنهم يعانون من الجوع - ويمكن رؤية العشرات منهم يحتشدون حول أشجار المانجو ويستخدمون العصي في محاولة لإسقاط ثمرات الفاكهة. وقال نائب مدير المدرسة يوسف حسام أن المعلمين أيضاً يشعرون بالجوع. وأضاف "نحن نعمل لمدة خمس ساعات متواصلة كل يوم ونتناول كمية قليلة جداً من الطعام. إننا متعبون وجائعون".

كما تختفي الفتيات الأكبر سناً في كثير من الأحيان لعدة أيام في كل مرة في المدن والقرى للبحث عن سبل لكسب المال، كما أشار المعلمون والآباء والأمهات، الذين لم يرغبوا في ذكر تفاصيل ما تقوم به الفتيات. في الوقت نفسه، يعاني الأطفال في موقع عبور سيدو، وهو موطن لحوالي 10,000 لاجئ وعائد على الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، من عدم وجود مدارس على الإطلاق.

وقد عاش سليمان عبد الله، البالغ من العمر 12 عاماً، في سيدو لمدة ثلاثة أشهر، وقال: "لا توجد مدرسة، ولا يمكننا عمل أي شيء". وقد تم اجراء مقابلات مع 36 طفلاً في مخيمين، وذكر 30 منهم أن الشيء الذي يريدونه أكثر من غيره - بخلاف العثور على آبائهم وأمهاتهم إذا كانوا قد انفصلوا عنهم - هو العودة إلى المدرسة.

وفي سياق متصل، يجري الآن التخطيط لبناء مخيم جديد بالقرب من مارو، التي تبعد 80 كيلومتراً عن سرح، وسوف تقام به مجموعة من المدارس الابتدائية في نهاية المطاف. كما تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ببناء مدارس في بيلوم بالقرب مارو، وهو مخيم لاجئين غالبية سكانه من اللاجئين على المدى الطويل من جمهورية أفريقيا الوسطى، ولكنه يضم أيضاً بعض الوافدين الجدد.

وقال برونو مايس، رئيس مكتب اليونيسف في تشاد، أن استهداف أطفال المرحلة الثانوية هو الأصعب. وأضاف أن إدماجهم في المدارس المحلية ممكن، ولكن معظمها مكتظة بالفعل، ويصل عدد التلاميذ في الصف الواحد إلى 120 طفلاً. ولم تحصل اليونيسف حتى الآن سوى على 535,000 دولار من أصل 5.6 مليون دولار تحتاج إليها لبناء المدارس وتوفير المواد الدراسية وتوظيف المعلمين ودفع رواتبهم.

"إننا لا نملك الوسائل لتوسيع نطاق التعليم الآن، ولكننا نريد أن نفعل ذلك،" كما أفاد مايس، وأضاف: "إننا نريد أن نبني فصولاً دراسية. تستطيع المدارس أن تحقق الاستقرار للأطفال في جميع المخيمات". وقال مسؤولون أنه يمكن توجيه بعض المال من الصندوق الذي أسسه الاتحاد الأوروبي بمبلغ 16.3 مليون دولار لتعزيز التماسك الاجتماعي لتمويل الأنشطة التدريبية للأطفال والشباب في سن المدرسة الثانوية. يستخدم الاتحاد الأوروبي هذا الصندوق لتعزيز بناء السلام والتماسك الاجتماعي بين المجتمعات المتضررة من النزاع وتمكين الشباب من المضي قدماً في حياتهم. بحسب شبكة إيرين.

من جانبه، يرى أباكار محمد البالغ من العمر 29 عاماً في مخيم سيدو أن العودة إلى الخطر أفضل من عدم القيام بأي شيء. وقد اشتكى قائلاً: "لا يوجد تلفزيون هنا، ولا موسيقى، ولا توجد مساحة للعب كرة القدم، ولا أي شيء... سوف أعود إلى وطني [إلى بانغي] على الرغم من الخطر، إذا لم أتمكن من العثور على شيء يمكنني القيام به".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/حزيران/2014 - 3/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م