الاخوان المسلمون الصعود المدوي والسقوط المروع... مصر مثالا

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في ملتقى النبأ الأسبوعي قدم مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث عدنان الصالحي ورقة حملت عنوان (الاخوان المسلمون الصعود المدوي والسقوط المروع... مصر مثالا) احتوت على الكثير من الاراء والافكار التي ناقشت تجربة الاخوان المسلمين في مصر وسقوطهم مع تجربتهم. ومما جاء في الورقة:

الاخوان المسلمون حركة اسلامية سياسية تأسست منذ اكثر من 80 عاما، تصف نفسها بأنها "إصلاحية شاملة"، تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، في حين يتم تصنيفها كجماعة إرهابية في عدد من دول العالم مثل: روسيا وكازاخستان، اسسها حسن البنا في مصر عام 1928 وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم دولا عربية واسلامية.

انتهجت المعارضة المسلحة للأنظمة العربية المتعاقبة في دول العالم العربي ولنظام العسكر بالذات، بقي شعارها المناداة بالحريات والحياة التعددية منذ تأسيسها متهمة اغلب الأنظمة العربية بالعمالة للغرب.

بقيت رهينة المطاردات والمعتقلات لعقود خلت وتعهدت بإقامة حكومة الشريعة الاسلامية المستمدة من مقبولية الشعوب العربية واحتياجاتها لذلك. هيئت حركات الربيع العربي فرصة مؤاتية لهذه الحركة للقفز الى شاشة الحدث وركبت الموجة رغم انها لم تكن مشاركة في صنع شرارتها الاولى بل حتى لم تكن تتوقع حدوثها اصلا. وكان تتويج حكومتها الرسمية بشكل رسمي في مصر متمثلة بحكومة الرئيس المخلوع (محمد مرسي) في انتخابات الرئاسة في يونيو 2012 غير ان شعبية الإخوان شهدت سقوطًا حادًا منذ أن أعطى حوالي 13 مليون شخص صوتهم لمرسي، حتى وصل الأمر إلى مظاهرات 30 يونيو، التي تم عزل مرسي على أثرها.

اليوم تراجعت شعبية الحركة التي كانت تمثل املا كبيرا لفئات واسعة وبذات تلك الفئات تواجهها قبل الدولة وتخشى تسلطها، بل ان التعاطف السابق مع هذه الحركة اضحى في خبر كان وحل محله التعاون مع اجهزة الدولة بغية تقليص نشاطها او الاجهاز عليها.

في مصر ترى صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال لدينا الخياط، ان أسباب السقوط السريع لجماعة الإخوان المسلمين، كانت نتيجة السياسات التي تنتهجها الجماعة والتي أدت إلى انقلاب الشعب عليها، لتصبح للمرة الأولى في تاريخها في مواجهة الشعب نفسه، وليست الأجهزة الأمنية للدولة فقط.

وأضافت أن (مرسي أمضى ولايته الوجيزة، متجاهلًا الاقتصاد، ومهتمًا فقط بملء المناصب الحكومية الرئيسية من المقربين من الإخوان، إلى جانب إصداره إعلانًا دستوريًا في نوفمبر 2012، رفضته غالبية المجتمع).

السؤال المطروح هنا، هل سيكون الاخوان المسلمين خارج اللعبة الدولية بالكامل ام ان مصر كانت حالة خاصة لا تعمم على الاخريات من الدول؟

ام اننا نشهد ربيعا معاكسا من نوع جديد يتصدره العسكر بثياب ديمقراطية بعيدا عن ايام الانقلابات؟

كانت اول المداخلات من مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، الذي رأى ان ما حدث للاخوان فيه من الغموض الكثير، نظرا لتاريخهم الطويل والذي يمتد لأكثر من ثمانين عاما، وتلقوا في خلال هذا التاريخ الكثير من الضربات والازمات، وسقطوا جراءها، لكنهم في كل مرة كانوا يعودون بقوة.

هل هناك اسباب داخلية وخارجية لهذا السقوط الاخواني المدوي في مصر وسقوطهم السابق في السعودية وسوريا وفي وليبيا، مع ملاحظة بقاءهم نوعا ما في تونس؟.

في اجابته على التساؤل السابق يرى معاش، ان الاسباب الداخلية التي ادت الى هذا السقوط هي اسباب كامنة في بنية التنظيم الاخواني نفسه، ويتمثل ذلك في الايديولوجية والفكر وطريقة التنظيم وفي الهدف والرؤية، اضافة الى طابع السرية في العمل السياسي.

يستفيض معاش في شرحه للاسباب البنيوية التي ادت وساهمت في سقوط تجربة الاخوان في مصر، فبعد استلامهم السلطة اصبحوا اسرى للاحكام الايديولوجية، ولم تكن لديهم براغماتية ناجحة للتعامل مع المستجدات والجماعات، بل استلهموا الماضي وعملوا على استحضاره في زمن حكمهم، وتصوروا انهم قد ينجحون مثلما حدث مع حزب الدعوة في العراق.

الناظر لخطابات المثقفين الاخوانيين وقادتهم، يضيف معاش، يرى هذه السطحية فيما يطرحونه، ويحاولون دائما تصوير ما يتعرضون له كجزء من فكرة المؤامرة. وهم ليس لديهم عقل مفكر ينظر بروية وتدبر. وهم ايضا بهذا النفس الاقصائي للحزب الواحد، ويشتركون في هذا مع اغلب الاحزاب العربية.

والاخوان المسلمون ليس لديهم انفتاح على الاخرين، وهم ايضا من ناحية تنظيمية غير قادرين على استيعاب الكفاءات، او جذبها لصفوفهم، الا اللهم الاطباء والمهندسين، وهؤلاء لا يقودون دولة، ففي قيادة الدولة نحن بحاجة الى خبراء. افتقد الاخوان الى القيادة السياسية او الادارية. انها حركات تعتمد على الولاء المطلق، لهذا لا يأتي الناس الكفوئين اليها، مما يؤدي الى فشل تلك الحركات عند اي تحد يواجههم.

لم يكن غاندي لينجح في الهند لولا وجود نهرو، لان المفكر لا يستطيع ان يجسد افكاره عمليا. هناك جانب اخر مهم ايضا وهو، قامت البنية الاساسية للتنظيمات الاسلامية على استنساخ الهياكل والبنى التنظيمية للحركات القومية والنازية والشيوعية.

ومن المشاكل الداخلية الرئيسية الاخرى، اجتزاء الصورة من المشهد العام، وهذا يؤدي بدوره الى فقدان الرؤية لما هو اوسع وعدم توقع ما هو قادم. ففي اخر لحظة قبل سقوطهم في مصر، لم يكونوا مصدقين بما يحدث، لانهم كانوا يعيشون الوهم.

اما الاسباب الخارجية فيعزوها الى التحالفات الاقليمية، من ذلك دخولهم في المشروع الامريكي، مما ادى الى ان يقوم المتحالفون مع بريطانيا الى ضرب الاخوان، وقيادة الانقلاب المضاد عليهم.

ومن الاسباب الخارجية الاخرى، وجود الفلول او ما يعرف بمؤسسات الدولة العميقة، وهم يمثلون جزءا كبيرا من الشعب المصري، مثل قوات الامن والشرطة و الفنانون والمثقفون والاعلاميون..

العامل الخارجي الاخر تمثل بالدول الخليجية، التي رأت في التجربة الاخوانية المصرية انها نوع من محاولات استنساخ الثورة الايرانية، من خلال اقامة جمهورية اسلامية سنية. ولما كان الخليجيون لهم ذاكرة سيئة تجاه التجربة الايرانية فانهم قد انتبهوا لهذه المحاولات وعملوا على تحجيمها واسقاطها. بدأوا ذلك من سوريا حيث كان الاخوان يسيطرون على تسعين بالمائة من المعارضة السورية وما يعنيه ذلك لو انتصروا، فانهم سيصلون الى الاردن ثم السعودية ودول الخليج الاخرى.

فيما يتعلق بالدول الغربية وخاصة امريكا، فانهم غير عما يحدث في مصر والوضع الجديد فيها، لان الانقلاب الذي قاده السيسي بمساعدة الخليجيين ومباركتهم، كان انقلابا على الوضع الامريكي في المنطقة.

يطرح معاش في ختام مداخلته سؤالا هو: ما هو مستقبل الاخوان؟ وماهي العبرة التي نستخلصها في المستقبل في حياتنا؟

يجيب عن ذلك بقوله: على الحركات الاسلامية الاعتراف باخطائها، لان الاعتراف بالخطأ فضيلة، وهو يزيد من معرفة وقوة الانسان، لكن ما يمنعها من الاعتراف والتصحيح هو وجود القوة العنيفة في جوهرها. واعتبر معاش، ان اقصاء الاخوان عن السياسة ومنعهم من المشاركة ومطاردتهم، خطأ استراتيجي كبير ستترتب عليه نتائج كبيرة في مستقبل مصر والبلدان التي يتواجد فيها الاخوان المسلمون والمؤمنون بافكارهم.

في تعليقه على الورقة التي قدمت، ومناقشته للافكار المطروحة، يعتقد الشيخ علي الرميثي ان ما حدث هو نتيجة للصراع الامريكي – البريطاني وهو صراع شديد القوة رغم الهدوء الظاهري.. ويرى الرميثي ان البريطانيين لهم ثقل في تأسيس الاخوان، والذين وجه لهم جمال عبد الناصر ضربة مبكرة من خلال اعدام عدد من قياداتهم وعلى راسهم سيد قطب، وعبد الناصر كان يحسب على الخط الامريكي قبل توجهه الى الروس بسبب ازمة بناء السد العالي. ويلاحظ الرميثي، ان تحرك الاخوان اكثر ما يكون في الدول العربية الخاضعة للنفوذ البريطاني.

لقد لاحظنا كيف القى محمد بن زايد بثقله لاسقاط الاخوان، وكان ضاحي خلفان المدير السابق لشرطة دبي قد اشار الى تاريخ 30 يناير لسقوطهم. في حين ان وزارة الخارجية الامريكية لم تتوقع هذا السقوط.

لم يسقط الاخوان في تونس لانهم قدموا تنازلات الى القوى العلمانية.

وفي تركيا حافظوا على وجودهم لان الوضع الاوربي لا يساعد على اشعال الحرائق قريبا منها.

في رأي الرميثي، ان الموجة الجماهيرية حملت الاخوان للتشدد في مواقفهم ضد اسرائيل وقطع العلاقات معها وضد الشيعة، وقد جرفتهم الخطابات الحماسية، وتسرعوا في اتخاذ القرارات المرتجلة وغير المدروسة. ويعتقد الرميثي ايضا، ان الايرانيين قد تلقوا ضربة قوية بسبب سقوط الاخوان.

ينتقل الرميثي الى جانب اخر يعتقده سببا من اسباب سقوط الاخوان المسلمون في مصر، وهو مايسميه (الفن الاداري) وهو ما نحتاج اليه في كل شيء، ونفتقر اليه بشدة في الوقت الحالي. ولا نرى اهتماما بذلك، على العكس من دول اخرى كأمريكا مثلا، التي يصدر فيها كل 27 دقيقة كتاب يتعلق بالإدارة، ان الاداري اشمل من السياسي.

يعتقد محمد معاش مدير العلاقات العامة لمؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ان الحركات الاسلامية التي تأسست في العشرينات من القرن الماضي تعاني مما يمكن تسميته، بمشكلة الحرس القديم، التي تتعارض مع ما قدمته الحداثة من منجز تكنولوجي، يكون الشباب اقرب الى التعامل معه بنجاح.

وهو ما يقود الى صراع الاجيال داخل الحركات تلك، وهو ما يشكل عاملا من عوامل سقوطها.

ويرى معاش، ان الاخوان المسلمين ليسوا تنظيما طارئا على التنظيمات الاسلامية او الخارطة السياسية لبلدانهم بل هم عبارة عن منظومة فكرية، لا تنتهي الا بمنظومة فكرية اخرى تقابلها وتتصارع معها. في حاضرهم يضيف معاش، يحتاج الاخوان الى مفكرين كسيد قطب وحسن البنا. لإعادة انتاج انفسهم، اضافة الى التوجه للشباب وتهيئتهم ككوادر ثقافية وفكرية يعودون من خلالهم بقوة في المستقبل.

في مداخلة باسم الزيدي معاون مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، ينطلق من لحظة التاسيس وطابعها السري ويرى ذلك سببا مستترا في سقوطهم، ورغم الضربات المتتالية التي تعرضوا لها من حكم العسكر في مصر وغيرها من البلدان، فانهم قد تعودوا على تلك الضربات وامتصاص اثارها.

يرى باسم الزيدي، ان المشكلة الحقيقية التي واجهها الاخوان انهم لم يمتلكوا تصورا دقيقا لقيادة التغيير الذي شاركوا فيه متاخرين. وهم مثلهم مثل باقي حركات الاسلام السياسي الاخرى، غالبا ما يعتمدون على انتهاز الفرص وسط اوضاع مضطربة، قد ينجحون في استثمار اللحظة او يفشلون.

ويعتقد الزيدي في شرحه للاسباب الخارجية التي عجلت بسقوط الاخوان في مصر، ان القضية اكبر من الاخوان وحجمهم العالمي في اللعبة الدولية.

وحول مستقبل الاخوان يعتقد الزيدي، ان القيادات الاخوانية الهاربة ستعيد ترتيب الاوضاع، وان الاخوان لن ينتهوا كحركة سياسية اسلامية، بل سيعملون على اعادة انتاج تجربتهم وطروحاتهم، وسيقومون بادارة التناقضات المجتمعية والسياسية والاستفادة منها في المستقبل.

في مداخلته يقدم احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، لمحة تاريخية عن الشعوب وتطلعها الى الحركات المضطهدة التي تعتقد انها تحمل رؤية للتغيير وتلتف حولها. والاخوان المسلمون في مصر كانوا الاكثر اضطهادا من قبل العسكر. ورغم اشتراكهم المتأخر في ثورة 25 يناير، ورغم ان الثورات التي تقوم تعمل على تصفية قادة الجيش، الا ان الاخوان لم يقوموا بتصفية قادة المؤسسة العسكرية بل أبقوها على حالها، وهو ما قاد الى ان يبقى العسكر هم القوة الفاعلة بعد الثورة، ويستعيد الولاء الجماهيري له امام الاخوان بعد سلسلة من الاخطاء التي اقترفوها، ويفسر ذلك ايضا، ان الشعب المصري ينظر الى العسكر نظرة خاصة، كنا نلمسها في بداية الثورة التي ردد المتظاهرون فيها الاناشيد الحربية والوطنية الرافعة من شان العسكر.

يضيف جويد، ان احد اسباب سقوط الاخوان المسلمين، هو عدم توفر الفرصة لهم لتقديم وتنفيذ برنامجهم اضافة الى اعتقادهم ان الامور قد استتبت لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/حزيران/2014 - 3/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م