حين كنا نضاجع الحيطان

هادي جلو مرعي

 

برغم كل مامر بها من عذابات ومحن وإبتلاءات وإهانات وإذلال على يد مجموعات من الحكام القتلة والمتجبرين وأجهزة القمع الوحشية، إلا إن الشعوب العربية ماتزال لم تدفع الثمن مقابل ماتفعله يوميا من إعلان طاعة مع سبق الإصرار والترصد لحكام تافهين منحطين لاقيمة لهم، ولاحضور مشرف في التاريخ الإنساني بل سجل لهم ذلك التاريخ صفحات من الدكتاتورية السوداء التي أذاقوا فيها شعوبهم الويلات بسياسات رعناء لاتلبي مطامح الشعوب، وتلتقي بمصالح الدول الكبرى.

فليس من حاكم عربي إلا ويحتفظ بسجل زاخر بالتآمر والعمالة للأجنبي، وليس من حاكم إلا وللغرب معه إتفاقات تخدم مصالح خاصة لاتؤثر سوى بالسلب على مستقبل البلاد العربية، وتجعل منها موزعة على الأجانب والطامعين الذين يعرفون كيف توجه الأمور وكيف تمضي.

العراقيون طالما إمتدحوا معمر القذافي الزعيم الليبي الشهير والمخبول على الدوام، الطريف إن القذافي كان يبتسم طويلا حين يسأل عن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ويصفه بالمريض النفسي ، وهذه صورة أخرى من صور الإستهانة بالشعوب حيث ينشغل الحكام بالتفاهات، ويتركون مواطنيهم عرضة للجوع والتخوين والسجن، كان العراقيون يرون في القذافي نبيا لأنهم يرون في صدام شيطانا مع إن صدام والقذافي يحتفظان بأشهر أنواع آلات التعذيب والسحق، وكان القذافي يجمع المعارضين في الجامعات، ويأتي بطلاب المدارس الصغار ليروا كيف تكسر أعناق الخونة الجواسيس، بينما يضع الآخرين في سجن (بو سليم) الشهير ويبيدهم بالكامل، والعراقيون الذين يخدمون في ليبيا لايرون ذلك، بل يركزون على قرار من القذافي قد يكون للترويج فقط إنه طرد معلما عراقيا لأنه ضرب تلميذا ليبيا ! والعجب كل العجب في ذلك، فلو كان القذافي يحترم الليبيين لما جعل صغارهم يتفرجون على لعبة الموت في الجامعات، ولما ترك مواطنيه متخلفين جهلة كما نراهم في البلدان العربية وهم يطلبون العلاج والتعليم والرحمة.

تجد العرب كل العرب يحتفلون بصدام ويمجدونه لأنهم لم يروا طريقته في إذلال شعبه وتقسيمه الى مجموعات مرضي عنها، أو مغضوب عليها، وكان العمال المصريون والطلبة اليمنيون يرون جلاديهم أمثال مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي، ويرون صدام وهو يكرمهم في الجامعات العراقية والفنادق الفارهة والملاه الليلية في الكرادة وغيرها، لكن العرب لم يدخلوا الزنازين الخاصة في أبي غريب، ولم يناموا في قصر النهاية، ولم يكونوا عرضة للسجن في مبان المخابرات المعزولة، ولم يدفنوا في الصحارى، ولم يكونوا يوما في سجن الفضيلية، كانوا فقط يستمتعون، ويصادقون العراقيات في الجامعات، حتى إن الطالبات العراقيات في التسعينيات من أيام الحصار الإقتصادي كن يصادقن الأردنيين والتوانسة لأنهم يملكون فرق العملة بالدولار، وكنا نحن ضحايا الحصار لانمتلك النقود فنصادق الحيطان ، ربما كنا نضاجع الحيطان.

العراقيون يمدحون مبارك، ولايرون المصريين الجياع والقابعين في طرة وأبي زعبل، وبعض المصريين والليبيين واليمنيين يمدحون صدام، ويقبضون من كوبونات النفط كما كان يفعل المرشح الرئاسي المصري حمدين صباحي، بينما يرزح العراقيون في السجون والمزابل التي ماتزال شاخصة بعد مضي أحد عشر عاما على التغيير نمر بها يوميا.

الشعوب العربية يجب أن تدفع الثمن لأنها شعوب راضية بالقمع، فهي تلعن حكامها المسلطين عليها وتمجد الحكام المسلطين على الشعوب الأخرى لأنها لاترى منهم العذاب، وهكذا كان أغلب حكام العرب يذلون شعوبهم ويحسنون للشعوب الأخرى، ولذلك فالشعوب العربية مشتركة كلها في جريمة إبادة الشعوب العربية.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/حزيران/2014 - 3/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م