القاسم بن الامام موسى الكاظم (عليهما السلام)

باب الله ومقصد الملايين

حسنين القاسمي

 

شبكة النبأ: مدينة تعلو نجومها السماء..وتتلألأ خيوط قبتها الذهبية وترتفع ايادي مأذنتيها نحو الغيوم وترتشف عبقات قدسيتها من مناهل ال محمد الاطهار.

حتى اصبحت مدينة القاسم المقدسة مقصدا للزائرين والوافدين من كل انحاء المعمورة تهفو القلوب صوب سليل الامامة، والملاذ من مخاطر الزمان فقد اصبح الغريب عنوان للبشرية جمعاء ومحل قبره الشريف اليوم مهوى افئدة الملايين.

نسبه الشريف

هو القاسم بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر بن الامام علي السجاد بن الامام الحسين شهيد كربلاء. (عليهم سلام الله اجمعين).

ويقع مرقده في محافظه بابل/قضاء القاسم على الطريق العام المؤدي الى محافظة الديوانية ويبعد عن الحلة حوالي 37 كم جنوبا وعن الديوانية 45كم شمالا يحدها من الشمال قضاء القاسم ومن الغرب ناحية الكفل ومن الجنوب ناحية الطليعة ومن الشرق ناحية الشوملي والدغارة كما يحدها من الشمال الشرقي ناحية المدحتية (الحمزة الغربي) ويعتبر موقع المدينة إستراتيجيا ً لكونها تقع على طريق الذي يربط الجنوب بمحافظة كربلاء المقدسة.

القاسم... بين الولادة والعروج الى السماء

بعد سنتين او اقل من ولادة الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة 148 أطل وجه سيدنا ومولانا القاسم على المعمورة من فتية غذاها لبن النبوة وحفظهم شرف الانتماء الى الامامة واذا كانت العصمة قد فاتته فأن شرف الانتماء اليها والسهر على حمايتها لم تفته ويستدل من ذلك من الحديث المروي عن الامام الكاظم (عليه السلام) عندما خاطب به يزيد بن سليط في كتاب الكافي (يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت الى ابني عليه أشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن وأفردته وحده ولو كان الامر الي لجعلته في القاسم ابني لحبي اياه او رأفتي عليه ولكن ذلك الى الله تعالى يجعله حيث يشاء.

الخروج من مدينة الرسول

خروج الامام القاسم عليه السلام من مدينة جده رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) متخفيا عن انظار السلطات العباسية. بحيث اخفى اسمه ونسبه وكل ما يشير او يدل على انه من ال بيت الرسالة... يعطي دليل على إن احد معاني هذا الحديث ان الامام موسى بن جعفر عليهم السلام اراد ان يوهم السلطات العباسية التي كانت تضع الامام انا تحت الاقامة الجبرية او تعتقله في المطامير او تقوم باغتياله وهذا الامر يكشف أهمية الدور الذي قام به الامام القاسم في الدفاع الامام الشرعي فيتجه الامام صوب بلد التشيع لأجداده ومحط رحال أمير المؤمنين وعندما وصل الى مشارف الحي الذي كان يطلق عليه اسم "حي باخمرا" لانهم كانوا يشتهرون بتخمير الطين.

فتاة نهر سورى

فوجد فتاتين كانت تملآن الجرار من نهر سورى تقسم واحدة للأخرى بصاحب بيعة الغدير فسألها عن صاحب بيعه الغدير، فأجبت احداهما انه أميري وامير العالمين الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين ذلك اسد الله الغالب علي بن ابي طالب (لقد كان سؤال الامام القاسم سؤالا احترازيا لعلمة ان قد تقصد بنو العباس وبنو امية (عليهم لعنة الله) الانهم كانوا يأخذون صفات امير المؤمنين علي بن ابي طالب ويضعونها على انفسهم) فطمأن قلبه وقال لها الا تدليني على رئيس حيكم؟ فقالت انه والدي فنزل القاسم عليه السلام طاويا ثلاث ايامه الاولى في الحي ضيفا على رئيس الحي فلما كان اليوم الرابع دنا من الشيخ وقال له ياعم اني سمعت ممن سمع من رسول الله ان الضيافة ثلاث ايام وما زاد على ذلك يعتبر صدقة وانا لا احب ان اكل الصدقة وقد طاب لي المقام عندكم فقال الشيخ إذا ما تريد فقال الامام اني احب ان اكل من كد يميني بالعمل عندكم فقال له الشيخ بني اختر لك عمل فقال الامام اني رأيت في محلكم عمل يحتاج الى عامل فقال له الشيخ وما ذلك العمل؟، قال له الامام ان احمل الماء من الفرات واملأ بها الكيزان فقال الشيخ لك ما تريد.

بيت جبرائيل وميكائيل

وفي احدى الليالي خرج الشيخ لقضاء حاجه فرأى نورا من محل اقامة القاسم والامام واقفا بين يدي الله يصلي بخشوع عظيم وبعد ان رأى الشيخ عبادته وورعه زادت ثقته بالشاب الغريب فعزم على تزويج احدى بناته فاعترض افارد عشيرة الشيخ ولعدم معرفتهم بنسب الفتى وعشيرته ولكن الشيخ اصر على ان يمضى على ما هو عازم عليه.

 فتزوج الامام من تلك الفتاة التي اقسمت بصاحب بيعة الغدير وانجب له طفلة اسماها فاطمة على اسم جدته فاطمة الزهراء ومع كل هذا فقد ابقى الامام على اسمه وحسبه ونسبه مخفيا عن الجميع حتى عن زوجة ولما اشتد به المرض ودنت منه المنية جاء الشيخ اله وجلس عنده فقال له يا بني بالله عليك اما اخبرتني من اي عشيرة انت فقال له الامام اجلس يا عم فقد حلى وقت الحديث.

قال يا عم: ان كنت تسال عن البلد؟ فأنا من مدينة شرفها الله، وان كنت تسال عن النسب؟ فأنا هاشمي وان كنت تسال عن البيت فأنا من بيت يتشرف بخدمتهم جبرائيل وملائكة السماء يا عم انا القاسم أبن الامام موسى بن جعفر (عليهم السلام) فلما سمع الشيخ اخذ يلطم على راسه ويقول وا حيائي من جدك وابيك... فقال له الامام يا عم انت معنا في الجنة فقد اويتني واكرمتني يا عم ان انا مت حنطني وكفني وارفع من قبري واكتب على قبري هذا قبر الغريب ابن الغريب لكي تهوى طائفة من شيعتنا لزيارتي... وطلب من الشيخ ان يأخذ ابنته الوحيدة (فاطمة) بعد وفاته الى المدينة المنورة عند ذهابهم الى الحج فانها ستدلهم على اهل ابيها بعد ان أعطاهم صفة الدار،وفعلا حصل ما أخبر به عليه السلام بعد تنفيذ وصيته بتعرف أهل أبيها عليها.

رحيل الغرباء وشيخ باخمرى

توفي عليه السلام في سنة 192هـ قبل أخية الامام الرضا عليه السلام بسنتين وقد تجاوز عمره الاربعين سنه وله عدة زيارات خاصة منها في ذكرى وفاته وهي على روايتين الاولى في الاول من ذي الحجة على رواية والرواية الثانية 22 جمادي الاخر وزيارة سيدنا القاسم عليه السلام في ذكرى استشهاد ابيه الامام الكاظم عليه السلام وكذلك زيارته عليه السلام في ذكرى شهادة اخيه الامام الرضا في أواخر صفر وايضا في اربعينية الامام الحسين حيث تتوافد للمرقد الشريف ملايين الزائرين الوافدين الى كربلاء سيرا على الاقدام فيكون محط رحالهم في مدينة القاسم المقدسة.

وكان عليه السلام لما قرب أجله قد أوصى شيخ باخمرى أن يقوم بتغسيله وتكفينه ودفنه في المكان الحالي والذي أختاره هو بنفسه.

اثنا عشر عمارة في اكثر من 1200 عام

مر المرقد الشريف بعده مراحل للعمران كان اول تلك العمارات هي تلك التي اقاموها اهالي الحي عرفانا ورد جميل للامام القاسم عليه السلام ولا يعرف تاريخها بالضبط والعمارة الثانية كانت في القرنين الرابع والخامس من الهجرة(334-447هـ)، الموافق سنة (945-1058مـ) في عصر البويهيين. لم تكن لنا معلومات تفصيلية عن هذه العمارة، والعمارة الثالثة كانت في القرنين السادس والسابع من الهجرة، وهذه العمارة هي الاخرى ليس لدينا معلومات تفصيلية عنها سوى ما ورد عن ابن عنبة النسابة المتوفي سنة (828) هـ، والعمارة الرابعة يعود تاريخها إلى القرن التاسع الهجري(814) هـ وذلك في عهد الصفويين والشاهد على هذه العمارة ما جاء في مراقد المعارف: 2: (183)، من ان الصفويين قاموا بهذه العمارة برعاية من السلطان شاه أسماعيل الاول، الذي يعتبر اول من زار العتبات المقدسة في العراق من الصفويين، اما العمارة الخامسة يعود تاريخها إلى اوائل القرن الثالث عشر للهجري سنة (1204) هـ، الموافق سنة (1784) م قام بها آل سعد من عشائر كربلاء المقدسة والشاهد على هذه العمارة ما جاء كتاب (الضرائح والمزارات) المخطوط للسيد جواد شبر، والعمارة السادسة. يعود تاريخها إلى اواخر القرن الثالث عشر للهجرة سنة (1288) هـ، الموافق (1871) م، وقد شهدت هذه العمارة تطور ملحوظ من ناحية البناء والتطور في الشكل العمراني والشاهد على هذه العمارة رخامة مرمر صفراء بنيت بجانب المدخل الى الحرم الطاهر في اليسار من الايوان الكبير، كان طولها نصف متر وعرضها ربع متر في سبعة اسطر بخط ثلثي واليك نص ما كتب عليها (قد بني هذا المشهد الشريف والضريح المبارك، قربة إلى الله وطلباً لمرضاة السيد المحترم قاسم بن مولانا الامام الهمام موسى بن جعفر السيد الجليل والسعيد النبيل العلوي الفاطمي اقا علي شاه الحسيني ابن السيدين المحتشمين السيد حسن الحسيني المدعو باقا خان، والمخدرة الجليلة بي بي سركاه، وكان ذلك في شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1288هـ).

شباك فضة مطرز بالايات والاشعار

اما العمارة السابعة يعود تاريخها إلى النصف الاول من القرن الرابع عشر للهجري سنة (1325)هـ، الموافق سنة (1904)م برعاية سماحة العالم الجليل السيد محمد القزويني نجل حجة الإسلام السيد معد القزويني وعلى نفقة الشيخ خزعل الكعبي أمير عربستان وتضمنت هذه العمارة ما يلي:

انشاء شباك جديد حول القبر المقدس مكسي بالفضة، ويتكون من عشر قطع أي كل ثلاث قطع في كل جانب من الطول وقطعتان في كل جانب من العرض وهو مصنوع من البرنج (الورشو) مكسي بالفضة المنقوش عليها ابيات من الشعر العربي والفارسي وأسماء الجلالة والائمة الاطهار، وقد أرخ عمل هذا الشباك بيت من الشعر كتب على بابه بالفضة وفيه ان الامير خزعل اشاده، وهذا نصه: للإمام القاسم الطهر الذي قدس روحا.

خزعل خير امير ارخو (شاد ضريحاً) والعمارة السابعة يعود تاريخها إلى أواخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري سنة (1341) هـ الموافق سنة (1922) م.

ولهذه العمارة حادثة لطيفة وهي إن السلطات الحاكمة أنذاك فرضت على العشائر الساكنة في مدينة القاسم المقدسة، مبلغاً من المال لغرض تسديد الغرامات الملقاة على عاتقهم من قبل السلطة، ولما عدلت السلطة عن أخذها منهم.

 أجمع رؤساء العشائر على بناء صحن كبير لمرقد الإمام القاسم (عليه السلام) وذلك بموافقة أرباب الأموال، وبالتالي تم بناء الصحن.

العمارة التاسعة يعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع عشر الهجري سنة (1384)هـ، والموافق (1964) م.

مآذن ذهبية تعانق السماء

وتتضمن هذه العمارة إنشاء وتشييد مآذنه بارتفاع (26)م، ومحيطها(5)م، في قمتها رمانه ذهبية، تتكون من ثلاثة كؤوس مصنوعة من الصفر وزنها (18) حقة، ومطلية بالذهب مقداره (24) مثقال، وتعتبر المئذنة الأولى التي شيدت في المزار الشريف والموجود حاليا، قد غلف جدارها بشكل دائري من الأسفل حتى أعلى المنارة بالكاشي الكربلائي الازرق. قام بإنشائها أهالي مدينة القاسم المقدسة، نعم ان الرمانة الذهبية الموجودة في المنارة قد تبرع بها أهالي مدينة كربلاء المقدسة، وقد طرأت عليها ترميمات.

العمارة العاشرة يعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع عشر الهجري، سنة(1386)هـ، الموافق(1966) م وتضمنت انشاء مئذنة ثانية للمرقد الشريف

العمارة الحادي عشر يعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع عشر الهجري ايضا، في عهد مرجعية السيد محسن الحكيم(رحمة الله)، بسعي وإشراف سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد الشهيد محمد تقي الجلالي(رحمة الله)، حيث استطاع ان يجمع من أهالي القاسم ما يعادل (1200) دينار وضمن المبلغ قطع من الذهب والفضة، وقد استطاع ان يجمع ذلك المبلغ في يوم حافل مشهود اجتمع فيه الناس على اختلاف طبقاتهم في الصحن الشريف.

وكان ذلك اليوم هو 15/ شوال/ سنة 1385هـ، الموافق سنة 1965 م، حيث أعلن السيد الجلالي(ع) للناس عامة عن عزمه لمقابلة السيد الإمام محسن الحكيم(رحمة الله) وتسليمه المبلغ، فسار إليه في موكب حافل وسلمه المبلغ، ووعده السيد الحكيم(رحمة الله) بانجاز المشروع الذي هو إنشاء وتشييد شباك من الذهب يتوج به القبر الشريف وفي سنة (1968)م، تم صنع الشباك حسب أمر السيد الإمام محسن الحكيم (رحمة الله) وقد ثبت تاريخ الصنع على الشباك في الجانب الشمالي مما يلي قبضة الباب في سنة (1398)هـ والموافق (1978)م

العمارة الثانية عشر هي العمارة الأخيرة القائمة حاليا وكانت في منتصف العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري سنة (1415)هـ والموافق سنة (1995) ودامت تسع سنوات حيث انتهت سنة (1423)هـ والموافق سنة (2003)م في عهد مرجعية الإمام اية الله العظمى السيد علي السيستاني وبمباركة وإشراف حجة الإسلام الشيخ عباس الخاقاني وبدعم سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم(ع) وبسعي أهالي القاسم الكرام الذين بذلوا أقصى ما يتمكنون بذله من الجهود المادية والمعنوية بكافة أشكالها وعلى مختلف طبقاتهم رغبة منهم وحباً لسيدهم وقرة أعينهم القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر (ع) حيث رام أهالي المدينة المقدسة اتمام هذا الأمر مهما كلف من ثمن ولو كان ببذل مهجهم فتسارعوا للعمل مجاناً تحت إشراف المهندسين والمختصين، وكان بغية كل فرد منهم توسيع المرقد الطاهر وتشييده على اتم صور العمران الإسلامي أسوة بالمراقد الأخرى مثل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرها من المشاهد المشرفة وهم كل فرد من أهالي مدينة القاسم المقدسة هو ان تكون القبة مرصعة بالذهب الخالص وتوسيع الحرم وتطوير الصحن وإنشاء المرافق السياحية لخدمة الزائرين.

مشاريع كبرى لتوسعة المرقد

وفعلاً تم ذلك بعون الله وقوته حيث بذل الخيرون من أهالي المدينة المقدسة جهوداً مشكورة بجمع التبرعات لإتمام العمل ولا ننسى بالذكر منهم المرحوم الحاج الوجيه حسين عبود الحداد الذي سعى جاهداً في أواخر حياته بجمع التبرعات من أهالي المدينة المقدسة ومن خارج المدينة في إنحاء العراق الواسع وخارج العراق. وقد عاضده في ذلك الحاج كاظم عماش وبعد تسلم الامانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة للمزار الشريف لم يتوقف العمل فقد قامت الامانة الخاصة للمزار الشريف وبمتابعة وتوجيه من لدن سماحة الشيخ عباس الخاقاني الامين الخاص للمرقد المطهر بإنشاء الطابق الاول وكذلك هناك مشروع لتسقيف الصحن اسوة بالعتبة الحسينية والعتبة العباسية وقد احيل هذا المشروع للتنفيذ وهناك مشاريع اخرى من اهمها توسيع الصحن الشريف واستملاك العقارات المحيطة بالصحن المطهر على بعد 80 متر محيطه بالمرقد الطاهر الاستيعاب اعداد الزائرين والمواكب الحسينية الوافدة للمدينة المقدسة ايام الزيارات والمناسبات التي تقام بالمرقد المطهر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/حزيران/2014 - 2/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م