أخلاقيات التغيير.. ذليل عزيز

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل الماديات التي يحوز عليها الانسان تكون محط فخر اليه، بغض النظر عن وسيلة الاحراز وطريقه. والتاريخ يقدم لنا الالاف من الامثلة، ومثله حاضرنا الذي نعيشه، كما سيفعل المستقبل لاحقا مع اخرين في حياتهم، بعد ان نصبح تاريخا وماضيا لهم بتجاربنا.

قرأنا عن كثيرين امتلكوا مافخروا به يوم امتلاكهم من مال او سلطة او قوة او نفوذ، ووقفوا على منصات افتخارهم، يملؤهم الزهو والفخر وتتيه اعطافهم عجبا، حتى ليخيل الى الرائي اليهم، ان عزتهم تلك وفخرهم ذاك، ليس للزوال اليه من سبيل، او انهم يمكن لهم ان يحافظوا على ذلك الزهو والافتخار امام لحظة من شهوة عارمة، او رغبة طاغية، وكثيرا ماتسقط اقنعة الزهو والافتخار في تلك اللحظات.

ما يبنى على الرمال ينهار بسرعة، وكل ذلك الزهو والافتخار، هو كثبان رمل تذروها الرياح.

كيف يمكن ان تكون عزيزا من خلال كونك ذليلا في الوقت نفسه، وهل يمكن للاثنين ان يلتقيا؟

يمكن ذلك في الواقع، وحدث في ازمان عديدة، سجلها لنا التاريخ بفخر لايدانيه فخر اخر، من خلال ائمة اهل البيت (عليهم السلام) وتجسدت في حياتهم خير تجسيد.

في دعاء (مكارم الاخلاق) للامام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) وفي رحلة الاستكشاف التي ياخذنا اليها معه، المرجع الديني الكبير السيد صادق الشيرازي (دام ظله) تتكشف لنا الكثير من الامور والدلات التي حملتها كلمات الدعاء.

في شرح الفقرة التالية يقيم السيد المرجع امكانية التلاقي بين العز والذل، من خلال شرحه للعبارة الواردة في الدعاء ونصها: «ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلاّ أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها».

يستشهد السيد المرجع الشيرازي، بمثل للعزة الظاهرة والقاهرة حتى حين، ثم تنهار ككثبان رمل، امام الشهوات، والمثل هو يزيد بن معاوية، وهو (مثل واضح للذلّ الحقيقي رغم ما كان يتمتّع به من هيبة الحكومة التي انتزعها من الناس بالقوّة، ورغم العزّة الظاهريّة)، والذل الحقيقي الذي يشير اليه السيد المرجع، يتعلق بهذا البعد والنأي عن الخالق، ورب الكون، الذي بافتقاره له لا يمكن ان يمتلك عزة حقيقية، والتي لاتمنح الا لطالب القرب الى الحضرة الالهية، واذلال النفس امامها.

في المقابل، من قتل امام هذا المثل السيء والوبيل للعزة الظاهرة، وهو هنا الامام الحسين (عليه السلام) فقد امتلك (العزّة والكرامة الحقيقية). والتي هي نابعة من عدم الرضوخ لطاغوت زمانه، وكيف يمكن له الرضوخ لمثل هذا الطاغوت، بعد ان اذل نفسه رضوخا للخالق الواحد الاحد؟

ويمكن لنا تلمس ذلك الذل الذي هو مرقاة العز الخالد من خلال تلك العبارة الواردة في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه والتي يشير اليها السيد المرجع الشيرازي: «لا ذليل واللهُ معزُّك ولا مغلوب واللهُ ناصرك».

 ليس ذليلا من أعزّه الله، وليس مغلوباً من نصره الله.

يعود السيد المرجع، الى الفقرة السابقة من الدعاء، ويلقي مزيدا من الضوء على دلالاتها ومراميها، فالذلّة الباطنة التي وردت في الدعاء، المقصود منها تواضع النفس وليس ضعتها، فإنّ العزّة الظاهرة قد تضرّ بالإنسان وتخلّ في توازنه، فيتصوّر نفسه أعظم من غيره، فإذا صار كذلك فقد تأسّر، بنظرة النّاس.

تلك النظرة، هي الحجاب الذي يمنع من رؤية الحقيقة، حقيقة النفس وما يمكن ان يرتقي بها الى الاعلى، وهي نظرة تأسر وتقيد وتمنع من الانعتاق والانطلاق، وبالتالي لاتترك للانسان ان يذل نفسه امام خالقها، ونافخ الروح فيها، ولهذا يبقى مترنحا تطوح به العزة الظاهرة، يمينا ويسارا، حتى تفقده كل توازنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/حزيران/2014 - 2/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م