الخاسر الأكبر في "الرئاسيات" المصرية

عريب الرنتاوي

 

وضعت "الانتخابات الرئاسية" المصرية أوزارها... النتائج الرسمية لم تصدر بعد، لكن أوساط "الداخلية" تتحدث عن نسبة إقبال قد تصل إلى 43 – 44 بالمائة، وفوز كاسح للمشير عبد الفتاح السيسي، يذكر بأرقام الرئيس المخلوع: 95 بالمائة، في حين حلّ المرشح المنافس الوحيد، على الموقع الثالث، تسبقه إلى الموقع الأول، الأوراق الملغاة، فأية مهزلة هذه؟

الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، هو الفائز الأكبر: المشير السيسي شخصياً، أنه الفوز بطعم الخسارة، إنها هزيمة المنتصر... صحيح أن صورة حمدين صباحي قد أصابها بعض العطب، لكن الخسارة جاءت من نصيب "رجل الساعة وكل ساعة" في مصر، ويصح القول في الجنرال أنه "كسر عصاته من أول غزواته"، وأن "الأسطورة" التي كانت تحتاج لعام أو أكثر لكي تتبدد تحت وقع الأزمات المصرية الثقيلة والمركبة، قد أصيبت بشرخ عميق، ما أن فتحت مراكز الاقتراع أبوابها.

قلنا من قبل، وفي هذه الزاوية بالذات، أن السيسي الواثق من فوزه تمام الثقة، ظل مسكوناً بهاجس "نسبة الاقتراع"، لتبديد صورة الجنرال المتسلل إلى الحكم في ليل بهيم أو على ظهر دبابة، وتكريس صورة "البطل الشعبي" و"القائد الملهم والمنقذ"... هذا لم يحصل على الإطلاق... وأرقام الداخلية عن معدلات الاقتراع، تكذبها مانشيتات الصحف المصرية والصور المبثوثة على عشرات الفضائيات لقضاة يتثاءبون ومراكز فارغة، ومشرفين منهمكين في قراءة الصحف والعبث بصفحة "الكلمات المتقاطعة".... لقد أراد السيسي حملة يتفوق فيها الرئيس المعزول من حيث نسبة الاقتراع وحجم الأصوات... لا أحد بمقدوره تأكيد أن ذلك قد حصل، حتى وإن قالت الأرقام الرسمية بخلاف ذلك، ما حصل كان أشبه بالفضيحة.

وفي ظني أن حكاية "الموقع الثالث" الذي احتله حمدين صباحي (ما لم تعدّل النتائج في ربع الساعة الأخير)، تنهض كفضيحة ثانية... فالرجل حلّ ثالثاً أمام منافسين كبار في الجولة الأولى من انتخابات 2012، وبحجم أصوات يقارب الخمسة ملايين صوت، وبفارق قليل عمّن سبقه من منافسين كبار، فما الذي حصل حتى يلاقي المرشح اليساري/ الناصري، كل هذا الهبوط في شعبيته وجمهور ناخبيه؟... هل هو تراجع حقيقي أم عملية تزوير فاضحة؟... حملة حمدين ترجح الخيار الثاني.

هذه النتائج أرضت خصوم السيسي، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين، التي أخرج الناطقون باسمها ألسنة "الشماتة" بالرجل وعهده، وهذا حقهم... لكن الذي لا نفهمه من خطاب الجماعة وأدبياتها، هو ادعّاؤها بأن حملة المقاطعة التي قادتها، هي من دفعت المصريين لالتزام بيوتهم والبقاء على "كنباتهم"... هذا ادعاء ثانٍ، يرقى إلى مستوى الفضيحة بدوره.

وفي خانة الخاسرين، احتل الإعلام المصري، خصوصاً الفضائيات الخاصة، مكانة ثانية، بعد السيسي مباشرة... سقط هذا الإعلام، وبدا سطحياً وسخيفاً، خصوصاً بعد نوبات البكاء والردح وحفلات الشتائم التي كالها "فرسان" البرامج السياسية الأشاوس، ضد الشعب المصري وملايين "العازفين" عن المشاركة في الاقتراع... هذا الإعلام الذي لعب دوراً رئيساً في تسويق "أسطورة" السيسي، كان سبباً جوهرياً في تبديد هذه الأسطورة، وهو سقط بسقوطها.

لا ندري بعد، ما هي أسباب "قعود" المصريين عن المشاركة في "رئاسيات 2014"... كنّا تكهنا بجملة أسباب قد تقود إلى ضعف إقبال الناخبين على الاقتراع، منها: خيبة المصريين حيال نتائج الانتخابات والاستفتاءات السابقة، صعود رموز النظام المخلوع وتصدرهم حملات الدعم والإسناد لحمة المشير السيسي، الخشية من الوضع الأمني المقلق في مصر على وجه العموم، بؤس الحملة الانتخابية للجنرال والتزامه منزله الفاخر وقاعات الفنادق ذات النجوم الخمسة، من دون أن يضطر لـ "تغبير" حذائه، والمثول أمام مهرجان جماهري بدواعي أمنية، لم تمنع من هم في مثل وضعه، من المجازفة، والتاريخ حافل بقصص وحكايات تروي بعض من فصول هذه المجازفات، بما فيها تاريخ مصر الحديث.

اليوم، نضيف بعداً جديداً للمسألة، ويتجلى أساساً فيما يمكن وصفه "عبقرية الحس الشعبي" التي جعلت المصريين يدركون أنهم سائرون نحو ديكتاتورية جديد، ورئيس مطلق السطوة والنفوذ... لقد أراد "الرأي العام المصري" توجيه رسالة عفوية، وهو نجح في إيصالها: نريد رئيساً، ولكنه يريده "مقصوص الجناحين"، فلا "توقيع على بياض لأحد" بعد اليوم، ولا تفويض بحكم البلاد والعباد من ضوابط وشروط... لقد أثبت الشعب المصري، أنه ليس "قطيعاً" كما أراده الإعلام المتهافت، وبعض المثقفين الانتهازيين وفقهاء السلطة وسدنتها.... برهن الشعب باعتكافه السلبي، أن يريد أن يمنح ثقته للأعمال وليس للأقوال والمناشدات والوعود الوردية، "ففيه ما يكفيه" من مشكلات وأزمات، وهو يريد أن يرى برامج وتصورات ملموسة للخروج من عنق الزجاجة، ويتطلع لقيادة متخففة من ثقل نظامي مبارك ومرسي.

هو درسٌ يلقنه الشعب المصري لرئيسه الجديد، وإن بطريقة قاسية ومؤلمة، وهو يهم بدخول عتبات القصر الرئاسي، بأن عليه أن يعيد النظر في كثير من مواقفه وتحالفاته، وأن يغادر مربع المراوحة بين نظام مبارك وفلوله من جهة، وتطلعات الشعب المصري الحقيقية من جهة ثانية، وأن عليه أن يكون قريباً جداً من نبض شعبه من دون وسطاء، وأن أولى أولياته، إعادة الثقة والكرامة إلى نفوس المصريين، وإعمال الحوار والمصالحة بين مكوناتهم المختلفة، وإحداث القطع والقطيعة مع نظام الفساد والاستبداد البائد، ووضع مصر على سكة الحرية والعدالة الاجتماعية والنهضة والتنوير، واسترداد دورها الدولي والإقليمي الذي يليق بها، فهل ثمة من سيتلقى الرسالة ويتعلم الدرس، أم أن "القوم" سيصرفون وقتهم وجهدهم في الاحتفال والتبرير والبحث عن "اكباش فداء"، وأعداء مجهولين لإلقاء اللائمة عليهم؟

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/حزيران/2014 - 2/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م