في التغيير الذاتي.. الأهداف السامية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لكل من يخوض غمار العمل في الحياة ويبذل الجهد العضلي والذهني، أهداف يسعى لتحقيقها، وهي تختلف من شخص إلى آخر، ومن مستوى طموح إلى مستوى آخر، في حجم الهدف وسعة أبعاده، فربما يكون هدفاً بسيطاً في الحياة، كأن يوفر لنفسه وعائلته الملبس والمأكل والمسكن المناسب، وربما يكون هنالك من يتطلع إلى أن يخطو بعيداً في مسيرة عمله ليبدع ويوسع من نطاق عمله ليشمل في عطائه افراد آخرين في المجتمع، ابتداءً من الجيران والأصدقاء، بل عموم المجتمع والأمة بأسرها.

وكلما كبرت الأهداف تطلب المزيد من الجهد الذهني والعضلي، او ربما احدهما.. مضافاً إلى العامل الحيوي والأساس؛ الإرادة.. فهي الدافع الأول والأقوى لكل طَموحٍ في الحياة، لأنه لاشك سيواجه العقبات والمنغصات وحتى التناقضات التي تدعوه احياناً للتخلي عن فكرة المواصلة والإصرار على الأهداف الكبيرة، مهما كانت الحاجة اليها.

وهذا تحديداً ما يؤكد عليه سماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- في كتابه "ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين"، عندما يدعونا للاستفادة "المشروعة من كل شيء يمكن الاستفادة منه لتحقيق الهدف، حتى لو كانت مضادة.. إذ من تحويل الليمون الحامض إلى شراب لذيذ ومفيد، فان الله تعالى جعل الحياة قابلة للاستفادة منها حتى من مضارها فكيف بمنافعها"؟، وينقل سماحته من حكماء قولهم: "ان جوهر الحياة وما فيها واحد، إنما الصور هي التي تكون مختلفة..".

هنالك تصور لدى البعض أن أدوات وعوامل تحقيق الأهداف، لابد ان تكون من جاهزة ومن سنخ العمل وقريبة على الهدف، لا أن تكلف التدوير والتحوير او وقتاً من التفكير، وربما يشعر البعض انه يبتعد عن الهدف اذا قام بعمل بعيد عن تخصصه ومجاله، فما علاقة المشروع التجاري في السوق او الثقافي في المجتمع – مثلاً- بإقامة موائد الافطار في شهر رمضان او حتى في المناسبات الدينية؟، وما الحاجة لأن يلقي التحية والسلام على الصبيان في طريقه، مع وجود الكبار في السن ومن في مستواه العلمي والمكانة الاجتماعية؟.

سماحة الامام الشيرازي – قدس سره- الذي طالما علمنا الاقتداء بالنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، يشير إلى التجربة الحضارية الباهرة بصناعة مجتمع متكامل تحول إلى النواة الاولى للأمة والحضارة الاسلامية. فكيف حصل هذا، والمجتمع العربي في الجزيرة العربية كان عبارة عن مجموعة قبائل متناحرة ومتباعدة جغرافياً واجتماعياً؟.

كان النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، النبي المرسل من السماء، باعتراف الجميع وإيمان الغالبية العظمى، والجميع يكنون له التقدير والتبجيل، فلم تكن المنزلة السماوية والمكانة الاجتماعية الرفيعة، لتبعده عن الناس وتجعله مستغنياً عنهم. او كما يتصور البعض، أنه كلما علا شأنه وزاد علمه، على الناس ان يجروا خلفه ويأخذوا منه، فضلاً عن ان يكون هو المبادر للتعاطي مع المجتمع والمساهم في تطويره ونموه.

نعم؛ بهذا المنهج الحضاري، تمكن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، من نشر لواء الاسلام في بقاع مختلفة من الارض. واذا يتسائل البعض عن سبب التراجعات والهزائم في الامة، من اسبابها الحقيقية، التقوقع والترفع عن وسائل تحقيق الاهداف الكبيرة. والمفارقة أن الجميع يتحدث عن هذه الاهداف وضرورة الوصول اليها، والبعض يتشدّق بها ويأمل الناس بالوحدة الاسلامية – مثلاً- او العدالة والحرية التي كانت على عهد أمير المؤمنين، عليه السلام، وأن بالامكان توفير افضل سبل العيش الكريم للناس، كما كان حال المسلمين في صدر الاسلام..!. لكن ماذا عن الارادة..؟ وهل يتحقق كل شيء بالاماني؟!.

ان الأمم المتقدمة علمياً واقتصادياً وحتى ثقافياً، ونلاحظ وجودها المكثّف بيننا، حققت اهدافها الكبيرة بالعمل الجادّ والمخلص وظفت كل شيء في هذا الطريق، فلم تدخّر جهداً ولا راحة لأحد من افرادها، إلا وصبته في هذا الرافد حتى اصبح تياراً جارفاً مؤثراً في الحياة اليومية. فهي تصدر العادات والتقاليد وأنماط العيش وحتى لقمة العيش ايضاً. ومن المؤكد، من تنعدم لديه هكذا اهداف يكون محط مرمى سهام الآخرين، فهو هدف سهل للآخرين يرمونه كيفما شاؤوا، لانه فضّل الراحة والرصيد المالي والسكن الجميل والسيارة الفارهة والعيش في يومه وحسب. ونرجو ان لا نكون منهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/آيار/2014 - 1/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م