دعنا نفترض أنك تريد أن تصبح واحداً من أغنى الناس على ظهر هذا
الكوكب، فتملك ثروة هائلة والقدرة على الوصول إلى أعلى درجات السلطة
السياسية. الواقع أن هذه الرغبة ليست طموحاً غير معقول في نظر أي خريج
جامعي جديد في اقتصادات اليوم التي يحصل فيها الفائز على كل شيء. ولكن
ما مدى واقعية هذا الطموح؟
لعلك تتوصل إلى فكرة جيدة لإنتاج تكنولوجيا جديدة ربما تجتذب طلباً
محتملاً واسع النطاق. وبالاستعانة بالمؤهلات الصحيحة وبعض الحظ، قد
تتمكن من اجتذاب الاستثمارات من أحد صناديق رأس المال المجازف. صحيح أن
العديد من هذه المشاريع لا تصادف النجاح؛ ولكن مثل هذه الشركات السريعة
النمو والممولة بالأسهم تلقى تشجيعاً قويا ــ وخاصة في الولايات
المتحدة.
أو ربما يمكنك أن تصدر الكثير من الديون. قد يبدو هذا وكأنه فكرة
غريبة في أعقاب أزمة مالية كبرى تغذت على الدين مباشرة، في حين لا يزال
العديد من أصحاب المساكن في ورطة لأن قيمة مساكنهم في السوق أصبحت أقل
من أقساط الرهن العقاري المستحقة عليهم (أي أن ديونهم تتجاوز قيمة
المسكن، حتى وإن كان بوسعهم أن يستمروا في سداد الأقساط الشهرية). في
كل الأحوال، عندما يفكر أي خريج جامعي حديث في الدين فإن هذا لا يخرج
عادة عن سياق سداد القروض الطلابية.
ولكن كتاب "الأسهم الخاصة وهي تعمل"، الذي صدر مؤخراً للكاتبتين
إيلين أبيلبوم وروزماري بات، يشرح لنا على وجه التحديد كيف يمكن
لمجموعة قليلة من الناس أن يصيبوا ثراءً فاحشاً من خلال الاستخدام
الاستراتيجي الداهية للدين.
يقدم لنا الكتاب تقييماً واسعاً ومفصلاً للأسهم الخاصة ــ الاستثمار
في شركات راسخة من خلال المشتريات الممولة بالاستدانة لحصص مسيطرة.
(وعلى النقيض من هذا، يدعم أصحاب رؤوس الأموال المجازفة الشركات
البادئة بالكامل من خلال الأسهم). وبوسعنا أن نلمس حرصاً من الكاتبتين
على الإشارة إلى أن العديد من شركات الأسهم الخاصة تجلب الإدارة الأفضل
أو غير ذلك من التحسينات إلى الشركات في محافظها الاستثمارية.
ولكن البعض من أكبر الصناديق ــ في الواقع، أغلب الأسماء التجارية
في هذه الصناعة ــ تستخدم الحيلة الذكية لتأمين الدين الذي تصدره
بضمانات مملوكة من قِبَل الشركة التي تشتريها. وهذا أشبه بعض الشيء
بشراء مسكن. فالبنوك أو شركات إنشاء الرهن العقاري تقرضك مبلغاً كبيراً
من المال، والذي يتم تأمينه بالمسكن باعتباره ضمانا. بعبارة أخرى، إذا
فشلت في السداد في الوقت المحدد، فإن المقرض يستطيع أن يسترجع العقار
المرهون ــ كما شهد الملايين من أصحاب المساكن في العقد الماضي.
ولكن هناك رغم هذا فارقاً كبيراً بين كيفية عمل الأسهم الخاصة وكيف
تشتري أسرة مسكنا. فجزء صغير فقط من ملكية الأسهم التي يستحوذ عليها أي
صندوق أسهم خاصة يأتي من أموال قدمها الشركاء الذين أسسوا الصندوق
ويتولون إدارته. فأغلب الملكية يتم جمعه من مستثمرين من الخارج. (وهذا
أشبه بأسرة تمول دفعتها الأولى ليس باستخدام مدخراتها الخاصة بل من
أقارب بعيدين لا تهتم بهم الأسرة كثيرا).
ويتلخص هيكل الرسوم في هذا الترتيب الإجمالي في رغبة الأشخاص الذين
يتولون إدارة صناديق الأسهم الخاصة في الحصول على أكبر قدر ممكن من
الدين؛ وهذا من شأنه أن يزيد من الطريقة التي يتم بها حساب عوائد
الجانب الإيجابي، والتي تُعَد بدورها المحرك الرئيسي للتعويض الذي
يستطيع الشركاء المسيطرين الحصول عليه. وبطبيعة الحال، فإن المزيد من
الدين يعني أيضاً المزيد من المخاطر؛ ولكن هذا ليس قطاعاً يركز في
المقام الأول على العائدات المعدلة تبعاً للمخاطر.
وإذا لم تتمكن الشركة من سداد أقساط الفائدة المستحقة عليها، فإن
أصولها لابد أن تباع أو يتم خفض أنشطتها. ولكن على النقيض من الحجة
لصالح أصحاب المساكن المكافحين، فلا يقع سداد الكثير من هذه التكاليف
عادة على عاتق الشريك العام.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الرسوم الأخرى ــ التي يتم
تحميلها على محافظ الشركات والمستثمرين ــ التي تعزز مستويات أكثر
ارتفاعاً من الدين. ففي الولايات المتحدة يسمح القانون الضريبي بخصم
أقساط الفائدة باعتبارها نفقات تجارية؛ ولا يوجد ما يعادل هذا السماح
في التعامل مع أقساط الفائدة المستحقة على المستثمرين في الأسهم
الخاصة.
ويوثق الكتاب بالتفصيل الدقيق الطريقة التي تمكنت بها صناديق الأسهم
الخاصة الكبرى من تحقيق عوائد مرتفعة وفي نهاية المطاف ثروة هائلة
لمؤسسيها، في حين أنها لم تساعد بالضرورة الشركات التي تستثمر فيها.
ومن المثير للاهتمام أنه عندما يتم قياس العائدات بالشكل الصحيح، فإن
أداء الشركاء "المحدودين" من الخارج في الأسهم الخاصة ــ بما في ذلك
صناديق التقاعد وشركات التأمين وأوقاف الجامعات ــ ليس بالضرورة أن
يكون جيداً للغاية أيضا.
ولكن قبل أن يتهافت الخريجون على الأسهم الخاصة، يتعين عليهم أن
يدركوا أن الصناديق الكبيرة للغاية فقط هي القادرة على استخدام الدين
لتحريف العوائد لصالح المطلعين من الداخل على هذا النحو، ويرجع هذا في
المقام الأول إلى أنها هي فقط القادرة على جمع رأس المال اللازم لشراء
شركات راسخة غنية بالأصول الثابتة، وبالتالي في الضمانات المحتملة.
وتشتري صناديق الأسهم الخاصة الأصغر حجماً عادة الشركات الأحدث عهداً
والأصغر حجماً التي لا تمتلك مثل هذه الأصول الثابتة، وينخفض مستوى
الاعتماد على الروافع المالية (الإنفاق بالاستدانة) في مثل هذه الصفقات
بشكل متناسب.
لقد انتبه القائمون على التنظيم مؤخراً إلى الحوافز وراء الإفراط في
الاستدانة في هذا القطاع ــ والمخاطر التي يفرضها مثل هذا الإفراط على
المقرضين والاقتصاد عموما. ومن غير المستغرب أن تبدو شركات الأسهم
الخاصة الكبيرة الآن عازمة على تجاهل القيود التنظيمية الجديدة أو
التحايل عليها. ومع احتدام المناقشة السياسية بشأن هذه القضية، فإن
المرء ليتمنى أن يصبح كل المشاركين أفضل اطلاعاً من خلال قراءة كتاب
"الأسهم الخاصة وهي تعمل".
إذا كان الخريج الجديد في حياتك يتمتع بالعلاقات اللازمة للانضمام
إلى صندوق أسهم خاصة كبرى ومعروفة، فإن طريقه إلى الثراء الفاحش أو
النفوذ السياسي أو حتى السلطة يصبح أوضح وأكثر تمهيدا. ولكن في غياب
مثل هذه العلاقات الأولية فمن غير المرجح على الإطلاق أن يصبح من عِلية
القوم. ولكنك تدرك هذا بالفعل.
* كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد
الدولي وأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
http://www.project-syndicate.org |