شبكة النبأ: ضمن منظومة الامثال
الشعبية المتداولة، في مجتمعنا، هناك أمثال تنطوي على مضامين تشجع على
الترهيب، وربما تطالب الانسان بأن يكون على قدر من القوة والعنف، وتطرح
الحجج التي تسوّغ مثل هذه الدعوات أو هذه المضامين، ومع أن المثل مكثّف
لغويا، إذ يتم طرحه بعدد قليل من المفردات قد لا تتجاوز اصابع اليدين،
ولكن تكون لهذه الامثلة قدرة كبيرة على التأثير في الناس، بسبب تداولها
أولا، وبسبب انبهار الناس بها من حيث المعنى أو الشكل، خاصة انها تُصاغ
وفق شكل فني يعتمد السجع، أو طريقة نظم الشعر المقفّى أحيانا، فينطوي
المثل على جرس في النطق، بالاضافة الى المضمون الذي يستدرج الانسان الى
حالة من الابهار وربما التأثّر أو الاعجاب!.
تكمن خطورة مثل هذه الامثال الشعبية، في درجة تأثيرها على سلوك
الناس وافكارهم ايضا، فالامثال التي تحث على العنف، قد تبهر بعض
الضعفاء، وربما تدفعهم لتطبيق مضامينها على الواقع، نتيجة لخلل نفسي او
عضوي معين يعاني منه الانسان، وقد يتم التعلّق بهذه الامثال من أجل
التعويض عن الضعف الذي يحيط بشخصية الانسان لأي سبب كان، فالتربية
الخاطئة والبيئة غير السليمة تساعد على خلق انسان ضعيف الشخصية، مثل
هؤلاء الناس يكون تأثرهم ببعض الامثال التي تحث على العنف سريعا،
كتعويض عمّا يعانون منه حسبما يؤكد ذلك علماء النفس، أو الاطباء
النفسانيين.
تكمن قيمة التخلف الخطيرة في بعض الامثال.. كما نلاحظ ذلك في المثل
الشعبي الذي يقول باللهجة العراقية الدارجة: (كشّر عن أنيابك.... خلّي
الناس تهابك)، كما هو واضح يتكون هذا المثل من مفردات قليلة، مصاغة
بطريقة السجع، او ضبط الوزن والقافية كالشعر العمودي، حتى يكون للمثل
أثناء نطقه جرس خاص يزيد من تأثيره في السامع، لكن الاخطر في هذا المثل
الشعبي هو مضمونه الذي يدعو الانسان الى تكشير أنيابه، وعرض عضلاته
المفتولة وقواه، حتى يخشاه الآخرون، وقد يغطي هذا المثل مضمونه بنوع من
الحجة حتى يبقى مسوّغا او مقبولا من عموم الناس، عندما يضع في الشطر
الثاني (صناعة الهيبة) مقابل تكشير الانياب، ولكن في حقيقة الامر،
ينطوي معنى هذا المثل على قيمة متخلفة بل خطيرة!، كونها تدعو الانسان
الى استعراض قوته من اجل ترهيب الآخرين، تحت مبرر غير صحيح، وهو كسب
الهيبة، أو خلق الشخصية القوية، وهو مبرر غير مقبول، كونه يؤدي
بالنتيجة الى تفضيل هذه القيمة المتخلفة، على قيم التعاون والتسامح
والسلام والتعاون وما شابه، فالمطلوب نشر قيم تدعو الى تشجيع التقارب
بين الناس وكسب الهيبة والاحترام، من خلال السلوك الانساني القويم،
الذي يجعل من القيم الجيدة معيارا لأفكاره وسلوكه تجاه الآخرين.
لذلك لا يمكن تمرير مثل هذه الامثال، أو قبول مضامينها بحجة أنها
تقع تحت بند الموروث، او تنضم الى حزمة الامثال الشعبية التي تتناقلها
الاجيال، والتي غالبا ما تُصنَع أو تُقال أو تُحاك عن تجربة واقعية
تحدث فعلا، وينتج عنها مثل يختصر هذه التجربة للناس من اجل تحاشي الخطأ
او المحذور الذي قد يواجههم في حياتهم، خاصة أننا نحتاج الى تغيير
القيم التي تأتي بالمعاني والافكار العنيفة المروجة للفتن او التعالي
على الاخرين، كما في هذا المثل الذي يحض على استعراض القوة وربما
استخدامها، لتحصيل الهيبة!، وهي طريقة أقل ما يُقال فيها أنها ناتجة عن
قيمة متخلفة، لا تنضم الى قيم التقدم الانساني التي تساعد المجتمعات
القارّة، الساكنة، المتخلفة، على إحداث التغيير القيمي المطلوب.
من هنا تبدو الحاجة حقيقية، للقيام بإعادة النظر في مضامين الامثال
الشعبية التي لا تُسهم في بناء الشخصية السليمة القادرة بدورها على
بناء مجتمع متطور في دولة قوية تحمي الحريات والحقوق، وتعتمد العدالة
والمساواة، وتنشر قيم التقدم، مقابل العمل على منع قيم التخلف على
الحضور في أفكار وافعال الفرد والمجتمع، أما من هي الجهة التي يمكن لها
القيام بمثل هذه المهمة؟ فإن الامر متروك لذوي الشأن من الخبراء
الاجتماعيين، فضلا عن اللجان الحكومية التربوية المعنية بمثل هذه
المهام الكبيرة. |