حكومة الهند القادمة.. بين استحقاق الاعتدال وواقع التطرف

 

شبكة النبأ: اكتسح حزب بهارتيا الهندوسي الانتخابات البرلمانية في الهند بحصوله 282 مقعد من أصل 545 مقعداً برلمانية، ادلى فيها (563) مليون مقترع، بنسبة مشاركة بلغت 63%، والتي اعتبرت اعلى نسبة مشاركة في تاريخ الهند السياسي.

فيما لم يحصل حزب المؤتمر الهندي الحاكم بقيادة سونيا غاندي "زوجة الزعيم الهندي الراحل راجيف غاندي" سوى على 44 مقعداً وتمثل اقل من ربع المقاعد التي حصدها في الدورة السابقة، والتي قدمت "مع ابنها" استقالتها من الحزب، كدليل على اعترافها الضمني على الهزيمة القاسية التي مني بها الحزب وقياداته امام رئيس الوزراء الجديد مودي وفوز حزبه الكبير.

وقد أكد العديد من المحللين ان الهند سوف تشهد بعض التغيرات الاستراتيجية، بعضها سلبي والأخر إيجابي، بصعود حزب بهارتيا القومي، سيما على مستوى الاقتصاد والخارجية والتسلح.

فيما أشار محللون آخرون، الى ان عدد المقاعد التي حصل عليها، والتي تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة بمفردة، إضافة الى الثقة الكبيرة التي اولاها الشعب للحزب، سيجعله عند مفترق طرق، بين الاعتدال والتطرف، بمعنى ان السياسة التي سيتبعها الحزب على المستوى الداخلي والخارجي، ستكون نابعة من تأييد جماهيري واسع، ولهذا سيكون على الحزب اتخاذ قرارات مؤثرة وكبيرة، قد يتخذ بعضها منحى متطرف، خصوصاً وان رئيس الوزراء القادم وحزبه لديه تاريخ سيء مع الأقلية المسلمة (ما يقارب من 150 مليون مسلم هندي) والتي قد تنعكس سلباً على العلاقة بينهما مستقبلاً.

دموع الفائز أمام البرلمان

فقد حاول ناريندرا مودي زعيم حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي جاهدا أن يغالب دموعه وهو يلقي أول خطاب أمام نواب حزبه في البرلمان بعد فوزه في انتخابات غيرت وجه الواقع السياسي في البلاد، وسيصبح مودي رئيس وزراء الهند القادم بعد ان قاد حزبه إلى نصر تاريخي في الانتخابات العامة.

وحقق حزب بهاراتيا جاناتا أول أغلبية له في البرلمان بينما تقلص عدد المقاعد التي يشغلها حزب المؤتمر الحاكم الذي تقوده أسرة نهرو-غاندي الى 44 مقعدا فقط وهو أدنى تمثيل على الاطلاق للحزب الذي حقق استقلال الهند وحكمها معظم سنوات الاستقلال السبعة والستين، واختنق مودي (63 عاما) بالعبرات واضطر إلى التوقف وان يأخذ رشفة ماء قبل ان يكمل خطابه الافتتاحي في مبنى البرلمان المستدير الذي يرجع إلى حقبة الاستعمار البريطاني.

وألقى مودي كلمته امام نواب حزبه الذين شغلوا أكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، وتخللت الكلمة عبارات حماسية رنانة سرعان ما قارنها المعلقون بالخطابات المتخشبة لسلفه رئيس الوزراء الحالي مانموهان سينغ.

وقال مودي (الذي كان يبيع أكواب الشاي على أرصفة محطات القطار وهو صغير قبل أن يدلف إلى عالم السياسة) وقد غلب عليه التأثر "هذا دليل على قوة دستورنا أن يأتي رجل من أسرة فقيرة ويقف أمامكم هنا اليوم"، وشغل مودي على مدى 12 عاما مضت منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات. بحسب رويترز.

وقال مودي الذي انحنى وقبل درج المبنى الحجري الوردي قبل ان يدخل لألقاء كلمته "هذه الحكومة ستكون حكومة تفكر في الفقراء وتستمع للفقراء حكومة تعيش من أجل الشعب"، ويبدو ان القصد من كلماته هو الرد على الانتقادات التي وجهت إلى سجل حكومته في ولاية جوجارات التي ركزت على قطاع الاعمال وقالت إن النمو السريع الذي شهدته الولاية لم يفعل الكثير لانتشال الناس من الفقر.

وكان حزب المؤتمر يصور نفسه دوما على انه نصير الفقراء والمظلومين، ويواجه مودي مهمة هائلة لإرضاء 1.2 مليار هندي يعقدون عليه أملهم في ان يكون قادرا على انتشال البلاد من حالة سبات اقتصادي ومحاربة الفساد والبيروقراطية وخلق وظائف للشبان الذين تتزايد أعدادهم بسرعة.

وعلى الهند أن تخلق عشرة ملايين وظيفة كل عام أي أربعة أمثال المعدل في السنوات الخمس الاخيرة لاستيعاب الشباب في قوة العمل، وعلى النقيض من الصين فإن الهند لا تدار مركزيا، وسيخوض مودي معارك من أجل الحصول على التعاون الكامل من حكومات ولايات كثيرة وهو ما يحتاج إليه لتنفيذ برنامجه الوطني.

حزب المؤتمر الخاسر

فيما عرضت سونيا غاندي وابنها راهول استقالتهما من قيادة حزب المؤتمر الهندي بعد أن مني بأسوأ هزيمة على الإطلاق في الانتخابات لكن قيادات الحزب رفضت ذلك في محاولة لإخماد المعارضة ضد العائلة السياسية البارزة بالبلاد.

وما زال حزب المؤتمر الذي حكم البلاد معظم سنوات ما بعد الاستقلال وهي 67 عاما بما في ذلك الأعوام العشرة الأخيرة يعاني من تداعيات هزيمة مخزية أمام منافسه ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، ولكن بدلا من إلقاء اللوم على سونيا غاندي وابنها اللذين قادا حملة فاترة في مواجهة اداء مودي المفعم بالحيوية والطاقة فإن قيادات حزب المؤتمر التي ستمضي خمسة أعوام على الأقل في صفوف المعارضة قررت الالتفاف حول العائلة.

وقال امريندار سينغ وهو قيادي بارز بالحزب من ولاية البنجاب الشمالية "عرضت سونيا وراهول الاستقالة لكن اللجنة التنفيذية للحزب رفضت ذلك بالإجماع" وكان يشير إلى اجتماع عقدته اللجنة في مقر الحزب في نيودلهي، واتخذت قيادات الحزب قرارا يفوض سونيا باتخاذ خطوات لإعادة تنظيم الحزب.

وعرضت قنوات تلفزيونية لقطات لاجتماع قيادات الحزب بزعامة سونيا الإيطالية المولد وأرملة رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي، وكان يجلس بجانبها ابنها راهول الذي ألقي عليه اللوم في الإخفاق في احتواء صعود مودي السريع والمبهر للسلطة.

وقال المتحدث باسم الحزب جاناردان دويفيدي للصحفيين إن راهول أقر خلال الاجتماع بالفشل في تلبية التوقعات، وكان حجم الهزيمة مدمرا حيث حصل حزب المؤتمر على 44 مقعدا في البرلمان الذي يضم 545 مقعدا وهي نتيجة تقل عن العشر المطلوب للاعتراف به كحزب المعارضة الرئيسي، وحصل حزب بهاراتيا جاناتا على 282 مقعدا، واحتفظت سونيا وابنها بمقعديهما في ولاية اوتار براديش الشمالية رغم أن راهول نجح في ذلك بأغلبية ضئيلة.

وقال مصدر في حزب المؤتمر إن سونيا عرضت استقالتها فور بدء الاجتماع، وأضاف المصدر الذي حضر الاجتماع لكنه رفض الكشف عن اسمه "قالت اللجنة التنفيذية للحزب أننا نحتاج إليك كثيرا جدا، نحتاج إلى معارضة قوية لمواجهة حزب بهاراتيا جاناتا، نحتاج إلى حزب قوي لمراقبة الحكومة".

العلاقة مع باكستان

الى لك قد يكون انتخاب القومي الهندوسي نارندرا مودي اثار مخاوف لدى العديدين من مسلمي الهند البالغ عددهم 150 مليون نسمة، الا انه بعث امالا ولو حذرة في باكستان المجاورة بان تشهد العلاقات بين البلدين تقاربا بعد فترة طويلة من النزاعات والتوتر، واثنى رئيس وزراء باكستان نواز شريف وهو نفسه زعيم من يمين الوسط، على "الفوز المذهل" الذي حققه مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا بفوزه بالغالبية المطلقة في البرلمان الهندي في اول نتيجة من نوعها يحققها حزب واحد منذ ثلاثين عاما.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فان شريف يستند الى علاقات العمل التي اقامها مع اتال بيهاري فاجبايي، رئيس الوزراء الهندي السابق من حزب بهاراتيا جاناتا اليميني، لتبرير تفاؤله، وقام فاجبايي خلال ولاية شريف الثانية عام 1999 بزيارة لاهور لتوقيع اتفاق سلام معززا بذلك فرص التوصل الى تطبيع للعلاقات بين القوتين النوويتين اللتين دارت بينهما ثلاثة حروب.

وبعد ثلاثة اشهر قام بين البلدين نزاع اثر هجوم في منطقة كارجيل في الشطر الهندي من منطقة كشمير المتنازع عليها في الهملايا، ولو ان شريف وجه اللوم في هذه الازمة الى قائد الجيش انذاك برويز مشرف الذي اطاحه لاحقا في انقلاب عسكري، فاتهمه بانه تسبب باندلاع النزاع بدون علمه. بحسب فرانس برس.

ومع فوز كلا مشرف ومودي بتفويضين قويين حيث فاز شريف ايضا زعيم رابطة مسلمي باكستان -جناح نواز بغالبية كبرى في الانتخابات التي جرت العام الماضي، يرى اعضاء في البرلمان وخبراء ان عملية السلام المتعثرة بين البلدين قد تشهد اندفاعة جديدة.

وقال شيري رحمن العضو في البرلمان عن حزب الشعب الباكستاني المعارض والسفير السابق الى الولايات المتحدة ان الفوز الساحق الذي حققه مودي "يفترض ان يعطيه القوة البرلمانية والثقة للعمل مع باكستان من اجل احلال الاستقرار في المنطقة".

وتابع "ان كانت سياساته ترتكز الى الاقتصاد، عندها ستجد باكستان من الاسهل التعامل مع مودي، لكن الكرة الان في ملعب الهند"، وتبقى المسألتان الرئيسيتان اللتان تلقيا بثقلهما على العلاقات الثنائية منطقة كشمير المتنازع عليها والمجموعات الاسلامية الناشطة في الهند والتي تتهم نيودلهي باكستان بدعمهم.

ولم تشهد العلاقات بين البلدين تحسنا يذكر بعدما تدهورت الى ادنى مستوياتها اثر هجمات بومباي عام 2008 التي شنتها وحدة من المسلحين الباكستانيين واوقعت 166 قتيلا، من جهتها تتهم باكستان الهند بتمويل حركة تمرد مستمرة منذ فترة طويلة في ولاية بلوشستان جنوب غرب البلاد.

وقالت سمبال خان الباحثة الباكستانية سابقا في مركز وودرو ويلسون الدولي ان تدني شعبية حزب الكونغرس الذي كان حاكما حتى الان في الهند حد من قدرته على تحسين العلاقات مع باكستان بالرغم من انتهاجه سياسة اكثر علمانية وليبرالية.

وقالت الباحثة "هناك انطباع عام بان اي انفتاح او خطوة قد تنبثق عن برنامج من يمين الوسط وتحظى بدعم مثل هذه الموجة من الشعبية، من اجل تحسين العلاقات او اخراج المنطقة من الهيكليات القديمة تحظى بفرص في ان تتحقق في عهد مودي اكثر منها في ظل حكم حزب المؤتمر".

واوردت سمبال خان مثلا على ذلك التحسن في العلاقات بين ولاية البنجاب الباكستانية التي يديرها شهباز شقيق نواز شريف، وحزب شيروماني اكالي دال للسيخ، حليف حزب بهاراتيا جاناتا والذي يدير ولاية البنجاب الهندية.

وابدت الباحثة املها في ان يمنح شريف قريبا الهند وضع "الدولة الاكثر افضلية" ويفتح الحدود البرية بينهما سعيا لتحفيز الحركة التجارية، ما سينعكس ايجابا بصورة خاصة على الاقتصاد الباكستاني الذي يواجه صعوبات.

ويعتبر شريف وهو صناعي يعمل على رعاية الاعمال ودعم الاقتصاد مؤيدا لمثل هذه الخطوة، رغم ان تقارير اوحت بان الجيش الباكستاني الواسع النفوذ منعه حتى الان من القيام بمثل هذه الخطوة وقد يعرقل اي محاولات بهذا الصدد مستقبلا، وقال بدر علم رئيس تحرير مجلة هيرالد الباكستانية ان مودي ايضا سيخضع لضغوط داخل حزبه اذا دفع بقوة في اتجاه السلام.

وقال ان "القوميين الهندوس اليمينيين لطالما عارضوا تطبيع العلاقات مع باكستان ووصول زعيم يمثلهم سيكون في موقع جيد لاتخاذ المبادرة حيال باكستان، وسيخضع في الوقت نفسه لضغوط من مؤيديه انفسهم لمنعه من القيام بذلك"، وتساءل "هل سيكون بوسع مودي بصفته رئيسا للوزراء ان يقود ناخبيه بدل ان ينقاد لهم؟"

وان كانت القيادات المدنية الباكستانية واوساط الاعمال تجمع على الدعوة الى التقارب بين البلدين، الا ان العديد من المواطنين العاديين ينددون بمودي لارتباط اسمه بأعمال شعب جرت في ولايته غوجارات قبل 12 عاما وقتل فيها الف شخص معظمهم من المسلمين، وتعهد في برنامجه السياسي بتطبيق سياسة خارجية اكثر حزما واعادة صياغة السياسة النووية الهندية والالتزام بموقف متشدد بشأن كشمير.

واثار هذا الخطاب لدى بعض المراقبين مخاوف بان تقع هجمات جديدة شبيهة بهجمات بومباي يتم التخطيط لها داخل الاراضي الباكستانية، ما قد يتسبب باندلاع حرب بين البلدين، غير ان مشاهد حسين رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني يرى ان مثل هذا الخطاب قد يكون في قسم كبير منه مجرد خطاب انتخابي مشددا على ان القدرات النووية لدى البلدين سوف تحول دون قيام مثل هذا النزاع.

وقال "هناك جانبان في شخصية مودي، جانب قاتم يتسم بالتعصب والعنف ضد المسلمين، وجانب ايجابي متمسك بالنمو، وان كان مستعدا للتخلي عن سياسات الحقد، فان ذلك سيكون عامل تفاؤل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/آيار/2014 - 26/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م