الحكومة القوية في المعارضة القوية

زاهر الزبيدي

 

على الرغم من أننا في العراق لا نؤمن بالمعارضة المنظمة في العمل السياسي فالمعارضة لدينا تصل، في بعض الأحيان، الى مجرد عملية تسقيط سياسي الهدف منها إسقاط الحكومة بأعذار واهية تطلق من أدوات المعارضة كالفضائيات بطرق تصل إحياناً لدرجة التهريج، نحن بحاجة قوية للمعارضة وعلى من يؤمن لدينا بالعملية السياسية أن تسير بشكل موزون ومتكامل ولتؤدي كافة مهامه بدقة متجاوزة كل أزماتنا السياسية ؛ عليه أن يؤمن بالمعارضة القوية الصادقة التي تستند الى الحقائق الموضوعية والأدلة والبراهين في كشف المخالفات والأخطاء التي تعتري عمل الحكومة وإداءها.

فالمعارضة السياسية إذا ما أدركت أهمية دورها في دعم العملية السياسية بعيداً عن المفاهيم الضيقة التي من ضمنها محاولة الحصول على نسبة برلمانية لإسقاط الحكومة أو أن تبتدع كل الطرق الملتوية في شراء الذمم سيكون لها الدور الأساسي في تقوية عرى العملية السياسية ودعم كل مشروع للإصلاح الديمقراطي في البلد وبالتالي نجاح العملية السياسية وديمومتها.. ففي العالم العريق بديمقراطيته يُسعد الكتل التي تعمل في المعارضة أنها انتظمت فيها كسعادة الكتل التي تنال الحكومة وبذات الدرجة لتقوم الكتل المعارضة بتشكيل حكومة ظل تعمل عمل المراقبة والتدقيق في كل خطوة تخطوها الحكومة بمؤسساتها.

ولكي نؤسس لمعارضة قوية فاعلة علينا منح كل الوزارات التي ليس من المفترض أن تكون مع الحكومة الى حكومة المعارضة، كما في بقية بلدان العالم، فليس من المعقول أن تكون حقوق الإنسان وزارة تابعة للحكومة لأن إنتماءها للحكومة سيعطل من مهامها الحقيقية في الدفاع عن حقوق الإنسان إذما حصل قصور ما في الإداء الحكومي في هذا المجال، كذلك الهيئات الرقابية كهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين في الوزارات كافة يجب أن لا تنتمي الى الحكومة، بأي شكل من الأشكال، لذلك فإن جعلها من مهام الأحزاب المعارضة ووضع آلية جديدة لعملها تحدد طرق المراقبة ويسهل لها عملها في تعقب المخالفات التي تحصل نتيجة عمل الحكومة.

وعليه لا بد من وجود قوانين تكفل تشكيل جبهة المعارضة ومن خلالها نمح فرصة للأحزاب والكتل المعارضة أن تقدم نفسها للمجتمع، ففي الوقت الذي ستمتلك فيه الحكومة المشكلة كل أسباب قيامها بتنفيذ برامجها الانتخابية؛ سيكون لأحزاب المعارضة ذات الأسباب لطرح نفسها بقوة من خلال تقييم الإداء الحكومي بصورة مستمرة وعلى مدار سني الحكومة كذلك فإن هذا الأمر سيدفع بالكتل التي لم توفق في الإنتخابات الى الإنضمام للمعارضة المنظمة.

من جانب آخر فإن على الحكومة أن تحترم قرارات حكومة المعارضة متمثلة بالهيئات الرقابية وأن تستفيد بأقصى الحدود من ما تعرضه من تجاوزات على إختلافها قد تقوم بها مؤسسات حكومية معينة وأن يكون لها صوت مسموع تحت قبة البرلمان قادر على التغيير الناجح الشامل لكافة مفاصل تقديم الخدمات للمجتمع أو حتى في العلاقات الدولية الستراتيجية.

إن وجود المعارضة المتكاملة يعتبر بحق الطريق الحقيقي للوصول الى مرحلة التوازن السياسي في العملية السياسية كذلك فإنها ستكون الأداة المثالية لتقويم عمل الحكومة بكافة مؤسساتها.. قد لا تستطيع المعارضة من فرض نفسها كأداة مهمة للتغير ولكنها ستكون بحق أداة مهمة في عملية التصحيح في ذات النظم السياسية والقوانين التي تمس العمل الحزبي في الدولة.. لذلك فعلى تشكيل المعارضة أن لا يتأخر كثيراً فبعد عقد من تغيير النظام السياسي في البلد لابد من ظهور نوع من النضوج السياسي وإنحسار في التفكير السياسي الفئوي الضيق والانفتاح على مستو عال من الوطنية البعيدة عن اللهاث بحثاً عن المناصب!

المعارضة السياسية سيكون لها الدور في احتضان الإحتجاجات والمظاهرات السلمية التي تندلع بين الحين والآخر بحثاً عن مطالب بسيطة وأساسية في حياة المتظاهرين وتأطيرها في إطارها القانوني وستسعى جاهدة لإقرار قوانين مهمة جداً في الحياة السياسية كقانون الأحزاب مثلاً وقانون النفط على سبيل المثال بل بإمكانها أن تقدم نفسها كبديل للمرحلة المقبلة إذا ما احسنت تقديم الحلول الإفتراضية القريبة من الواقع لكل ما يعتري العملية السياسية والعمل الحكومية من خلل لذلك فالمعارضة مهمة وتتوسع لتشمل كل الشعب.

ولكننا وفي تلك المرحلة ونحن ننتظر لحظات الحسم الأخيرة لنتائج الإنتخابات.. بعد ظهور نتائجها الأولية لم نجد كتل تجتمع لتكون كتلة المعارضة في البرلمان.. وحتى تلك التي حصلت، إفتراضياً، على مقاعد قليلة؛ تنتظر بفارغ الصبر النتائج النهائية لتحدد طريقها في الإنضواء تحت جنح قائمة أخرى أكبر لغرض الإستفادة من ما تغدق عليها تلك الكتلة من مناصب حكومية وحتى لو كان هناك إختلاف كبير في الإجندات الإنتخابية التي طرحت قبل 30 نيسان الماضي. انها معضلة كبيرة ستجعلنا ندور في تلك الحلقة المفرغة من حكومات الشراكة وكأنها تمنح المكافئات لمن لم يحظ بالثقة الكاملة ولإسكات صوت المعارضة الحقة.. الغائب عن المشهد السياسي دائماً.. حفظ الله العراق.

zzubaidi@gmail.com

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/آيار/2014 - 26/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م