شبكة النبأ: الوضع السياسي المتأزم في
لبنان تحكمه التفاهمات الإقليمية من الخارج، هكذا ينظر معظم المحللين
الى ما ولدته الخلافات السياسية من انعدام للثقة بين الفرقاء، والتي
ادت بالمحصلة النهائية، الى دخول البلاد في فراغ رئاسي، وما سيشكله هذا
الفراغ لاحقاً من تداعيات كبيرة تنعكس موجاتها الخطيرة على الحياة
العامة التي باتت تعاني اصلاً من مشاكل إضافية كالإرهاب واعداد
اللاجئين السوريين والاقتصاد المتضخم...الخ.
ويرى اخرون، وسط هذا المشهد الغير متفائل، بارقة امل تلوح في الأفق
السياسي في لبنان، بعد ان تحول المشهد الصدامي بين السعودية وإيران (أكبر
لاعبين اقليميين في الساحة اللبنانية بحسب الخبراء) مؤخراً الى مشهد
تصالحي يميل الى الحوار والدعوة الى الاعتدال، وربما تجري التوافقات
الإيرانية السعودية في سياق انهاء الازمة الرئاسية في لبنان.
ويتخوف الكثير من المتابعين من دخول لبنان دوامة جديدة من العنف
الطائفي والمذهبي، في حال استمرار الوضع السياسي المضطرب على ما هو
علية، سيما وان مؤشرات انفجار التوازنات الطائفية فيها، قد ارتفعت
نتيجة للازمات الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط، والتي تتقدمها الازمة
السورية، البلد الأكثر تأثيرا في لبنان.
وقد متصل فشل البرلمان اللبناني في محاولة أخيرة لانتخاب خلف للرئيس
ميشال سليمان قبل انتهاء فترة ولايته لتتجه البلاد التي تعاني من
تداعيات الحرب الاهلية في سوريا نحو فراغ منصب الرئاسة، وللمرة الخامسة
لم يستطع النواب تأمين النصاب المطلوب لانتخاب رئيس وذلك قبل 48 ساعة
من مغادرة سليمان القصر الرئاسي.
ويأتي الفراغ الرئاسي في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة لقيادة تركز على
التعامل مع امتداد آثار الحرب الأهلية في سوريا الى لبنان وقضية وجود
أكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيه الى جانب عجز مالي في الموازنة
يقارب العشرة في المئة من اقتصاده والإخلال بالتوازن الطائفي الدقيق في
لبنان.
الفراغ الرئاسي
قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي انتهت ولايته يوم السبت إن
الحوار هو السبيل الوحيد للتغلب على الإنقسامات العميقة في لبنان الذي
يكافح للتغلب على التداعيات السياسية والأمنية الناجمة عن الحرب
الأهلية في سوريا.
وأدلى سليمان بهذه التصريحات خلال خطاب الوداع الذي ألقاه قبل ساعات
من انتهاء فترة رئاسته التي امتدت ستة أعوام وبعد يومين من إخفاق
البرلمان للمرة الخامسة في اختيار خلف له. ويسلط هذا الإخفاق الضوء على
الخلافات السياسية الحادة في البلاد، وبانتهاء فترة رئاسة سليمان يدخل
لبنان فراغا رئاسيا دون أي دلالة واضحة على موعد انتهائه، وقال سليمان
للحاضرين ومن بينهم رؤساء ورؤساء حكومة سابقين "تجاوزنا ظروفا صعبة من
هنا كانت دعوتي دائما إلى حوار مستدام يكون وحده الكفيل بحل المعضلات
انطلاقا من حقيقة ثابتة أن ما يجمعنا أكثر مما يباعد بيننا ولم يكن
التباعد إلا نتيجة تاثيرات خارجية". بحسب رويترز.
وستنتقل صلاحيات سليمان لحكومة رئيس الوزراء تمام سلام التي يفترض
أيضا أن تتخذ الإستعدادات لانتخابات برلمانية تجرى في وقت لاحق هذا
العام، وكرر سليمان دعوته لجماعة حزب الله اللبنانية لسحب مقاتليها من
سوريا للحفاظ على الوحدة الوطنية، وأضاف "وحدتنا الوطنية تحتل الأولوية
وتفرض علينا عدم التدخل في شؤون الجوار بل توجب الإنسحاب من كل ما من شأنه
أن يفرق صفوفنا".
ولبنان منقسم بحدة بين الكتلتين السياسيتين الرئيسيتين في البلاد
وهما تحالف 8 آذار بقيادة حزب الله الذي يدعم الرئيس السوري بشار الأسد
وبين تحالف 14 آذار الذي يدعم خصوم الأسد، وتشكلت الكتلتان نتيجة
الانقسامات التي شهدتها البلاد بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق
الحريري في عام 2005. ويتهم تحالف 14 آذار سوريا وحزب الله بالمسؤولية
عن اغتيال الحريري وهو اتهام ينفيه الجانبان.
وأدى التوتر بين الكتلتين إلى اشتباكات في الشوارع في مناطق كثيرة
بلبنان بما في ذلك العاصمة ودفعت البلاد في مرحلة ما إلى شفا الحرب
الأهلية.
واختير سليمان وهو عماد سابق بالجيش رئيسا للبنان في عام 2008 كرئيس
توافقي في اتفاق انهى واحدة من اسوأ اشتباكات الشوارع منذ عام 1990
عندما خاض مقاتلون من حزب الله وحركة أمل اشتباكات مع انصار 14 آذار،
واختلف بعد ذلك مع جماعة حزب الله وحلفائها بعد أن انتقد دور الجماعة
في سوريا وطالبها بإعادة مقاتليها إلى لبنان.
ولم يحضر مراسم توديع سليمان حزب الله وحلفائه بما في ذلك حليفه
المسيحي ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم حركة أمل، ومنصب
الرئاسة في لبنان هو أحد المناصب السياسية الرئيسية في البلاد إلى جانب
رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب. وينص اتفاق تقاسم السلطة الطائفي في
لبنان على أن يكون الرئيس من الطائفة المسيحية المارونية ورئيس الوزراء
من السنة ورئيس مجلس النواب من الشيعة، وبموجب الاتفاق الذي أنهى الحرب
الأهلية في لبنان تقلصت صلاحيات منصب الرئيس الذي كان المنصب السياسي
البارز في لبنان ومنحت صلاحيات أكبر للحكومة ورئيس الوزراء.
واحتاج تمام سلام عاما كي يحصل على الدعم للحكومة التي شكلها في
مارس آذار في حين تأجلت الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر
إجراؤها الصيف الماضي حتى نوفمبر تشرين الثاني المقبل بسبب نفس الأزمة
التي تعرقل انتخاب الرئيس الجديد للبلاد.
ويخشى بعض اللبنانيين حتى من امكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية
في ظل عدم وجود اتفاق في القريب العاجل لكن سليمان دعا البرلمان إلى
إقرار قانون الانتخابات سريعا وتجنب أي تأخير في إجراء الانتخابات.
السير صوب المجهول
من جابته قال النائب أحمد فتفت وهو من قوى 14 آذار "البلد ذاهب نحو
المجهول ولا أحد يعرف بعد الآن ما اذا كان الفراغ سيكون قصيرا أو لا
ومتى يتم ملء هذا المنصب"، وبالرغم من تحذيرات فتفت من عواقب الفراغ
الوخيمة يبدو أن اللبنانيين اعتادوا على الجمود السياسي الذي طال أمده
قبل تشكيل الحكومة الحالية وحتى قبل انتخاب الرئيس سليمان.
وتأتي هذه الأزمة السياسية بعد شهرين من تأليف حكومة برئاسة تمام
سلام ونيلها الثقة في البرلمان اللبناني وبعد عام من الفراغ الحكومي،
وكان البرلمان مدد لنفسه العام الماضي إلى نوفمبر تشرين الثاني بعد
فشله في الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، وبات وضع الانتخابات
البرلمانية المقبلة على المحك في ظل الجمود السياسي.
ونادرا ما عرف لبنان في تاريخه الحديث معركة حقيقية في الانتخابات
الرئاسية، ولطالما جاء الرئيس نتيجة فرض من الخارج حيث اعتمد السياسيون
على اتفاق المملكة العربية السعودية التي تدعم قوى 14 اذار وايران التي
تدعم قوى 8 اذار لحل خلافاتهم.
لكن الحرب في سوريا جعلت لبنان يأتي في مرتبة لاحقة في أولوية
اهتمامات اللاعبين الاقليميين في ظل الازمات المتشعبة في الشرق الأوسط،
وقال نبيل بومنصف كاتب العمود في صحيفة النهار اللبنانية "اللبنانيون
يظنون مثلا أنه فور جلوس السعودي والايراني على طاولة المفاوضات سيكون
ثالثهما لبنان هذا أمر غير صحيح إطلاقا، هناك أمن الخليج أولا ونحن قد
نستفيد في الدرجة الرابعة أو الخامسة". بحسب رويترز.
وبموجب الدستور ستتولى الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام والتي تضم
ممثلين عن غالبية الاطراف اللبنانية مهام رئيس الجمهورية بعد شغور
المنصب، وسيكون على الحكومة التحضير للانتخابات البرلمانية المقررة في
وقت لاحق هذا العام، لكن بومنصف قال إن الفراغ الرئاسي قد يستمر لعام
وقد يؤثر أيضا على الانتخابات البرلمانية "قطعا خلال شهرين أو ثلاثة
سيتم تمديد ولاية مجلس النواب مرة ثانية، هذا تحصيل حاصل".
وأضاف "حتى لو انتخبوا الرئيس في (يوليو) تموز صار في شبه استحالة
ان نعمل انتخابات في (نوفمبر) تشرين الثاني، بالفعل دخلنا في هذه
القصة، التمديد الثاني لمجلس النواب يبدو شبه حتمي وبالتالي المزيد من
الاهتراء في الواقع السياسي في لبنان والمزيد من هلهلة هذه الطبقة
السياسية التي قد تكون مرشحة لتصبح اسوأ طبقة سياسية رآها لبنان على
الاطلاق".
وبموجب الدستور "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية
الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في
دورات الاقتراع التي تلي"، وفي حين يبقى النص غامضا بالنسبة الى النصاب
المطلوب في الدورات التي تلي، فقد حصل توافق ضمني على ان يكون النصاب
اكثرية الثلثين مقابل الاقتراع بالأكثرية المطلقة، ولم يتكرر التصويت،
لان الجلستين الاخيرتين لم تنعقدا بسبب عدم اكتمال النصاب.
وفي حين يحضر كل نواب 14 آذار والمستقلون والوسطيون الى مقر المجلس
في وسط بيروت، فان نواب حزب الله الشيعي وحلفائه نواب التيار الوطني
الحر برئاسة الزعيم المسيحي ميشال عون هم الذين يتغيبون عن جلسات
الانتخاب، ويقول الدستور ان المجلس "يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي
يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس" وان "المجلس الملتئم لانتخاب رئيس
الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع
حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر".
وتنافس في التصويت الوحيد الذي حصل في الجلسة الاولى رئيس حزب
القوات اللبنانية سمير جعجع، مرشح قوى 14 آذار المناهضة لحزب الله،
والنائب هنري حلو (وسطي)، وينظر على نطاق واسع الى النائب ميشال عون
على انه مرشح الفريق الثاني القوي في البرلمان، لكن عون اعلن انه لا
يريد خوض سباق الانتخابات ما لم يتم توافق مسبق عليه.
ويقول الخبير في المسائل الانتخابية ربيع الهبر مدير عام شركة
"ستاتيسكس ليبانون"، ان "النصاب لن يكتمل فالنواب الخائفون من تسوية ما
تأتي بمرشح لا يريدونه، او الذين لا يريدون اجراء الانتخابات، لن
يشاركوا في الجلسة التي ستسقط حكما".
ويضيف ان "هذا الوضع سيستمر حتى انتهاء ولاية الرئيس في 24
ايار/مايو، وسيستمر على الارجح بعد ذلك، في انتظار حصول تسوية اقليمية
دولية يشارك فيها الاميركي والسعودي والايراني وبدفع فرنسي وقطري، يتم
من خلالها الاتفاق على اسم الرئيس"، لكنه يضيف ان "الدول الكبرى بعيدة
عن البحث في موضوع لبنان" في الوقت الحالي.
ودعا النائب انطون زهرا المنتمي الى حزب القوات اللبنانية ردا على
اسئلة الصحافيين لدى وصوله الى مقر البرلمان الى "الانتهاء من مرحلة
تعيينات الوصاية السورية"، معتبرا ان محاولة ايجاد رئيس خارج العملية
الانتخابية "هدم للثقة والديموقراطية".
وأقدم حزب القوات على نشر لوحات ولافتات ضخمة على الطرق العامة
تتضمن صورة لمجلس النواب مع شعارات بينها "تعطيل النصاب نصب"،
و"الاقوياء ينزلون الى المجلس"، وينقسم المجلس بشكل شبه متساو بين
الفريقين الاساسيين: 54 نائبا لقوى 14 آذار و57 نائبا لقوى 8 آذار (حزب
الله وحلفاؤه) و17 نائبا بين وسطيين ومستقلين، وبالتالي، لا يملك اي من
الطرفين القويين الاغلبية المطلقة. بحسب فرانس برس.
ويتمحور الانقسام السياسي الحالي في لبنان حول النزاع السوري الذي
يترك تداعيات امنية على البلد الصغير المجاور وحول سلاح حزب الله الذي
تقول قوى 14 آذار ان الحزب يستخدمه للضغط على الحياة السياسية وتطالب
بوضعه في عهدة القوى الامنية الشرعية، بينما يتمسك به الحزب بذريعة
استخدامه في مواجهة إسرائيل، كما يطالب خصوم حزب الله الحزب بالانسحاب
من سوريا حيث يقاتل الى جانب قوات النظام.
ويجعل هذا الانقسام مسالة انتخاب رئيس في المدى المنظور امرا
مستبعدا جدا، ويقول الهبر "حتى الآن المعركة داخلية محض، لا افق جديا
لها"، متوقعا ان يبقى لبنان من دون رئيس حتى الخريف المقبل على اقل
تقدير، واعلن الرئيس ميشال سليمان انه سيغادر القصر الجمهوري في 24
ايار/مايو، وانه ينتظر هذا اليوم "بفرح"، وهذا يعني دخول لبنان الحتمي
بعد هذا التاريخ في فراغ في سدة الرئاسة، وبموجب الدستور، ستتولى
الحكومة الحالية التي تضم ممثلين عن غالبية الاطراف اللبنانيين
"مجتمعة" مهام رئيس الجمهورية بعد شغور المنصب. |