شبكة النبأ: لا تزال مصر وعلى الرغم
من الإجراءات الخاصة التي تتبعها الحكومة الحالية، تعاني العديد من
المشكلات الاقتصادية الخطيرة والتي اثرت بشكل سلبي على حياة المواطن
المصري، الذي اصبح يعاني من ارتفاع الاسعار وغياب الخدمات وارتفاع
معدلات البطالة وازدياد نسب الفقر، التي تفاقمت بشكل كبير في السنوات
الاخيرة كما يقول بعض خبراء الاقتصاد، الذين ارجعوا تفاقم تلك المشكلات
الى الانفلات الأمني وحالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، التي كانت
سببا مباشرا في زيادة العجز المالي والدين العام، هذا بالإضافة الى
تراجع عائدات السياحة والاستثمارات الخارجية.
وهو ما دفع الحكومة التي تواجه العديد من التحديات الى تطبيق بعض
الإجراءات والخطط الخاصة لمعالجة هذه المشكلات، ومنها رفع أو تخفيض
الدعم عن عدد من السلع والخدمات الاساسية ومنها البنزين والسولار
والكهرباء وتسيع القاعدة الضريبية وغيرها من الامور الاخرى، التي لا
تتناسب وطبيعة الاوضاع في مصر كما يقول الكثير من المراقبين، الذين
حذروا من مغبة حدوث أزمات جديدة في هذا البلد الذي يعاني من نسبة فقر
والبطالة مرتفعة جدا.
وعليه يرى بعض المحللين أن مصر تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد
للاستفادة من الفرص الاستثمارية كافة، ويجب على بلاد الفراعنة تطوير
البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الابتكار، وتهيئة بيئة
ملائمة للاستثمار، وإصلاح التعليم من أجل الارتقاء إلى مجتمع المعرفة،
والتركيز على الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فأصبح من الضرورة الملحة تعزيز التنمية العادلة والمساواة بين
الجنسين في ظل تزايد مشاكل السكن والوظائف ومشاكل أخرى عديدة، التي
تؤجج استمرار التوتر بمصر في المستقبل القريب.
دائرة الفقر
وفي هذا الشأن فقد ذكر تقرير مشترك لبرنامج الأغذية العالمي والجهاز
المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أن حوالي 15 في المئة من
المصريين دخلوا شريحة الفقراء بين عامي 2009 و2011 مقابل خروج سبعة في
المئة فقط منها. وأضاف التقرير الذي شارك في إعداده المعهد الدولي
لبحوث السياسات الغذائية أن نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء
التغذية في مصر ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأورد التقرير أن "نسبة الفقر ازدادت في المناطق الحضرية من 11
بالمئة عام 2009 إلى أكثر من 15 بالمئة عام 2011." وقال "تضم القاهرة
الكبرى حوالي 3.5 مليون فرد من الفقراء فاقدي الأمن الغذائي بينما
يستمر ريف صعيد مصر في تسجيل أعلى معدلات الفقر." وتابع أن حوالي 13.7
مليون مصري أي 17 في المئة من السكان عانوا من انعدام الأمن الغذائي في
عام 2011 مقارنة بنحو 14 في المئة في عام 2009.
وكان جهاز التعبئة والإحصاء قد أعلن أن عدد السكان في مصر وصل في
أول مارس اذار إلى 84 مليون نسمة. ويعرف البرنامج التابع للأمم المتحدة
الأمن الغذائي بأنه قدرة جميع السكان على الحصول على الغذاء الكافي
والصحي والآمن الذي يلبي احتياجاتهم الغذائية بشكل دائم. ونبه التقرير
إلى أن سوء التغذية في مصر بلغ مستويات عالية خاصة بين الأطفال دون سن
الخامسة. وقال إن الفقراء ينفقون أكثر من 50 في المئة من إجمالي دخلهم
على الغذاء لذا فهم "أكثر عرضة لتقلبات أسعار المواد الغذائية بالرغم
من اعتمادهم على الأطعمة الأقل تكلفة والأقل قيمة غذائية".
واعتمد تقرير "حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر: تحليل الوضع
الحالي وتوصيات لصانعي القرار" على تحليل بيانات بحث الدخل والإنفاق
والاستهلاك للأسر الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
عام 2011. وذكر التقرير أن الدعم الغذائي لعب دورا مهما في حماية
الفقراء من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلا أنه "غير مصمم لحل
جميع التحديات المرتبطة بالفقر ويتطلب الأمر المزيد من التدخلات
المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذية التي تستهدف فئات بعينها بالاضافة
إلى مزيد من المبادرات لتوفير فرص عمل في المناطق الأكثر فقرا."
قال كليمنس بريسينجير الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات
الغذائية "إذا تمت إعادة هيكلة نظام الدعم الحالي فإن مصر ستجني منفعة
ثلاثية تتمثل في توفير نفقات عامة للدولة وذهاب الدعم للفئات الأكثر
احتياجا وتحسين حالة التغذية بشكل عام." وأضاف أن الدعم لعب دورا حيويا
في حماية الفقراء مع توالي الأزمات الاقتصادية لكنه نظام مكلف ينفق
عليه ما بين اثنين وثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وذكر أن
70 في المئة من المصريين يحصلون على الغذاء المدعم لكن نسبة 30 في
المئة منهم فقط تستحقه بالفعل.
وقال إنه على الرغم من تفاقم الفقر وسوء التغذية وانعدام الأمن
الغذائي في مصر فإن هناك أمثلة لدول نجحت في التعامل مع تحديات مماثلة
وضرب مثلا البرازيل. وكان الرئيس المصري محمد مرسي قد زار البرازيل
وأفادت تقارير بأن الهدف من الزيارة هو التعرف على برامج طبقتها
البرازيل لمكافحة الفقر والجوع. وقال أبو بكر الجندي رئيس الجهاز
المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في المؤتمر الصحفي إن الفقر لا يقتصر
على عدم القدرة على شراء الغذاء لكنه يمتد ليشمل ما يعرف بالفقر
الغذائي وهو عدم حصول الطفل على غذاء متنوع وصحي وكامل مما يسبب التقزم
أو الانيميا (فقر الدم).
وقال الجندي إن نظام الدعم غير فعال لأن نسبة 66 في المئة من أغنى
شريحة من الشعب المصري مثلا تحصل عليه. وعلى هامش المؤتمر قال المدير
القطري لبرنامج الاغذية العالمي في مصر جيان بيترو بوردينيو "لا يوجد
جوع في مصر لأن الغذاء متاح.. إن ما يتضاءل هو القدرة على شراء الغذاء."
وكان بوردينيو حذر في وقت سلبق من أن وضع الأمن الغذائي في مصر يتدهور
وأن التكلفة السنوية يمكن أن تتجاوز أربعة مليارات دولار مع وقوع
المزيد من الناس في قبضة الفقر. بحسب رويترز.
واشتملت مذكرة أصدرتها الجهات الثلاث التي وضعت التقرير على خيارات
وتوصيات مثل تحسين سلاسل الإمداد وتحسين استهداف مستحقي الدعم حتى لا
تستفيد منه الأسر ميسورة الحال وكذلك استكمال وتوفير البدائل لتركز
تحديدا على تغذية الأمهات والأطفال. وأفادت المذكرة بأنه يمكن استخدام
القسائم لسلع معينة ودعم فئات مستهدفة مثل الحوامل والمرضعات للمساعدة
على توفير تنوع غذائي أشمل لهن.
نظام الدعم
على صعيد متصل اتخذت الحكومة المصرية خطوات مؤقتة نحو الحد من نظام
الدعم المقدر بنحو 20 مليار دولار، والذي يقول مؤيدوه أنه يقدم مساعدات
حيوية لواحد من كل أربعة مصريين يعيشون تحت مستوى الفقر، بينما يقول
النقاد أنه غير مستدام ويثري الفاسدين. وأكد أسامة كمال، الذي كان
وزيراً للبترول حتى خروجه من الحكومة ضمن تعديل وزاري يوم 7 مايو، أن "معظم
الدعم لا يذهب إلى الناس الذين يحتاجون إليه حقاً".
وتخطط الحكومة لإجراء سلسلة من الإصلاحات التدريجية بغرض إحداث ثورة
في نظام الدعم المستمر منذ عقود، في محاولة لكبح جماح العجز المتصاعد
في الميزانية، والتكيف مع شروط قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق
النقد الدولي. ولكن كما قال وزير التموين والتجارة الداخلية باسم عودة
مؤخراً، نظام الدعم يحمي ثمانية ملايين مصري على الأقل من الفقر، وأية
تغييرات فيه ستكون حساسة للغاية. بحسب شبكة الانباء الانسانية إيرين.
وتسعى الحكومة إلى خفض العجز في الميزانية ليصل إلى 5.5 بالمائة في
موازنة 2016-2017 من 10.7 بالمائة في موازنة 2012-2013، وفقاً لوزارة
المالية. ويعتبر دعم الطاقة، الذي يقدر بنحو 115 مليار جنيه (16.8
مليار دولار)، ودعم الخبز الذي يقدر بحوالي 21 مليار جنيه (3.1 مليار
دولار) من الأولويات القصوى في خطة إصلاح الدعم.
وأفادت منال متولي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن خفض الدعم
سيكون لها تأثير مدمر على الفقراء وأن "الحكومة تقول أن نظام الدعم
يفتح الطريق للفساد، لكنها ليست مضطرة لخفض الدعم من أجل محاربة الفساد".
وأضافت أن "الدعم يمنح الملايين من الناس القدرة على الصمود، على الرغم
من الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية، وهذا يعني أن أي تغيير
في النظام يمكن أن يؤثر على حياة الملايين من الناس".
والخبز المدعوم هو عنصر دائم على جميع الموائد المصرية تقريباً، بل
إنه شريان الحياة بالنسبة للفقراء، ولكنه يتعرض لسوء الاستغلال مراراً
وتكراراً. ويستهلك المصريون حوالي 210 مليون رغيف من الخبز المدعم
يومياً، مما يجعل مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. وتبيع الحكومة رغيف
الخبز المدعم في أكثر من 25,000 مخبز بمبلغ خمسة قروش (أقل من سنت
أمريكي واحد) في حين أن تكلفة إنتاج نفس الرغيف تربو على 40 قرشاً (ستة
سنتات).
"ويمثل دعم رغيف الخبز صداعاً حقيقياً للحكومة لأنه، مثل معظم أنواع
الدعم الأخرى، يفتح الطريق لفساد واسع النطاق وجني الأرباح من قبل
مجموعة من التجار غير الشرفاء،" كما أشار حمدى علام، وهو مسؤول كبير في
وزارة التموين والتجارة الداخلية. ومن أجل الحد من الفساد الناتج عن
بيع أصحاب المخابز للدقيق المدعم في السوق السوداء، وضعت الحكومة
نظاماً جديداً، وتم تنفيذه في العديد من المحافظات ووافق عليه 15,000
مخبز. فبدلاً من بيع الدقيق المدعم إلى المخابز، يشتري أصحاب المخابز
الدقيق بسعر السوق، ثم تقوم الحكومة في وقت لاحق بدفع 35 قرشاً مقابل
كل رغيف، للتأكد من أن سعر البيع لا يزال 5 قروش.
ومن المتوقع أن يتم تنفيذ هذا النظام في جميع أنحاء مصر خلال
الشهرين المقبلين بعد التزام جميع المخابز في البلاد بتلك الإصلاحات.
وتهدف الحكومة هنا إلى الحد من الفساد، وليس تقديم الدعم المالي
للمستهلكين الفقراء. ويرجع تاريخ نظام البطاقات التموينية في مصر إلى
عام 1964، عندما كان عدد السكان أقل من 30 مليون نسمة.
في ذلك الحين، خصصت الحكومة مليوني جنيه (301,204 دولاراً) لبيع
الأرز والسكر والعدس وزيت الطبخ والشاي إلى المواطنين بأسعار مدعومة.
أما الآن، فتنفق الحكومة ما يصل إلى تسعة مليارات جنيه (1.3 مليار
دولار) سنوياً على دعم المواد الغذائية، التي تستفيد منها حوالي 17.6
مليون أسرة (حوالي 68 مليون نسمة).
وتخطط الحكومة لبدء قصر البطاقات التموينية على المواطنين الذين يقل
دخلهم الشهري عن 1,500 جنيه (216 دولاراً) في يوليو القادم، ولكنها
تخطط في الوقت نفسه للسماح بتسجيل الأطفال الذين ولدوا بعد عام 2005
لأسر ذات دخل منخفض في البطاقات، وستلغي بذلك قرار تعليق التسجيل الذي
تم اتخاذه في عهد الرئيس حسني مبارك. كما أعلن وزير التموين أن الحكومة
ستعمل على تحسين جودة سلع البطاقة التموينية التي لا تتمتع بسمعة جيدة.
وتحظى الطاقة بالنصيب الأكبر من الدعم، إذ تنتج وزارة البترول نفطاً
بقيمة 165 مليار جنيه (23.8 مليار دولار) كل عام، ولكنها بعد ذلك تبيع
هذه المنتجات بنحو 50 مليار جنيه. ويذهب معظم دعم الطاقة إلى المصانع
والمشاريع الصناعية، التي تحصل على احتياجاتها من الطاقة بأقل من أسعار
السوق، كما أن أصحاب السيارات الخاصة يستفيدون أيضاً. وقد بدأت الحكومة
بالفعل في خفض الدعم على وقود السيارات، وكان استهداف البنزين من فئة
95 اوكتان هو الخطوة الأولى في هذا الصدد.
وتقول الحكومة أنها تعتزم خفض الدعم على وقود السيارات بنسبة 10
بالمائة كمرحلة أولى من الإصلاحات، ولكن هذه النسبة سترتفع إلى 50
بالمائة في غضون خمس سنوات. كما تقول أن هذه الخطة، إذا ما تم تطبيقها
ستخفض الدعم الإجمالي للوقود إلى 99 مليار جنيه (14.5 مليار دولار).
وللقيام بذلك، تخطط الحكومة لمنح أصحاب السيارات كوبونات أو بطاقات
ذكية تسمح لهم بشراء كميات محدودة من الوقود المدعوم.
وتتمتع كل أسرة مصرية تقريباً بدعم اسطوانات الغاز. وتقول الحكومة
أن دعم اسطوانات الغاز بلغ 60 مليار جنيه مصري (8.9 مليار دولار تقريباً)
في موازنة 2012-2013. وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج اسطوانة واحدة يكلف
78 جنيهاً (11.2 دولاراً)، وعلى الرغم من ذلك، كانت الحكومة حتى وقت
قريب تبيع نفس الاسطوانة للجمهور بمبلغ خمسة جنيهات (72 سنتاً).
والآن، تخطط الحكومة لربط اسطوانات الغاز المدعومة بالبطاقات
التموينية. وبذلك ستسمح البطاقة التموينية لكل أسرة حاملة لها وتتكون
من ثلاثة أفراد بالحصول على اسطوانة غاز واحدة كل شهر بالسعر المدعوم،
وهو خمسة جنيهات. كما ستحصل العائلات التي تتكون من أكثر من ثلاثة
أفراد على 1.5 اسطوانة غاز بنفس السعر المدعوم كل شهر. وقد بدأت
الحكومة تنفيذ المرحلة الأولى من خطة إصلاح دعم اسطوانات الغاز في شهر
أبريل الماضي عن طريق رفع سعر الاسطوانة الواحدة إلى ثمانية جنيهات
(1.15 دولاراً) للمنازل و16 جنيهاً (2.30 دولاراً) للمطاعم والمحلات
التجارية.
وتقول الحكومة أنها ستبدأ توزيع كوبونات أسطوانات الغاز في جميع
المحافظات. ومن المتوقع أن يرتفع سعر الاسطوانة من دون قسائم إلى 30
جنيهاً (4.3 دولاراً). وتقول الحكومة أن نظام القسائم سيوفر 3 مليارات
جنيه سنوياً. والجدير بالذكر أن المصريين يستهلكون حوالي 360 مليون
اسطوانة غاز كل عام.
وناقشت مصر لفترة طويلة إصلاح الدعم، لكنها عانت لتغيير هذا النظام
الذي ينظر إليه على أنه غير مستدام وحساس إلى درجة تستعصي معها إعادة
تنظيمه. وقال مسؤول بارز في جماعة الإخوان المسلمين طلب عدم الكشف عن
اسمه أن الحكومة مصممة على المضي قدماً في تلك الإصلاحات. "لن نشتري
الأصوات على حساب الاقتصاد الوطني. يجب إعادة صياغة نظام الدعم بالطرق
التي تسمح بوصول الدعم إلى مستحقيه،" كما قال.
ويقول محللون أن الحكومة سوف تحتاج إلى التركيز على أن هذه
الإصلاحات تهدف إلى الحد من الفساد وليس زيادة الأعباء على الفقراء.
وأشار المسؤول إلى أن "بعض التدابير التي نتخذها لا تحظى بشعبية، وتجعل
الناس يكرهوننا، ولكن ليس هذا ما نهتم به. إننا نهتم فقط بوضع اقتصاد
هذا البلد على المسار الصحيح".
ولكن الساسة يخشون دائماً من الاضطرابات الاجتماعية التي ستواكب
ارتفاع الأسعار الذي لا مفر منه. وقال رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري
للدراسات الاقتصادية، وهو مركز بحثي محلي، في تصريح أن "سعر الطن
الواحد من حديد التسليح قد قفز بنسبة 30 بالمائة عندما خفضت الحكومة
دعم الطاقة المباعة إلى مصانع حديد التسليح". وأضاف أن "الشيء نفسه
سيحدث مع جميع السلع الأخرى، وسيدفع المواطنون العاديون هذه الفاتورة
في نهاية المطاف".
الجيش في معركة البطالة
في السياق ذاته منذ الإطاحة بجماعة الاخوان المسلمين من السلطة
العام الماضي وجه الجيش المصري قدراته الاقتصادية الكبيرة لخطر آخر
يتهدد استقرار مصر.. البطالة. واستخدم الجيش إمكانياته في مجال التصنيع
التي تغطي منتجات كثيرة من المعكرونة إلى البرادات (الثلاجات) وأجهزة
الكمبيوتر اللوحي في توفير التدريب المهني للباحثين عن عمل وذلك في
شراكة جديدة مع الحكومة المدنية تم الكشف عنها في ابريل نيسان وسط ضجة
كبيرة.
وجاءت هذه المبادرة جزءا من حملة لمعالجة البطالة ودليلا على الدور
الاقتصادي الكبير للجيش الذي يوشك قائده السابق عبد الفتاح السيسي أن
يصبح رئيسا لمصر في انتخابات الرئاسة. وقضية البطالة من الحساسية بحيث
يمكن أن تكون مفتاح النجاح لرئاسة السيسي أو العكس تماما.
فمن العوامل وراء انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك من رئاسة
مصر الغضب الذي يشعر به الشبان المصريون الذين لا يجدون عملا ولا أمل
لديهم في ايجاد مسكن وتكوين أسرة. وازدادت أزمة البطالة سوءا منذ ذلك
الحين مع ابتعاد المستثمرين والسياح عن مصر التي يزيد عدد سكانها على
85 مليون نسمة.
وقال محمود الشربيني المدير التنفيذي لمجلس التدريب الصناعي الذي
يسعى للمرة الأولى للاستفادة من امكانيات وزارة الانتاج الحربي "هذه
المشكلة قنبلة موقوتة." وأضاف أنه إذا لم ينجح البرنامج "فستنفجر
القنبلة في وجوه الجميع. وهم لا يريدون مواجهة ثورة أخرى خلال العام
المقبل." ورغم أن هذا البرنامج يبدو قطرة في المحيط إذ أنه يهدف لتدريب
100 ألف شاب على مهارات يحتاجها القطاع الصناعي فهي تظهر استعداد الجيش
لدعم الحكومة وتطور دوره في تشكيل السياسات الداخلية.
ويجري تدريب المستفيدين من الشبان والشابات ضمن برنامج التدريب في
مجمع يخضع لحراسة مشددة تديره وزارة الانتاج الحربي على مشارف القاهرة.
ويرتدي المتدربون معاطف زرقاء ويشمل البرنامج التدريب على الأعمال
الميكانيكية وتشغيل الالات الصناعية أو تصنيع لوحات الدوائر
الالكترونية. ووصف اللواء ابراهيم يونس وزير الدولة للانتاج الحربي في
جولة مع الصحفيين المشروع بانه يمثل جزءا من "مسؤوليات الوزارة تجاه
المجتمع".
والوزارة مسؤولة عن قطاع من الاقتصاد يخضع لسيطرة القوات المسلحة
ويصفه منتقدوه بأنه دولة داخل الدولة. ويقدر بعض المحللين أن هذه
الامبراطورية المالية قد تصل إلى 40 في المئة من الاقتصاد. لكن السيسي
قال لرويترز في مقابلة الاسبوع الماضي أن حجمها لا يزيد على اثنين في
المئة. ومنذ أطاح السيسي بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو تموز
الماضي في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه أصبح الدور الاقتصادي
للجيش أكثر وضوحا.
فقد أصبحت القوات المسلحة على سبيل المثال قناة لتوجيه بعض من
مليارات الدولارات التي تدفقت على مصر كمساعدات من دول خليجية. وقال
الشربيني إن وزارة الانتاج الحربي لم توافق من قبل قط على فتح منشاتها
لبرنامج تدريب يديره القطاع المدني. لكن الوزارة لا تقدم هذه الخدمة
مجانا إذ تتولى الامارات العربية المتحدة تمويل البرنامج بجزء من
مليارات الدولارات التي أرسلتها كمساعدات مصر كما أن السلطات المدنية
تدفع لوزارة الانتاج الحربي مقابل خدماتها.
وقال أوليفر كولمان كبير المحللين في مابلكروفت لابحاث المخاطر إن
المشروع "يعزز صورة القوات المسلحة كحراس لمصر لا بالمعني السياسي
والأمني فحسب بل من حيث البعد الاجتماعي والاقتصادي. المؤسسة الوحيدة
القادرة على معالجة مشاكل مصر المتعددة." وأضاف "الجيش قد يكون له نفوذ
اقتصادي لتحسين تشغيل الشباب في بعض القطاعات وخصوصا التصنيع. لكن
الأثر سيكون في غاية التواضع من حيث الاقتصاد عموما."
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة يزيد على 13 في المئة
من قوة العمل المصرية بالمقارنة مع 8.9 في المئة قبيل انتفاضة عام
2011. ويحجب هذا الرقم مشكلة أكبر تتمثل في عدم استغلال كل امكانيات
العاملين في اقتصاد يقوم على أجور منخفضة. ونادرا ما تشرح الأرقام
الرسمية الوضع في بلد تمثل فيه الأنشطة غير المسجلة نسبة كبيرة.
واعتبر السيسي البطالة من القضايا ذات الأولوية لكنه لم يذكر تفاصيل
عن الكيفية التي سيتصدى بها لهذه المشكلة. وينظر إليه بعض الشبان
المصريون بارتياب إذ يرون فيه عودة لنظام الحكم الذي يدعمه الجيش والذي
ثار عليه الشعب في 2011. وقال عبد الرحمن (20 عاما) وهو يجلس عابسا
بأحد المقاهي في القاهرة "الآن حيحكم عسكر تاني" مشيرا إلى التوقعات
بفوز السيسي في الانتخابات. وأضاف "لو عمل غلطة واحدة وهو رئيس، الشعب
كله حيثور عليه."
ومثل كثيرين من الشبان يقضي عبد الرحمن وقته في المقاهي إذ أنه لا
يعمل. وجد وظيفة في محل للملابس بمرتب 800 جنيه (110 دولارات) في الشهر
لكنه فصل منها لانه أخطأ في طي قميص. وأضاف "طبعا أنا زعلان." ويهدف
برنامج التدريب الحكومي الجديد إلى معالجة خلل في الاستفادة من
المهارات المختلفة يرجع في جانب منه إلى سياسة الدولة التي قامت منذ
عشرات السنين على دعم التعليم الجامعي مما أدى إلى وجود فائض كبير من
المحاسبين والمهندسين ينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان للعمل كسائقي
سيارات أجرة.
وقال مسؤول بمجلس التدريب الصناعي التابع لوزارة الصناعة إن المجلس
نظم معرضا للتوظيف هذا العام عرض فيه 20 ألف وظيفة بالقطاع الصناعي لم
يتقدم لها سوى 7000 شخص. ويعتقد البعض أن من الممكن استخدام وزارة
الانتاج الحربي بصورة أوسع للمساعدة في علاج الخلل.
وقال سامح سيف اليزل الذي يرأس مركز الجمهورية للدراسات
الاستراتيجية "من المعروف أن أفضل اللحامين في مصر خرجوا من هذه
المراكز" التابعة للانتاج الحربي. وأضاف سيف اليزل الذي يقول إنه على
اتصال بالسيسي "الانتاج الحربي جزء من الحل الشامل." وربما يكون من
الصعب تغيير المسار لكثير من الشباب إذ أن خمس الخريجين لا يعملون.
بحسب رويترز.
ويرفض كثير من الشبان أداء الأعمال اليدوية مثل الأعمال التي يجري
التدريب عليها في مراكز الانتاج الحربي على أمل العثور على وظيفة تتفق
مع دراستهم. ومن هؤلاء طالب الهندسة محمد عبد القادر (22 عاما) الذي
يقول "ما ينفعش. درست خمس سنين وبعد كده اشتغل حاجة تانية؟ لازم ألاقي
شغل مناسب."
تنمية أفقر قرية
الى جانب ذلك فالسكون يخيم في منتصف النهار على قرية بهنموه التي
اختارها أحدث تقرير لصندوق حكومي للتنمية أفقر قرية في مصر. لا سيارات
تتحرك ولا سلع يتبادلها الناس الذين جلس بعضهم أمام بيوت من الطوب
اللبن المتهالك. واعتبرت خريطة الفقر التي نشرها الصندوق الاجتماعي
للتنمية في وقت سابق بهنموه التي يسكنها ألوف المصريين أفقر قرية في
البلاد لتفشي البطالة فيها وانخفاض نسبة التعليم وإصابة كثيرين من
سكانها بالأمراض واعتماد دخول أغلبهم على العمل اليدوي الموسمي في مجال
الزراعة وتراكم الديون الحكومية على كثيرين منهم.
وليس بين سكان بهنموه من يعمل قاضيا أو ضابط شرطة أو جيش أو طبيبا
أو مهندسا أو مدرسا جامعيا. وليس في القرية التي تبعد نحو 135 كيلومترا
جنوبي القاهرة طبيب مقيم أو سيارة إسعاف أو سيارة إطفاء. ويعيش نحو 25
مليونا من سكان مصر تحت خط الفقر. واختيرت بهنموه التي يصعب مرور سيارة
في بعض أزقتها المتربة وخمس قرى تجاورها أو قريبة منها في 2006 ضمن
مشروع لتطوير القرى الأكثر فقرا تبناه جمال مبارك العضو القيادي في
الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم مصر قبل انتفاضة 2011 التي أطاحت
بالرئيس حسني مبارك والد جمال.
أثمر مشروع التطوير مدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية ووحدة صحية وصرفا
صحيا ومبنى سكنيا في بهنموه. لكن المدرسة الإعدادية في القرية تقبل
أيضا تلاميذ يتمون تعليمهم في المدرسة الابتدائية بقرية منهرة المجاورة
التي يصل عدد سكانها إلى نحو سبعة آلاف نسمة. وقال سعد أحمد الذي يعمل
موجها بوزارة التربية والتعليم وهو أحد نحو عشرة موظفين حكوميين من
سكان بهنموه "بعد مبارك مفيش حاجة تاني اتعملت. مفيش أي مشروع تنمية
ممكن يوفر وظيفة لأحد من العاطلين." وأضاف "دخول الناس هنا بسيطة علشان
موسمية لأن معظمهم يعتمدون على العمل في الأرض الزراعية ايلي مساحتها
محدودة."
وتزيد مساحة الأرض الزراعية في بهنموه على 300 فدان تملك أسرة واحدة
نسبة كبيرة منها وتتقاسم باقي الاسر ملكية حقول صغيرة المساحة في حين
لا تمتلك بعض الأسر أي حقول. وقال أحمد "لا يوجد سوى مخبز واحد يحصل
على كمية لا تكفي من الطحين الذي تدعم الحكومة سعره. الفرد قد لا يحصل
على ثلاثة أرغفة صغيرة في اليوم لا تسد جوعه." وأضاف "بشكل عام مفيش
موظفين كبار من البلد علشان يسعوا ورا وظائف لأبنائها أو تمويل حكومي
لمشروعات ممكن تتعمل فيها. من وقت ثورة 25 يناير لا يوجد نواب في
البرلمان عن الدايرة اللي بهنموه جزء منها يلجأ ليهم الناس."
ويقول أحمد "اللي عنده خمسة أو ستة أطفال يوديهم المدارس ازاي وهو
بيجري ورا القوت اليومي لهم ومش مكفي؟ "اللي بيستأجر فدان أرض لزراعته
يدفع إيجارا ستة آلاف جنيه سنويا (850 دولارا) وبسبب ارتفاع تكاليف
زراعة المحاصيل لن يجد عائدا في نهاية العام إلا إذا عمل بنفسه في
الأرض. العامل أجره في اليوم 50 جنيها."
وقال أحمد يحيى (32 عاما) وهو متزوج وله طفلان "عايزين من الرئيس
اللي جاي اللي هو السيسي ان شاء الله يبص للصعيد شوية والتدهور اللي
حاصل فيه." وأضاف "المياه التي نشربها ملوثة وأصابت ناس كتير في بهنموه
بالفشل الكلوي. عندنا عدد كبير من السكان مصابون بالتهاب الكبد
الوبائي. "الوحدة الصحية مفيهاش أي علاج لأي مرض ونضطر نروح إهناسيا
نضيع اليوم بالكامل علشان نحصل على علاج. اللي يجيله مغص بالليل محتاج
يستأجر سيارة علشان يروح إهناسا." وإهناسيا مدينة في محافظة بني سويف
تتبعها بهنموه إداريا وتبعد عنها نحو سبعة كيلومترات.
وقال أحمد سعد الذي حصل هو الآخر على شهادة جامعية لكن يعمل في أرض
زراعية تملكها أسرته "حتى البريد بتاعنا بنروح نجيبه من إهناسيا." وقال
يحيى "بندعي ربنا ان السيسي يوفر الأمن لمصر ويعيد دوران عجلة الإنتاج
ويرجع السياح علشان تتحسن المعيشة عندنا هنا." كثيرون من سكان بهنموه
مدينون لبنك التنمية والائتمان الزراعي بجانب فقرهم.
وقال يحيى "اضطر فلاحون كثيرون للاقتراض بفوائد عالية من البنك بسبب
ارتفاع تكاليف زراعة المحاصيل واحتياجهم للإنفاق على أسرهم ولما فشلوا
تراكمت عليهم الديون." وأضاف "أنا وأفراد أسرتي علينا 180 ألف جنيه
ديون للبنك بدأت بأربعين ألف جنيه. عجزنا عن السداد. القرض مستحق على
خمسة أفدنة وثمانية قراريط وزعت بالميراث على خمسة رجال وامرأتين
وزوجة. مش حنقدر نعمل حيازات زراعية للورثة إلا إذا سددنا القرض. الآن
حتى الأسمدة المدعومة من الحكومة مش قادرين ناخدها." بحسب رويترز.
وقال عبد المجيد عبد العليم وهو فلاح يلاقي نفس المعاناة "إحنا
خايفين المشاكل تستمر زي ما هي بعد ما ييجي السيسي." ووافق الآخرون على
ذلك وإن كان أحمد قال إن أمله كبير في أن السيسي يستطيع حل المشاكل.
وكان السيسي قال لمحطة تلفزيون سكاي نيوز عربية ردا على سؤال حول الوقت
الذي يعد بحل مشاكل المصريين خلاله "المصريين والسيسي يعدون أنفسهم
بأنه خلال عامين سوف تنتهي مشاكلهم." ربما قصد السيسي أنه وحده لن
يستطيع حل المشاكل بقدر ما قصد التنويه الى الحاجة لمزيد من بذل الجهد. |