شبكة النبأ: يشهد الإعلام المرئي
متمثلاً في القنوات الفضائية، تنافساً شديداً بين البرامج الترفيهية من
مسلسلات ورياضة وحتى "الترف الفكري" من برامج وثائقية، وبين البرامج
الخبرية الحيّة التي تنقل مشاهد من الواقع وتتابع التطورات على الأصعدة
كافة، سواءً الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويكاد الخبراء في هذا
الجانب ينزلون الى نسب متدنية من الاهتمام بالشقّ الثاني من الإعلام
المرئي، فيما تحتل نسب عالية ربما تصل الى (80) بالمئة من برامج هذه
الفضائيات لبرامج الرياضة والمسلسلات والأفلام وغيرها.
السبب الرئيس في الهاجس التوسّع بالبرامج الإخبارية الحيّة، الوصمة
التي تلاحق معظم هذه الفضائيات، وهي مجانبة المصداقية والموضوعية في
نقل الأخبار، لاسيما فيما يتعلق بالموضوعات السياسية، وبما إن معظم
القنوات الفضائية، إما تكون مرتبطة بدول معينة، مثل "مجموعة – أم بي سي-"
السعودية، أو "الجزيرة" القطرية، او تكون مرتبطة بشكل غير مباشر بأجندة
سياسية إقليمية، مما يعزز الانطباع لدى المشاهد بأن القناة التي تعجز
عن الاستقلال بنفسها مالياً ومنهجياً، كيف لها أن تستقل في طريقة
التعامل مع الخبر الذي يفترض ان يعكس – الى حدٍ كبير- أوضاع الناس
ومشاكلهم ومطالبهم؟.
وهذا ما جعل العديد من الباحثين في الإعلام المرئي، يجمعون على
استحالة وجود اعلام مستقل بين الفضائيات العربية، بل وعموم وسائل
الاعلام العربية المنطلقة من العواصم العربية، بسبب التأرجح بين
المهنية الإعلامية، وبين المصالح السياسية واحياناً التجارية لهذه
القناة او تلك. بيد ان ظهور جيل جديد من القنوات الفضائية الشيعية التي
تتعامل مع الاعلام المرئي على أنه رسالة الفكر والثقافة الى المشاهد،
قبل ان تكون رسالة السياسي الحاكم أو صاحب الايديولوجيا الحزبية او حتى
المصالح الاقتصادية. مما يمكن القول بوجود بارقة أمل في تحقيق النجاح
بتوجيه المادة الخبرية نحو ملتقى "المهنية" و"المبدئية". وهذا ما يمكن
تسميته بـ "الاعلام المتلزم"، او ربما "التلفزيون الملتزم".
فاذا كان معروفاً أن الخبر يُعد العمود الخبري للعمل الصحفي، فان
هنالك معيار، من جملة معايير ملازمة للخبر الصحفي الذي يُعد ناجحاً لدى
البعض، ولا تبرح معظم الفضائيات عن الالتزام بها في برامجها الخبرية،
وهي عنصر الإثارة في الخبر، والاعتماد على النظرية القديمة: "كلبٌ عضّ
رجلاً لا يعد خبراً مثيراً مقابل رجل عضّ كلباً".. ومثال من الواقع،
"خبر اختلاس موظف بسيط لا يهمّ كثيراً القناة الفضائية، مقابل خبر
اختلاس مدير عام"، مع كون الاثنين يستحقان التغطية الاعلامية من باب
العبرة والحذر، بيد أن جانب الإثارة في الفضيحة يكتسب جاذبية لدى
المشاهد، وأهمية اعلامية لدى القناة والقائمين عليها، لكسب المزيد من
المقبولية، الامر الذي ربما يهدد الجانب المهني بخطر الانحراف عن
الموضوعية والمصداقية.
لكن الامر يختلف لدى القنوات الشيعية التي ترفع شعار المبدئية
والقيمية في برامجها المختلفة، مع تركيز واضح على الطرح العقائدي
والأخلاقي، بحيث تسعى الى صياغة أطر معينة للثقافة الدينية لدى المشاهد
الشيعي، بل وحتى المسلم حول العالم. فهي بعيدة بالأساس عن نهج
"التغرير" و"التضليل" والتلاعب بالحقائق، كما تتورط بذلك القنوات
العربية الاخرى. لأن لا وجود لأهداف ومصالح سياسية صارخة او حتى مصالح
تجارية تترك بضلالها على الخطاب الاعلامي بشكل عام. الامر الذي يضعها
امام استحقاق جديد بخوض غمار العمل الصحفي (مرئياً) بعد ان جربت هذا
(اذاعياً)، كما هو حاصل في العراق بعد توفر نعمة الحرية وانطلاق عدد
كبير من الاذاعات تبث من مناطق متعددة من العراق.
ان اهم ما يعزز هذا الاستحقاق ومسؤولية قنواتنا الشيعية في خوض
التجربة الخبرية، وجود الكم الهائل من القضايا المثيرة للاهتمام في
جانبيها السلبي والايجابي. فهنالك المشاكل والازمات بالجملة، كما هنالك
النقاط المضيئة في المجتمع، واحياناً في الاداء الحكومي ايضاً، بحاجة
الى تسليط الضوء لتطويره وتوسيع نطاقه لمزيد من التفاؤل والأمل بتحقيق
نجاحات اكبر. بيد ان السؤال عن كيفية تحقيق كل هذا خلال التغطية
الخبرية وتحويل هذا القضايا الى تقارير واخبار وبرامج حوارية وتعليق
وغير ذلك؟.
الملاحظ اليوم، أن المشاهد الباحث عن آخر التطورات على الساحة، يقلب
الفضائيات العربية التي تبث من لندن وباريس وواشنطن وحديثاً من موسكو..
هذه القنوات الفضائية، هي بالحقيقة امتداد للنهج المتبع في الاذاعات
التي كنّا نتابعها في الثمانينات وقبلها كانت مصدر الخبر الموثوق
والدقيق لشريحة واسعة من مجتمعنا في العقود الماضية، اكثر مما كان
الاعتماد على الاذاعات وقنوات التلفزة الحكومية، مما يمكن القول معه،
ان العجز المستديم لدى الاعلام المدعوم حكومياً في بلادنا، في الطرح
الموضوعي الذي يعكس الواقع ويحاكي همومه ومشاكله، فسح المجال واسعاً
أمام قنوات فضائية مثل "الحرة" و"فرنسا24" و"بي بي سي"، و"روسيا
اليوم"، لأن تكون مصدر الحقيقة بنسبتها العالية، ليس فيما يتعلق
بالمفاهيم والافكار التي تطرحها، إنما في محاكاة الواقع، واحياناً
تتوغل الى موضوعات ليس بالضرورة ان يعرفها جميع مشاهدي الشاشة الصغيرة،
مثل انتشار المشاكل الجنسية في المجتمعات العربية والاسلامية، وإثارة
القضايا المتعلقة بالمرأة، وهو ما لايمكن لوم هذه القنوات عليه، فهي
صاحبة الامكانات الضخمة في إعداد تقارير مصورة، مع طاقم مهني كفوء
يستنطق المشكلة من الممرات الضيقة في الاحياء الفقيرة ومن افراد
المجتمع.
وبما أن الظواهر الاخلاقية والقضايا التربوية والثقافية على صعيد
المرأة والشباب والاسواق والدوائر الرسمية، كلها تمثل أمراً واقعاً
لامناصّ منه، فان القنوات الشيعية مدعوة لأن تدلو بدلوها خبرياً في هذا
المجال، لتكون فقرة جديدة الى جانب الطرح العقائدي – التنظيري، وهو ما
من شأنه ان يكمل الحلقة الاعلامية للتلفزيون الملتزم الذي يكون قادراً
على ايجاد مصاديق للافكار المطروحة في المحاضرات والمجالس الحسينية
والبرامج الحوارية وغيرها، من خلال التغطية الخبرية لمجمل قضايا الساحة
لما يهمّ واقع الناس في وقتهم الحاضر ومستقبلهم. بمعنى أننا سنجد
مفاهيم العدالة والحرية والسلم الأهلي والتعايش والتطور وغيرها مما
يؤكد عليها الاسلام، من خلال التغطية الخبرية في نشرات متعددة بمنهجية
تقتطف باقة من الاخبار ذات المواصفات المهنية والفائدة العامة، ثم
تعضيدها بالتحليل والتعليق، وربما إفساح المجال امام المشاهد والمتابع
في بيته لأن يسهم هو الآخر في إثراء هذه التغطية الخبرية بما يحقق
النجاح للتلفزيون الملتزم. |