أخلاقيات التغيير.. قول الحقّ وإن عزّ

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في المأثور الشريف، هناك مقولة قد تصلح مدخلا لهذا الموضوع وهي (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).

قول الحق مرتبة متقدمة على اي جهاد قد يقوم به الانسان للدفاع عن دينه.

وكثيرا ما يتقاطع قول الحق مع مصالح الناس، سواء القائلين به، وهم الاقلية القليلة في كل زمان او مكان، او الاكثرية الرافضين لسماعه، او حتى قوله لآخرين غيرهم.

قول الحق، وفي كل زمان، يتطلب في الكثير من الاحيان ان يحمل القائل والصادح به، روحه بين كفيه، خاصة اذا كان مهددا لوجود حاكم مستبد او بطانة فاسدة، والتاريخ بعيده وقريبه فيه امثلة على ذلك كثيرة.

يواصل المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كتابه (حلية الصالحين) وهو يشرح مضامين دعاء مكارم الاخلاق للإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) رحلته تلك، مسلطا الضوء على فقراته الكثيرة واحدة بعد الاخرى.

ويرى المرجع الشيرازي، ان (من أهمّ مصاديق حلية الصالحين وزينة المتقين التي يطلبها الإمام زين العابدين سلام الله عليه من الله سبحانه وتعالى، قول الحق، وإن قلّ ناصروه وكثر مناوئوه وتبعته المخاطر والصعوبات).

وهو يؤكد على نقطتين هامّتين في هذا الموضوع، هما:

1. إنّ قول الحقّ يعدّ من أهمّ أسس الصلاح والتقوى للفرد المسلم، يؤيّد ذلك ما صدر عن أهل البيت سلام الله عليهم من القول بالحقّ دائماً.

2. لقد أمرنا الدين الحنيف مراراً وتكراراً أن نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للصلاح والتقوى، وأن نشفع سؤالنا هذا بالعمل والتطبيق؛ قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعبَأ بكم رَبي لَولاَ دعَاؤكم﴾ في إطار التحريض على الدعاء وإدراك أهميته. وقال أيضاً: ﴿وَأنْ لَيْسَ لِلإنْسَان إلاَّ مَا سَعَى﴾ حيث ينبغي أن يكون السلوك الصالح مصدّقاً لما يلهج به في الدعاء.

يتساءل المرجع الشيرازي: لماذا قال الإمام في هذا الدعاء: «قول الحقّ» ولم يقل: العمل بالحقّ؟

يعتقد سماحة المرجع، أنّ المجتمع الإسلامي كما هو بحاجة إلى فعل ليصدق عليه أنّه مجتمع إسلامي، كذلك هو بحاجة إلى قول وتصريح بالموقف الحقّ وبحزم.

ويرفض سماحته، ان تقتصر حياة الفرد المسلم على الجلوس في الدار دون أن يتكلّم بما يطلبه الحق منه، وتبعه الآخرون من أفراد المجتمع في الإحجام عن القول والتصريح أدّى ذلك إلى عدم العمل أيضاً، فعند ذلك لن يتحقّق الهدف المتمثّل ببناء مجتمع الصلاح والتقوى في المجتمع الإسلامي أبداً.

المجتمع الصالح، سواء في التأسيس اليه، او بعد ثبات أسسه، لا يكفي العمل المطابق للحق وحده في هذا التأسيس، بل لابد من مرافقة القول والجهر بالحق داخل هذا المجتمع، ليبقى ثابتا على صلاحه، ولا يزيغ عنه. كما يذهب الى ذلك المرجع الشيرازي بقوله: (لا يكفي من أجل صلاح المجتمع، العمل بالحقّ وحده، بل لابدّ من الدعوة إليه، والتصريح به).

ما هو الحقّ الذي يشرحه السيد المرجع، والذي تتضمنه تلك الفقرة من الدعاء السجادي؟

انه الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وهو الحكم المطابق للواقع؛ ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك.

وهو وقوع الشيء في موقعه الذي هو أولى به، والذي تتضمنه آيات القران الكريم واحاديث أهل البيت سلام الله عليهم.

تتحقق مرتبة افضل الحق في القول، حينما يكون إظهاره والعمل بمقتضاه عزيزاً. وهو يكون كذلك، إذا قلّ وندر، أمّا إذا كان متوفراً فلا يسمى عزيزاً رغم نفعه وأهميّته، وهذا يعني أنّ الشيء العزيز هو النافع النادر.

وافضلية الحق وحسنه ونفعه، كلها امور جيدة وعظيمة، الا ان ما يجعلها حلية للصالحين وزينة للمتقين، هو عندما يكون إظهاره والعمل به عزيزاً ونادراً، بسبب المخاوف والمخاطر، كالتعذيب والحرمان والاعتقال وسائر الصنوف الأخرى التي يستخدمها الظالم لإرهاب من يجترئ على قول الحقّ بوجهه. كما يفسر السيد صادق الشيرازي، تلك الأفضلية بسبب ندرتها.

لا يقف السيد المرجع عند حدود مفردات الدعاء، وعند هذه الفقرة تحديدا، انه يميل الى العودة الى الجذور النبوية التي تشكل سلسلة الذهب المتواصلة بين كلام النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته عليهم السلام، والذين هم التجسيد العملي لسيرته ولتعاليم الاسلام، لهذا يعود السيد صادق الشيرازي الى الحديث النبوي الشريف: (أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر)؛ والذي يرى فيه ان قول الحقّ بوجه الظلمة يعدّ جهاداً بل أفضل الجهاد، الأمر الذي يشير إلى مدى أهميّته وخطورته، فضلاً عن ندرة المتصدّي له.

ويسجل المرجع الشيرازي، ملاحظة على الاختلاف في كلمة في الحديث من خلال ورودها في روايات اخرى، وهي امام بدلا من سلطان، ويرى ان كلمة (سلطان) ذات مفهوم أو استعمال أوسع من كلمة (إمام). ففي الاصطلاح الإسلامي إذا جار الحاكم الكافر سمّي سلطاناً جائراً، أمّا إذا جار الحاكم المسلم، فيسمّى إماماً جائراً.

ويكون مقتضى الحديث وعلته، ان الجهاد ضدّ إمام الجور بقول كلمة الحقّ بوجهه، أفضل من الجهاد ضد سلطان الجور؛ لأنّ ما يضعف الإسلام ويؤدّي إلى تآكله من الصميم وفي نفوس المستضعفين من المسلمين ويدفع بغيرهم إلى الإعراض عنه، هو ما يقترفه إمام الجور، مثل يزيد بن معاوية لعنهما الله، الذي حكم باسم القرآن والرسول صلى الله عليه وآله، وكان في الوقت نفسه من أعدى أعدائهما، حتى أنّه اختطّ خطّاً في الجريمة والتجاوز على مقدّسات الدين ورموزه، لا تزال مظاهره تؤذي بدن الدين والأمّة، ظاهرة في كلّ من تقمّصها من بين الحكّام الذين توالوا بعده وهم يحملون معاول التحريف بالدين والتنكيل بالأمّة كلّما تهيّأت الظروف لهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م