ما بعد الانتخابات البرلمانية..

العراق في أتون الصراع لتحديد ملامح الحكومة الجديدة

 

شبكة النبأ: مع اعلان النتائج التي كشفت عن تقدم ائتلاف "دولة القانون" بفارق مريح عن منافسيه، عادت الحسابات المعقدة لدى الكتل الأخرى، سيما خصومه من بعض الكتل السنية والشيعية والكردية، التي وضعت خطوط حمراء حول أي تحالف مستقبلي يجمعها مع المالكي، إضافة الى إعلانها الصريح والرافض لفكرة الولاية الثالثة لرئاسة الوزراء والتي يطمح اليها ائتلاف دولة القانون بمرشحهم الوحيد، حتى اللحظة، وهو السيد "نوري المالكي" الذي حصد لوحده في العاصمة اكثر من (700) الف صوت وبفارق كبير عن اقرب منافسيه من الشخصيات السياسية الأخرى، فضلاً عن مقارنتها بالانتخابات البرلمانية السابقة والتي جرت في عام 2010.

كما ان الائتلاف الحالي لدولة القانون بزعامة المالكي، ما زال يظهر الكثير من التماسك، ووحدة الراي، بخلاف الكثير من الكتل والتحالفات التي فشلت في الحفاظ على وحدتها، فيما تقسمت ائتلافات أخرى الى عدة كتل صغيرة، الامر الذي يجعل، بحسب محللون، موقف المالكي وائتلافه، بموقع تفاوضي اقوى.

من جانب اخر، أشار عدد من المتابعين والمختصين، ان طبيعة النتائج التي أعلنت مؤخراً، دللت على حجم معاناة الشعب العراقي المنقسم وراء كتل يتجلى فيها العامل الديني او المصلحي او القومي، الامر الذي سيعكس صعوبة حسم التحالفات لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الذي سيكلف بتشكيل الحكومة.

ان المرحلة القادمة ربما ستشهد تكسير الكثير من التحالفات التي شكلت قبل اعلان النتائج، كما ان الكتل الصغير سيكون لها دور مهم بخلاف الدورة البرلمانية المنتهية، في ترجيح كفة ما لتولي زمام الأمور، إضافة الى إمكانية بروز مفاجئات اللحظة الأخيرة، التي قد تغير معادلة الأقوى على حساب الأضعف، او ربما سيكون العكس صحيحاً.

وقد أشار طرف ثالث من المحللين، الى عدة عوامل إقليمية ودولية سوف تؤثر في حسم ملف ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة القادمة، سيما وان التفاهمات الإقليمية التي انطلقت بين دول مؤثرة، جاءت متزامنة مع اعلان النتائج، والتي قد تشكل انعطافه أخيرة في تشكيل وجه الحكومة العراقية القادمة.

ولاية ثالثة

فقد اظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي اعلنت مؤخراً عن تقدم رئيس الوزراء نوري المالكي بفارق كبير على منافسيه ما يمنحه فرصة كبيرة للاحتفاظ بمنصبه لولاية ثالثة، ورغم النجاح الكبير، الذي حققه ائتلاف دولة القانون، الذي حصل على 92 مقعدا من اصل 328 في البرلمان، فيما حصلت الكتل الباقية على ما بين 19 و29 مقعدا، فلا بد له من الحصول على دعم احد منافسيه او اكثر للحصول على المنصب.

وحسب الارقام التي اعلنتها مفوضية الانتخابات فان المالكي حصل شخصيا على اكثر من 721 الف صوت في بغداد، وسجل اطلاق نار كثيف في الهواء في جميع انحاء العاصمة ابتهاجا بفوزه.

ويفوق هذا العدد الذي حصل عليه في انتخابات الثلاثين من نيسان/ابريل الماضي بكثير الرقم الذي حصل عليه خلال انتخابات العام 2010، وهي المرة الاولى التي تجري في العراق انتخابات تشريعية بعد رحيل القوات الاميركية في اواخر العام 2011.

وفاز ائتلاف المالكي، بثلاثين مقعدا في محافظة بغداد اضافة الى تقدمه في تسع محافظات اخرى هي البصرة وميسان وواسط وبابل وذي قار والنجف وكربلاء والمثنى والقادسية، وجميعها تتوزع في وسط وجنوب العراق، وحل ائتلاف دولة القانون ثانيا في محافظة ديالى حيث حصل على ثلاثة مقاعد.

واللافت في نتائج ائتلاف المالكي ان كبار قياداته مثل حسن السنيد وكمال الساعدي وعلي شلاه لم يحققوا فوزا في الانتخابات، وصعدت وجوه جديدة، فيما تراوحت اعداد المقاعد التي حصلت عليها الكيانات السياسية الرئيسية المنافسة لائتلافه بين 19 و29، وما تزال النتائج التي أعلنت قابلة للتغيير لأنها قد تتعرض للطعن، ولا بد من مصادقة المحكمة الاتحادية العليا عليها.

من جانبها، رحبت سفارة الولايات المتحدة في بغداد وبعثة الامم المتحدة في العراق، بالنتائج الانتخابية، والتي وصفتها واشنطن بانها "شهادة على شجاعة وصمود الشعب العراقي ومؤشر على تطور الديموقراطية في العراق"، وما زال امام الاحزاب السياسية العراقية اسابيع طويلة للاتفاق على تحالفات ما بعد الانتخابات، لذلك من المتوقع ان يستغرق تشكيل الحكومة المقبلة عدة اشهر. بحسب فرانس برس.

وكما جرى في انتخابات عام 2010، من المرجح ان يتم التوصل الى اتفاق في حزمة كاملة على توزيع المناصب الرئاسية الثلاثة، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، ووفقا لاتفاقية تم التوصل اليها بين الكيانات السياسية العراقية، تولى نوري المالكي الشيعي رئاسة الحكومة وجلال طالباني الكردي رئاسة البلاد واسامة النجيفي السني رئاسة البرلمان.

واستمرت المفاوضات بين الاحزاب السياسية، بعد الانتخابات السابقة، تسعة اشهر للتوصل الى اتفاق على تشكيل الحكومة وسط اعتراضات على اعادة ترشح المالكي لولاية ثانية آنذاك، ورغم انتقادات الناخبين لاداء الحكومة وشكاوى تتعلق بنقص الكهرباء وانتشار الفساد وارتفاع معدلات البطالة وضعف الخدمات العامة وغيرها، استمرت الحملة الانتخابية بالتركيز على ترشيح المالكي لولاية ثالثة، خلال الاشهر الاخيرة.

ويتهم المعارضون المالكي بالتمسك بالسلطة وفرض سيطرته على قوات الامن، كما يحملونه مسؤولية تدهور الاوضاع الامنية وعدم تحسين مرافق الحياة في البلاد، وتزامن اجراء الانتخابات الاخيرة مع تصاعد في موجة العنف منذ مطلع العام الماضي، حيث قتل اكثر من 3500 شخص في عموم العراق منذ مطلع العام الحالي، وهو الامر الذي يهدد بعودة موجة العنف الطائفي التي شهدتها البلاد بين عامي 2006 و 2008.

ويلقي المالكي الذي تولى منصب رئاسة الوزراء منذ عام 2006، اللوم على امور خارجية مثل الحرب التي تدور في الجارة سوريا فيما يتعلق بسوء الاوضاع الامنية في العراق، ويواجه المالكي (63 عاما) معارضة قوية من الاكراد في شمال البلاد ومن العرب السنة خصوصا في غرب البلاد.

وتعرض رئيس الوزراء خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، الى هجمات ادت الى انخفاض نسبة الاقبال على التصويت خصوصا في المناطق ذات الغالبية السنية، وتنافس في هذه الانتخابات 9039 مرشحا على اصوات اكثر من 20 مليون عراقي، املا بدخول البرلمان المؤلف من 328 مقعدا.

وحصلت قائمة المالكي على مليون و74 ألف صوت في بغداد وحدها مما سيصعب على معارضيه المجادلة بأنه ليس اختيار الأغلبية الشيعية بالبلاد، ويمثل هذا الأمر أهمية بالغة له لانه يشن حربا على جماعات سنية مسلحة منها الدولة الإسلامية في العراق والشام التي تسيطر على أراض في سوريا وتتمتع بنفوذ في وسط العراق.

وسمع في وسط بغداد أصوات أعيرة نارية أطلقها انصاره للاحتفال بفوزه، وحصل ائتلافه الرسمي دولة القانون على 92 مقعدا بالإضافة إلى مقعدين آخرين من خلال اثنين من مرشحي الاقلية المتحالفين معه والذين أداروا حملتهم بأنفسهم.

وحصل الأكراد على ما مجمله 62 مقعدا في البرلمان في حين حصل الائتلافان الرئيسيان للسنة على 33 مقعدا على الأقل، وحصل ائتلاف الوطنية العلماني بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي على 21 مقعدا، ومن المتوقع إعلان النتائج النهائية خلال الأسابيع القليلة القادمة بعد أن تبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في شكاوى تتعلق بعمليات تزوير ومخالفات، وستصدق المحكمة الاتحادية بعد ذلك على النتائج النهائية.

وقال مستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي المرشح على قائمة المالكي والذي أكد على خبرة رئيس الوزراء كقائد عام إن موقف المالكي قوي وإن الأمن سيكون مهما للغاية في السنوات الأربع القادمة بسبب الوضع في سوريا والاستقطاب الإقليمي، وسيبدأ المالكي فترة من المساومات ليرى ان كان من الممكن ضم منافسيه الشيعة الذين رفضوا ترشحه.

وأوضح المجلس الأعلى الاسلامي العراقي والتيار الصدري أنهما يريدان رئيسا للوزراء من داخل الغالبية الشيعية التي يشيران اليها باسم التحالف الوطني، وتشكل الحكومة على أساس اتفاق شامل يتضمن موافقة البرلمان الذي يضم 328 عضوا بأغلبية الثلثين على الرئيس الذي سيكلف بدوره رئيس الوزراء بتشكيل حكومته، وقال عضو بقائمة المالكي إن هذا الامر قد يستغرق من ثلاثة أشهر إلى نهاية العام.

وتقول الاحزاب السياسية انه اذا لم يتم الوصول إلى اغلبية الثلثين فإن بإمكان البرلمان الموافقة على الرئيس بأغلبية بسيطة مما ينهي أي مساع لإعاقة تشكيل حكومة جديدة، وأوضح المجلس الأعلى الاسلامي العراقي وحركة مقتدى الصدر انهما يريدان رئيسا للوزراء من داخل الغالبية الشيعية التي يشيران اليها باسم التحالف الوطني، لكن الفوز الذي حققه المالكي والمرجح ان يحصل على تأييد من احزاب شيعية أصغر سيصعب على خصومه الإطاحة به.

إيران هي الفائز

فيما قال كاتب ومحلل سياسي أمريكي إن الطرف الفائز الوحيد في الانتخابات العراقية هو إيران التي ستتمكن من ترسيخ نفوذها في ذلك البلد عبر التحالف الذي يتزعمه رئيس الوزراء، نوري المالكي، مضيفا أن البلاد تشهد حربا أهلية حقيقة، وأن منطقة الشرق الأوسط التي نشأت بعد اتفاقية سايكس بيكو بطريقها إلى التفجر والانهيار.

وقال ديكستر فيلكنز، الكاتب في مجلة نيويوركر الأمريكية، في مقابلة مع CNN حول رحلته الأخيرة إلى بغداد، إن الذي يجهل العاصمة العراقية لن يخطر في باله أن الأمريكيين كانوا فيها لأنهم غادروها دون ترك أي أثر مضيفا: "هناك انتخابات وبرلمان، ولكن المدينة مازالت تبدو كما كانت قبل عقد في خضم الحرب الأهلية، والعراق مازال بلدا منقسما والحرب مستمرة، بل إنها أعنف من أي وقت مضى، إنها حرب أهلية تطل برأسها من جديد".

وعن رأيه بأن إيران قد فازت في انتخابات العراق بسبب الروابط التي تجمعها بكتلة المالكي قال فيلكنز: "عندما كانت القوات الأمريكية في العراق وكان المالكي في الحكم تمكن من التلاعب بالأمور، فقد كانت لديه قواتنا، ولكنه عقد صفقة مع الإيرانيين لأنه كان يعيش في إيران وهم جيرانه، ومن ثم انسحبنا من العراق، ولكن الإيرانيين بقوا هناك، بصرف النظر عن رأي المالكي فيهم، وهم أقوياء للغاية في العراق".

وتابع فيلكنز بالقول: "العراق دولة تنحدر مجددا باتجاه الحرب الأهلية المذهبية، هناك المسلحون التابعون لتنظيم القاعدة، بصرف النظر عن التسمية التي يطلقونها على أنفسهم، يدخلون إلى وسط مدينة الفلوجة، وإلى داخل الرمادي في أحيان أخرى، لقد عدنا إلى الصراع السني الشيعي كما كان عام 2006، ولكن هناك ظواهر غربية، فإذا ذهب المرء إلى أربيل في إقليم كردستان فسيرى طفرة عقارية واقتصادية وهناك عمليات نشيطة لاستخراج النفط، وكذلك في البصرة، أثر الثروة النفطية لا يظهر في العاصمة بغداد، ولكنه موجود في أماكن أخرى".

وأردف المحلل الأمريكي بالقول: "الأمر الذي يقلقني هو الواقع المروع لمنطقة الحدود بين العراق وسوريا، الحدود اختفت عمليا وباتت الأراضي مفتوحة، وقد قال لي أحد المسؤولين في البيت الأبيض إن الأراضي الممتدة بين حلب في سوريا والأنبار في العراق قد تكون المنطقة الأكثر إثارة للرعب في العالم، وأنا أتفق مع هذا الوصف، فهي أرض صحراوية ومفتوحة وممتدة على ضفاف نهر الفرات".

وحذر فيلكنز من الأخطار المحدقة بالعراق والمنطقة بسبب الحرب في سوريا قائلا: "الأمر المرعب هو أنه عند النظر إلى سوريا والحرب الأهلية المروعة الدائرة فيها نرى أن موجات النزوح تتجه كلها إلى خارج البلاد، وبالتالي تصل إلى العراق الذي بدوره ينزلق بسرعة نحو حرب أهلية، وكذلك إلى لبنان الذي بات خمس سكانه من اللاجئين، وكذلك إلى الأردن، حيث بات مخيم الزعتري رابع أكبر مدينة في البلاد". بحسب سي ان ان.

وختم بالقول: "لدينا سوريا في الوسط، في قلب الشرق الأوسط، وهي الآن تتفجر، وما يخيفني حقا هو أن الشرق الأوسط الذي ولد بجرة قلم بين فرنسا وبريطانيا عام 1919 ونتج عنه دول مصطنعة الصقت إلى جانب بعضها بات اليوم أمام خطر انهيار حقيقي."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م