إكراه

إعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هو استخدام الضَّغط أو القوَّة استخدامًا غير مشروع أو غير مطابق للفقه أو للقانون من شأنه التَّأثير على إرادة فرد ما.

استعمله اميل دوركايم في علم الاجتماع، وراج من بعده كثيرا، فبلغ حدودا متطرفة في بعض الاحيان. وقد ذهب بعض شارحيه الى حد الافتراض انه الوسيلة الوحيدة لتاثير المجتمع في اعضائه.    

والاكراه هو الارغام.

وهناك اكراه لمجيء، وهو ما يكون بالضرب الشديد المؤدي الى اتلاف النفس او قطع العضو.

والاكراه غير الملجيء، وهو الذي يوجب الالم فقط، كالضرب والحبس.

يستوعب مفهوم الاكراه في نطاقه مجموعة من المصطلحات مثل: النفوذ، الاقناع، الاستيعاب. وهو من طرف اخر، يفيد معنى الحصرية والحتمية، مثل القسر الطبيعي، المادي. وهذا القسر الطبيعي المادي، لاينطبق على الاوضاع الاجتماعية كلها، وسبب ذلك، ان التماثل بين الاكراه الاجتماعي والاكراه الطبيعي غير دقيق، نظرا لان الاول يتحقق من خلال الثقافة التاريخية، ولان الثاني متعلق بالمجال الحيوي للجماعة.

ماهي وضعية الفرد في الجماعة؟ 

انه مكره من وجه، لان عليه اداء بعض الواجبات والالزامات المفروضة عليه من خارجه، كمكلف ومستقل بذاته، ومن وجه ثان، لانه هو الذي يفهم ويعي معاني هذه الواجبات.

هذا الوضع المزدوج، يشير الى اكراه مستبطن، لان الفرد لا يتقيد بالنظام خوفا من القمع وحسب بل احتراما للقانون ايضا.

ان استبطان الاكراه يكون بدوره من نتائج مسار التنشئة الاجتماعية، وان التهذيب الاخلاقي، الادبي او المعنوي، هو الذي يجعل الاكراه الاجتماعي نافذا.

ميز دوركايم بين اكراه تمارسه الاعراف والمعايير واكراه تمارسه القيم والمثل الاجتماعية. ان المعايير العرفية تعاليم ووصايا، أوامر ونواه، تستند الى عقوبات خاصة وعامة. وهي التي تعين الادوار وتضفي على ادائها طابع التماسك والثبات. 

ان المجتمع لا يكرهنا من خلال المثالات والنماذج التي ينتجها، وتحديده اساليب العمل الاجتماعي وكيفياته، واخضاعنا لاعلامه الذي ينشر معتقداته، وحسب، بل يكرهنا ايضا ويقهرنا من خلال التنشئة الاجتماعية بالذات، والزامنا بارتقابات وتوجهات معينة. ان الاكراه هو ترابط بين عناصر المنظومة الاجتماعية ومعالمها المختلفة، ترابط يتوفر اولا بما يسمى الشراكة الاجتماعية في الدوافع، ويتوفر ثانيا بواسطة فعالية النسق المعرفي او من خلال القوة الجاذبة التي تمارسها القيم، اي النماذج المثالية. 

استعمله الفقهاء بما له من المعنى اللغوي والعرفي، ولم يذكروا له معنى آخر، قال الشيخ الأنصاري: «إنّ حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً حمل الغير على ما يكرهه».   

للاكراه الفاظ ذات صلة به في حقل الفقه، مثل الاختيار، وهو الانتقاء والاصطفاء، وأيضاً: طلب ما هو خير وفعله. وقد يستعمل الاختيار بمعنى الرضا وطيب النفس مقابل الكراهة وعدم الرضا.

قال الشيخ الأنصاري: «من شرائط المتعاقدين: الاختيار، والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس، لا الاختيار في مقابل الجبر».  

ومنها الإجبار، وهو الإكراه، وكثيراً مّا يستعمل الفقهاء أحدهما موضع الآخر، ولكن قد يطلق الإجبار في كلماتهم ويراد به حمل الغير على ما يكرهه من دون حصول قصد منه إلى وقوع الفعل كالصائم المكتّف الذي يصبّ الماء في حلقه بحيث لا قصد له إلى شربه أصلًا، وهذا بخلاف الإكراه، فإنّه حمل الغير على ما يكرهه مع قصده إلى وقوع الفعل عن كراهة ومن دون طيب النفس.

ومنها الاضطرار، وهو بمعنى الاحتياج إلى الشي‏ء والإلجاء إليه. والاضطرار قد يكون حدوثه من أجل إكراه الغير وإلزامه، كما إذا حمل شخص آخرَ على فعل مع الإيعاد على تركه، فهو عندئذٍ يضطرّ إلى الإتيان بذلك الفعل، وقد يكون من أجل أمر آخر غير الإكراه والإلزام من قبل إنسان آخر، كما إذا اضطرّ إلى بيع داره لحفظ نفسه أو الإنفاق على عياله أو أداء دينه الواجب.

اكثر الوجوه بروزا على سطح التفاعلات الاجتماعية التي يمكن تلمس الاكراهات المختلفة من خلالها، هو مصطلح الاقناع، الذي يتسرب الينا عبر اكثر من جهة عبر التعاملات اليومية لافراد المجتمع، وعبر وسائل الاعلام، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من صور التفاعل، والاقناع يفرض علينا من خلال مايتمتع به من نفوذ وقدرة على استيعاب توجهاتنا هو الوجه الابرز لكل الاكراهات التي نعيشها.

ما هو الاقناع؟

للفعل الثلاثي (قنع) ثلاثة معاني:

القناع: وهو ما تغطي المرأة به رأسها، الإقناع : السؤال بتذلل، والاقتناع: الرضا بالشيء والقبول به.

والاقناع في التعريف الاصطلاحي هو (الجهد المنظم المدروس الذي يستخدم وسائل مختلفة للتأثير على آراء الآخرين وأفكارهم بحيث يجعلهم يقبلون ويوافقون على وجهة النظر في موضوعٍ معين، وذلك من خلال المعرفة النفسية والاجتماعية الآخرين).

كما يعرف على أنه: (عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة ما).

ويعرّف أيضاً بـانه (استخدام الإنسان للألفاظ والكلمات والإرشادات وكل ما يحمل معنى عاماً لبناء الاتجاهات والتصرفات أو تغييرها).

هناك شكلان من الاقناع هما:

إقناع مباشر: يخاطب الفرد أو الجمهور بشكل تلقائي بدون مواربة أو مُداراة مما يستشير في العادة دفاعات المتلقي مما يجعله يُبدي تصلّباً ومقاومةً نفسية متزايدة ينتج عنها في الغالب عدم قبول وجهة النظر المطروحة.

أو إقناع غير مباشر: ويكون بالعادة متوارياً ولكنه ذكي يدفع المُتلقي إلى استنتاج الأمور بنفسه ومن ثم يعمد إلى اتخاذ القرارات بصدد الموضوع المطروح من تلقاء نفسه مما يُشعره بالرضا والراحة النفسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م