الأوجه المتعدد لكوريا في غرق العبارة..

 

شبكة النبأ: حادث غرق العبارة الكورية الجنوبية التي كانت تقل على متنها أكثر من "475" شخصا بينهم "325" تلميذا، لا تزال محط اهتمام شعبي وإعلامي كبير خصوصا وان التحقيقات الخاصة أكدت ان حمولة العبارة كانت أكبر بثلاث مرات من الحد المسموح به، وهو ما تسبب بحدوث هذه الكارثة التي راح ضحيتها المئات من تلاميذ المدارس وهو ما أحدث ضجة كبيرة في البلاد أجبرت رئيس الوزراء على الاستقالة. وغرقت العبارة المؤلفة من تسع طبقات بينما كانت متوجهة إلى جزيرة جيجو (جنوب) وهي تقل صفوف تلاميذ في رحلة مدرسية.

وأثار حجم المأساة ذهول كوريا الجنوبية التي كانت تعتقد أنها طوت صفحة هذا النوع من الكوارث إلى الأبد. ويسود اعتقاد لدى مواطنين غاضبين أن أداء خفر السواحل والفساد وتواطؤ بعض المسؤولين بالجهات الحكومية مع شركات النقل البحري كلها أسباب قادت لغرق العبارة. وهو ما دفع السلطات الى اعتماد وإجراء خطط والقرارات الجديدة ومنها جهاز خفر السواحل واستحداث أجهزة ووزارات جديدة، هذا بالإضافة الى زيادة الميزانية المخصصة للسلامة البحرية وتوسيع أساليب التدريب على الإنقاذ، وهو ما اعتبره البعض ساسة فاشلة ومكشوفة من قبل السلطات للتهرب عن مسؤوليتها المباشرة في هذا الحادث من خلال إلقاء اللوم على خفر السواحل واتهامه بالتقصير هذا بالإضافة الى أنها قد اعتمدت أساليب الكذب والتضليل بخصوص عمليات الإنقاذ.

اعتذار رسمي

وفي هذا الشأن قدمت باك جون هاي رئيسة كوريا الجنوبية اعتذارا رسميا بشأن كارثة العبارة التي أدت إلى قتل أكثر من 300 راكب معظمهم من تلاميذ المدارس وقالت إنها ستحل خفر السواحل لأنه تقاعس في مهمته للإنقاذ. وقالت باك في كلمة عبر التلفزيون إن مهمة الانقاذ التي يقوم بها خفر السواحل ستنقل إلى وكالة وطنية للسلامة سيتم إنشاؤها وستتولى الشرطة الوطنية مهمة التحقيقات التي كان يقوم بها خفر السواحل.

وقالت باك "أعتذر للشعب على الألم والمعاناة التي شعر بها الجميع وكرئيسة للبلاد فعلي أن أكون مسؤولة عن سلامة وحياة الناس." وغرقت العبارة سيول التي كانت تحمل 476 شخصا من الركاب وأفراد الطاقم مما أدى إلى مقتل مالايقل عن 286 شخصا . وفقدان 18 شخصا بعد أسوأ كارثة بحرية مدنية في كوريا الجنوبية. وكان يوجد من بين الركاب 339 طفلا ومدرسيهم خلال رحلة من مدرسة ثانوية في ضواحي سول.

وضبط بعض أفراد طاقم العبارة ومن بينهم القبطان في شريط مصور وهم يغادرون السفينة على الرغم من ابلاغ الاطفال مرارا بالبقاء في قمراتهم وانتظار تلقي أوامر آخرى. واعتذرت باك شخصيا لكثيرين من أفراد عائلات الضحايا ولكن ادارتها واجهت انتقادا مستمرا وغضبا عاما بسبب أسلوب معالجتها للكارثة. وقالت باك إن خفر السواحل لم يتقاعس في اداء واجبه المتعلق بالتفتيش والانقاذ فحسب وإنما سيكون عاجزا أيضا في شكله الحالي عن منع وقوع كارثة ضخمة آخرى. بحسب رويترز.

وأضافت باك "استمر خفر السواحل في الزيادة في الحجم ولكن ليس لديه أفراد بما يكفي كما أن الميزانية المخصصة للسلامة البحرية والتدريب على الإنقاذ غير كافية بشكل كبير." وأعلنت قرارات اتهام لكل افراد الطاقم الناجين وعددهم 15 . ووجهت للقبطان وثلاثة من كبار أفراد الطاقم تهمة القتل في حين وجهت لباقي أفراد الطاقم تهمة الاهمال. ويقول الادعاء إن العبارة كان بها عيوب هيكلية بعد تجديدها لزيادة طاقتها وتم تحميلها فوق طاقتها. وأضاف إن انعطافا حادا للعبارة بعد ذلك أدى إلى ميلها وغرقها.

استقالة رئيس الوزراء

في السياق ذاته استقال رئيس وزراء كوريا الجنوبية تشونج هونج وون من منصبه بسبب تعامل الحكومة مع كارثة غرق عبارة بعدما كان قد تم الإعلان في بادئ الأمر عن إنقاذ جميع من كانوا فيها مما يركز الانتباه على ضعف الإجراءات الرقابية. وكوريا الجنوبية رابع أكبر اقتصاد في آسيا وأصبحت قوة كبيرة في مجال التصنيع والتصدير وواحدة من أكثر دول العالم تقدما في مجال التكنولوجيا لكنها تواجه انتقادات بأن إجراءاتها الرقابية لا تتناسب مع هذا التقدم.

وفي إطار التحقيق داهمت سلطات كوريا الجنوبية جهتين لمراقبة سلامة الملاحة ومكتبا لخفر السواحل ومركزين لخدمات السفن هما المسؤولان عن مراقبة حركة الملاحة البحرية. وقال تشونج الذي بدا عليه الحزن في بيان مقتضب "الاحتفاظ بمنصبي عبء كبير جدا على الإدارة. "بالنيابة عن الحكومة اعتذر عن مشاكل كثيرة بدءا من منع وقوع الحادث وانتهاء بالتعامل المبكر مع الكارثة."

وأضاف "هناك الكثير من التجاوزات والممارسات الخاطئة في أجزاء من المجتمع مستمرة معنا منذ وقت طويل للغاية وأتمنى أن يجرى إصلاحها حتى لا تقع هذه الحوادث مجددا." وتابع "قررت الاستقالة الآن كي لا أكون عبئا على الحكومة". وأضاف إن "الحادث أغرق جميع الكوريين الجنوبيين في حالة عميقة من الصدمة والحزن. مذاك مرت أيام (كثيرة)، ولكن صرخات عائلات المفقودين لا تزال تطاردني في الليل".

وتعرضت الحكومة الكورية الجنوبية والإدارات العامة التي تعاملت مع الكارثة لانتقادات شديدة بسبب طريقة تصرفها إزاء الحادث وإدارتها لعمليات الإنقاذ. وكان شخص قد رشق تشونج بزجاجة مياه عندما زار أسر الضحايا. وأطلق أقارب بعض الضحايا صيحات استهجان عندما زارت الرئيسة باك جون هاي صالة للألعاب الرياضية تمكث بها أسر المفقودين.

وزادت حدة الغضب بسبب بطء وتيرة جهود الإنقاذ والتغيير المتكرر في المعلومات التي تقدمها الحكومة. وكانت وسائل اعلام قد ذكرت أن إدارة التعليم المحلية في جيونجي بعثت برسائل نصية لأسر الضحايا بعد ساعات من وقوع الكارثة وقال فيها إنه تم "إنقاذ كل تلاميذ مدرسة دانون الثانوية."

وتعتبر الاستقالة في كوريا الجنوبية إلزامية للمسؤولين الحكوميين ورؤساء الشركات الذين توجه إليهم الانتقادات. وفقدت فرق الإنقاذ كل أمل بالعثور على أي من المفقودين على قيد الحياة، في حين تندد عائلات الضحايا بالبطء الكبير في إخراج الجثث من حطام العبارة. وأكد شونغ هونغ-وون "ليس الوقت الآن وقت توجيه أصابع الاتهام إلى بعضنا البعض، علينا إنجاز عمليات الإنقاذ"، طالبا من مواطنيه "الصفح والتفهم".

على صعيد متصل بات جميع عناصر طاقم العبارة التي غرقت مقابل سواحل كوريا الجنوبية، قيد التوقيف فيما علقت اعمال البحث عن جثث بسبب سوء الاحوال الجوية. ووصلت سفينة تابعة للبحرية الاميركية الى المكان. واوقف اربعة عناصر من الطاقم لم يجر احتجازهم من قبل، بحسب وزارة الداخلية. واوقف قبطان سيوول، لي جون-سيوك وعشرة اخرين من افراد الطاقم بتهم عدة، على الاخص الاستهتار والتخلي عن الركاب. بحسب فرانس برس.

ويكاد الكوريون الجنوبيون لا يصدقون ان كارثة بهذا الحجم يمكن ان تقع في بلادهم. واعرب الاهالي والصحافة والرأي العام عن غضبهم والمهم في انتقادات عنيفة موجهة الى السلطات عموما: الحكومة وخفر السواحل وفرق الاغاثة والشركة المالكة للعبارة. من جهة اخرى وصلت سفينة اميركية متخصصة في الانقاذ البحري الى جيندو لمساعدة فرقة الاغاثة، وصرح متحدث عسكري اميركي ان سفينة يو اس اس سيفغارد تنقل "على متنها غواصين ومعدات انقاذ، لكن ينبغي رؤية كيف يمكنها المساهمة في الجهود الجارية لانتشال الجثث".

انتحار وإحياء ذكرى

في السياق ذاته قالت الشرطة إن نائب مدير مدرسة ثانوية في كوريا الجنوبية انتحر بعدما اصطحب تلاميذ على متن عبارة انقلبت مع تلاشي الآمال في العثور على أحياء. واختفى كانج مين جيو نائب مدير المدرسة (52 عاما). وشنق كانج نفسه على ما يبدو بحزامه الذي علقه في شجرة خارج صالة للألعاب الرياضية في مدينة جيندو الساحلية التي تجمع فيها أقارب المفقودين في الحادث ومعظمهم من تلاميذ المدرسة. وذكرت الشرطة أن كانج لم يترك رسالة انتحار وأنها بدأت البحث عنه بعدما أبلغ معلم في المدرسة عن اختفائه.

وأنقذ كانج من العبارة بعدما انقلبت. وقالت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء إن السلطات ألقت القبض على قبطان العبارة لي جون سيوك (69 عاما) بعد أن خضع لتحقيق جنائي بعدما قال شهود إنه كان بين أول من فروا من السفينة الغارقة. وقال محققون إن لي ربما لم يكن موجودا في قمرة القيادة وقت الحادث وان الضابط الثالث هو الذي كان يقود العبارة وهو موقف معتاد في العديد من رحلات السفن.

وغرقت العبارة في ظروف طقس هادئة وكانت تبحر في طريق معتاد. ورغم قربها النسبي من الشاطئ لم تكن هناك صخور أو شعاب مرجانية في المنطقة. وقال مسؤول في خفر السواحل إن الغواصين وصلوا إلى منطقة الشحن على سطح العبارة لكنهم لم يقتربوا حتى الآن من مناطق الركاب.

الى جانب ذلك تحمل باقات الزهور لتأبين التلاميذ الذين غرقوا في عبارة كوريا الجنوبية صورا للضحايا بزي المدرسة بينما تركت مساحات فارغة لتشغلها صور أولئك الذين لا يزالون في عداد المفقودين بمجرد تأكد وفاتهم. وغطت الصور والزهور والفراغات جدران صالة الألعاب الرياضية قرب مدرسة دانون الثانوية في آنسان على مشارف العاصمة سول.

وقال الطالب الجامعي جونج سون (24 عاما) وهو يبكي "هناك عدد كبير جدا من الصور أكثر كثيرا مما تصورت... يبدون صغارا جدا في هذه الصور. آمل حقا أن يحققوا حلمهم في الحياة الآخرة وآمل أن يعود الأطفال المفقودون إلى آبائهم في أقرب وقت ممكن." وكانت امرأة تصرخ وتنتحب وهي تردد اسم حفيدتها لي بومي.

وقالت الجدة "لا تزال بومي في الظلام. لم تعد إلى المنزل بعد. ماذا سنفعل؟ لقد جئت إلى هنا لاستعلم منكم؟ لا تزال في المياه المظلمة. ماذا يفترض أن أفعل؟" وغرقت العبارة التي تزن سبعة آلاف طن تقريبا اثناء رحلة روتينية من ميناء أنشيون إلى جزيرة جيجو. وتتركز التحقيقات على خطأ بشري وعطل فني.

واستأنفت المدرسة الدراسة في جو من الكآبة والحزن. وفي فصول المفقودين كتب الاصدقاء رسائل على المكاتب والسبورات والنوافذ في الأيام التي تلت وقوع الكارثة والتمسوا العودة الآمنة لأصدقائهم. وعلقت رسالة على نافذة بفصل دراسي فارغ في أيام تلاشت فيها آمال العثور على أحياء. وكانت الرسالة موجهة لفتاة تدعى سي يون.

وتقول الرسالة "سي يون أنا صديقك. افتقدك كثيرا. أنا قلق للغاية. اخرجي من هذه العبارة. علينا أن نذهب لتناول أطعمتنا المفضلة البطاطا والجبن واليوسفي. "من المؤكد أن الجو بارد هناك. أنا آسف لأنني لا أستطيع أن أفعل شيئا من أجلك. ذلك يجعلني أشعر بالاحباط فلا يوجد ما أفعله سوى الدعاء لك. لا أريد حتى أن اتخيل إلى أي حد انت خائفة. آمل أن تكوني على قيد الحياة... أريد أن اقول لك أني أحبك." بحسب رويترز.

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما لصحيفة جونج آنج إلبو إنه وزوجته ميشيل لا يمكنهما تخيل ما يشعر به آباء الأطفال. وقال أوباما "عندما يكون أصدقاؤنا في ورطة تقدم أمريكا العون وسنستمر في بذل كل ما بوسعنا لنقف مع أصدقائنا الكوريين في هذا الوقت العصيب." وقال أستاذ يشرف على دعم التلاميذ نفسيا بعد الحادث إن الأطفال الآن لا يثقون في الكبار الذين تشاجروا ولم يفعلوا شيئا يذكر لإنقاذ الركاب بل طلبوا منهم البقاء في أماكنهم.

فيديو ما قبل الكارثة

على صعيد متصل أظهر مقطع فيديو، التقطت مشاهده بواسطة هاتف نقال، عددا من التلاميذ، الذين كانوا على متن العبارة الكورية الغارقة، يمزحون ويمرحون قبل دقائق من غرقها. وظل جو المرح سائدا لبعض الوقت إلى أن استولى القلق على الركاب حين أدركوا أنهم في وضع حرج. وأظهر مقطع فيديو صورا، التقطت بواسطة هاتف نقال، عددا من التلاميذ الذين غرقت عبارتهم وهم يتحدثون ويضحكون عن غرق سفينة تيتانيك، وذلك قبل دقائق من وقوع الحادث.

والتقط هذه المقاطع تلميذ في السابعة عشرة من العمر، عثرت فرق الإنقاذ على جثته في حطام العبارة. ويظهر المقطع جمعا من هؤلاء الشباب والفتيان وهم يلهون ويمرحون أثناء تمايل العبارة. ويقول أحدهم مازحا "انقذوني"، ويسمع صوت تلميذ آخر يقترح نشر هذا المقطع على موقع فيس بوك، فيما الثالث يصيح "سيحل بنا ما حل بركاب سفينة تيتانيك".

وتشير ساعة الهاتف إلى أن المقطع صور قبل دقائق قليلة من بث طاقم العبارة أول إشارة طلب نجدة. وظل جو المرح سائدا لبعض الوقت، ثم استولى القلق على الركاب حين أدركوا أنهم في وضع حرج. وبثت وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية هذه المشاهد بناء على طلب والد أحد التلاميذ، وجرى إخفاء ملامح الوجوه من المقطع احتراما للضحايا.

وتسمع في التسجيل أصوات طاقم العبارة وهم يطلبون عبر مكبرات الصوت من الركاب أن يلزموا أماكنهم. وقال القبطان للمحققين إنه أراد أن يتجنب قفز الركاب إلى مياه البحر قبل وصول فرق الإنقاذ. ويسمع في التسجيل صوت شاب يتساءل "ماذا يفعل القبطان في هذه الأثناء يا ترى".

من جانب اخر قال غواص انتشل جثتي فتى وفتاة إن الاثنين اللذين حوصرا في العبارة الكورية الجنوبية الغارقة التي كانت تحمل مئات التلاميذ أوثقا سترتي نجاتهما معا حتى لا يفترقا حين يطفوان على سطح المياه. واضطر الغواص الى فصل الاثنين لانه لم يكن بوسعه ان يحمل الجثتين معا الى سطح المياه في نفس الوقت. بحسب رويترز.

وقال لصحيفة كيونجهيانج شينمون في جزيرة جيندو بالقرب من الموقع الذي غرقت فيه العبارة المكتظة بالركاب "أخذت أبكي وأنا أفكر أنهما لم يرغبا في الافتراق عن بعضهما." وقال حرس السواحل إن والدي الفتى الذي كان أول من نبه صوته المتهدج في اتصال هاتفي الى أن هناك عبارة تحمل أكثر من حمولتها المقررة تغرق يعتقدان أيضا انه تم العثور على جثته.

وشاهد الوالدان جثته وملابسه وخلصا الى أنه ابنهما لكن لم يتم تحديد هويته بصفة رسمية. وكان الفتى هو من اتصل برقم الطوارئ الذي حوله الى خدمة مكافحة الحرائق التي بدورها حولته إلى خفر السواحل بعد دقيقتين. وقال ضابط اطفاء إن ذلك أعقبه نحو 20 اتصالا آخر برقم الطوارئ من تلاميذ على متن العبارة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آيار/2014 - 20/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م