في واحدة من أهم إحتفاليات الأمم المتحدة؛ يشهد الحادي والعشرين من
أيار من كل عام العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية.. وما
أكثر حاجة شعبنا لذلك اليوم لنستذكر تلك السبيكة العراقية الجميلة
بمكوناتها وتنوعها القومي والديني والطائفي.. نعم تنوعنا كان من
المفترض أن يجلب لنا السعادة لا أن يستخدمه البعض ليدمر النسيج
المجتمعي المتجانس للشعب، فعلى الرغم من أن عدد القوميات والأديان
واللغات المستخدمة ليس بالعدد الكبير الذي يجلب الفرقة كما في الهند
مثلاً التي تنطق بأكثر من مائة لغة ولهجة عامية اعترف بالدستور الهندي
بـ 24 منها فقط أما من حيث الأديان فهناك عشرات الأديان وتنوع عرقي
كبير إلا إن القيادة الهندية التي حافظت على وحدة الهند تجاه التهديدات
الجسيمة التي كان أخطرها الحروب الأهلية التي إجتاحت الكثير من بلدان
العالم الثالث ولازالت.
القيادة الهندية متمثلة بـ جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء هندي بعد
إستقلال الهند عن الإمبراطورية الإنكليزية ركزت على التعددية في
المجتمع الهندي حيث قال "إن التنوع في المجتمع الهندي هائل وبديهي.
وهذا التنوع يمكن مشاهدته في كل ما حولنا، ولكنه موجود أيضا حتى على
مستوى الملامح وعلى مستوى طرق التفكير. ورغم كل هذا التنوع الهائل، لا
يمكن أن نخطئ في كوننا دولة موحدة".
وفي خطاب آخر في بداية الخمسينات، دعا وزراءه إلى "عدم التعامل مع
الهنود بنفس الطريقة أو الأسلوب، لأنهم متنوعون ومختلفون كثيرا بعضهم
عن بعض. ومن الطبيعي ألا يكون مقبولا حرمانهم من أي شكل من أشكال الحكم
الذاتي أو الاستقلالية النسبية".
تمكنت القيادة الهندية من أن تكون مثالاً يحتذى به في كيفية إدارة
أيدلوجية التنوع الثقافي والفكري في الهند بلد المليار إنسان، أكثر من
مائة مليون منهم من القبائل البدائية، والأديان واللغات التي تمثل قمة
التنوع الإنساني في الثقافات المختلفة.. قابلية كبيرة تبذلها قيادة
الهند في بناء النماذج المتجانسة للشعب الواحد بالولاء والفكر والعقيد
والوطنية وإستيعاب الجماعات الثقافية بما يؤهلها لإدارة شؤونها وإحترام
كبير لمبادئ الحكم الذاتي داخل إطار الأمة الواحدة فلم تفرض تلك
القيادة أي قوة على تلك المجموعات الثقافية حيث كان مبدأ الإقناع
بضرورة العمل المشترك لبناء الأمة ولمحافظة على وحدتها هو السائد
سياسياً، لقد طرحت القيادة الهندية المشتركات الأساسية للشعب الهندي
وعملت على ديمومتها وإستخدمت التنوع بكافة أنواعه كمصدر قوة ومنعة
للشعب ولم يخفي هذا التنوع الهائل شكل الهند كدولة موحدة فقد كفلت
الحكومة للجماعات الثقافية حرية تكريس مقومات هويتها، لإعطائها أقصى
درجات الحكم الذاتي.
في العراق نعاني من الطائفية ويتحول تدريجياً هذا التنوع القومي الى
أحد أسباب تشتت وحدتنا الوطنية التي من المفترض أن تعيش أبهى أوقات
وحدتها بعدما حصل الإنفراج أخيراً بإنفتاح واسع الطيف على كل القوميات
والأديان.. إلا إن اليد الخبيثة لازالت تعمل بكد على جعل هذا التنوع
سبيلاً لفرقة أبناء البلد الواحد على الرغم من عدم معرفة المحرك الرئيس
لتأجيج الطائفية إلا إننا حتى اللحظة لم نتقارب، أو نحاول ذلك، بالشكل
الذي لا يترك مسافات ولو كانت قليلة بين قومياتنا وأدياننا وطوائفنا من
المكن أن يدخل بيننا من يحاول أن يفتت وحدة الدولة العراقية، والكثير
من سياسي المرحلة قد عمدوا على الإبقاء على ورقة الطائفية طمعاً في
حصولهم على مكاسب إنتخابية من خلال أن تصوت طوائفهم لهم بعدما عجزوا،
أو تعمدوا في ذلك، عن رأب الصدع الحاصل بين العراقيين وتمزق نسيجهم
الإجتماعي لأسباب عدة أهما عدم الإيمان بحتمية التنوع الثقافي والديني
وناهيك عن السماح لأجندات خارجية بالتدخل في ذلك وإستغلاله.
تهدف الأمم المتحدة من خلال اليوم العالمي للتنوع الثقافي الى تعميق
مفهوم الحكومات في العالم لقيم التنوع الثقافي وتعليم البشرية أن "تعيش
سوياً" بشكل أفضل والترويج المستمر لزيادة الوعي حول طبيعة العلاقة
الماسة والضرورية بين الثقافة والتنمية وأهمية الدور الذي يجب أن تلعبه
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في هذه العلاقة، فكم نحن بحاجة الى
الحوار الصادق البناء القادر على إعادة تشكيل الأمة العراقية بقومياتها
وأديانها وطوائفها ولتكون جميعها مصدر قوة للمجتمع وقطع دابر من يحاول
التشكيك بوحدتنا الوطنية أو أن يحاول بث بذور الفتنة والشقاق بيننا..
وطننا كبير وثري بكل شيء.. العراق عبارة عن ثروة كبيرة ظاهر منها وباطن
فما فوق تراب العراق ثروة وما تحته ثروة وحتى سماءها ثروة وهي كافية
بإذن الله لنا جميعاً وستفيض عن حاجتنا حتى فلماذا لا نحسن إستخدام
ثرواتنا وتوزيعها العادل ولماذا لا نحسن الكلام بكل اللغات في الوطن من
اجل وحدته وما أغلاها على قلوبنا وما أجمل أن " نعيش سوية" في العراق
الواحد.. حفظ الله العراق.
zzubaidi@gmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |