العصا السحرية الكاذبة، أما آن لها الرحيل؟

صالح الطائي

 

مع كل تفجير يقع في هذه المحافظة أو تلك، ترتفع عقيرة العراقيين بسؤال يحرق الفؤاد؛ تكرر وسيتكرر مئات المرات إذا لم تتم معالجة الخلل الكبير: إلى متى تبقى أرواحنا مرهونة بعصا غبية استوردها الفساد المالي بملايين الدولارات؟ إلى متى يبقى الموت يحصد أرواح العراقيين مع وجود هذه العصا في كل السيطرات؟ متى يصدق السياسيون نتائج الدراسات الغربية المخيبة عن هذه العصا؟ متى يرى المواطن العراقي هذه العصا تختفي، ويحل محلها جهاز نافع قادر على كشف المجرمين قبل أن يوقعوا الأذى بالعراقيين؟

ومع التكرار والتأوه، والخسائر والدمار، والوجع المتجدد، نكاد لا نجد جوابا يريحنا أو يطيب خاطرنا، وكأن المسألة مسألة عناد وتحد بين الحكومة والمواطن المغلوب على أمره. وجل ما نراه هو تحرك عصا "أي دي إي 651" التي أنتجتها شركة (ATSC) البريطانية التي يملكها المستر "جيم ماكورميك" في مدينة "سومرست" بيد رجال الأمن العراقيين دون أن تعثر على ما يهدد حياتنا، وحتى المرات العشوائية التي تنجح العصا من خلالها بكشف مخالفة ما، كان غباء وتهاون وعدم احترافية بعض رجال الأمن في السيطرات، ومكر الإرهابيين يمرر الموضوع بيسر، لتقع المأساة، وتقيد ضد مجهول، بينما الجميع يعلم أن من أشترك في تنفيذها هم المقصرون الذين استوردوا العصا، ورجال الأمن الذين تجاهلوا حركتها العشوائية، والسياسيين الذين غضوا الطرف عنها وعن مساوئها، فضلا عن الإرهابيين المجرمين الذين استغلوا كل ذلك ليقعوا الأذى بالعراقيين الطيبين.

بدأت قصة هذه العصا الخرافة السمجة في منتصف تسعينات القرن الماضي، يوم قامت بعض شركات الالكترونات الأوربية بتسويق سلسلة من عصي التنبؤ، تشبه إلى حد ما عصا الاستنباء عن المياه داخل التربة، وبدأ الطلب عليها ولاسيما من قبل الأجهزة الأمنية في البلدان غير المستقرة، وبعض المؤسسات الأمنية. لكن وقوع عدة اختراقات، وفشل العصي في كشف المواد الممررة قبل وقوع الكارثة دفع المباحث الفيدرالية الأمريكية لتقوم عام 1995 بأول اختبار جدي لهذه العصي، وكان الجهاز المفحوص هو جهاز "كوادر تراكر" الذي أثبت فشله كليا، حيث أعلنت الـ (CIA) أن هذا الجهاز مجرد خدعة تستغفل العقول، وحذرت منه، ومنعت استخدامه، وأصدرت بذلك تعليمات إلى الجهات المختصة للأخذ برأيها، ثم في عام 1999 قامت باختبارات أخرى على أجهزة أخرى، ووصلت إلى نفس النتيجة الأولى، وأصدرت تحذيرا ومنعا آخر. وفي عام 2002 أجرى مختبر "سانديا" الوطني الأمريكي اختبارا على جهاز آخر من هذه الأجهزة اسمه "مول ديتكتور" نجح بشكل عشوائي في كشف بعض الحالات، فوجد أنه الآخر خدعة لا أكثر، وأن نجاحه في كشف حالات محددة كان مجرد عملية عشوائية، ممكن أن تحدث حتى مع عصا عادية.

ومبدئيا نجد أن كل المتخصصين الذين أجريت معهم لقاءات حول هذه الأجهزة، أثبتوا فشلها، وقالوا عنها: إنها مجرد خدعة غبية مررت على القادة العراقيين والأفغانيين الذين وقعوا في المصيدة، ثم لم يعترفوا بالهزيمة، غير مبالين لما يصيب الشعوب من ضرر وعذاب.

والغريب أن الحكومة البريطانية بعد أن وجدت أن صاحب الشركة المصدرة خدع العراقيين والأفغانيين، وأثرى من هذه الصفقة ثراءً فاحشا، فأشترى بالمراهنة على رؤوس الأبرياء بيتا ريفيا كبيرا وسيارة "بورش كايان" باهظة الثمن، ومزرعة كبيرة، ومجموعة كبيرة من الخيول، مع كثير من البذخ المفرط؛ كانت هي المبادرة، فقررت حظر تصدير العصا الكاذبة إلى العراق وأفغانستان درأً للفضيحة لا أكثر، بما ذكرني بموقفها المتشدد والحدي مع الغانيات اللواتي يمارسن البغاء مقابل المال من دون رخصة رسمية، لا تدينا ولا لسبب أخلاقي أو لحماية المجتمع من الأمراض الخطيرة المحتملة، وإنما لحماية الباغيات الرسميات اللواتي يدفعن ضريبة المهنة؛ من منافسة البغايا غير الرسميات، بما يؤثر على مقدار دخلهن، فيؤثر بالتالي على مبلغ الضريبة التي يدفعنها للحكومة البريطانية.!

إن فشل الجهاز الواضح، وعدم البحث الجدي عن أجهزة أكثر كفاءة تحمي أرواح العراقيين سوف يدفعهم إلى التمرد والثورة، وإذا ما غطت دماء الأمس نهر الكرخا بسبب غباء وعنجهية وحماقة وجهل السياسيين، فإنها تغطي اليوم وجه محافظاتنا العزيزة للسبب نفسه، ولذا أجد أن السبب الذي دعانا بالأمس إلى الثورة، يدعونا اليوم إلى ثورة جديدة لحماية أهلنا وأنفسنا ووطننا وثرواتنا وتاريخنا.!

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آيار/2014 - 19/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م