شبكة النبأ: لم يكن صدفةً ان تندفع
جهات دولية وإقليمية للتضامن مع دولة نيجيريا التي تواجه أزمة هي
الاولى من نوعها يخلقها التطرف الديني، باحتجاز حوالي (276) فتاة من
قبل عناصر تنظيم "بوكو حرام"، فقد هطلت بيانات التنديد والاستنكار من
واشنطن وباريس ولندن والمنظمة الدولية، وحتى من اسرائيل..! وابدى كلٌ
استعداده للمشاركة بعملية تحرير المختطفات، مثل الانزال الجوي
(امريكا)، أو ارسال الوحدات الخاصة، (بريطانيا)، كذلك فعلت اسرائيل،
دون أن يوضح "نتنياهو" طريقته الخاصة..! وذلك، في تظاهرة اعلامية
واضحة، تتغافل بعض وسائل الاعلام عن مدى مصداقية هذه المشاركة وامكانية
تنفيذها في أجواء شديدة الحساسية والخطورة في بلد افريقي يعيش بالأساس
على صفيح ساخن بسبب العلاقات المختلّة بين المسلمين والمسيحيين.
جذور المشكلة لا تعود الى خلافات اجتماعية بين المسلمين والمسيحيين
على الارض او الطقوس الدينية او السلوك الاجتماعي وحرية العقيدة،
فبالنسبة للمسلمين، لم تكن هذه وغيرها، من الأسباب الحقيقية لاندلاع أي
نزاع مع اصحاب الديانات الاخرى، نظراً الى القيم والمبادئ الإنسانية
والأخلاقية التي يُعرف بها المسلمون في العالم. إنما بدأت من حالة
العزلة التي عاشتها شريحة من المسلمين في شمال البلاد عن باقي المجتمع
النيجيري في العقود الماضية، وتركزت مشاعر الكراهية إزاء نظام الحكم
المسيحي المفروض عليهم، في المناهج الدراسية التي عليهم ان يتعلموا
فيها مبادئ الديانة المسيحية، إضافة الى إتباع المناهج التربوية التي
ربما تخالف بعضها القيم الاسلامية. مما يمكن القول معه ان هذه العزلة
لشريحة اجتماعية واسعة، ربما تصل الى ملايين من البشر، كانت بمنزلة
القنبلة الموقوتة، أو برميل البارود تحت التراب، في بلد يعد من البلاد
الغنية في القارة السمراء، حيث يمتلك مخزوناً هائلاً من النفط والمعادن.
علماً أن نيجيريا تُعد من اكبر الدول الاسلامية في افريقيا من حيث
تعداد السكان، حيث تبلغ النسبة حوالي (75) بالمئة من السكان، أي بوافع
حوالي (85) مليون مسلم.
هذه الفرصة الذهبية والخصبة للنمو والتطور في هذا البلد، تحول الى
أرضية لنمو التطرف الديني وتشكّل جماعات تعتقد بان العنف هو الوسيلة
الوحيدة للأخذ بحقها ممن تعتقد أنهم يحكمون ويسيطرون على مقاليد السلطة
دون ارادتهم. لكن تبقى المشكلة أن المظلوم الذي يرتكب خطأ الظالم يفقد
حقه في التظلّم، هذا إن لم يتحول هو الى ظالم جديد. وهذا ما سقطت فيه "بوكو
حرام"، وكلمة "بوكو" تعني التعليم في لغة "الهوسا" لساكني الشمال، فهم
حرّموا التعليم المفروض عليهم "مسيحياً"، بيد أنهم سقطوا في مستنقع "التطرّف
الديني" اختياراً وجهلاً بعواقب الأمور.
ولم تكن ظلال السلفية والعقيدة الوهابية ببعيدة عن المسلمين في هذا
البلد الوادع على غرب القارة وعلى سواحل المحيط الاطلسي، وربما كان
تصدير هذا الفكر التكفيري والعنيف، بمنزلة الهبة السعودية – الخليجية
لمسلمين يعيشون ازمات سياسية واجتماعية يحتاج حلها الى حزمة حلول
متجانسة تشمل السياسي والاجتماعي، لإحلال السلم الأهلي وترويج حالة
التعايش الديني والمطالبة السلمية بالحقوق المشروعة. بيد ان الذي حصل
هو المطالبة بتطبيق "الشريعة الإسلامية"، في الولايات ذات الاغلبية
المسلمة في شمال البلاد. هذه المطالبة دفعت الجماعة لخوض معارك دامية
مع المسيحيين الساكنين في هذه الولايات، وسجلت سنوات 2001 و2008، احداث
عنف دامية راح ضحيتها حوالي ألف مسلم، قضوا بطرق فظيعة، ذبحاً او
حرقاً. كما شهدت الاعوام 2010 و2012، احداث عنف مماثلة راح ضحيتها
العشرات من القتلى والجرحى بين الجانبين.
هذا الواقع المرير يذكر العالم بتجربة "طالبان" في أفغانستان، حيث
نشأت جماعة من بين صفوف المدارس الدينية، بدعوى الدفاع عن الاسلام من
التهميش او الضياع، فأوجدوا حركة تنظيمية بنوا على أساسها نظاماً
سياسياً شق طريقه بسرعة وسط الساحة السياسية الافغانية التي كانت تعاني
التمزق والاحتراب، بيد ان التجربة ربما لا تنجح في بلد مثل نيجيريا،
حيث نظام الحكم الذي يسيطر عليه المسيحيون، أضف الى ذلك وجود المصالح
الفرنسية و الاميركية، فمن الجنون تصور امكانية حصول "بوكو حرام " على
حكم ذاتي او كونفدرالية في نيجيريا للقسم الشمالي من البلاد، بالطريقة
التي يتعاملون بها.
ان حادثة اختطاف (276) تلميذة في 14 نيسان الماضي من مدينة "شيبوك"،
شمال شرق البلاد، حيث تعيش مجموعة كبيرة من المسيحيين، أوجد صدمة عنيفة
داخل البلاد، حيث نوعية الحدث غير المعهود، ثم طريقة تعامل الجماعة غير
المنطقي والمرتبك، فقد أعلنوا بداية أنهم سيعتبرون الفتيات "سبايا"،
وبعد فترة من الزمن وزعوا مقطع فيديو يظهر حوالي مائة فتاة ترتدي
الحجاب، ويتحدث بعضهن بأنهن اصبحن مسلمات، وأعلن الرجل الأول في الحركة
أنه مستعد للإفراج عن الفتيات المخطوفات مقابل الإفراج عن عناصر جماعته
المسجونين في نيجيريا.
وبغض النظر عن ردود فعل السلطات الحاكمة في نيجيريا، فان هذه
البادرة من جهة تدّعي الانتماء الى الاسلام تسبب بتداعيات سياسية ليست
في صالح المسلمين في نيجيريا، كما لها تداعيات على عموم الوضع الاسلامي
في العالم. أهمها تضامن الجهود الدولية لمواجهة كل ماهو اسلامي حق، في
هذا البلد، فحتى حق التعليم وفق الديانة الاسلامية سيكون عرضة للقدح
والاستبعاد. والاخطر من ذلك، إعطاء رسالة خاطئة وخطيرة في آن الى
العالم، بأن الجماعات الاسلامية لن يتورعوا باتباع أي اسلوب لتحقيق
مطالبهم، حتى وإن كان فيها اختطاف فتيات وبهذا العدد الهائل، واحتجازهن
في مكان مجهول بعيداً عن ذويهنّ، مما يوحي بفقر شديد في الخطاب وتخبط
الى حدّ الارهاب الدموي الذي ربما يدفع نيجيريا الى حافة السقوط في حرب
اهلية دامية بين المسلمين والمسيحيين، لاسيما وان سرعة التفاعل
الاسرائيلي – الغربي – الدولي، يوحي بشكل مخيف باحتمال استغلال هذه
البذرة السيئة لتنميتها بالدماء ولتكون ساحة تنافس وتجاذب دولي -
اقليمي لتجار الحرب والإرهاب، والخاسر الوحيد يكون المسلمون في هذا
البلد. |