أخلاقيات التغيير.. بين التقوى والإرشاد

شبكة النبأ: كل قسر هو ضد حرية الإنسان. والقسر كلاما او فعلا، لا يقود الى ما يرجوه القائم به من نتائج يتوهم تحققها اثناء ممارسته لهذا القسر.

والحرية لا يمكن لها ان تنطلق في ظل بيئة تحيط بها القيود من كل جانب وتحد من حركتها وانطلاقها.

من تلك القيود خطابات الكثيرين من المحسوبين على التيارات او الحركات الاسلامية، والتي تدعي حرصها على المسلمين، لكنها تتوسل بطرق واساليب منفرة في دعاواها التي ترشد الناس من خلالها.

يسبق ذلك كله، ما يرتبط ارتباطا وثيقا بشخص المرشد أو المبلغ او الداعية، على اختلاف التسميات، ما يمكن ان يعد مفتاحا لكل عمل من الاعمال الملقاة على عاتقه، وهي التقوى وتزكية النفس، و(التقوى) مشتقّة من فعل (وقي) وهو بمعنى الحفظ والصيانة والمحافظة على الشيء.

وفي مفردات القرآن للراغب الأصفهاني: (الوقاية حفظ الشيء ممّا يؤذيه، والتقوى جعل الشيء في وقاية ممّا يخاف من تحقيقه... وصار معنى التقوى في عرف الشرع حفظ النفس ممّا يوجب الإثم، وذلك بترك المحظور).

وهي في القران الكريم ترد بشأن البنيان على اسس سليمة كما في الاية المباركة من سورة التوبة ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

والتقوى هي المبادئ التي يبني الانسان اهدافه في الحياة عليها، وتقوده الى الفوز الاخروي، وهو الجنة. من خلال الحفاظ على نفسه من الأمور الّتي تتّفق مع أهوائه ونزواته، وتتنافى مع الأصول والأهداف الّتي اتخذها مبادئ عامة له.

للامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، نجد ربطا للتقوى مع الحرية، هي علتها وسببها الاكبر، يقول عليه السلام: (فإنّ تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، بها ينجح الطالب، وينجو الهارب، وتنال الرغائب).

أي انها بتعبير اخر، تحرّر الإنسان من قيود العبوديّة للرغبة والهوى، وتخلّصه من سلاسل الحرص والطمع والحسد والشهوة والغضب، وبالتالي تجعله حرّاً في حياته الاجتماعيّة، فمن يكن عبداً للمقام والجاه سيكون عبداً لمن يمنحهما له، والعكس صحيح.

من أهم آثار التقوى التي يمكن تلمسها من هذا القول العلوي:

(البصيرة النيّرة والرؤية الواضحة - القدرة على حل المشاكل والخروج عن المضائق والشدائد).

هذه البصيرة، والقدرة على اجتراح الحلول، لها علاقتها بكيفية ارشاد الاخرين، وهو الدور المنوط بالإنسان المتقي في مجتمعه.

التقوى والطريق اليها، هو جوهر حديث المرجع الديني الكبير السيد صادق الشيرازي (دام ظله) مع جمع من شيعة الكويت، اثناء زيارتهم لسماحته في بيته في مدينة قم المقدسة.

ينطلق السيد صادق من تأكيده على (السعي وبذل الجهد على ان تكون نفس الإنسان، نفس زكيّة ومتّقية، بأيّة نسبة أمكن). وهو مطلب اول مما يفضل القيام به وخاصة في الشهور الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان)، وهي شهور الترقية والسمو الروحي بالنسبة للمسلمين.

التقوى وتزكية النفس لها مراتب كثيرة كما يشير الى ذلك المرجع الشيرازي، وهي بعيدة عن الادعاء من خلال قول الانسان انه زكي ومتقي، بل هي عمل مستمر ومكثف لإحراز مراتبهما المختلفة، وهي عزم متواصل، طيلة تلك الشهور، لمحاولة الوصول الى نوع من الكمال.

المطلب الثاني الذي يرتبط بالأول، والذي المحنا اليه في بداية الموضوع، يتعلق بطبيعة الخطاب الذي يمارسه هذا الانسان وهو في سعيه الى مدارج التقوى والتزكية، والتي لا تنفصل عن دوره في المجتمع، فهو حامل لرسالة يريد ايصالها الى الاخرين، وهو هنا في تعبير المرجع الشيرازي (إرشاد الآخرين، رجالاً ونساء، من الأرحام والمعارف والجيران وغيرهم)، يستند في تأكيده على هذا المطلب، من خلال مضمون الحديث الشريف (شهر رجب يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو السيّئات).

وهو استحباب ان يسأل كل انسان عن جليسه، في المسجد والحسينية أو في الطائرة أو السيارة وفي غيرها من الأماكن والمجالس. فيسأل عن اسمه مثلاً وعن أحواله وعمله، أو ينصحه، أو ربما يكون جليسه أحسن منه وأكثر توفيقاً منه فيتعلّم منه. فعلى الإنسان أن لا يدع الحسنات تفلت من يديه.

عملية الارشاد التي يدعو اليها السيد المرجع الشيرازي، يجب ان تقترن (بالرفق واللين والاخلاق الفاضلة، وهي التي تستوعبها مفردة (التقوى).

ويضيف شارحا لوجوب هذا الاقتران: (فكيفية الكلام والتعبير له تأثير بالغ في إرشاد الناس. والإرشاد يتحقّق بالكلام الجميل أحسن وأسرع وأعمق وأكمل. فليحاول الإنسان في إرشاد الآخرين أن يستعمل الكلمات التي يستأنس بها هو، وأن يتجنّب الكلمات التي يتنفّر منها ولا يستأنسها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/آيار/2014 - 17/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م