إيران والغرب... أجندات مبهمة تعتري الاتفاق النووي القادم

 

شبكة النبأ: يؤشر المتابعون والمختصون، من خلال تصريحات المسؤولين عن إدارة المفاوضات النووية الإيرانية من الطرفين، على وجود أجواء إيجابية مع اقتراب الموعد لعقد الاتفاق النهائي بين الجانب الإيراني ومجموعة (5+1)، على الرغم من وجود بعض السلبيات المسجلة من قبل الخبراء المعتمدين لمراقبة برنامج إيران النووي، إضافة الى إطلاق بعض التصريحات الإعلامية التي قد تعتبر استفزازية حول بعض القضايا المثيرة للجدل، سيما برنامج إيران الصاروخي.

وقد عكست حكومة روحاني، التي باشرت منذ توليها دفة الحكم في إيران، الجانب المريح للغرب من خلال إطلاق المفاوضات ومحاولة تقريب وجهات النظر بينها وبين الدول الغربية، في محاولة لرفع العقوبات الاقتصادية التي اثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني.

بالمقابل، فان التيار المحافظ، ينظر بعين الريبة والقلق من الحوارات والمفاوضات الجارية، معتبراً إياها اذعاناً للغرب، ولا يصب في مصلحة الجمهورية الإيرانية، وقد مثل مرشد الثورة الإيرانية "خامنئي"، الصمام الذي يوازن بين الانفعالات التي يثيرها المحافظين، والحماسة الكبيرة للإصلاحيين، باعتباره اعلى سلطة في نظام الجمهورية بما يمتلكه من صلاحيات واسعة، كما أشار محللون.

ويبدو ان محاولة حساب الربح والخسارة في الاتفاق النووي القادم ترضي الطرفين في الوقت الراهن، خصوصاً وان البديل عن اجراء اتفاق نووي بضمانات دولية حقيقية، يعني اللجوء الى السيناريو الأسواء او العمل العسكري، وهو الخيار الذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة الامريكية لعواقبه الوخيمة في المنطقة وربما العالم، على الرغم من سعي إسرائيل وبعض حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، لتحقيق هذا الامر.

فعملية الاعتراف بإيران النووية مقابل بقائها تحت الاشراف والسيطرة، وعدم الخروج عن البرنامج السلمي، هو اعتراف بواقع الحال، لكنه اعتراف مشروط، لا يمكن لإيران ان تخرج بعيداً عن اطاره العملي، وعليه فأن استمرار الجدل السياسي الحساس حول القضية النووية الايرانية، يضع حصول اتفاق نهائي أو عدم حصوله مبهم الحسم على المدى القريب.

خامنئي والغرب

فقد قال الزعيم الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي إن التوقعات الغربية بأن تحد إيران من برنامجها الصاروخي "غبية وحمقاء" وذلك قبيل بدء جولة جديدة من المحادثات النووية، ودعا خامنئي أيضا الحرس الثوري إلى إنتاج الصواريخ بكميات ضخمة قائلا إن المفاوضات النووية ليست المكان الملائم لمناقشة البرنامج الدفاعي لطهران أو لحل مشكلة العقوبات التي تضر بالاقتصاد الإيراني.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية عن خامنئي قوله لدى زيارته معرض طيران أقامه الحرس الثوري "إنهم يتوقعون منا أن نحد من برنامجنا الصاروخي في حين يهددون إيران باستمرار بتحرك عسكري"، واضاف "لذا فهذا توقع غبي وأحمق، يجب بالتأكيد على الحرس الثوري أن ينفذ برنامجه وألا يرضى بالمستوى الحالي، يجب ان ينتجوا بكميات ضخمة، هذا واجب أساسي على كل المسؤولين العسكريين".

وعبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن القلق بشأن برنامج ايران الصاروخي خشية أن يمكن للصواريخ حمل رؤوس نووية، وتنفي إيران منذ أمد بعيد امتلاكها لأي خطط لإنتاج أسلحة نووية، وستعاود إيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا الاجتماع في فيينا في محاولة لتسوية الخلافات بشأن كيفية إنهاء الأزمة المستمرة منذ أمد طويل بشأن الشكوك بأن طهران تسعى لإنتاج أسلحة نووية.

وعلى الرغم من أن الصواريخ ليست محور المحادثات المتعلقة بالأنشطة النووية الإيرانية التي تتركز على إنتاج المواد التي يمكن استخدامها في القنابل الذرية فإن الدول الغربية ستود بحث موضوع الصواريخ في المحادثات النووية.

ولدى إيران واحد من أكبر برامج الصواريخ في الشرق الأوسط وتعتبره ضرورة دفاعية احترازية في مواجهة الولايات المتحدة وغيرها من الخصوم كإسرائيل، وتنفي إيران اتهامات بأنها تسعى لامتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية، وتصر على أن الصواريخ جزء من قواتها المسلحة التقليدية وتستبعد ضمها إلى جدول المباحثات النووية.

وبدت تصريحات خامنئي مناقضة لتصريحات أكثر تصالحية أدلى بها في وقت سابق الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال إنه يريد أن تشرح إيران بصورة أفضل برنامجها النووي من أجل منع "ذوي العقلية الشريرة" من تضليل الرأي العام العالمي. بحسب رويترز.

وطالبت القوى الغربية منذ وقت طويل بمزيد من الانفتاح من جانب إيران بغرض التعامل مع هذه المخاوف وتجنب تصاعد الموقف نحو نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط حيث تهدد إسرائيل بمهاجمة إيران إذا أخفقت الجهود الدبلوماسية مع إيران.

وروحاني معتدل نسبيا بالنسبة لسلفه المتشدد محمود أحمدي نجاد الذي استخدم شعارات حادة خلال حكمه الذي استمر ثمانية أعوام مما زاد التصميم الدولي على وضع حد للبرنامج النووي الإيراني، وأيد خامنئي صاحب الكلمة الأخيرة في جميع شؤون إيران انفتاح روحاني الحذر على الغرب وكذا المحادثات النووية ولكنه قال أيضا إنه يشك في أن الغرب مستعد للتخلي عما يراه عداوة إزاء طهران، وأعرب عن مزيد من الهواجس.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عنه قوله "كنت على الدوام أؤيد مبادرة التفاوض في السياسة الخارجية، ولكن على المرء ألا يربط احتياجات بلادنا وقضايا مثل العقوبات بالمحادثات (النووية)، ينبغي على المسؤولين أن يتعاملوا مع قضية العقوبات بطريقة أخرى".

وأوقفت إيران في يناير كانون الثاني أكثر عملياتها النووية حساسية في إطار اتفاق أولي مع القوى العالمية وهو ما أدى إلى بعض التخفيف للعقوبات الاقتصادية المؤثرة والتي أضرت باقتصاد البلاد، وقال روحاني إنه إذا اختارت إيران أن تخصب اليورانيوم إلى مستوى نقاء 20 في المئة فبمقدورها أن تفعل ذلك وهو أكثر انشطتها النووية حساسية لأنه لا تفصله سوى خطوة فنية صغيرة عن المستوى المطلوب لإنتاج أسلحة نووية.

وقال "أردنا أن نقول للعالم إن أنشطتنا تتحرك في الاتجاه الصحيح: وحين نقول أن بمقدورنا التخصيب لنسبة 3.5 في المئة فيمكننا فعل ذلك، وإذا لزم الأمر فسنقوم (بالتخصيب لنسبة) 20 في المئة"، ووافقت إيران بموجب اتفاق 24 نوفمبر تشرين الثاني على تجنب التخصيب لنسبة 20 في المئة.

ولكن إلى جانب التقدم العلمي المحرز قال روحاني إن إيران يجب أن تطور قدراتها في المجالات القانونية والسياسية والمعرفية بغرض منع "العدو" من خلق مشاكل تعترض التطوير النووي الإيراني، وأضاف "إذا تم الخوض في مسعى تكنولوجي من دون مواكبة ذلك بعمل سياسي أو قانوني جيد فقد يأتي العدو حينئذ بعذر وهمي ليسبب لك المشاكل".

وبدت هذه التصريحات انتقادا للتصريحات العدائية من داخل المؤسسة المحافظة المتشددة بما في ذلك من سلفه محمود أحمدي نجاد الذي وصف قرارات الأمم المتحدة ضد إيران بشأن الصراع النووي بأنها "أوراق لا قيمة لها".

وأدت تصريحات أحمدي نجاد النارية خلال فترة حكمه التي امتدت ثمانية أعوام كتلك التي علق فيها على قضايا مثل مذابح النازي وإسرائيل إلى زيادة التصميم الدولي على وضع حد لبرنامج إيران النووي.

التمييز النووي

بدوره صرح الرئيس الايراني حسن روحاني ان ايران لن تقبل "بالتمييز النووي" للتخلي عن برنامجها لكنها مستعدة "لمزيد من الشفافية"، وقال روحاني في كلمة في مقر المنظمة الايرانية للطاقة النووية قبل استئناف المفاوضات مع القوى الكبرى "نريد تلبية مصالح الامة الايرانية ولن نقبل بتمييز نووي".

واضاف ان "تقنيتنا وعلمنا النوويين ليسا مطروحين على الطاولة" للتفاوض بشأنهما، موضحا ان "ما علينا عرضه على الاسرة الدولية هو مزيد من الشفافية"، وترفض ايران التخلي عن حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي وخصوصا بالحد من برنامجها لتخصيب اليورانيوم كما طلب مؤخرا مسؤولون اميركيون وفرنسيون.

والهدف الذي يصبو اليه مفاوضو مجموعة 5+1 (المانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا) وايران فهو ان تعطي الجمهورية الاسلامية ضمانة دائمة لبقية العالم بشأن الطابع السلمي البحت لبرنامجها النووي، لتحصل مقابل ذلك على رفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها، وقال روحاني "نريد ان نقول للعالم ان اعداءنا يكذبون" باتهامهم ايران بالسعي لامتلاك سلاح نووي، مؤكدا ان ايران "لم تقم باي نشاط سري".

وتتمثل احدى العقبات المتبقية الواجب اجتيازها في المفاوضات بتحديد قدرات تخصيب اليورانيوم التي ستبقى في ايران بعد اتفاق محتمل وخاصة عدد اجهزة الطرد المركزي السريعة من الجيل الجديد التي قد تستمر البلاد في استخدامها. بحسب فرانس برس.

فيما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنه يرى فرصة جيدة للمحادثات النووية مع الغرب لأن "معظم الإيرانيين" يؤيدونه مهونا من رفض المتشددين في المؤسسة الدينية، وقال ظريف في مؤتمر صحفي مشترك في طهران مع وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس الذي يزور ايران "بعض الفصائل لا تريد التوصل لاتفاق لأسباب سياسية لكن ما يهم في النهاية هو تصويت أغلبية الشعب الإيراني".

واتهم متشددون ايرانيون بينهم مسؤولون من إدارة الرئيس السابق محمود احمدي نجاد الرئيس الحالي روحاني بالرضوخ لواشنطن التي انقطعت العلاقات بينها وبين طهران بعيد قيام الثورة الإسلامية عام 1979، وقال ظريف في تصريحات بثها التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة "السيد روحاني يتحرك بناء على تفويض شعبي وانا واثق أن الإيرانيين سيقبلون اي اتفاق يحترم حقوقهم ومطالبهم المشروعة".

وأضاف "انا متأكد أننا اذا عقدنا اتفاقا جيدا فإن أغلبية الشعب الإيراني ستساندنا"، ويقع روحاني ومفاوضوه تحت ضغط كبير من المتشددين الذين يعارضون المحادثات النووية التي تجري مع القوى العالمية الست وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا وروسيا، وتسعى القوى الست الى وقف برنامج ايران لتخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.

وبموجب بنود اتفاق أولي أبرم أواخر العام الماضي فإن امام المفاوضين مهلة حتى 20 يوليو تموز للتوصل الى اتفاق نهائي، وقال ظريف "انا متفائل بالتوصل لاتفاق إذا استمرت المحادثات بنفس الروح"، وأضاف "ضمان استمرار المحادثات التي تستند الى حسن النوايا والاحترام الكامل في يد الطرف الآخر"، وخلال زيارة لأبو ظبي عبر المسؤول الأمريكي الكبير فرانك روز عن تفاؤله باحتمالات التوصل لاتفاق نووي مع إيران.

بعد رفع العقوبات

الى ذلك قال مسؤول إيراني كبير بقطاع الطيران إن إيران الممنوعة بسبب العقوبات من شراء الطائرات الغربية منذ السبعينيات تريد شراء 400 طائرة جديدة مما يعني مليارات الدولارات المحتملة لشركات صناعة الطائرات مثل ايرباص وبوينج، ونالت إيران تخفيفا محدودا للعقوبات الغربية بعدما وافقت على تقليص أنشطتها النووية لستة أشهر بمقتضى اتفاق مؤقت مع القوى العالمية بدأ سريانه في يناير كانون الأول.

ويتطلب رفع العقوبات بالكامل اتفاقا شاملا لإنهاء الأزمة المستمرة منذ عشر سنوات بشأن ما تصفه إيران بأنه برنامج نووي سلمي لأغراض توليد الطاقة، ونقلت صحيفة إطلاعات عن علي رضا جهانجيريان رئيس هيئة الطيران المدني الإيرانية قوله "ستكون شركات الطيران الإيرانية مستعدة لشراء 40 طائرة نقل ركاب سنويا لمدة عشر سنوات في حالة رفع العقوبات"، ويؤكد رقم الأربعمئة الحد الأقصى نقلا عن مسؤول إيراني كبير. بحسب رويترز.

ومن المرجح أن تتصدر بوينج وايرباص سباق الفوز بالطلبيات من إيران، وتلقت الشركتان طلبيات لشراء ما يزيد على 2800 طائرة من شركات طيران وشركات لتأجير الطائرات في 2013، ويمكن لشركات أخرى مثل بومباردييه الكندية وإمبراير البرازيلية وسوبرجت الروسية الفوز أيضا بطلبيات للطائرات الأصغر التي تنتجها فضلا عن شركات صناعة المحركات مثل جنرال إلكتريك ورولز رويس.

وقال جهانجيريان "تلقينا إشارات إيجابية جدا من شركات غربية من بينها بوينج وجنرال إلكتريك بشأن توريد قطع غيار جديدة لطائراتنا"، ويسمح الاتفاق الحالي المؤقت بمبيعات محدودة لأجزاء الطائرات التجارية وتقديم خدمات الصيانة لإيران التي يتضمن أسطولها طائرات قديمة من إنتاج بوينج وايرباص.

وحصلت جنرال إلكتريك على موافقة وزارة الخزانة الأمريكية على صيانة 18 محركا اشترتها إيران في أواخر السبعينيات، وستجري صيانة المحركات في منشآت تملكها الشركة أو تتبع ام.تي.يو إيرو إنجينز الألمانية وهي وكيل صيانة معتمد.

وبحسب وسائل إعلام إيرانية تملك أكبر أربع شركات طيران في إيران (إيران إير واسمان ومهان إير وإيران إير تورز) أسطول طائرات قديمة يزيد عمرها على 22 عاما، وتخدم تلك الشركات سوقا حجمها 76 مليون نسمة في بلد يملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز وهو ما قد يسهم في جذب الشركات الأجنبية مجددا فور رفع العقوبات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آيار/2014 - 16/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م