السياسيون وتضييع الفرصة التاريخية لبناء الدولة في العراق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الساسة المحنكون، هم أولئك الذين يسعون بإصرار نحو بناء الدولة القوية، حتى يبنون حاضرهم ومستقبلهم السياسي بقوة، ويكسبون تأييد شعوبهم، فضلا عن دخولهم صفحة التاريخ الناصعة، إذا كانت جهودهم من النوع الذي يسهم في تطوير الدولة والمجتمع، وقد سجلت لنا صفحات التاريخ، كثيرا من المواقف المشرفة، لأولئك القادة والساسة الذين خدموا دولهم وشعوبهم بأمانة واخلاص، فاستحقوا الخلود على مواقفهم ومساعيهم، التي تنم عن نكران للذات، وإيمان بالشعب والامة والدولة التي ينتمي لها السياسي، ليس من باب التطرف، او المنحى الشوفيني العنصري، بل من واجب العاملين في السياسة، العمل بأمانة واخلاص لبناء الدولة، وعدم تضييع الفرصة التي تتاح لهم، بسبب الانشغال في الصراع على المنافع والمناصب وتكديس الاموال وما شابه!.

يعطينا التاريخ والواقع مثالا واضحا ومعروفا لنا جميعا، حول هذا الجانب، فلقد ضاعت أرض ودولة فلسطين بسبب أنانية بعض الفلسطينيين، بعد أن أهدر هؤلاء الفرصة تلو الاخرى، منذ عام 1948 والى الآن لبناء دولتهم، وبدأت أرض فلسطين تُقضَم شيئا فشيئا، وتتلاشى مع كل فرصة يتم تضييعها، وها أن الساسة الفلسطينيين وجدوا أنفسهم مرغمين على التفاوض مع الطرف المغتصب لأرضهم، لكي يحصلوا على جزء بسيط منها، ولم يحصلوا عليه حتى الآن، بسبب مماطلات الطرف الاخر واستصغاره للمفاوض الفلسطيني، بالاضافة الى طمعهم المعروف بالاستحواذ اكبر قدر ممكن من ارض فلسطين، وفي حالة حصول الساسة الفلسطينيين على جزء من ارضهم في قادم السنوات، وهو أمر يخضع للاحتمال، فإن حدوثه سيكون مرتبطا بشروط ربما تكون مقرونة بالإذلال!.

إذن فمن يخسر الفرصة التاريخية التي تتاح له لبناء الدولة، قد لا يحصل على فرصة اخرى، وقد تضيع الدولة، والمسؤول هم بعض الساسة الذين يعملون في المجال السياسي، كما يحدث الان في العراق، إذ من الواضح أن بعض من ينتمي الى الطبقة السياسية من العاملين في الميدان السياسي، خاصة القادة منهم، أي قادة الاحزاب والمنظمات والكتل والمؤسسات وما شابه، هؤلاء هم المسؤولون عن تضييع فرصة بناء دولة العراق القوية المصانة، فضلا عن مسؤوليتهم لاحتمالية تفتيت العراق وضياع هذه الفرصة الى الابد.

أما الاسباب التي تشغل بعض السياسيين في العراق عن بناء دولتهم، فهي واضحة كل الوضوح للمراقب والمتابع، بل حتى المواطن البسيط يتحدث اليوم بصوت عال عن الاخطاء الكارثية التي يرتكبها بعض السياسيين بحق العراق، والسبب دائما، هو عدم التفكير خارج اطار المصلحة الخاصة، الفردية والحزبية معا، بمعنى هناك من يعمل في حقل السياسة لتحقيق مآرب وأهدافا شخصية، كجمع الاموال والاستئثار بالمناصب والتعيينات العائلية والحزبية وما شابه، غافلا ومتغافلا عن قضية اهم واهداف اكبر، تتمثل في قضية بناء الدولة المدنية القوية المستقرة، كذلك هناك من يعمل لصالح حزبه، أو انتمائه الاصغر، على حساب بناء الدولة ايضا، وفي كلا الحالتين، يتم تضييع فرصة البناء السليم للدولة.

فالعراق كما هو واضح، حصل على فرصة تاريخية، في إطار وضع الاسس الصحيحة لبناء الدولة، وهذه الفرصة قد لا تتكرر ابدا، وفي حالة هدرها، هذا يعني خسارة الفرصة الذهبية، وفي حقيقة الامر خسارة بناء دولة العراق المرفّهة القوية المتطورة، تعد خسارة للجميع، بمعنى اوضح لا احد يربح من هذه الخسارة، حتى اولئك الساسة الذين يتسببون بحدوثها، عن عمد او بلا قصد.

لهذا لابد أن يدرك السياسيون العراقيون بجدية عالية، أن الفرصة المتاحة لهم الآن بخصوص بناء الدولة العراقية القوية، قد لا يحصلون عليها مجددا، وربما يتسبب هؤلاء بتفتيت دولة عريقة، لها كيانها وتاريخها المعروف للجميع، فالمطلوب اذن أن يتحمل السياسي العراقي مسؤوليته بأمانة واخلاص، للسير في مسعى بناء الدولة القوية المستقرة، وعندما توضع رؤية جماعية واضحة في هذا المسار، ويتم التخطيط لها بقوة واصرار ودراية وارادة جماعية قوية منسجمة، ويتم تفضيلها على المصالح والمنافسات الخاصة، ستكون هناك خطوة جبارة وحقيقية لبناء الدولة العراقية التي بإمكانها أن تواكب بحق، الركب العالمي المدني المتقدم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آيار/2014 - 16/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م