عن المثقف المهادن.. مهرجانات.. معارض.. سلطويات

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: المثقف دائم الطموح الى الحرية والتوق اليها.. لماذا يرفض ان يكون حرا اذا سنحت له الفرصة؟، اكره حضور المهرجانات او المعارض التي تقيمها المؤسسات الثقافية، لأنها تعتمد بالدرجة الاساس على حضور السياسي الذي يفتتح المهرجان او المعرض، ويكون دخولنا خلفه دائما، وكأننا في زفة عرس، مع ما يرافق ذلك، من تراكض وتدافع نحوه، وما يستلزمه من ابتسامات ومجاملات، امام عدسات المصورين لفضائيات او صحف او وكالات اعلامية مدعوة هي الاخرى لهذا المهرجان او المعرض.

شوّقني احد الاخوة لحضور افتتاح احد المعارض، وغابت عن ذهني لحظة الافتتاح التي يتسيد مشهدها السياسي، رجل السلطة، وهو يقص شريط الاحتفال والدخول الى الفردوس.

نسيت ذلك وتذكرته، لحظة الطلب منا مغادرة قاعة المعروضات لان السيد المسؤول قد تأخر عن الحضور.

القائمون على المعرض اصطفوا على الجانبين، كاميرات التصوير مستعدة للحظة الظهور الخارق لرجل السلطة. نقيب الجهة الراعية للمعرض، يقف عند الباب الخارجي لمكان المعرض، بانتظار الاطلالة البهية للسيد المسؤول، ولا بوادر في الافق تفصح عن هذا المجيء وزمنه.

استفزني الوضع، كنت اريد ان ادون في سجل الزائرين كلمة احتجاج واعتراض، على هذا الاستبداد بمشاعر الحاضرين ووقتهم. لم يسمح لي بذلك، لان السجل لا يفتتح الا بكلمات المسؤول المقدسة، فلا احد يسبقه، والجميع يمكن ان يأتوا بعده عند التدوين.

بعد خمسين دقيقة حضر السيد المسؤول مبتسما، ربما ليداري احراجه امام الحاضرين، او ربما تنبه لحركة الكاميرات، في نفس اللحظة كنت اغادر المبنى باسره، وانا اتساءل عن مآلات الثقافة والمثقف في زمن لا يحترم السياسي زمن الثقافة، او المتحركين فيه، لكن عن اي مثقف اتحدث، ولا تعنيني هنا الثقافة لانها في المحصلة النهائية نتاج المثقف، الذي اروم الوقوف عنده، وعند قص شريط الافتتاح، ودوره في جوقة التصفيق للسياسي.

هذا المثقف هو ليس حتما، كما تميل بعض تعريفاته (الإنسان الذي يتدخل في الحياة الاجتماعية معتمدا على ثقافة يحاول أن يستعملها في الشأن الاجتماعي بهدف تغييره نحو الأفضل).

وهو ليس حتما مثقف غرامشي العضوي، الذي يعرفه بانه (كل إنسان يمتلك رؤية معينة تجاه المحيط الذي يعيش أو ينشط فيه).

اتحدث عن مثقف السلطة، الذي كثيرا ما وجدناه مهيمنا على المؤسسات الثقافية، في زمن النظام السابق وزمن الديمقراطية الحالي، مع تغير الوجوه في المرحلتين، وبقاء راسخ لثقافة السلطة السابقة، بمفاعيل واليات جديدة، لعل اكثرها براعة في الاستخدام هي انتخابات الاتحادات والجمعيات والمنظمات والمؤسسات الثقافية.

كيف يتمكن هؤلاء من البقاء في رئاساتهم؟

عن طريق الايفادات لمجموعات معينة، وعن تكريم اخرين، وعن دعوات محددة باسماء معينة، وكل نشاط ثقافي هو احتفال بالفضيحة وترويج لها، حين يقدم الرئيس على تلك الفعاليات، لان مثقف السلطة، والمثقف المتزلف، يستدعي بالضرورة مثقفا معارضا ومعترضا ومحتجا، لكن صوت الاعتراض والاحتجاج كثيرا ما يضيع في ضجيج المطبلين والمصفقين.

هل لهذا يكون السياسي او صاحب السلطة، كثير الاستخفاف بالمثقف والثقافة، لانه يرى هذا المثقف يمارس التبرير لما يقوم به صاحب السلطة، وهو كثيرا ما لا يصدقه حين يرفع شعارات الاعتراض او الاحتجاج؟.

في كتابه (العلاقة بين المثقف والسلطة والارهاب)، يطرح ايمن عبد الرسول سؤالا وهو لماذا أصبح المثقف إشكالية؟، يجيب عن ذلك  من خلال ما يطلق عليه ادعاء هذا المثقف عددا من الصفات، وهي كونه الاكثر (وعيا واستنارة وتقدمية وعقلانية وثورية) الى اخر الادعات التي يبرع بها المثقفون، لكنها ادعاءات ما تلبث ان تتحطم على صخرة الواقع، كما يرى المؤلف.

الواقع يصدم هذا المثقف في وعيه بما لا يعيه، فيبدو مشوها أمام ظواهر كان أولى به أن يتعرض لها وأن يتفهمها وأن يحاول تقديم العلاج لها. والجدل العملي يكشف أن الاستنارة قد تنحرف فلا تقبل الاختلاف، وتطالبنا -الآخرين- بالتسامح بينما لا تقدم هي نموذجا له، والتقدمية تصبح الرهان على تقدمية ما مضى سواء بالاستعانة بتراثنا العربي أو الاستدانة الثقافية من التراث الغربي، وكلاهما تراث (مخلفات الآخرين الذين مروا من هنا).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آيار/2014 - 14/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م