قيم التقدم: سياسة العفو

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تعد سياسة العفو من أهم قيم الترشيد السياسي، وهي سياسة ذكية متوازنة، تضمن كسب الجميع بمن في ذلك المعارضين والمعادين للحكومة، أو النظام السياسي الحاكم، كما أنها سياسة درج عليها، القادة الناجحون في أمم عديدة عبر التاريخ، وهم أولئك القادة الذين قدّموا العفو على العقاب، فكسبوا بذلك قلوب الجميع وتأييدهم.

وقد قدم الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، رؤية متكاملة عن اهمية سياسة العفو، وقدرتها على بناء الدولة القوية المستقرة، وأهمية أن يتخذ القائد وحكومته، من هذه السياسة كمرتكز، ومنطلق ينطلق منه لبناء اسس الدولة، واغتنام فرصة التغييرات الجوهرية (كما يحدث في العراق)، واعتماد النظام السياسي الاستشاري (الديمقراطي)، وترسيخه عبر جملة من الخطوات الاجرائية الفاعلة.

فقد ذكر الدكتور خالد عليوي العرداوي، في مقاله الموسوم بـ (ترشيد مسارات العملية السياسية في العراق من خلال إضاءات الفكر السياسي للسيد الشيرازي)، أن الامام الشيرازي حاول عند حديثه عن العفو والتسامح ان يجعل من هذا المنهج منهجا عاما شاملا لكل جوانب الحياة من الأسرة إلى السلطة، وقد وجد ان حاجة السياسي الى اعتماد هذا المنهج اكثر من حاجة سواه، لأنه يتصرف بمقدرات امة بكاملها، ويؤثر على مجتمعات واسعة، ويتعامل مع أناس مختلفي الاهواء والاتجاهات والقيم، لذا فإن تخلي السياسي عن العفو والتسامح، سيكون سبيلا الى إثارة الاحقاد والصراعات المختلفة التي تلحق الكوارث بالدولة.

أما المظاهر التي يمكن ان يتجسد فيها العفو والتسامح فكثيرة منها:

- العفو والتسامح مع المعارضة حتى لا تشعر أن العمل السياسي عبارة عن مباراة صفرية، الخاسر فيها لا يخسر منصبه فقط وانما قد يخسر حياته، مما يجعلها معارضة متخندقة خائفة من الخسارة، تستقتل لمنعها بالقوة، وهذا الأمر أي شعور المعارضة بالأمان هو من اهم مبادئ العمل الديمقراطي الذي يؤكد على ضرورة شعور الأقلية الخاسرة، بأن حقوقها وحرياتها محترمة من قبل الأكثرية الفائزة، وقد وجد الامام الشيرازي ان هذا السلوك هو السلوك الذي دعا إليه القرآن الكريم  والسنة  النبوية المطهرة.

- العفو والتسامح مع الرأي الآخر، من خلال اطلاق الحرية له وعدم منعه من التعبير عن نفسه.

- العفو والتسامح في الادارة وتطبيق القانون، بما لا يضيع حقا أو يهدر كرامة.

علما أن سياسة العفو، لا تعني التهاون في تطبيق العدالة، أو تعريض القانون للضعف والتجاوز، فلا سبيل للمقارنة بين، خلق التوازن السياسي، وبين انتهاك القانون، فقيمة سياسة العفو، سوف تحقق نتائج جيدة أكثر بكثير، مما يحققه التعامل بالعنف، خاصة اذا اتفقنا على أن العنف غالبا ما يحدث خارج إطار التشريعات القانونية، لاسيما في الانظمة الدكتاتورية، كما أثبتت شواهد وحوادث وأدلّة كثيرة، حيث ادى عنف الانظمة الفردية الى قتل مئات الآلاف من الابرياء، لمجرد انهم عارضوا السلطة في أمر ما، وهذا ابسط حق من حقوقهم، ولكن الحاكم المتفرد، لا يفهم سوى لغة العنف، ولا يدرك قط أهمية سياسة العفو، وقدرتها على كسب الناس لصالح الحكومة وسياستها.

وهكذا يكون بإمكان القادة السياسيين إدراك القيمة الكبيرة لقيمة سياسة العفو، عندما يتم الالتزام بها كمنهج لإدارة الدولة، والتعامل مع القضايا السياسية التي تتعلق بالاصوات والآراء المعارضة للحكومة، ولا تنحصر قيمة سياسة العفو في تعامل الانظمة السياسية مع الشعوب، بل يمكن للافراد والجماعات الصغيرة والكبيرة، تجريب الفوائد الجمة التي يمكن أن يحصلوا عليها من هذه القيمة، فالانسان الفرد عندما يعفو عمّن يسيء له، سوف يكسب محبة واحترام اكبر عدد من الناس، على العكس ممن يتعامل بنديّة وأنانية، أو يتعامل معهم وفق المثل الذي يقول (كشّر عن أنيابك، حتى الناس تهابك!!)، كذلك بالنسبة للجماعات، فإنها بحاجة ماسة لقيمة سياسة العفو في جميع علاقاتها المتبادلة مع جماعات اخرى، لأن قيمة سياسة العفو، نجحت في بناء دول كبرى، وخلّدت قادة سياسيين على مر التاريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آيار/2014 - 13/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م