ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام في بيت الله لم يكن أمراً
تكريمياً فقط ولكنه ذو أبعاد عظيمة ومقدسة يجب أن يفكر فيها الشارع
الإسلامي، فاحتضان بيت الله لولادة أمير المؤمنين عليه السلام فهذا
يعني ولد من غير دم ونجاسة مادية لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وإذا
بؤنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شئيا وطهر بيتي للطائفين
والقائمين والركع السجود).....(1)
وبقيت سيدتنا فاطمة بنت أسد ثلاث أيام في بيت الله الحرام ولم يتصل
بها أحد لأن كل شيء قد غلق عليها ولم يستطع أحد الوصول إليها وقد علم
القوم أن الأمر من الله سبحانه وتعالى فقد وقفوا خارجاً ينتظرون وفي
هذه الفترة كان طعامها من الجنة وهذه فضيلة لم تسبق إليها أحدٌ من
النساء غيرها ( فخرجت فاطمة بنت أسد وعلي (ع) على يديها ثم قالت: معاشر
الناس إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى
قبلي وقد أختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا
يحب أن يعبد الله إلا إضطراراً ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسر
عليها ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى
تساقط عليها رطباً جنيا وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما وعلى كل
من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاث
أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف
بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه علياً فأنا العلي الأعلى وإني خلقته من
قدرتي وعزتي وجلالي وقسط عدلي واشتققت أسمه من اسمي وأدبته بأدبي وفوضت
إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أول من يؤذن فوق بيتي
ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظمني ويمجدني ويهللني وهو الإمام
بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه فطوبى لمن أحبه ونصره
والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه ).....(2)
لقد احتضن الجليل القدير الإمام علي عليه السلام في بيته وجعله في
قلب القبلة التي يتوجه إليها المسلمون في اليوم خمس مرات، وجعله القطب
الذي يطوف حوله المسلمون في كل عام حين يحجون، والعبادتان الصلاة والحج
من أفضل العبادات التي يتم فيها توحيد الله سبحانه وتعالى وهذا التوحيد
لا يتم إلا بالإقرار بولاية من كان مكانه وسط قبلة التوحيد، فهل يستطيع
البشر أو المسلمون أن يخرجوا مكان ولادته من بيت الله سبحانه وتعالى
وهو الذي اختاره الله له ؟؟؟
علماً لم يستطع كل الطغاة والمعاندين والناصبين من أن يخفوا فطراً
أو شقاً في حائط الكعبة قد ظهر من إنشقاقه لفاطمة بنت اسد عليها السلام
حينما دخلت الى بيت الله الحرام، فكأنما أراد الله سبحانه وتعالى أن
يكون أقدس مكان وأطهر مكان وأقرب مكان لله سبحانه وتعالى علامة تشير
الى ولي الله الذي بولايته أكمل الدين وتمت النعمة ورضا الله سبحانه
وتعالى بولايته أن يتعبد العباد له بالإسلام قال الله سبحانه وتعالى (
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا)....(3)
ولا تُفهم الوحدانية ولا يُتعبد بها ولا يُتقرب بها الى الله إلا
بمن اشترك مع بيت الله سبحانه وتعالى بالمكان قال الإمام الرضا عليه
السلام قال رسول الله سمعت جبرئيل عليه السلام يقول ( سمعت الله عز وجل
يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي، فلما مرت
الراحلة نادى أما بشروطها وأنا من شروطها )...(4)، وأفضل مكان لاستجابة
الدعاء وأفضل اتجاه يتوجه إليه المؤمنون بالدعاء من بعيد وتهوي إليه
القلوب فإنه بيت الله سبحانه وتعالى الذي يحوي بين طياته ولادة سيد
الأوصياء وأمير المؤمنين علي عليه السلام، وكأن المولى عز قدره أراد من
ولادة علي بن ابي طالب عليه السلام أن يضع التساؤلات وعلامات الإستفهام
لدى البشرية عن سبب ولادته في هذا المكان المقدس الذي لم يتقبل ولادة
رسول من أولي العزم وهو عيسى عليه السلام حينما أتى النداء لمريم عليها
السلام إنه مكان عبادة وليس ولادة ولكن عندما اقتربت فاطمة بنت أسد
عليها السلام من جدار البيت للدعاء وتسهيل الولادة أنشق الجدار ولم
تفتح الباب لشوق البيت أن يفوز بهذه المكرمة العظيمة فان سرعة شق
الجدار غلبت فتح الباب، حتى يؤكد لهم بالدليل القاطع والبرهان الناصع
على ولايته وولاية أبناءه عليهم السلام، فهل يستطيع مبغضو أهل البيت
عليهم السلام أن يغيروا مكان البيت أو يغيروا شكله ويقتطعوا منه مكان
الولادة أو يهدموه كلياً لو كانوا يقدرون لفعلوا ولكنهم لا يستطيعون.
هكذا شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يحتضن بيته أحب الخلق إليه
من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلام عليك يا أبا الحسن حين
أحتضنك البيت وجعل ولادتك في قلبه وسلام عليك حين كنت تذب عن الإسلام
ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وسلام عليك حين أدارت بظهرها
الأمة إليك وأصبحت وحيداً فريدا تضرب بيد من قلت الناصر والمعين وسلام
عليك حين استشهدت في بيت الله وسلام عليك حين تبعث حيا على الحوض تسقي
من والاك وتحرم من جافاك وعاداك.
......................................
(1) سورة الحج آية 26(2) الأمالي – الشيخ الطوسي
ص707،حلية الأبرار- السيد هاشم البحراني ج2ص21(3) سورة المائدة آية
3(4) مستمسك العروة – السيد محسن الحكيم ج4 ص 183، كتاب الطهارة- السيد
الخوئي ج8ص42 |