السيسي... طريق الرئاسة مليء بالالغام

 

شبكة النبأ: يستعد الشعب المصري لإجراء انتخابات الحسم لاختيار رئيس الجمهورية بعد جملة من الازمات التي واجهته منذ ثورة 30 يونيو وما تلاها، فيما يستعد السيسي، وهو المرشح الأبرز، لخوض تجربته الانتخابية الأولى، وربما الفوز بالمنصب الأهم في جمهورية مصر العربية، في حال فوزه "وهو المرجح كما بينت توقعات أغلب المتابعين".

ويدرك، السيسي، جيداً ان المنصب الجديد يختلف تماماً عن قيادة الجيش، والاحداث الدراماتيكية التي وضعته في قلب العاصفة المصرية، وجعلت منه الشخصية الأقوى والاقدر، في نظر شرائح كبيرة من المواطنين المصريين، على إدارة البلاد للفترة المقبلة، كما يدرك جيداً، ان المشاكل التي سوف يواجهها ويتحمل نتائجها لوحده "باعتباره المنقذ في نظر محبيه"، قد تعكس المعادلة الصعبة في مصر وتأتي بنتائج مخالفة للمتوقع او المرجو.   

وقد أشار محللون الى اهم هذه العقبات بالآتي:

1. مشكلة الإرهاب: اذ ان العديد من المنظمات الإرهابية التي قامت بعمليات استهدفت القوات الأمنية والمدنيين والسياح، ظهرت إثر الاضطرابات التي شهدتها مصر مؤخراً، وتؤكد الحكومة المصرية انها مرتبطة بتنظيم الاخوان المحظور.

2. مشكلة سياسية: هناك خلاف سياسي قوى حول الطريقة التي تعامل بها مرسي مع جماعة الاخوان المسلمين، بعد اقصاء مرسي وحظر المنظمة ومصادرة أموالها واعتبارها منظمة إرهابية، إضافة الى منع التظاهرات وحملة الاعدامات الواسعة التي طالت اغلب قياداتها والمنتمين لها.

3. مشكلة اقتصادية: وتعد الأبرز بعد ان كشفت التقارير الدولية ان الاقتصاد المصري يوشك على الانهيار، بعد ان عانى من انهيار قطاعات مهمة كالسياحة والصناعة والمستثمرين، واعتماده على الدعم الخارجي.

وقد عبر السيسي من خلال لقاءاته التلفزيونية الأخيرة، ان الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادية مقدم على غيرة من الأمور، بما فيها الديمقراطية والحريات، في إشارة عدها الكثير من المحللين، ان السيسي سوف يحاول اقتلاع جذور الإسلاميين المتطرفين في مصر والاستمرار بحمله القضاء على الاخوان المسلمين في حال وصل الى سدة الحكم. 

السيسي يحارب الاسلاميين

في سياق متصل لجأ عبد الفتاح السيسي المتوقع على نطاق واسع أن يصبح رئيسا لمصر إلى محاربة الاسلاميين بسلاحهم، فقد حرص السيسي في أحاديثه في الفترة الاخيرة على الدعوة للدفاع عن صورة الاسلام الصحيح حتى في ذروة صراع الدولة المصرية مع جماعة الاخوان المسلمين وكشف عن تدين شديد ربما يهيئ الساحة لصراع عقائدي طويل مع الاسلاميين.

واستهدف قائد الجيش السابق (الذي أطاح بالرئيس الاخواني محمد مرسي ومن المتوقع أن يفوز في انتخابات الرئاسة) الأسس العقائدية للجماعات الإسلامية، واتسمت نبرته في حديثه للمصريين بالورع وشدد على أن الخطاب الديني يكبل مصر ويحول دون انطلاقها.

وقال في أول مقابلة تلفزيونية له أذيعت في الخامس من مايو ايار "أنا أتصور أن الخطاب الديني في العالم الاسلامي بالكامل أفقد الاسلام انسانيته، احنا بالنسبة للعالم الإسلام، الأمر محتاج مننا ومن كل الحكام أن يراجعوا مواقفهم لأن احنا هنقف قدام الله سبحانه وتعالى ويقول لنا انتوا قدمتوني للناس إزاي".

ومع كثرة الإشارات الدينية في حديثه ربما يتضح أن السيسي أكثر تقوى ظاهريا من أي من القادة ذوي الخلفية العسكرية الذين حكموا مصر منذ قيام ثورة 1952، ولا يعني هذا أنه سيخلط الاسلام بالحكم في دولة كان للدين دور رئيسي في صياغة قوانينها وثقافتها منذ زمن بعيد، وقال السيسي إنه لا يوجد شيء اسمه الدولة الدينية وتحدى بذلك أحد الأسس الرئيسية لفكر الاسلاميين.

لكن من المؤكد أنه سيعمل على حماية الدور الذي يلعبه الدين في الحياة العامة وربما يعمل على توسيعه، وفي حين تحاول السلطات الحد من نفوذ الاسلاميين بتشديد الرقابة على المساجد فإن السيسي قد يعمل في حالة فوزه بالرئاسة على تعزيز دور الاسلام غير السياسي الذي تدعمه الدولة.

وقال خليل العناني الخبير في الحركات الاسلامية بجامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة "هو يحاول أن يحل محل الاسلاميين ويرد على حجج الاخوان المسلمين أنه معاد للإسلام"، وأضاف "ثمة جانب ديني في شخصيته وفي الوقت نفسه هي أداة سياسية لتعزيز شعبيته وشرعيته بين المصريين المحافظين"، وتابع "لديه رؤية دينية من نوع ما للمجتمع".

وشبه البعض السيسي بالرئيس الراحل أنور السادات الذي اغتاله متشددون اسلاميون عام 1981 وكان معروفا عنه التدين وأطلق عليه وصف الرئيس المؤمن، ومثل السادات تبدو على جبهة السيسي (زبيبة) من أثر السجود، كما ترتدي زوجة السيسي الحجاب.

وقد شجعت صفة الورع التي عرف بها السيسي جماعة الاخوان المسلمين على الاعتقاد أنه الرجل الذي يمكن التعويل عليه بعد أن عينه مرسي قائدا للجيش في أغسطس اب عام 2012، لكن السيسي كشف عن آراء مناهضة لفكر الاخوان بشدة بعد عزل مرسي في أعقاب احتجاجات شعبية على حكمه بعد ذلك بأقل من عام، وعاب السيسي على الجماعة فكرها وقال إنها تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة وتسعى لتقديم فكرة الدولة الاسلامية على مصر.

وفي المقابلة التلفزيونية قال السيسي إن الجماعات التي تتبنى العنف هي ستار للإخوان، ولم يرد الإخوان على هذه الاتهامات التي ساقها السيسي الذي تعتبره الجماعة العقل المدبر لانقلاب دموي، وتصر الجماعة التي يقبع معظم قادتها خلف القضبان في السجون أنها ملتزمة بالعمل السلمي. بحسب رويترز.

وعلى مدى عشرات السنين ظلت الجماعات الاسلامية الساعية لصبغ الحكم برؤيتها للإسلام شوكة في خاصرة الدولة، ومنذ عزل مرسي واجهت الدولة أسوأ موجة عنف من جانب الاسلاميين منذ التسعينات، ولقي مئات من رجال الشرطة والجيش مصرعهم في هجمات تصاعدت في العام الماضي بعد حملة عنيفة شنتها الدولة على أنصار مرسي وقتلت فيها المئات منهم، وقال السيسي إنه تم اكتشاف محاولتين لاغتياله.

وفي أحد اللقاءات التي عقدها السيسي في الفترة الأخيرة قال إن "قطاع السياحة أضير على مدى 50 عاما مضت بشكل متواصل نتيجة الخطاب الديني غير المرتبط بمفاهيم وتطورات العصر حيث تعرضت السياحة لضربات مختلفة خلال تلك الفترة، وكلما كانت تحاول النهوض تتعثر مرة أخرى".

ودعا السيسي إلى "ضرورة أن يكون هناك خطاب ديني مستنير لحماية المجتمع من الأفكار الدخيلة، وهذا أمر سيأخذ وقتا طويلا حتى نتمكن من معالجته وتجاوز سلبياته"، وطالب السيسي علماء الدين بتفسير الاسلام بما يواكب العصر، وقال إن الخطاب الديني تجمد لمئات السنين، كما قال إن دور العبادة يجب أن تلعب دورا في اصلاح المشاكل الاخلاقية في مصر وإن القرارات الصائبة يجب أن تنسجم مع المجتمع وأحكام الدين.

ووصفه الاعلامي ياسر عبد العزيز الذي التقاه وتابع تعليقاته عن الدين بأنه مسلم معتدل يختلف منهجه تمام الاختلاف عن المذهب الوهابي السائد في السعودية، وقال إن السيسي سيعزز "دور الخطاب الديني في المؤسسات العامة والحياة العامة"، لكنه لن يخلط الدين بالحكم، وأضاف "إنه يرى الاسلام قوة للخير والعمل".

وربط السيسي رؤيته للدين بطفولته ونشأته في حي الجمالية بقلب القاهرة الإسلامية، وقال إنه يتذكر كيف كان المسيحيون واليهود يمارسون شعائرهم الدينية دون أي عوائق وأشار إلى تأثره بشيوخ الاسلام أمثال الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان يستمع إليه في صغره.

كما أشار البعض إلى تأثير مفتي مصر السابق على جمعة على السيسي، فقد أظهرت لقطات مسربة أن السيسي كان حاضرا وسط جمع من ضباط الجيش العام الماضي قال فيه جمعة إن رجال الامن الذين يقتلون متشددين أو يقتلون على أيدي المتشددين مآلهم الجنة، وجمعة صوفي شأنه شأن الكثير من الشخصيات الدينية في مصر.

وتكهن البعض أن السيسي ربما كان ينتمي إلى أحد الطرق الصوفية بعد أن ظهر تسجيل يتحدث فيه عن أنه شاهد رؤى وأن السادات قال له في أحد أحلامه إنه يعلم أنه سيصبح رئيسا في يوم من الأيام، والتقى السيسي بقيادات مشايخ الطرق الصوفية في أحد لقاءاته بعد أن استقال من منصب وزير الدفاع وقائد الجيش في مارس آذار، وأعلن المشايخ تأييدهم للسيسي رئيسا لمصر.

وقال السيسي في لقائه بوفد الطرق الصوفية "يارب يكون لينا أجر إن احنا حمينا الناس في مصر وحمينا الاسلام كمان"، ويتهم أعضاء في جماعة الاخوان السيسي باستغلال الدين لأغراض سياسية وهي عينها التهمة التي توجه إلى الجماعة، وقال عضو بالجماعة طلب عدم نشر اسمه "استغل الدين ليبيح سفك الدماء وأتى بالشيوخ لتبرير القتل، هو يريد فقط أن يجعل الدين صلاة وصوما".

وفي حين أن الجماعات الاسلامية في مصر تشترك مع الاخوان في معارضتها للسيسي فقد حاز السيسي تأييد حركة الدعوة السلفية عندما عزل مرسي من منصبه، وسمح لحركة الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور بمواصلة أنشطتهما على النقيض من بقية الحركات الإسلامية، وقال الشريف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية في القاهرة "السيسي مهتم شخصيا بالإسلام الصحيح، وتقويض الحركات الاسلامية"، وأضاف "هذا جزء من رؤيته: تصحيح الدولة للرؤية الاسلامية لتصحيح كل الاخطاء والشرور وانتهاكات الحركات الاسلامية في مختلف أنحاء العالم".

التغيير في مصر

الى ذلك ربما كانت الرسالة الأهم التي يوجهها المرشح الرئاسي الأقوى في مصر عبد الفتاح السيسي هي وجوب ألا يتوقع المصريون ديمقراطية فورية أو إصلاحات اقتصادية سريعة لكن عليهم أن يتحدوا معا للتضحية المشتركة، ومن المتوقع أن يفوز السيسي في انتخابات الرئاسة ليصير أول رئيس بعد محمد مرسي الذي أعلن الجيش عزله في يوليو تموز.

وخرج السيسي على الرأي العام خلال مقابلة تلفزيونية طويلة وتصريحات علنية أخرى، وبدا أن كلماته مصاغة بعناية لتخاطب رغبة المصريين الشديدة في الاستقرار ولوضع حد لحقبة التحول السريع منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك عام 2011.

وقال السيسي في تصريحات نقلتها صفحة حملته على فيسبوك للتواصل الاجتماعي على الانترنت "هناك مشكلة كبيرة في قراءة الواقع الذي نعيشه الآن حيث نتجه دائما إلى استدعاء صورة في ديمقراطيات مستقرة ودول سبقتنا بسنوات طويلة ومقارنتها بالوضع في مصر".

وأضاف "تطبيق النماذج الديمقراطية الغربية على الواقع المصري يظلم المصريين، المجتمع المصري ما زال أمامه وقت حتى ينعم بالديمقراطية الحقيقة كما ينبغي أن تكون"، وكشفت المقابلات التي أجراها السيسي عن الشخصية الصارمة التي يقول أنصاره إنها تظهر أنه رجل أفعال حازم ويقول معارضوه إن تلك المقابلات أظهرت مؤشرات على أنه سيصبح حاكما مستبدا.

وفي مقابلة مع قناتي سي.بي.سي. و أون تي في التلفزيونيتين تفادى السيسي الدخول في تفاصيل بشأن السياسة التي سينتهجها، ولم يقل الكثير عندما سئل عن مواضيع حساسة ووبخ محاوريه المؤيدين للجيش عندما كانا يقاطعانه.

كما لمح السيسي إلى نهج حذر في الإصلاحات الاقتصادية قائلا إنه ينبغي على الدولة ألا تسارع برفع الدعم عن الوقود والمواد الغذائية التي يقول داعمون غربيون إنها لم يعد بالإمكان الإبقاء عليها وقوضت الماليات العامة للدولة، وشدد في الكثير من تصريحاته على ضرورة بذل الجهود على مستوى وطني، ودعا المصريين كافة لبذل التضحيات في إشارة إلى أنه لا يملك حلولا جاهزة للفقر أو تنامي الأنشطة المسلحة التي يقوم بها إسلاميون أو البطالة.

وقال ناثان براون وهو خبير في الشأن المصري في جامعة جورج واشنطن الامريكية إن خطاب السيسي يدور بشكل أكبر عن ضرورة العمل الجاد ولا يقدم حلولا مرضية ملموسة، وأضاف "لم يتضح بعد إن كان ذلك سيشكل فارقا، لكنه مؤشر على أنه يريد أن يبقي التوقعات منخفضة"، ويتوقع أن يفوز السيسي بسهولة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يومي 26 و27 مايو أيار، والمرشح الآخر الوحيد في الانتخابات هو السياسي اليساري حمدين صباحي الذي جاء في المركز الثالث في الجولة الاولى من الانتخابات التي فاز فيها الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 2012. بحسب رويترز.

ويساور المصريون القلق ولا سيما بشأن الاستقرار في البلد الذي يشهد مظاهرات وعنف سياسي منذ سقوط مبارك، ويرى كثير منهم أن السيسي هو الحل رغم أن رجال الجيش الذين حكموا مصر منذ 1952 اتهموا بسوء إدارة البلاد، ويخشى معارضو السيسي أن يصبح الرجل زعيما مستبدا آخر سيحافظ على مصالح الجيش والمؤسسة التي تنتمي لحقبة مبارك.

وتتهم جماعة الاخوان المسلمين (التي دفعت بمرسي للسلطة في الانتخابات) السيسي بتدبير انقلاب ضد رئيس شرعي وبانتهاك حقوق الإنسان، ويقول السيسي إنه استجاب لإرادة المصريين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة ضد حكم مرسي، وأقر السيسي بحدوث تجاوزات، فقال "يلزم أن نتفهم أنه مش ممكن يكون فيه موقف أمني بالعمق والارتباك ده ويخلو من بعض التجاوزات والقانون يحدد الإجراءات التي تتخذ من أجل وقف التجاوزات".

لكنه كان واضحا بأنه سيواصل حملته لتدمير الاخوان التي فازت في كل الانتخابات منذ الإطاحة بمبارك لكنها عادت للعمل تحت الأرض منذ أن قتلت قوات الأمن مئات من أعضائها واعتقلت آلافا آخرين، وعندما سئل إن كانت الجماعة لن يكون لها وجود خلال فترة رئاسته أجاب "أيوة كدة".

وفي رده على سؤال حول أحداث 30 يونيو والفترة التي سبقتها أكد السيسي أنه "أخبر الرئيس السابق (محمد مرسي) قبل 30 يونيو أن البلاد سوف تدخل في نفق مظلم حال استمرار الخلاف السياسي، قائلا: "تعاملنا بمنتهى الشرف والأمانة مع الأحداث في مصر خلال فترة حكم الرئيس السابق، وأخبرته أن جماعته سوف تحول الخلاف السياسي إلى خلاف ديني وحرب مقدسة."

وجزم السيسي بأنه يمتلك عصاة سحرية وهي "إرادة المصريين، القادرة على صناعة المستحيل" وتابع بالقول: "ثقتي في الله وإرادة المصريين لا حدود لها، ولن يترك الله مصر أبدا" وفي رده على سؤال حول رموز الأنظمة السابقة وكيفية التعامل معها خلال الفترة المقبلة قال السيسي "كل من نطلق عليهم مجموعات مصالح هم في النهاية مصريين، ويجب أن نستدعى قوى الخير الموجودة لديهم بدلا من استدعاء قوى الشر، والبلد كلها تحتاج التكاتف والتعاون، دون إقصاء لأحد."

ونقلت الصفحة الرسمية للسيسي على موقع فيسبوك عنه قوله: "الشعب استدعاني لمهمة صعبة وهذا أمر واجب التنفيذ، على الرغم من أنني لم أكن راغبا في هذا الأمر."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/آيار/2014 - 12/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م