ارتفاع قيمة العمل في طريق أهل البيت (ع)

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في الاقتصاد، هنالك علاقة عضوية بين حسن الأداء وجودة الإنتاج.. فمن غير الممكن توقع ناتج كبير وعلى مستوى راقٍ، من دون بذل جهود ذهنية وعضلية. وهذه الحقيقة اذا كانت تنطبق على الجانب المادي في حياة الانسان، فان تنطبق في الجانب المعنوي ايضا. لنلاحظ – مثلاً- مسألة التربية والتعليم، فكلما كان الجهد المبذول اكبر في تربية الابناء على السلوك الحسن وتعليمهم بالطرق الصحيحة، كان لدينا جيلاً متفوقاً، يحمل كل عوامل التقدم والنجاح.

كذلك الحال في العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام، وهم يمثلون القدوة والنموذج المتكامل لما نحتاجه في حياتنا، فعندما نتوقع علاقة مثمرة معهم، لابد ان يكون هنالك جهد وأداء يتناسب مع ما نطمح اليه رُقي في المجالات كافة.

هذه الحقيقة يؤكدها سماحة المرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي – دام  ظله- في حديث له مع مجموعة من العاملين في الهيئات الحسينية، حيث وصف العمل من اجل أهل البيت عليهم السلام، بانه "سوق" من شأنه ان يوفر رأسمال ضخم لكن من نوع آخر للإنسان، يفيده في دنياه وآخرته في آن.

اننا نلاحظ في الواقع الاجتماعي مساعي تُبذل في طريق كسب المال الحلال في مشاريع وإعمال عديدة، للاستعانة بها على مكاره الزمان واحتياجات الحياة المتوقعة وغير المتوقعة. كما نلاحظ سعيٌ آخر على تربية وتنشئة الاولاد على السلوك الحسن والآداب والأخلاق، ليكون هو الآخر رأسمالاً للوالدين يستعينان به على الكهولة وخريف العمر. و"بين وقوسين فقط" نلاحظ بعض الحالات المؤسفة من عقوق الوالدين او التنكّر لهما من قبل الاولاد، فتكون الشكوى والتذمر، ثم الندم من الوالدين على أجهدا أنفسهما طيلة السنوات الماضية، بيد ان الحقيقة، هي الطريقة الخاطئة في التربية هو الذي أنتج هذا العقوق او سوء التعامل معهما.

وفي العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام، تأخذ القضية أبعاداً واسعة في الحياة، فهي ليست شخصية ومحدودة بزمان ومكان، إنما تتعلق بمنظومة من الفكر والثقافة والعقيدة، بمعنى أنها تعني بالبناء الإنساني وإعادة صياغة الأمة على النهج الصحيح بما يبعدها عن كل أشكال الانحراف والتضليل والتزييف، ويضمن لها العيش الكريم، بل ان سماحة المرجع الشيرازي يعطينا رؤية أبعد من هذا، الى حيث العالم كله، حيث يقول: "ان العالم اليوم بحاجة الى فكر أهل البيت، عليهم السلام، أكثر من ذي قبل، حيث لم يكن ميسوراً نشر هذا الفكر.."، في اشارة واضحة من سماحته الى سهولة انتقال المعلومة والنشر عبر وسائل الاتصال السريعة، مما يعزز الفرصة الذهبية في العمل في هذا المجال، وعدم تفويت لحظة واحدة من العمر دون استثمارها في نشر افكار ونهج أهل البيت الى أهل العالم أجمعين، فضلاً عن المسلمين.

والسؤال هنا؛ أين تكمن بالضبط الصعوبة في العمل في طريق أهل البيت، عليهم السلام؟

سماحة المرجع الشيرازي يوضح لنا هذه النقطة المحورية، بأن الطغيان والجور والظلم، من أولى التحديات امام العاملين في هذا الطريق، مستشهداً بتضحيات جسام قدمها المؤمنون على مر التاريخ، بعد ان تحدوا حكام وزعماء ظلمة حكموا وسادوا ثم بادوا، ولم يبق منهم شيء، بينما آثار أولئك المؤمنين باقية في مواقفهم وكتاباتهم ومشاريعهم، يذكرهم المجتمع جيلاً بعد جيل. فهنالك من ناضل لتكريس الشعائر الحسينية، وهنالك من ناضل لتثبيت دعائم المنبر الحسيني، وهنالك من ناضل في طريق التبليغ والتوعية. لذا نجد سماحته يؤكد على ضرورة التوطن على المشاكل والمحن، طالما آمن الإنسان بأحقية هذا الطريق، فقد ورد في مضمون الحديث الشريف ان رجلاً قال للنبيّ الأكرم، صلى الله عليه وآله: إنّي أحبّ عليّاً. فقال له، صلى الله عليه وآله: إذن استعد لكثرة الأعداء.

نعم؛ ربما تكون الظروف طبيعية للعمل في "سوق أهل البيت"، في بعض البلاد، من قبيل تشييد المؤسسات الثقافية والاجتماعية وإقامة المشاريع الخيرية والإنسانية باسم أهل البيت، عليهم السلام، مثل المدارس الدينية باسم الامام الصادق، عليه السلام، أو المراكز الاجتماعية باسم الصديقة الزهراء، عليها السلام، وأمثالها، بما لا يثير حفيظة أحد. لكن في بعض الاحيان يتطلب الامر، مواقف شجاعة وحاسمة عندما لا يكون هنالك خيار ثالث، او يتعلق الامر بقضية مصيرية على صعيد الثقافة أو التربية أو العقيدة. وهنا نكون على المحك (الاختبار).  الصمود والتحدي والمواجهة الشجاعة، تستتبع النتيجة الكبيرة.

وهذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي بقوله: "إنّ أهل البيت، صلوات الله عليهم، هم خير الناس، ولا يدعون عمل أحد لهم بلا مكافأة أو بلا جزاء. فإذا كان الإنسان همّه أهل البيت، ولسانه أهل البيت، وماله أهل البيت، وهكذا قلمه وخدمته وأعصابه وتحمّله وحلمه لهم، صلوات الله عليهم، فليعلم بأنه قد نال وحصل على أثمن شيء. وتحمّل المشكلات في ذلك هو ثمين أيضاً..".

ومن الأمثلة التي يوردها سماحته على الموقف الشجاع وكلمة الحق بوجه السلطان الجائر، في الشاعر الولائي دعبل الخزاعي الذي أنشد أبياتاً بعد واقعة دفن الامام الرضا، عليه السلام، بالقرب من الهارون العباسي، حيث حصل عكس ارادة المأمون، فصار هارون عند رجل الامام، عليه السلام، فجاءت أبيات دعبل:

قبران في طوس خير الناس كلّهم *** وقبر شرّهمُ هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ *** وما على الزكيّ بقرب الرجس من ضرر

يقول سماحته: "وبسبب هذين البيتين، شُرّد دعبل، وعاش مشرّداً لمدّة عشرين سنة، بعيداً عن عائلته وأهله وأقربائه ومضحياً بحياته..".

هذه التضحية من شاعر موالٍ، او موقف من عالم دين او خطيب او كاتب، لاتنتهي عند صاحبها، على انها قضية شخصية او موقف كبير وقد تحمل عواقبه بمختلف الضغوطات وربما يكون التهديد بالموت، إنما تكون لها امتدادات مع الاجيال والتاريخ. ان دعبل – مثلاً- يُعد اليوم النموذج الأسمى لكل شاعر وأديب يحمل رسالة سامية ويتبنى قيم اخلاقية ويبحث عن الحق والحرية والكرامة والعدل. وربما يكون هذا هو الجزاء الأوفى لمن يخوض غمار العمل لنشر ثقافة وفكر اهل البيت عليهم السلام، الى الانسانية جمعاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آيار/2014 - 11/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م