إسرائيل وامريكا... تناقضات اكثر صدامات اقرب

 

شبكة النبأ: ما زال الخلاف بين إسرائيل وأمريكا حول عدة ملفات حيوية، يغلف العلاقات الحالية مع الحليف الأقوى في الشرق الأوسط، من دون ان يكون هناك أي تطمينات او بوادر لنهاية هذه الازمة الدبلوماسية، التي عدها بعض المحللين الأكبر في تاريخ البلدين، كما انها قابلة لتجذير الخصام بين البلدين او صناع القرار فيهما.

لقد بدأت بوادر الازمة مع التقارب الأمريكي الإيراني، خصوصاً وان الإصلاحيين في ايران قلبوا الموازين الإسرائيلية، كما قابلها تجاوب متبادل من لدن البيت الأبيض، رغم الصراع الذي يخوضه أوباما ووزير خارجيته ضد جماعات الضغط والمؤسسات العميقة داخل الولايات المتحدة والتي ترفض إقامة أي تقارب بين الولايات المتحدة وايران، لاعتبارها ان أي نوع من التقارب سيكون على حساب امن إسرائيل، إضافة الى اعتقادها بان الولايات المتحدة قد اعترفت ضمنا بان ايران أصبحت دولة نووية، في حال التوصل الى الاتفاق المفترض، وهذا يعني فقدان إسرائيل لوسيلة الردع الوحيدة "على الرغم من نفي إسرائيل الرسمي لامتلاك رؤوس نووية الا ان التقارير الاستخبارية تشير الى امتلاكها العشرات من الصواريخ النووية الموجهة" ضد ايران.

كما تباين الخلاف الأمريكي الإسرائيلي، ايضاً حول القضية الفلسطينية، بعد ان تزمتت إسرائيل بمواقفها العنيدة، كما يشير المتابعون، والمعروفة مسبقاً، ورفضها تقديم "تنازلات مؤلمة" على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، الذي شنت إسرائيل ضده حملة إعلامية وتصريحات لاذعة غير مسبوقة، كشفت وجهاً اخر لما يكنه القادة الإسرائيليين لحكومة أوباما الحالية، وربما لتوجه الولايات المتحدة الامريكية الحالي في الشرق الأوسط، سيما مع تحولها من سياسة المدفع الى الدبلوماسية المشروطة او الهادئة.

وجاءت هذه الاحداث في وقت لجئت إسرائيل الى اسلوبها القديم، الضغط وممارسة التجسس، والعمل خلف الكواليس، الامر الذي قد ينذر بمزيد من التباعد بين الحلفيين الاستراتيجيين، على الرغم من التطمينات الإعلامية الرسمية.   

تجسس مقلق

فقد نفى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بشدة قيام إسرائيل بأنشطة تجسسية في الولايات المتحدة، وكانت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أفادت مؤخراً أن إسرائيل تتجسس على الولايات المتحدة أكثر من أي حليف آخر وأن هذه الأنشطة وصلت إلى مستويات مقلقة، والأهداف الرئيسية هي أسرار صناعية وتقنية أمريكية بحسب ما نقلته المجلة عن لقاءات سرية عقدت حول قانون سيجعل من الأسهل لإسرائيليين الحصول على تأشيرات دخول إلى أمريكا.

وذكرت المجلة أن "لا دولة أخرى قريبة من الولايات المتحدة تواصل تجاوز الخطوط المحددة للتجسس مثلما يفعل الإسرائيليون"، وذلك نقلا عن موظف سابق في لجنة للكونغرس حضر اجتماعا سريا ثانيا في أواخر 2013، وأكد ليبرمان في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي "هذه حملة تشويه خطيرة كاذبة تماما واختراع"، ويأتي ذلك بينما تبدأ مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس زيارة إلى إسرائيل.

وبحسب ليبرمان، فإن "إسرائيل تحترم التزامها بعد القيام بأنشطة تجسسيه في الولايات المتحدة" في إشارة إلى وعد قدمته الدولة العبرية إلى واشنطن عقب قضية الجاسوس اليهودي جونثان بولارد الذي حكم عليه في عام 1987 بالسجن مدى الحياة لقيامه بالتجسس لصالح إسرائيل.

واعتقل بولارد، الخبير السابق في البحرية الاميركية، في الولايات المتحدة في 1985 لنقله لإسرائيل آلاف الوثائق السرية حول نشاطات الاستخبارات الأمريكية في العالم العربي، ومن ناحيته، وأكد وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتز اتهامات نيوزويك بأنها "غير مسؤولة" و"لا أساس لها"، وبحسب شتاينتز، فإن إسرائيل "قررت منذ 30 عاما عدم التجسس على الولايات المتحدة".

وأضاف في حديث للإذاعة العامة الإسرائيلية "لم أتلق سوى الثناء حول التعاون بين الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية خلال لقاءاتي في الأشهر الأخيرة في الكونغرس أو مع مسؤولين من مختلف وكالات الأمن الأمريكية". بحسب رويترز.

رأى ليبرمان أن اتهامات التجسس غير مرتبطة بطلب إعفاء السياح الإسرائيليين من تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤولين أمريكيين أن رفض هذا الطلب من قبل أجهزة الأمن الأمريكية، قد يكون بسبب التخوف من أن يؤدي إعفاء الإسرائيليين من التأشيرات إلى تسهيل زرع جواسيس لتل أبيب في الولايات المتحدة، بينما نفى ليبرمان ذلك معتبرا بأن تحفظات الإدارة الأمريكية يتصل "بمسائل تقنية وإدارية نعمل عليها منذ أشهر".

خلاف بشأن النووي الايراني

الى ذلك قال مسؤولون إن إسرائيل تصر على منع إيران من اكتساب القدرة على تخصيب اليورانيوم بموجب اتفاق نووي قد يكون وشيكا وهو مطلب يهدد بتصدع جديد في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وستكون نقطة الخلاف هذه محور نقاش رئيسيا خلال زيارة سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي للقدس، ويأتي الخلاف على ما يبدو في إطار مساع إسرائيلية للتدخل في المحادثات التي تجريها القوى العالمية مع طهران قبل موعد 20 يوليو تموز المحدد للتوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران.

ولا تشارك إسرائيل في المحادثات لكن أمرها محل اهتمام في العواصم الغربية بالنظر إلى مخاوفه من حصول إيران على السلاح النووي وتهديدات إسرائيل بشن ضربة استباقية على طهران إذا وصلت الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود.

وأوضح اتفاق مؤقت أبرم في نوفمبر تشرين الثاني لتخفيف العقوبات على إيران أن واشنطن والقوى العالمية الخمس الأخرى ستسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم على نطاق محدود بموجب اتفاق نهائي يحول دون اكتسابها الوسائل اللازمة لصنع قنبلة نووية، ويستخدم اليورانيوم المخصب لمستويات عالية في إطلاق الرؤوس النووية، وتقول إيران إنها لا تسعى إلا للحصول على الطاقة النووية السلمية وصنع نظائر طبية.

وقال مستشار بالحكومة الإسرائيلية أطلع على زيارة رايس "هل سنوافق على التخصيب؟ لا، سنكون سعداء إذا مر 20 يوليو دون التوصل إلى اتفاق"، وأضاف أن هناك قلقا في إسرائيل من أن يتعرض أوباما لضغوط لإقناعه باحتواء إيران في الوقت الراهن في مواجهة المكاسب التي من المحتمل أن يحققها منافسوه الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني.

لكن ليس من المرجح أن تؤثر وجهة النظر هذه على أوباما خاصة وانه في فترة ولايته الثانية والأخيرة وسبق أن دخل في نزاع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استراتيجيات تتعلق بإيران وبإقامة السلام مع الفلسطينيين. بحسب رويترز.

ووصف المستشار موقف إسرائيل المتشدد بأنه صادق لكنه خطابي وليس مقدمة لحرب جديدة في الشرق الأوسط كما أنه إشارة لأنصار إسرائيل في الكونجرس بمواصلة الضغط على الرئيس الأمريكي لعدم قبول تسوية مع إيران.

وكتبت رايس على موقع تويتر تقول إنها "تتطلع لإجراء مشاورات قوية ومكثفة" في إسرائيل وأن التعاون الأمني بين الحليفين "أقوى من أي وقت مضى"، وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض إن زيارة رايس لإسرائيل لن تسفر عن أي تطورات جديدة بخصوص إيران، وكانت روسيا وهي من القوى العالمية الست التي تتفاوض مع إيران قالت إنه قد تتم الموافقة على أجزاء من الاتفاق النهائي خلال اجتماع من المقرر عقده في فيينا.

ويقر بعض الدبلوماسيين والخبراء الغربيين في لقاءات غير رسمية بأن إجبار إيران على وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم كما تشترط قرارات لمجلس الأمن الدولي أمر غير واقعي بالنظر إلى نطاق البرنامج والمقاومة التي تبديها طهران.

وقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن اسمه إن رايس جاءت إلى إسرائيل "ممثلة عن القوى الست" وأضاف "مسألة التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي (تنقية اليورانيوم) التي يتعين أن تحتفظ بها إيران هي المسألة الكبيرة، وعبر المسؤول الأمريكي عن ثقته في أن الاتفاق مع إيران (حال إنجازه) سيمنع منشأتها التي تعمل بالماء الثقيل في أراك من إنتاج كميات كافية من البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه أيضا في صنع رؤوس نووية.

كيري واسرائيل 

بدوره نفى وزير الخارجية الاميركي جون كيري بشدة ان يكون وصف اسرائيل بانها "دولة فصل عنصري"، وذلك بعدما نقل موقع اخباري اميركي انه ادلى بتصريحات بهذا المعنى خلال اجتماع مغلق مع مسؤولين دوليين، وقال كيري في بيان "لا اعتقد انني ذكرت مرة واحدة علنا او في شكل مغلق ان اسرائيل دولة فصل عنصري او انها عازمة على ان تصبح على هذا النحو".

وكان موقع "ديلي بيست" الاخباري الاميركي نقل ان كيري حذر اسرائيل من خطر تحولها الى دولة "فصل عنصري" في حال لم تتوصل سريعا الى سلام مع الفلسطينيين، وبحسب "ديلي بيست" فقد قال كيري خلال اجتماع مغلق في واشنطن ان "حل الدولتين يجب التأكيد انه البديل الوحيد الواقعي، لان دولة احادية سينتهي بها الامر ان تصبح اما دولة فصل عنصري مع مواطنين من الدرجة الثانية واما دولة تدمر قدرة اسرائيل على ان تكون دولة يهودية"، واكد وزير الخارجية في بيانه انه يدرك تماما "القدرة على سوء تفسير الكلمات".

وكانت الخارجية الاميركية اعلنت في وقت سابق ان كيري "لم يعلن ابدا ان اسرائيل دولة فصل عنصري"، وخصوصا بعدما اثارت التصريحات التي نسبت اليه استياء مسؤولين إسرائيليين، وفي الولايات المتحدة، طالب السناتور الجمهوري عن ولاية تكساس (جنوب) رافاييل ادوارد كروز ب"استقالة" وزير الخارجية فيما طلب زميله عن ولاية اريزونا (جنوب) جون ماكين بان "يقدم (كيري) اعتذاره".

وتابع كيري الذي رعى في تموز/يوليو 2013 احياء مفاوضات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين "لن اسمح بان يناقش اي كان التزامي الى جانب اسرائيل، وخصوصا لأغراض سياسية منحازة". بحسب فرانس برس.

وقال ان عبارة فصل عنصري "هي كلمة يجب ان تظل خارج النقاش هنا" في الولايات المتحدة، مكررا ان "الطريقة الوحيدة على المدى البعيد لقيام دولة يهودية، دولتين وشعبين يعيشان جنبا الى جنب بسلام وامن، تكمن في حل الدولتين"، واضاف كيري ان "دولة اتحادية ذات قوميتين لا يمكن ان تكون الدولة اليهودية الديموقراطية التي تستحقها اسرائيل او الدولة المزدهرة مع كامل الحقوق التي يستحقها الفلسطينيون"، وبدا ان الاسرائيليين والفلسطينيين عازمون على المضي في تأكيد خلافهما، عشية انتهاء المهلة المحددة لإنجاز مفاوضات السلام التي ترعاها الادارة الاميركية.

المساعدات الأمريكية

على صعيد اخر قال مسؤولون إن إسرائيل التي تعاني من ضائقة مالية تضغط على الولايات المتحدة لاستكمال اتفاق على تمديد المساعدات الدفاعية إلى ما بعد عام 2017 الذي ينتهي فيه العمل بخطة المساعدات الحالية البالغة 3 مليارات دولار سنويا.

وأضاف المسؤولون أن الاتفاق سريعا على مستقبل المنح الأمريكية سيساعد الجيش الإسرائيلي على وضع خطة تقشف مدتها خمس سنوات تناسب متطلبات الحكومة المحافظة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال مسؤول إسرائيلي بوزارة الدفاع "من الصعب إعداد ميزانية لعامي 2018 و2019 دون معرفة الأموال التي ستكون المتاحة"، وقال مسؤول آخر طلب عدم ذكر اسمه أو جنسيته إن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل سيزور إسرائيل وقد يثير مضيفوه قضية مستقبل المساعدات أثناء الزيارة.

وكانت الحكومة الأمريكية الجمهورية السابقة وقعت اتفاقا مدته عشر سنوات في عام 2007 لمنح إسرائيل 30 مليار دولار معظمها يستخدم في شراء منتجات عسكرية أمريكية، وثار خلاف بين الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما ونتنياهو بسبب البرنامج النووي الإيراني والسلام مع الفلسطينيين، غير أن دعم أمن إسرائيل لا يزال قويا في واشنطن حتى وإن كان صناع السياسة هناك يقلصون الإنفاق على مجموعة من البرامج العسكرية الأمريكية.

وقال مسؤول أمريكي مطلع على المحادثات طلب عدم ذكر اسمه إن إسرائيل تسعى لزيادة إجمالية إلى ما بين 3.2 مليار و3.5 مليار دولار سنويا بينما تحدثت حكومة أوباما عن 2.8 مليار دولار.

وتوقع المسؤول الأمريكي أن يتفق الحليفان على ثلاثة مليارات دولار "أو نحو ذلك" مضيفا أن إسرائيل "تريد بلورة ذلك في أقرب وقت ممكن"، وتبلغ ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية حوالي 14.5 مليار دولار وتطالب وزارة المالية بخفضها بواقع 870 مليون دولار، ووافق مجلس الوزراء المصغر المعني بالشؤون الأمنية في ديسمبر كانون الأول على زيادة بواقع 930 مليون دولار لميزانية وزارة الدفاع لكن الجيش يقول إنه يحتاج المزيد لمواجهة التهديدات بالمنطقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آيار/2014 - 11/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م