دور الأسرة في التنمية الاقتصادية

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: استضاف مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقى النبأ الاسبوعي عددا من الباحثين في حلقته النقاشية الموسومة (دور الاسرة في التنمية الاقتصادية)، وقد قدم احمد المسعودي الباحث في المركز بعد الترحيب بالحاضرين، مجموعة من الارقام والاحصاءات التي تكشف واقع الاسرة العراقية اعتمادا على مسح اعدته وزارة التخطيط العراقية.

حيث يشير المسح الى ان معدل البطالة 40% اما البطالة المقنعة فهي 21% و39% من الاسر لاتملك سكنا خاصا بها، و21% من الاسر تعيش بشكل مكتظ نتيجة التكاثر الاسري يرافقه بطء في النمو الاقتصادي. نسبة الامية في الاسرة العراقية 21% وهي نسبة خطيرة جدا. 24% من هذه النسبة لم تلتحق بالتعليم بسبب الاوضاع الاقتصادية وانقسمت الى قسمين عامل اقتصادي ناتج عن تبني اعالة الاسرة وترك التعليم وقسم اخر بسبب ضغط اقتصادي مباشر على الاسرة.51% بسبب عدم توفر مدارس قريبة منهم. 45% بسبب عوامل اجتماعية تتعلق بالاناث. الباقي من النسبة بسبب عوامل مختلفة.

12% من الاسر العراقية لديها حالات امراض مزمنة بين افرادها.

36% من الاسر العراقية تعتاش على قانون التقاعد من جهة والخدمات الاجتماعية والتكافل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية.

88% من الاسر العراقية لم تستثمر الوقت بشكل كامل واختلفت النسبة بين الذكور والاناث، فالذكور معدل استثمارهم للوقت بواقع 239 دقيقة لليوم الواحد، والاناث 294 دقيقة.

93% من الاسر العراقية تشاهد التلفاز بواقع ثلاث ساعات ونصف للذكور يوميا، اما الاناث فكان معدل المشاهدة اربع ساعات ونصف.

وذكّر المسعودي بمعدل نسب مساهمة الاسرة العراقية في الانتاج الوطني في عقود سابقة، حيث كان معدل مساهمة الاسرة في الانتاج الوطني عام 1979 43% وفي عام 1990 بلغت 18% وفي عام 2000 بلغت 27% وفي عام 2007 بلغت 10% وفي عام 2014 بلغت 5%.

ويتساءل المسعودي امام هذه الارقام، ماهي الوسائل والسبل التي من خلالها يمكن ان نفعل دور الاسرة في التنمية الاقتصادية؟، وما هي سبل تلك التنمية؟.

يشترك الدكتور مهدي الجبوري التدريسي في جامعة كربلاء، بورقة بحثية حملت عنوان (دور الشباب في تحقيق التنمية البشرية المستدامة) ناقش فيها مشكلة الفقر والبطالة والعنف، ورأى ان التنمية البشرية هي وسيلة المجتمع لحل تلك المشاكل، خاصة في وسط الشباب، الذين يعدون هدف التنمية ووسيلتها المثلى، ومن هنا فلابد من الادراك ان التنمية هي توسيع خيارات الناس كما يشير الى ذلك تقرير التنمية البشرية الصادر عام 1990.

ويضيف الجبوري، ان التنمية كما يراها علماؤها هي غاية المجتمع ووسيلته في ايجاد المزيد من فرص العمل وتمكين الشباب من المشاركة في وضع اهدافهم وطموحاتهم ضمن خطط التنمية المستقبلية.

وتعرف التنمية البشرية بانها تنمية لاتكتفي بتوليد النمو فحسب، بل توزع عائداته بشكل عادل ايضا.وهي تجدد البيئة بدل تدميرها، وتمكن الناس بدل تهميشهم، وتوسع خياراتهم وفرصهم وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم.  

في شرحه للوضع الراهن للشباب، يرى الجبوري، اننا اذا ماتفحصنا الوضع الراهن اقتصاديا واجتماعيا لفئة الشباب، فانه من الملاحظ انها تعاني من مشكلات الفقر والبطالة والعنف بصوره المتعددة، وذلك لاتساع وتزايد نمو هذه الفئة، التي اصبحت تشكل غالبية السكان في البلدان العربية.

ثم يتحدث الباحث عن الفقر واثاره الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة على البلدان التي تعاني منه، فمن الجانب الاجتماعي يمكن ملاحظة ما ياتي:

(ظهور انحرافات كبيرة على على مستوى سلوك الافراد واخلاقهم - عدم تمكين الاطفال من التعلم - بروز ظاهرة عمالة الاطفال - تدهور الوضع الصحي).

واما من الجانب الاقتصادي:

(ظهور الفساد وانتشاره بشكل يؤدي الى تعطيل المصالح الاقتصادية للبلد - تدهور معيشة الافراد - قلة مردودية الافراد وضعف مستوى نشاطهم الاقتصادي).

في تشخيصه لاسباب تفشي البطالة يرى انها تتوزع على الاسباب التالية:

فشل برامج التنمية في العناية بالجانب الاجتماعي - ارتفاع معدل نمو العمالة العربية مقابل انخفاض نمو الناتج القومي - استمرار تدفق العمالة الاجنبية الوافدة - عدم وجود تخطيط بين احتياجات سوق العمل، ومخرجات التعليم العالي والفني).

ينتقل الباحث الى جانب اخر من الموضوع في ورقته البحثية، وهذه المرة يحدد اهم حاجات الشباب التي يسعون الى اشباعها وتحقيقها، وهي كما يراها الجبوري تتوزع على التالي:

(الحاجة الى الشعور بالامان - الحاجة للتعبير الابتكاري - الحاجة الى الانتماء - الحاجة الى المنافسة - الحاجة الى خدمة الاخرين - الحاجة الى الحرية والنشاط - الحاجة الى الشعور بالاهمية - الحاجة الى ممارسة خبرات جديدة والشعور بالمخاطرة).  

في ختام ورقته يقدم الباحث جملة من المقترحات والتوصيات يجملها على الشكل التالي:

تبني فكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

تحسين اداء الاقتصاد وتحسين مناخ الاستثمار.

معالجة تشوهات الاسواق.

ضرورة اعتماد وتنفيذ برامج ملائمة للتنمية البشرية.

تعزيز الثقة بالنفس لدى الشباب عن طريق تمكينهم اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا.

اشترك عدد من الحضور في تقديم مداخلاتهم على ما ورد في الورقة البحثية، او الارقام والاحصاءات التي قدمها مركز الفرات، وكانت اولى المداخلات للاستاذ جواد العطار، وهو برلماني سابق، وسجل ملاحظة حول الورقة البحثية والتي رأى انها نحت كثيرا الى الجانب العربي للمشكلة ولم تقتصر على العراق، انسجاما مع الإحصائيات التي تركزت حوله.

ثم يتساءل العطار، هل نحن في حالة تقدم ام تراجع؟ يترك السؤال معلقا حتى حين، ويتحدث اولا عن التلازم بين الوضع الاقتصادي والعلم والمعرفة، ويشير الى ماليزيا وكيف استفادت من المعرفة في تنميتها.

ثم يجيب العطار عن سؤاله الذي طرحه سابقا، من خلال الاشارة الى جملة من النقاط:

الدولة العراقية فاقدة لعملية التخطيط، أو انها غير قادرة عليه بصورة صحيحة، يمكنها على سبيل المثال من استيعاب الخريجين في سوق العمل، وهي ايضا في مساهتمها في الاكثار من عدد الجامعات التي تفتحها، فانها تساهم في ارتفاع اعداد العاطلين عن العمل من الخريجين.

ويعتقد العطار، ان ضعف التخطيط او انعدامه والذي تعاني منه الاسرة العراقية يعود بالاساس الى الجهل والبطالة، وايضا يؤشر العطار الى عدم مساهمة الدولة او الحوزة او منظمات المجتمع المدني، في تقديم الحلول لتلك المشاكل.

في تشخيصه للمعوقات التي تقف امام التنمية يرى المعوق الاول هو القيم الاسرية، والمعوق الثاني عدم وجود أفق الانطلاق، مع انعدام تكافؤ الفرص وعدم وجود محفزات مجتمعية.

في مداخلته، يرى مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، ان ما يطرح احيانا من ان مشكلة عدم التنمية في بلداننا العربية ومنها العراق، هو كثرة السكان، هو طرح مجافي للحقيقة.

فالعراق مثلا، ونظرا الى امكاناته الاقتصادية الهائلة يحتاج الى ضعف عدد سكانه الحالي. على ان لا يقوم (القائد الضرورة)  ياخذ تلك الطاقة البشرية والنفط كطاقة اقتصادية ويزجها في حروبه العبثية، كما حدث في ماضي العراق القريب، وما يتخوف ان يحدث مثله في حاضره الراهن.

ويذكر معاش، بالتجربة الايرانية بعد حربها مع العراق، وكيف ان الايرانيين قد توهموا بان انتهاج سياسة للتنمية في بلدهم الخارج من الحرب ومن الدمار يكون عبر تحديد النسل، وعدم القبول بزيادة الانجاب، لكنها حاليا بدأت تراجع سياستها في هذا المجال وتدعو الايرانيين الى زيادة الانجاب، لما تشكله القوى البشرية من قوة في العمل وفي التنمية.

ويستدرك معاش حديثه حول مفردة التنمية، ويرى اننا كشعوب متخلفة دائما ما نركز عليها، في حين ان الدول الاوربية وامريكا تتحدث عن النمو كمعيار اقتصادي لتطور اقتصاداتها.

يعتقد معاش، في تعليقه على الارقام والاحصاءات والتي غطت على اكثر من عقد من السنوات من عمر الدولة العراقية، ان مشكلتنا في الاساس تكمن في السلطة السياسة التي تحكم. وهي سلطة متسلطة مستبدة، تتبادل ادوارها من اسفل الهرم وهو الاب في الاسرة، الى اعلى الهرم وهو الحاكم في الدولة. فالقبول بسلطة الاب وهي السلطة الصغرى، قبول بالنتيجة بسلطة الحاكم وهي السلطة الكبرى.

يرى معاش، ان التغيير الحقيقي في العراق يجب ان يبدأ من الاسرة، وذلك عن طريق تغيير منظومة القيم فيها، وبالاخص تغيير ما يتعلق بتوجيه ابنائها الى دراسات الطب والهندسة والتي تعتقد انها مصدرا للاموال الوفيرة، والمكانة الاجتماعية الكبيرة، دون الاهتمام بوظائف اخرى.

ويعتقد معاش، ان ما يطرح حول تمكين التعليم، يجب ان لا يقصد منه، انشاء المدارس وكثرتها فقط، والاهتمام بالشكل والمظهر في التربية والتعليم، بل يجب ان يعني التمكين التعليم السليم، لان اغلب ابناءنا يدخلون الى المدارس اصحاء نفسيا، ويخرجون منها مرضى ومعاقين نفسيا.

وايضا يضيف معاش، يجب ان يتم توجيه التمكين لصالح ان يكون الفقير منتجا، ومبدعا، ومبتكرا، لا ان يحصر كل همه في ان يصبح شرطيا او جنديا.

ويعتقد معاش، ان مانحن عليه من لا مبالاة وهدر واستسلام هو بسبب تلك (القدرية) في عمق اللاوعي الاجتماعي العام. ويصل الى نتيجة يختم بها حديثه، مفادها ان الجهل اساس المشكلات، والمعرفة اساس الحلول.

يشترك مصطفى حافظ الموسوي الموظف في مديرية التسجيل العقاري في كربلاء في النقاش، ويقترح حلا للبطالة المستشرية في مجتمعنا، من خلال تحويل مصب نهري دجلة والفرات قبل وصوله الى شط العرب وتدويره باتجاه الاراضي الواسعة، التي يمكن انشاء مزارع فيها، وتطوير ما موجود منها، وتطوير الصناعة كذلك.

في مداخلته يعترض احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، على تحميل الاسرة اكثر من طاقتها، فالاسرة كما يعتقد جويد، محكومة بالبيئة المحيطة بها.

ويرى ان مانعاني منه سببه تلك الافة الكبيرة وهي الفساد في كل شيء، وهو فساد مستشري في العقول والنفوس، ادى الى تدني في النمو خلال السنوات العشر، رافقه نمو في الطبقة الفاسدة.

ويرى جويد ان الحلول تكمن في اخلاص القادة ونزاهتهم، وان القائد الواعي يجب ان يكون صاحب رؤية، كما حدث في ماليزيا والبرازيل، على عهد قادتها مهاتير محمد ودي سيلفا، وكان مهاتير محمد كثيرا ما يستجدي مساعدات مالية لبلده من السعودية والعراق، وكان يستثمر تلك المساعدات في بناء بلده وتنميته.

في مداخلته يعتقد الدكتور نعيم عبد جودة، التدريسي في جامعة كربلاء، ان الدولة الريعية والعراق مثلا لها، تعاني من التضخم والفساد، وان الطبقات الاجتماعية في العراق هي نفسها التي ارسى قواعدها الحكم العثماني.

ويعتقد نعيم، ان الحل يكمن في لجوء الدولة الى الاقتصاد الحر، على ان يتم تنظيم ذلك بقانون خاص.

الحكام وترتيب الاولويات، النقطة التي ينطلق منها الدكتور رياض المسعودي التدريسي في جامعة كربلاء، والتي يراها تتوزع على (الامن – العلم – الحدود)، في حين لا وجود للانسان او الاسرة فيها. على العكس من المعايير التي يحددها التقرير الاخير للتنمية البشرية وهي(التعليم -  الصحة– الدخل)، والذي يرد فيه العراق في التسلسل (134) اي انه فاقد لكل معيار من تلك المعايير، ويعزو سبب ذلك الىعدم وجود القيادة الرشيدة، او حكام الصدفة كما يسميهم، والذين يعتمدون في ادارتهم للدولة على ما يعتقدوه من افكار يروها صحيحة وليس على المنطق.

ويرى المسعودي، في معرض اعتراضه على الاستشهاد بالتجربة الخليجية بتنوع دولها والاعتقاد انها تنهج نهجا متقدما في التنمية، يعتقد ان التجربة الخليجية هي من اسوأ التجارب في مجالات التنمية البشرية، فالسعودية على سبيل المثال لديها 12 مليون انسان تحت خط الفقر، وكذلك تردي التعليم في تلك الدول.

مداخلة الدكتور عدنان كريم التدريسي في جامعة كربلاء، ينطلق فيها من المفهوم الحديث (التنور المعرفي) والذي يعني، زيادة معرفة كل فرد من افراد الاسرة بشكل ذاتي او دخيل عليها، من خلال عملية التثاقف.

ثم يتحدث كريم عن (قاعدة الميزة النسبية) وهي النفط في العراق، الذي لم يستغل الان او في السابق ميزته تلك، من خلال عدم تصدير النفط الى الخارج وتصنيعه في الداخل الى اشياء اخرى ثم تصديرها.

ويعزو مشاكل العراق التنموية الى سوء التخطيط، الذي يفترض ان يتم عن طريق التنسيق العالي بين وزارات (التربية - التعليم - التخطيط –العمل)، واستغلال الموارد الاقتصادية غير المستغلة.

يعتقد كريم ان القطاع النفطي في العراق يمكن ان يكون مرتكزا للنهوض بالتنمية، من خلال تنميته للقطاع الزراعي والقطاع الصناعي، اللذان ينهضان بمساعدته، لكن غياب الارادة السياسية المتنورة التي تستجيب للتطور، هي حتى الان أبرز المعوقات التي تمنع من الاستفادة من هذا القطاع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آيار/2014 - 11/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م