تتواجد القاعدة دائما جغرافيا في المناطق التي تشهد فراغا سياسيا
وكان اقليم وزير ستان شمال غرب الباكستان قد شهد مواجهات مع السلطة
المركزية في الباكستان منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى الاعتراف بحكمه
الذاتي عام 1947 ليكون افضل معقل لتنظيم القاعدة بضيافة طالبان بعد
احداث 11 سبتمبر 2001.إن فشل التنظيم المركزي وتراجعه دفعه الى تبني
استراتيجية تبني التنظيمات المحلية. ابرزها، اليمن وانصار الشريعة
وجبهة النصرة والقاعدة في المغرب الاسلامي.
التنظيم المركزي استمر في قبضته المركزية حتى 2006 بعد مقتل ابو
مصعب الزرقاوي في العراق زعيم تنظيم التوحيد والجهاد في العراق ثم مقتل
وزير حربه في العراق ابو ايوب المصري وابو عمر البغدادي زعيم تنظيم "
دولة العراق الاسلامية" عام 2010. ليشهد التنظيم مرحلة تنظيمية جديدة
اتسمت بظهور فروع تنظيمية نتج عنها تفكك وضعف التنظيم المركزي. لقد
غيرت القاعدة وتنظيمات "جهادية" اخرى، جغرافيتها بعد اشتداد المراقبة
الأميركية عليها في أفغانستان والباكستان لتختار إيران واليمن وسوريا
والعراق ولبنان جغرافية بديلة.
أما وجودها في سوريا عام 2011 فقد اصبح أمرا مألوفا ومحوريا في
مستقبل التنظيم ولطالما ركزت القاعدة على سوريا كما تراها هي بأنها ارض
نصرة ومدد. ونتيجة لذلك تمكنت مليء الفراغ الذي خلفته الحرب في سوريا
في ظل تراجع قبضة الولايات المتحدة في المنطقة ومهادنة خصومها. وتوضح
الوثائق المفرج عنها من مقر سكن ابن لادن في أبوت أباد بعد مايس 2011،
أن مهاجمة الانظمة العربية كانت هي الخطوة الأولى في الخطة
الإستراتيجية للقاعدة التي تهدف الى استنزافها واضعافها. وتتضمن
المرحلة التالية في الخطة هي السيطرة على تلك الدول سعيا لإقامة دويلات
إسلامية مع مطلع عام 2016.
القاعدة تحولت الى تنظيمات محلية
القاعدة كانت وماتزال موجودة داخل فوضى الربيع العربي وبدأت تتوسع
الى المجموعات الاسلاموية بمختلف درجاتها "الجهادية" لتضمها تحت مظلتها
ضمن إستراتيجية تخندق الإسلامويين. إن ماتشهده المنطقة من عمليات
القاعدة قد لا يعود الى قوة التنظيم بقدر ضعف وحلحلة الانظمة السياسية
في المنطقة التي جعلت تنظيم القاعدة يظهر بالشكل القوي. القراءة تتضمن
وجود دعم وتنسيق ما بين تنظيمات القاعدة الفرعية رغم استقلالية
تنظيماتها واختيار الاهداف من قبلها مباشرة. بالاضافة الى تبادل
الخبرات والتدريب، اي ما يتوفر عند تنظيم قد لا يكون موجودا عند
التنظيمات الاخرى خاصة التدريب والتمويل والقدرات البشرية.
بعد تجربة تنظيم القاعدة في افغانستان وتخلي طالبان عنها بالتفاوض
مع الولايات المتحدة، ولجوء الخط الاول من التنظيم المركزي الى ايران،
هذه الخطوة أضعفت القاعد والتنظيم المركزي ليتحول الى تنظيمات محلية،
ولتغطي اخبار ونشاطات التنظيمات القاعدية المحلية على نشاطات التنظيم
المركزي ليكتفي التنظيم برسائل الظواهري ومنح راياتها السوداء. ان ظهور
هذه التنظيمات الجهادية على شكل تنظيمات محلية منها النصرة واحرار
الشام وكتائب عبد الله عزام جنب القاعدة الكثير من القدرات العسكرية
والاستخبارية والتمويل ليصبح دور التنظيم المركزي رمزيا ودعم هذه
التنظيمات من خلال تقديم المشورة والتعليمات التي تقوم على " البراء
والسمع والطاعة" و"الجهاد" الاعلامي على الانترنيت من خلال المواقع
الاعلامية المعتمدة من قبل القاعدة ابرزها مؤسسة "الفجر" للانتاج
الاعلامي والسحاب والفرقان والمنارة.
القاعدة شهدت هجرة عكسية من الغرب ومن معاقلها في أفغانستان
والباكستان الى منطقة الشرق الاوسط. الظواهري يقول "ان معركتنا طويلة
والجهاد بحاجة لقواعد آمنة" لذا يختار دائما التنظيم الجغرافية
الطبيعية والسكانية التي تساعده على التخفي وتوفير الحماية من خلال
ايجاد ملاذات وحواضن امنة. ويبدو إن الظواهري ارتخت قبضته على التنظيم
المركزي في افغانستان وفروع التنظيم ليبقى الرهان على إعادة ترتيب
التنظيم في سيناء مع صعود الاخوان 2012ـ 2013 الى السلطة في مصر، وبقي
الرهان بعد ثورة 30 يونيو 2013 التصحيحية مستغلا علاقاته القديمة مع
تنظيم الاخوان وتنظيم التوحيد والجهاد والهجرة والتكفير واكناف بيت
المقدس وغيرها من التنظيمات ليعيد تركيبها تحت اسم جديد وهو انصار بيت
المقدس.
اليمن
أن تنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية يعتبر من اخطر
التنظيمات الفرعية او المحلية للقاعدة وربما يمكن اعتباره البديل الى
التنظيم المركزي في افغانستان. القاعدة في اليمن ضمت قيادات قاعدية
بارزة منها ناصر الوحيشي زعيم التنظيم والذي يعد الان الشخص الثاني بعد
الظواهري وسعيد الشهيري من أصل سعودي، رئيس اركان عمليات التنظيم في
اليمن الذي قتل منتصف عام 2013 بعملية درون و العولقي في سبتمبر 2011.
وظهرت انصار الشريعة تماما مع تصاعد ثورة التغيير الشعبية في اليمن
مطلع عام 2011. تأتي تسمية انصار الشريعة محاولة لكسب القبائل اليمنية
والشباب اليمني بعد ان واجهت القاعدة مشاكل مع القبائل في المجتمعات
الحاضنة. كان توزيع الادوار مابين القاعدة وانصار الشريعة احد الاساليب
للضغط على الغرب وتوزيع خارطة وجود انصار الشريعة وتنظيم القاعدة في
الجنوب محاولة لفرض الفوضى. وجاء اختيار مدينة حطاط وجعار والمحافظات
لجنوبية لتكون مصدر تهديد لباب المندب الذي يعتبر احد الممرات البحرية
الإستراتيجية لحركة التجار العالمية. القاعدة في اليمن هي الاكثر قربا
ايدلوجيا الى بن لادن وتعتبر وريثه الشرعي. فالحديث عن القاعدة في
اليمن يعني الحديث عن امتدادا للتنظيم المركزي.
سوريا
تحولت سوريا الى ارض استقطاب و"جهاد "الى المقاتلين العرب والاجانب.
ربما الحالة في سوريا تختلف عن بقيت السوح القاعدية، وربما بسبب
عشوائيات "الجهاد" لكن مابعد اعلان الجبهة الاسلامية في سبتمبر 2013
لإسقاط الاسد، اصبحت هذه الجبهة اكثر وضوحا لتتمحور القوى في سوريا بين
ثلاث اطراف فاعلة وهي الجبهة الاسلامية الاقل تطرفا، وتنظيم "الدولة
الاسلامية في العراق والشام" والنصرة والنظام السوري. إن السيطرة على
الجبهة الاسلامية من قبل الاطراف الداعمة هي محاولة لايجاد معارضة
منضبطة يمكن السيطرة عليها مع الاسد او مابعده، وهي على تناقض مع "داعش"
والنصرة" التي تؤمن بعولمة الجهاد مهما كان مصير النظام في سوريا.
سيناء
باتت سيناء تمثل حاضنة وملاذ لتنظيم القاعدة و"الجهاديين" على شكل
تنظيمات بعيدا عن العشوائيات الجهادية. توجد في سيناء ما لا يقل عن
خمسة عشر مجموعة جهادية متشددةً تمارس نشاطاتها وهناك اربع مجموعات
جهادية الأكثر بروزاً في سيناء وهي أنصار بيت المقدس، ومجلس شورى
المجاهدين في أكناف بيت المقدس، والتكفير والهجرة، وجيش الإسلام
المنحدر أصلاً من قطاع غزة. هذه التنظيمات اعادت نفسها بعد صعود
الاخوان في السلطة وبايعت القاعدة في 2012 لتتنامى قوتها مابعد المعزول
مرسي 30 يونيو 2013. تمثل سيناء جغرافية مساحات واسعة بمحاذات غزة
وليبيا مما يعطي تلك التنظيمات المرونة في الحركة والتنقل وبتدفق
الاسلحة والمقاتليين خاصة من ليبيا. وتعمل الجماعات هناك جميعها تحت
الرايات السوداء والتي توحدت تحت مجلس الشورى لاكناف بيت المقدس.
لبنان
تصنف لبنان بانها ساحة "نصرة "وظهير للمجموعات الجهادية وان التمدد
الذي حصل بعد "الثورة" السورية 2011 ادخلت لبنان في حرب طائفية.
فبالرغم من ظهور جماعات قبل هذا التاريخ مثل فتح الاسلام و كتائب عبد
الله عزام وسرايا زياد الجراح من قبل، لكن صعود "الجهاديين" في سوريا
سخن تلك الجماعات في لبنان. ويبدو دخول حزب الله واعلانه الحرب في
سوريا الى جانب نظلم الاسد، نقل الاشتباك الطائفي الى الداخل اللبناني،
وربما اعطى تلك الجماعات الذريعة للتمدد داخل لبنان لمواجهة قدرات حزب
الله. هذا الاشتباك تمثل بايقاع التفجيرات التي شهدته الضاحية الجنوبية
من بيروت والاشتباكات المذهبية مابين جبل محسن والتبانة في طرابلس.
العراق
ظهر تنظيم التوحيد والجهاد بزعامة ابو مصعب الزرقاوي في صحراء
الانبارعام2003 ليبايع الزرقاوي بن لادن قبل مقتله في 2006. صحراء
الانبار شهدت نشاط ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق،
التوحيد والجهاد وشهدت مقتل ابو ايوب وابو عمر البغدادي زعيم تنظيم ما
يسمى "دولة العراق الاسلامية " في 2010. وصعدت الخلافات مابين الظواهري
وابو بكر البغدادي في ابريل 2014 عندما اعلن الاخير تنظيمه" الدولة
الاسلامية في العراق والشام" لينتهي الخلاف بخلع تنظيم العراق" الدولة
الاسلامية" بأعلان "القيادة العامة" لتنظيم القاعدة في 3 فبراير 2014،
إن لا صلة لها بتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام". هذه
الاحداث تعتبر سابقة تنظيمية وتعيد رسم اقطاب "الجهاد" وتعدده.
شمال افريقيا
يمثل الليبيون قوة ومصادر بشرية اكثر من غيرهم في سيناء و سوريا
والعراق وافريقيا ومالي ونيجيريا. وقد ظهرت قوة تلك المجموعات في
إستعراض امكانياتها القتالية للاطاحة بالقذافي بدعم الناتو 2011.
وهنالك معسكرات تدريب الى التنظيمات "الجهادية" في المناطق الصحراوية
النائية التي تغيب فيها سيطرة الحكومات وباتت تهدد فرنسا ودول الناتو
في مالي. ويعتبر معسكر وقاعدة الوطية الجوية، غرب ليبيا احد المعسكرات
الرئيسية لتنظيمات وفروع القاعدة في شمال افريقيا، كذلك معسكرات مصراته
وبنغازي والجبل الاخضر. بدأت جماعات جهادية جديدة في الظهور، بعد
القذافي، أبرز هذه الجماعات هي أنصار الشريعة في بنغازي بقيادة محمد
زهاوي، التي تتمتع بعلاقات مع السلفية الجهادية في ليبيا والتي تمثل
جماعة ظل أنصار الشريعة في درنة بقيادة أبو سفيان بن قومو.
واعلنت الجماعة الجهادية التي كان يقودها مختار بلمختار وحركة
التوحيد والجهاد في غرب افريقيا التي سيطرت لفترة على شمال مالي
اتحادهما في حركة واحدة تحمل اسم "المرابطون". وقالت إن "جماعة
'الملثمون' أعلنت عن حل نفسها واندماجها مع جماعة التوحيد والجهاد في
غرب أفريقيا في تنظيم جديد تحت اسم 'المرابطون". إن الترابط الحدودي
مابين دول المغرب الإسلامي مع غرب إفريقيا بدون وجود موانع طبيعي سهل
الكثير من القيادات في المغرب الأسلامي بالتسرب الى نيجيريا عبر النيجر
والى مالي عبر الحدود الجزائرية وذات الشيء ينطبق على موريتانيا مع
مالي. لتكون غرب افريقيا خاصة نيجيريا ومالي اكثر من حديقة "جهادية"
خلفية، تستقطب القيادات القاعدية خاصة المنشقة عن المغرب الإسلامي
وتتمتع بحرية بعيدا عن المراقبة. القاعدة اليوم لم تعد تنظيما مركزيا،
كما كانت في حرب افغانستان والعراق، فقد تحولت الى ايدلوجية متطرفة
تقوم على تحويل عقيدة السلفية، الى آلية تكفير وقتل، اي انها صنعت من
عقيدة السلفية قالب تنظيمي باسم القاعدة المركزي والتنظيمات الجهادية
الأخرى تحت التوحيد والجهاد. بعد ثلاث سنوات على مقتل بن لادن اثبت
الظواهري فشله في قيادة التنظيم المركزي ليتحول الشيخ الى ظاهرة
اعلامية.
* باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبار |