افريقيا الوسطى... إبادة المسلمين وفشل العالم

 

شبكة النبأ: الكثير من الماسي الانسانية، والموت بالجملة، يرافقه التطهير العرقي وحرب العصابات.

هكذا يصف الالاف النازحين والفارين بحياتهم، معاناة الحياة اليومية التي يتعرض لها مسلمو افريقيا الوسطى، بعد ان كانت مثالاً لتعايش افريقي بين الأديان وبالأخص "المسيحية والإسلامية".

ويبدو، حتى الوقت الحالي، وكما يرى المحللون، ان زمن الميليشيات الطائفية قد تسيد المشهد الافريقي في افريقيا الوسطى، وسط فشل دولي غير مبرر، بعد الامدادات المالية والدعم العسكري واللوجستي الخجول، امام التطهير العرقي وحملة الإبادة البشرية التي استهدفت المسلمين فيها.

وقد راهنت ميليشيا "أنتي-بالاكا" المسيحية المتطرفة، على قتل جميع المسلمين او ترحيلهم قسراً عن بلادهم، الامر الذي ينذر بكارثة إنسانية، قد تتحول الى صراع عرقي انتقامي يطال بلدان أخرى من افريقيا، خصوصاً جاراتها (السودان، تشاد، الكونغو...الخ).

ان تغيير معادلة التركيبة السكانية الحالية (20% مسلمين، 50% مسيحيين، الباقي ديانات منوعة)، يدق ناقوس الخطر في عموم افريقيا التي تحاول الصمود في وجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والدينية العالقة فيها.

كما ان تحول الصراع التدريجي، من صراع على السلطة الى حرب ميليشيات، قد يتحول في نهاية المطاف الى صراع بين الأديان، وهو امر يراه المحللون، أكبر من قدرات افريقيا، التي لا تستطيع تجاوزه من دون تدخل المجتمع الدولي بصورة أكثر جديدة وقوة.  

عزل المسلمين فشل للعالم

في سياق متصل قال مسؤول بالأمم المتحدة ان العزل الطائفي للمسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى لحمايتهم من الميليشيات المسيحية يبين فشل العالم في التعامل مع أزمة طائفية تزداد عمقا، وتسعى المنظمة الدولية إلى توفير الاف الجنود من قوات حفظ السلام لمهمتها في أفريقيا الوسطى.

واستولت جماعة سيليكا وغالبيتها مسلمون على السلطة منذ عام وارتكبت انتهاكات ضد الغالبية المسيحية من السكان وهو ما تسبب في اندلاع موجة من الهجمات الانتقامية التي ترتب عليها مقتل الاف الاشخاص وأجبار نحو مليون شخص على الفرار من منازلهم.

ورافقت قوات أجنبية الاف المسلمين الى منطقة آمنة نسبيا في شمال البلاد بينما فر الاف آخرون إلى دول مجاورة، وساعدت قوات حفظ السلام نحو 1300 مسلم على الخروج من العاصمة بانجي مما أدى إلى أعمال نهب وازالة واحد من آخر جيوب المسلمين في العاصمة، وقال جون جينج مدير العمليات بمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية "إنه فشل جماعي للمجتمع الدولي، اننا غير قادرين على توفير الامن للناس في منازلهم".

وقال "اذا بقي المسلمون فانهم سيقتلون على الأرجح، اذا فروا فهذا ليس حلا، الفصل والعزل الطائفي في هذا البلد ليس حلا لكي يتقدم هذا البلد"، وحذرت الامم المتحدة من أن الازمة يمكن أن تتحول إلى إبادة جماعية في المستعمرة الفرنسية سابقا الغنية بالموارد البالغ عدد سكانها 4.6 مليون نسمة، ويقول مسؤولو حقوق الانسان إن مناطق من هذا البلد تشهد "تطهيرا دينيا".

واستمر العنف في أفريقيا الوسطى رغم وجود 2000 جندي فرنسي ونحو 5600 جندي من قوات الاتحاد الافريقي، وفي وقت سابق فوض مجلس الامن التابع للامم المتحدة بنشر قوة تابعة للمنظمة الدولية يصل قوامها إلى عشرة الاف جندي و1800 شرطي.

وأشاد جينج بالقوات الافريقية والفرنسية لكنه قال "لديهم موارد محدودة ولا يمكنهم تقديم تغطية مطلوبة لبسط الامن في أنحاء البلاد"، وقال "مشكلتنا الرئيسية" هي قلة الاعداد وعدم التحرك في التوقيت الصحيح.

وبينما تأمل الامم المتحدة في تحويل معظم قوات الاتحاد الافريقي المنتشرة حاليا في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى قوات حفظ سلام تابعة لها تحتاج المنظمة العالمية إلى توفير الاف الجنود الاخرين للقوة الدولية التي ستنتقل اليها السلطة من القوات الافريقية يوم 15 سبتمبر أيلول.

من جانب اخر وفي الأحوال العادية كان الجسران الخشبيان المتهالكان عند طرفي الشارع الرئيسي غير الممهد في بودا يقودان إلى متاجر وسوق صاخبة في المدينة التي تشتهر بتعدين الألماس في جمهورية افريقيا الوسطى، لكن هذه الجسور أضحت اليوم الخط الفاصل بين الحياة والموت بالنسبة لمئات من المسلمين الذين يحاصرهم مقاتلو ميليشيات مسيحية عازمة على طرد المسلمين من البلاد.

وقال الخياط ادو كوني "نعيش في سجن، كل الطرق مغلقة ولا يدخل الينا اي شيء، ثمن الطعام باهظ جدا وحياتنا في خطر"، ويقول المسلمون في بودا إن من يتجاوز حدود الجسرين يقتل مثل الآلاف من ضحايا أعمال العنف المتبادلة والمستمرة رغم انتشار قوات حفظ سلام فرنسية وافريقية، وترتفع أعلام فرنسا فوق أكشاك وتجوب من آن لآخر بضع مدرعات فرنسية شوارع المدينة التي تبعد 115 كيلومترا غربي العاصمة بانجي، وفي ضاحية مسلمة علقت لافتة تمتدح القوات الفرنسية اعترافا بفضلها في تخفيف معاناتهم.

ويقول الكابتن دوباني فيرمين زعيم الميليشيات في بودا وهو يرتدي قميصا أحمر لفريق باريس سان جيرمان لكرة القدم "يمكننا ان ننتظر عشر سنوات حتى يرحلوا وإن لم يفعلوا فسنظل مرابطين في موقعنا"، وتابع "لن نقبل بأن نعيش مع المسلمين على المدى الطويل، يحق لنا قتل المسلمين".

وفي مؤشر على تصاعد سيناريو العنف قتل مسلحون من متمردي سيليكا المسلمين قسا في بلدة باوا الشمالية حسبما ذكر مسؤول في كنيسة ببانجي، ويأتي الهجوم بعد قيام مسلحي سيليكا باختطاف اسقف من بلدة بوسانجاو القريبة لفترة وجيزة، وفر جميع المسلمين تقريبا من بانجي منذ طرد متمردي سيليكا -الذين استولوا على السلطة في مارس آذار 2013 - من العاصمة في يناير كانون الثاني، وذكرت الامم المتحدة ان غرب البلاد يشهد عملية تطهير تستهدف المسلمين. بحسب رويترز.

وقال ادم موسى الذي يقدم خدمات صحية في مكتب كان يشغله تجار الذهب والألماس في بودا إن أربعة اشخاص كانوا يتوفون يوميا بسبب سوء التغذية قبل عدة اسابيع وتراجع المعدل إلى حالة وفاة واحدة كل يومين بعد وصول مساعدات من برنامج الاغذية العالمي للمسلمين، وقال "أذهب لزيارة، الاطفال الذين يعانون من سوء التغذية لا سيما سوء التغذية الشديد وأجد عددا كبيرا بين 200 و300"، ويتدفق اللاجئون على الكاميرون المجاورة بمعدل عشرة آلاف اسبوعيا وقال مكتب الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة "يصلون معتلي الصحة ومصابين بطلقات نارية وجروح قطعية".

وذكر المكتب في تقرير "اضطر الوافدون الجدد للسير وسط الاحراش شهرين أو ثلاثة قبل الوصول للحدود بسبب المتاريس التي تضعها الميليشيات المسلحة على الطرق"، وذكرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن الصراع لا يلقى اهتماما وان هناك حاجة لمساعدات لإنقاذ الأرواح وأضافت أن عمليات الانقاذ على شفا الإفلاس، ورغم فشل القوتين الفرنسية والافريقية في اقرار النظام إلا انهما ترافقان المسلمين للخروج بأمان ويذهب معظمهم لتشاد المجاورة، وقال سيمبونا جاي كوبين المتحدث باسم المسيحيين في بودا "اذا اراد المسلمون الرحيل يمكن ان ترافقهم القوتان الفرنسية والافريقية ولا توجد مشكلة لن نقتلهم لا نريد سوى ان يرحلوا".

جهود ضعيفة

من جانب اخر قالت منظمة أطباء بلا حدود إن آلاف الأشخاص فروا من معركة بالأسلحة بين قوات تشاديه ترافق قافلة لمدنيين مسلمين وميليشيا محلية في جمهورية أفريقيا الوسطى في الوقت الذي أتمت فيه تشاد سحب جنودها من جارتها التي يمزقها العنف.

وكانت قوات تشاديه ترافق آخر 540 ساكنا مسلما في بلدة بو سانجوا بشمال غرب البلاد إلى جوري في تشاد عندما هاجمت ميليشيا القافلة ليل 11 أبريل نيسان أثناء مرورها عبر بوجيلا على بعد نحو 310 كيلومترات إلى الشمال من العاصمة بانجي.

ورد الجنود التشاديون على الهجوم ونقل ثلاثة مصابين في وقت لاحق إلى منشآت تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في بوجيلا وباوا، وقال ستيفانو أرجنزيانو رئيس بعثة أطباء بلا حدود في بيان "رأينا أغلب السكان يفرون في ذعر إلى الأدغال" مشيرا إلى أن نحو سبعة آلاف شخص نزحوا في الاشتباكات. بحسب رويترز.

وأضاف "نشعر بالقلق من أن تكون المعركة بالسلاح أسفرت عن وقوع المزيد من الاصابات، في الوقت الحالي لا يمكننا دخول المنطقة للتأكد من ذلك ونقل المصابين"، وكانت الأمم المتحدة قالت في وقت سابق إنها تحاول بشكل عاجل إجلاء 19 ألف مسلم من بانجي وأجزاء أخرى في جمهورية أفريقيا الوسطى إذ تحاصرهم ميليشيا مسيحية مما يهدد حياتهم.

فيما أفاد مصدر أوروبي أن قوات الاتحاد الأوروبي في أفريقيا الوسطى باتت عملانية وشرعت في ضمان الأمن في مطار بانغي، وهي مكونة أساسا من 150 جنديا أغلبهم عسكريين فرنسيين شاركوا في عملية سانغاريس تحت قيادة الجنرال فيليب بونتييه.

وباشرت قوة تابعة للاتحاد الأوروبي في أفريقيا الوسطى مهام عملانية لضمان أمن مطار بانغي، وتولى المهمة بعثة "يوفور- جمهورية إفريقيا الوسطى" أغلب عناصرها هم جنود القوة الفرنسية المشاركة في عملية سانغاريس والذين كانوا مكلفين حتى الآن بحماية مطار مبوكو، الوحيد في عاصمة أفريقيا الوسطى.

وتتألف قوة "يوفور- جمهورية أفريقيا الوسطى" حاليا من حوالى 150 رجلا غالبيتهم من العسكريين الفرنسيين الذين كانوا ينتمون إلى عملية سانغاريس ومن جنود القوة الإستونية، وستزداد قوة البعثة تدريجيا إلى أن يصل عديدها في حزيران/يونيو إلى 800 عنصرا ترسلهم جورجيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وفنلندا أو إيطاليا.

وتلعب فرنسا في هذه القوة دورا كبيرا مع نشر مئات الرجال وبينهم قائدها الجنرال فيليب بونتييه الموجود في بانغي، وتضطلع قوة "يوفور- جمهورية إفريقيا الوسطى" بمهام إحلال الأمن في منطقة مطار مبوكو الذي يؤوي معسكرا كبيرا للنازحين بسبب النزاع، قبل توسيع مهامها لتشمل حيين في العاصمة.

وحددت مدة عملها بستة اشهر، ومدة تشكيل هذه القوة الذي أعلن في كانون الأول/ديسمبر كانت أطول مما هو متوقع بسبب تحفظ عدة دول أوروبية عن المشاركة فيها مع اندلاع الأزمة في أوكرانيا، ونشر القوة يأتي عقب هجمات على قرى السكان المسلمين، ودعا الجنرال بونتييه في بداية نيسان/أبريل الدول ال28 في الاتحاد الأوروبي إلى بذل جهد إضافي لكي يبلغ عديد القوة ألف رجل، وأعلن أيضا أن تشكيل البعثة معقد على المستوى اللوجستي بسبب الوضع الجغرافي لإفريقيا الوسطى وغياب المرافق لتأمين سكن الجنود.

وأطلقت قوة يوفور- جمهورية أفريقيا الوسطى في إطار القرار 2134 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وتهدف، إضافة إلى دعم القوة الأفريقية، إلى الإسهام في "إعادة بناء بيئة مستقرة وآمنة" في بانغي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آيار/2014 - 5/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م