فرنسا.. السياسة المتخبطة ترسم أزمات متلاحقة

 

شبكة النبأ: فرنسا اليوم تعاني العديد من الازمات التي قد تضر بسمعتها ومكانتها وسط الدول الكبرى والعالمية.

وتأتي الازمة الاقتصادية على رأس الازمات التي ارهقت المواطنين ودعت الحكومة الى تطبيق خطة تقشف جديدة، "ميثاق المسؤولية والتضامن"، صوت عيها نواب الجمعية الوطنية الفرنسية، وسيتم بموجبها توفير 50 مليار يورو بحلول عام 2017، إضافة إلى تخفيض الضرائب والنفقات المفروضة على الشركات وأرباب العمل.

ولاقت هذه الخطة الكثير من الانتقادات والمظاهرات التي جابت شوارع باريس مطالبة بتعديلها او الغائها، سيما وأنها تحوي على العديد من الفقرات التقشفية من اجل محاربة التضخم وتخفيف الدين العام وتقليل نسب البطالة.

كما ان النقابات العمالية الفاعلة في فرنسا، هي الأخرى، لم تستطع التوحد بشان هذه الخطة، بعد ان انقسمت بين مؤيد ومعارض لها فـ"الكونفدرالية العامة للعمال "سي جي تي" -اليسار- ونقابة القوة العمالية "أف أو" قررتا الاحتجاج سويا ضد الخطة، عكس كونفدرالية العمال المسيحيين "سي أف تي سي" والكونفدرالية العمالية "سي أف دي تي" اللتان قررتا مساندة الخطة كونهما ترى فيه فرصة سانحة لإعادة التوازن للاقتصاد الفرنسي"، مما أدى الى تشتت الرأي العام.

ازمة أخرى تعاني منها، فرنسا، مع صعود حزب الجبهة الوطنية "اليمين الفرنسي المتطرف" بعد فوز الحزب بـ11 بلدية في مارس/آذار الماضي، والذي أعطاه دفعة قوية لاتخاذ المزيد من المواقف المتطرفة ضد المهاجرين وكل ما لا يمت بصلة للثقافة الفرنسية، حتى ان رئيسة الحزب "لوبان" قد شنت هجوماً لاذعاً ضد الاتحاد الأوربي، رافضة فكرة انضواء فرنسا تحت عباءة الاتحاد، ومحملة إياه جميع مشاكل فرنسا الحالية، يذكر ان حزب الجبهة اليميني المتطرف يضم العديد من الحركات المتطرفة، كالنازيين الجدد، وله صلات بأحزاب وحركات اوربية متطرفة، تضمر العداء الشديد للمسلمين في اوربا وتنادي بوقف ما اسمته "اسلمة المدن".

ويبدو ان فرنسا، وهي تعيش بين واقع الاقتصاد المتدهور وخطط الإصلاح المربكة، وبين الأحزاب المتطرفة وصعودها المفاجئ الى السلطة، ما زالت تعاني من الأجواء "غير المريحة" وهي تبحث عن الحل الأمثل للخلاص من أزمات قد تعصف بمكانتها الاوربية والعالمية، كما يرى العديد من المحللين.

خطة فالس

فقد صادق نواب الجمعية الوطنية (بغالبية 265 صوتا، ضد ،232 وامتناع 67) لصالح خطة فالس الاقتصادية التي سيتم بموجبها توفير 50 مليار يورو بحلول 2017، وتهدف هذه الخطة إلى إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وتخفيض نسبة البطالة، فضلا عن تشجيع الاستثمار.

كما تهدف الخطة أيضا إلى تقليص نسبة البطالة التي تطال 10 بالمئة من الفرنسيين القادرين على العمل، وتخفيض العجز المالي (أكثر من 3 بالمئة حاليا) ونسبة الديون (حوالي 1800 مليار يورو في 2012) إضافة إلى تسهيل وتبسيط عملية الاستثمار في فرنسا.

وتدخل هذه الخطة في إطار ما يسمى بـ"ميثاق المسؤولية والتضامن" الذي كشف عنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 14 يناير/كانون الثاني 2014 والذي يرتكز على مبدأين أساسيين، الأول يكمن في تخفيض الضرائب المفروضة على الشركات وأرباب العمل (حوالي 30 مليار يورو)، والمبدأ الثاني يتعلق بمواصلة تقديم المساعدات الاجتماعية للفئات الشعبية الفقيرة والمتقاعدين والعاطلين عن العمل.

وفي خطابه، أكد رئيس الحكومة الفرنسية أن هدف "ميثاق المسؤولية والتضامن" هو تحسين قدرة فرنسا على التصدير والاستثمار في المجال الصناعي كونه المجال الذي يضمن خلق أكبر قدر من فرص العمل، ولأن الصناعة أيضا هي من بين المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي، وللتوصل إلى هذه الغاية، أكد مانويل فالس مرة أخرى أن الحكومة ستقوم بتخفيض الضرائب والنفقات الاجتماعية المفروضة على الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها لتمكينها من خلق فرص عمل جديدة.

وفي هذا الإطار، كرر أن الدولة ستعفي من الضرائب كل شركة عن كل راتب شهري تدفعها لموظفيها لا يتعدى الحد الأدنى للأجور ابتداء من 2015، مضيفا أن المساعدات المالية التي ستقدم للشركات (30 مليار يورو) والتي ستتجسد عبر إلغاء دفع الضرائب والنفقات الاجتماعية، ينبغي أن يكون هدفها الوحيد والأساسي خلق فرص عمل جديدة ولا غير ذلك.

وقال فالس:" الأرباح التي ستجنيها هذه الشركات وأرباب العمل يجب أن يتم استثمارها من جديد في نفس الشركات ولا ينبغي أن يتقاسمها أرباب العمل أو ملاك هذه الشركات"، وعلل مانويل فالس قرار الحكومة بتوفير 50 مليار يورو بحلول 2017 لضرورة الحد من نسبة العجز المالي الذي يعيق الاستثمارات ويثقل الديون.

من جهة أخرى، وبعد أن هدد بعض نواب اليسار بعدم التصويت لصالح خطته بحجة أنها لا تخدم مصالح الفئات الشعبية والفقيرة، أخذ مانويل فالس بعين الاعتبار مطالب هؤلاء النواب حيث أعلن عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية، أبرزها توظيف حوالي 30,000 شخص في قطاع التربية بحلول 2017 وذلك وفق الوعود التي قطعها فرانسوا هولاند خلال حملته الانتخابية وخلق 500 فرصة عمل سنويا في قطاع العدالة والشرطة والدرك الوطني، إضافة إلى تسريع وتيرة بناء المساكن للفئات المتوسطة أو تلك التي لا تتقاضى أجورا مرتفعة ومحاربة الفوارق الاجتماعية.

هذا، وكشف مانويل فالس أن علاوة مالية ستقدم للمتقاعدين الذين يتقاضون راتبا يتراوح بين 1000 و1200 يورو، فيما أعلن أيضا رفع مستوى المنحة المقدمة للعاطلين عن العمل والتي تقدر حاليا بحوالي 499 يورو لكل شخص واحد يعيش بمفرده.

وختم فالس خطابه بالقول لقد "طرحت خطتي الاقتصادية هذه أمامكم متمنيا أن تكونوا مقتنعين بها وأن تقدموا لي كل الدعم اللازم لأن المعركة ضد البطالة ومن أجل تحسين الاقتصاد الفرنسي ليست معركة شخصية أو معركة الحكومة التي أقودها، بل هي معركة الجميع"، وقد صوت لصالح خطته هذه 265 صوتا، وضدها 232 صوتا، فيما امتنع 67 عن التصويت.

فيما اثار رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي مانويل فالس استياء اليسار بإعلانه تجميد قيمة الاعانات الاجتماعية ورواتب الموظفين لخفض العجز العام لبلاده كما تعهد للاتحاد الأوروبي، فقد اعلن فالس، الذي تولى منصبه في 31 اذار/مارس الماضي، عدم زيادة قيمة الاعانات الاجتماعية والابقاء على تجميد رواتب الموظفين مؤكدا ان هذه الاجراءات المؤلمة تهدف الى "كسر منطق الدين الذي يقيد ايدينا تدريجيا".

واضاف "يجب ان نستعيد سيادتنا" بعد ان ذكر بان حجم الدين الذي كان يمثل 50% من اجمالي الناتج الداخلي عام 2002 ارتفع الى 90% عام 2012 في نهاية عهد الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي، واكد ان "فرنسا ستفي بتعهداتها" لبروكسل بخفض عجزها العام الى 3% من اجمالي الناتج الداخلي عام 2015 مقابل 4,3% عام 2013، في الوقت نفسه اعلن فالس تخفيف العبء الضريبي عن الاسر المتواضعة بقيمة 500 مليون يورو في حزيران/يونيو المقبل دون ان يقدم المزيد من الايضاحات. بحسب فرانس برس.

كما اعلن تقليص عدد العاملين في الوزارات باستثناء التعليم والشرطة والقضاء، اضافة الى اجراءات توفير في القطاع الصحي مع زيادة اللجؤ الى الادوية البديلة وجراحة العربات المتنقلة، وفي حين اعتبر زعيم كتلة النواب الاشتراكيين برونو لو رو ان خطة التوفير هذه "تتفق تماما مع قيم اليسار" ابدى العديد من زملائه دهشتهم الشديدة لهذه الاجراءات.

وقال زعيم جبهة اليسار (معارضة يسارية) في تغريدة على تويتر ان "فالس يقوم بدور المحضر لحساب المفوضية الاوروبية التي قالت ستدفعون فاذا به يبدأ في الجباية"، وقال نائب الجناح اليساري للحزب الاشتراكي كريستيان بول ان هذه الاجراءات "غير مقبولة شكلا ومضمونا".

قطب دولي كبير

بدوره وفي انتظار إعلان أسماء الوزراء المنتدبين الذين سينضمون لحكومة مانويل فالس، يسعى رئيس الوزراء الفرنسي الجديد لتعزيز قدرة فرنسا على تحقيق مكاسب في العالم من خلال إنشائه "قطبا دوليا كبيرا" يشمل الدبلوماسية والتجارة الخارجية والسياحة.

ويعول فالس من خلال تشكيلته الحكومية الجديدة ومن خلال "القطب الدولي الكبير" الذي أنشأه ويشمل الدبلوماسية والتجارة الخارجية والسياحة إلى تركيز وسائل الدولة في الخارج لتعزيز قدرة فرنسا على تحقيق مكاسب في العالم حسب مصدر في الخارجية الجزائرية، ويأتي الوزراء المنتدبون للتجارة الخارجية والسياحة والذين من المتوقع أن تعلن أسماؤهم ليكملوا فريق وزير الخارجية لوران فابيوس الذي أضيفت شؤون الدبلوماسية الاقتصادية إلى مسؤولياته التقليدية.

وفي فرنسا، الوزراء المنتدبون هم برتبة وزراء لكن من دون أن يشاركوا في اجتماعات المجلس في الإليزيه برئاسة الرئيس إلا إذا كان الاجتماع يتناول موضوعا يخصهم، ويهدف إلحاق وزارة الاقتصاد المثير للجدل بالخارجية للمرة الأولى منذ 1958 بعد أن كانت تابعة للتجارة الخارجية والسياحة إلى تعزيز حيوية الاقتصاد الفرنسي الذي يفتقد إلى التنافسية على الساحة الدولية، وتعتبر حقيبة التجارة الخارجية أداة تستخدمها الدولة لتعزيز الصادرات وتعزيز الاستثمارات الأجنبية في فرنسا.

وفابيوس الذي أعيد تعيينه في منصبه، هو رئيس سابق للوزراء وسبق أن تولى عدة مهام اقتصادية في حكومات سابقة، ويتولى منذ 2012 "شؤون الدبلوماسية الاقتصادية" التي تعتبر الشأن الأبرز في مهامه الدولية.

وصرح فابيوس أمام مسؤولي شركات "يجب أن يقوم طاقمنا الدبلوماسي بكل هذه المهام، ولم تعد المعادلة: إما الاقتصاد أو الثقافة، باتا معا"، إلا أن هذا التغيير لم يتم دون إثارة مشاكل، فقد أعلنت نقابة عملاء التجارة الخارجية معارضتها، وفي السفارات، سيصبح المستشارون الاقتصاديون تابعين لوزارة الخارجية بينما الملحقون المتخصصون كل لوزارته (الزراعة والمالية).

وبموجب اتفاق بين وزارتي الاقتصاد والخارجية فإن خدمات التجارة الخارجية ستظل عمليا في بيرسي (مقر وزارة الاقتصاد)، بحسب صحيفة "لو كانار انشينيه"، وأضافت الصحيفة بتهكم "الراس في الكي دورسي (مقر الخارجية) الخارجية والقدمين في بيرسي".

تأييد واسع

الى ذلك اظهر استطلاع للرأي اجري لحساب صحيفة جورنال دو ديمانش ان شعبية الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تراجعت خمس نقاط في نيسان/ابريل لتصل الى 18 بالمئة ادنى مستوى منذ سنتين بينما يلقى رئيس الوزراء الجديد مانويل فالس تأييدا واسعا عبر عنه 58 بالمئة من الفرنسيين.

ولم يسبق ان تراجع التأييد لهولاند الرئيس الاقل شعبية في الجمهورية الخامسة، الى هذا المستوى، ففي تشرين الثاني/نوفمبر كان يلقى تأييد عشرين بالمئة وكذلك في شباط/فبراير 2014، وشهدت شعبيته تحسنا طفيفا في آذار/مارس (23 بالمئة) حسب المقياس الشهري لمعهد ايفوب.

اما فالس الذي يخضع للاختبار للمرة الاولى بصفته رئيسا للحكومة، فيلقى تأييد 58 بالمئة من الفرنسيين ليكون بذلك رئيس الوزراء الاكثر شعبية في بداية ولايته، وجاء ذلك قياسا الى الارقام التي سجلها الذين ترأسوا الحكومة الثانية في ولاية رئاسية.

وللمقارنة، كان دومينيك دو فيلبان رئيس الوزراء في عهد جاك شيراك يتمتع بتأييد 44 بالمئة من الفرنسيين في بداية عهده في حزيران/يونيو 2005، اما فابيوس فكانت شعبيته تعادل 29 بالمئة في آب/اغسطس 1984 عندما تولى رئاسة الحكومة خلفا لبيار موروا رئيس اول حكومة في عهد فرنسوا ميتران. بحسب فرانس برس.

ويشير المعهد الى ان هذا الفارق الذي يبلغ 40 نقطة بين الارقام الني حققها الرئيس ورئيس الوزراء لا سابق له منذ 1958، باستثناء حكومات التعايش، وكان اكبر فارق سجل حتى الآن يبلغ 21 نقطة بين نيكولا ساركوزي (37) وفرنسوا فيون (58) في آذار/مارس 2008.

وفي التفاصيل، اكد 2 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع انهم "راضون جدا" عن فرنسوا هولاند كرئيس للجمهورية (نسبة لم تتغير منذ آذار/مارس) وقال 16 بالمئة انهم "راضون" (-5) مقابل 44 بالمئة قالوا انهم "مستاؤون منه" (+4) و38 بالمئة "مستاؤون جدا" (+4)، اما فيما يتعلق برئيس الوزراء بعد ايام على توليه منصبه في الاول من نيسان/ابريل، فقد قال 5 بالمئة انهم "راضون جدا" و53 بالمئة انهم راضون و23 بالمئة "مستاؤون" و12 بالمئة

واجري استطلاع بين الرابع والثاني عشر من نيسان/ابريل وشمل عينة تمثيلية من 1909 اشخاص تجاوزت اعمارهم ال18 عاما.

يذكر ان مستشار كبير للرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند، استقال بسبب اتهامات بتضارب المصالح بين عمله في صناعة العقاقير وعمله الحكومي الأمر الذي زاد الضغوط على الزعيم الذي تراجعت شعبيته قبل اسابيع من انتخابات البرلمان الأوروبي، ونفى اكيلينو موريل الذي يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس للاتصالات ويكتب خطب أولوند وواضع الاستراتيجيات السياسية الرئيسي تقريرا نشره موقع ميديابارت الاستقصائي على الانترنت بأنه تقاعس عن الحصول على تصريح للعمل في احدى الشركات عندما كان موظفا بمديرية الصحة العامة.

وتوجه القضية ضربة أخرى لأولوند بعد الخسارة الفادحة التي مني بها حزبه في الانتخابات البلدية في نهاية مارس آذار، وقال أولوند إن مستشاره "اعتمد الخيار الوحيد المتاح له"، وأضاف للصحفيين "تقديري هو أنه لا يمكن أن يوجد مجال للبس لان الحياد والاستقلال مبادئ لطالما دعوت إليها وينبغي للجميع أن يتصرفوا بما يتفق معها".

ومع تجاوز معدل البطالة عشرة في المئة تراجعت معدلات التأييد لأولوند إلى أدنى مستويات تأييد لأي زعيم فرنسي في السنوات الخمسين الأخيرة وتشير استطلاعات الرأي الى أنه يمكن أن يمنى بخسائر فادحة أمام المحافظين والجبهة الوطنية اليمينة المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في مايو أيار المقبل.

كما يواجه أولوند توترات متزايدة داخل حزبه بسبب تقليص الموازنة بواقع 50 مليار يورو لمساعدة باريس على الوفاء بالتزامها في الاتحاد الأوروبي بتقليص الدين العام الفرنسي، وكتب موريل (51 عاما) في صفحته على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي على الانترنت يقول إنه حصل على تصريح من مديرية الصحة في عام 2007 للعمل لحساب شركة لوندبيك الدنمركية للأدوية، وقال موقع ميديابارت إن موريل حصل من الشركة على 12500 ألف يورو (17300 دولار، لكن مديرية الصحة قالت في بيان إنه ليس لديها بيانات بشان تصريح بالتعاون مع شركات أدوية في السنوات الأخيرة.

ويذكر ان آلاف من أنصار اليسار الفرنسي المتطرف، تظاهروا في شوارع باريس مطالبين الرئيس الفرنسي بتغيير سياسته، وحملوا لافتات تهاجم الرئيس فرانسوا هولاند، وذلك للمرة الأولى منذ الهزيمة التي مني بها الاشتراكيون في الانتخابات المحلية وتغيير الحكومة.

وتظاهر 25 ألف شخص وفق الشرطة ومئة ألف بحسب المنظمين تلبية لدعوة الحزب الشيوعي وحزب اليسار اللذان يشكلان جبهة اليسار، مطالبين هولاند بتغيير سياسته التي تصب حسب رأيهم في مصلحة أصحاب العمل على حساب الموظفين.

اليمين المتطرف

بدورهم فان إلغاء مشاريع بناء المساجد وإنزال علم الاتحاد الأوروبي وفرض حظر التجول على القاصرين الذين لا تتعدى أعمارهم 13 سنة، فضلا عن إلغاء بعض الإعانات المالية المقدمة سابقا للجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، تلك هي أولى القرارات التي اتخذها رؤساء البلديات التي فاز بها اليمين المتطرف الفرنسي.

وبدأ حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) الفرنسي يظهر بوجهه الحقيقي بعد شهر واحد فقط من فوزه بـ11 بلدية في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس/آذار الماضي بفرنسا.

وحزب مارين لوبان الذي أحدث المفاجأة شرع دون انتظار في وضع بصماته الخاصة في تسيير شؤون المدن التي فاز بها وذلك من خلال قرارات، أقل ما يقال عنها أنها بدأت تثير الجدل في الأوساط السياسية الفرنسية، ففي مدينة بزيي (جنوب شرق فرنسا) مثلا، فرض روبير مينار، رئيس بلدية المدينة، والذي شغل سابقا منصب رئيس منظمة "مراسلون بلا حدود" حظر التجول على الأطفال دون 13 سنة.

وينص المرسوم البلدي الذي نشره مينار أن "أي طفل قاصر لا يتعدى عمره 13 سنة لا يحق له أن يتجول في الشارع من الساعة 11 ليلا حتى 6 صباحا، إلا إذا كان برفقة شخص بالغ"، وسيتم تفعيل هذا المرسوم ابتداء من 15 يونيو/حزيران لغاية 15 سبتمبر/أيلول 2014 وسيشمل ثلاثة أيام في الأسبوع، وهم الجمعة والسبت والأحد، إضافة إلى أيام العطل المدرسية.

وفي بلدية " فيليي كوتيريه" (شمال فرنسا)، القرار الأول الذي اتخذه فرانك بريفو، رئيس هذه البلدية المحسوبة على اليمين المتطرف، هو إلغاء الاحتفالات السنوية بنهاية نظام العبودية والتي كانت مقررة في 10 مايو/أيار المقبل.

وعلل رئيس البلدية قراره هذا كون هذه الاحتفالات تحولت إلى "موضة" في فرنسا التي تعبت بالإقرار بذنبها ومسؤوليتها إزاء ملف العبودية، ويتوقع أن تنظم هذه الاحتفالات في مكان آخر، بعيدا عن بلدية " فيلي كوتريه" إلا في حال قرر محافظ المنطقة إبقاءها في نفس البلدية كما طلبت منه بعض الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والمناهضة للعبودية.

أما في مدينة "هينان بومون" الواقعة هي الأخرى في شمال فرنسا، فقرر رئيس البلدية الجديد ستيف ستربوا تخفيض نسبة ضريبة الإسكان التي يدفعها سكان هذه المدينة مرة في السنة 10 بالمئة. بحسب فرانس برس.

كما قرر أيضا وقف الإعانة المالية التي كانت تقدمها البلدية السابقة لفرع رابطة حقوق الإنسان الذي ينشط في هذه المدينة (300 يورو في السنة) بسبب وقوف هذه الرابطة ضد ترشحه، وفسر ستربوا قراره بالقول: "رابطة حقوق الإنسان جمعية "مسيسة"، وبالتالي بمجرد أنها تدخلت في شؤون البلدية قررنا قطع الإعانات المالية التي كانت تتلقاها".

ويخشى فرع رابطة حقوق الإنسان في مدينة مونت لا جولي (ضاحية باريس) والتي انتقلت هي الأخرى، إلى اليمين المتطرف من نفس المصير وذلك بعدما أعلن رئيس البلدية الجديد لهذه المدينة سريل نوث رفضه بناء قاعة صلاة للمسلمين، وهو مشروع أطلقه رئيس البلدية السابق الذي كان ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، وقال سريل نوث: "نحن ضد هذا المشروع وندد بالسياسة "الشعبوية" التي كانت تمارسها الأغلبية السابقة من أجل إقناع الجالية المسلمة بالتصويت لصالحها".

أما في مدينة "فريجوس" (جنوب فرنسا)، فلقد هاجم رئيس البلدية الجديد دفيد راشلين رموز الاتحاد الأوروبي وقام بإنزال العلم الأوروبي عن سطح البلدية، فيما أعلن عن معارضته بناء مسجد جديد في المدينة، داعيا إلى تنظيم استفتاء للفصل في هذه المسألة.

وبالإضافة إلى كل هذه الإجراءات، قرر معظم رؤساء بلديات اليمين المتطرف رفع رواتبهم الشهرية ورواتب مساعديهم رغم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها فرنسا، وعلل رئيس بلدية صغيرة في الجنوب الفرنسي تدعى "لو لوك" ذلك بالقول "إن رواتب بعض المساعدين لرؤساء البلديات أقل بكثير من المساعدات المالية التي يتقاضها المهاجرون الأجانب الذين يعيشون في فرنسا دون أي عمل".

وفي خطاب مطول دام ساعة، لم تكف زعيمة الحزب مارين لوبان عن شتم وانتقاد الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الفرنسيين الذين رضخوا لقرارات هذا الاتحاد وقبلوا سياسات التقشف وفتح الحدود التي فرضها.

وقالت لوبان أمام جمع غفير من المناضلين: "لقد وضع المسؤولون في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليمين المعارض) وفي الحزب الاشتراكي (الأغلبية الحاكمة) مستقبل فرنسا بين أيدي الموظفين الأوروبيين، فهم يتصرفون كما يشاؤون بالرغم من أنهم غير منتجين ولا يعرفون كيف تعيشون حياتكم اليومية".

ودعت لوبان إلى التصويت بكثافة في الانتخابات الأوروبية المقبلة لتمكين فرنسا من استرجاع سيادتها وألا يناقش مصيرها في مكاتب بروكسل ومن قبل "تكنوقراط" لا علاقة لهم مع الواقع حسب تعبيرها.

وأضافت: "لا توقعوا أنفسكم في فخ المقاطعة، عليكم أن تشاركوا في الانتخابات الأوروبية التي ستنظم في 25 مايو/أيار المقبل بقوة، إنها ضرورة ملحة إذا أردنا أن تسترجع فرنسا دورها في العالم"، مشيرة أن الذين يفكرون في مقاطعة الانتخابات سيتركون الباب مفتوحا أمام الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية من أجل الاستمرار في خطتهم المتمثلة في هدم كل مكتسبات الشعب الفرنسي.

وقالت لوبان "بلدنا يطمح أن يعود كما كان في السابق، نحن نرفض أن تعيش فرنسا نفس السيناريو الذي عاشته اليونان وإسبانيا والبرتغال، لذا يتعين عليكم كرجال أحرار أن تقولوا لا ويتعين على الشعب الفرنسي أن يقول لا لهذه المناورات، نحن لسنا مع أوروبا التي تهدم اقتصادنا وتفرض علينا عمالا أجانب في حين يعاني العمال الفرنسيون من البطالة".

وأنهت خطابها "يجب على فرنسا أن تظل فرنسا ولا تغير هويتها، لذا يجب وقف الهجرة غير الشرعية وتقليص الهجرة الشرعية ووقف سياسة تعدد الثقافات التي تدعو إليها الأحزاب السياسية وموظفو الاتحاد الأوروبي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آيار/2014 - 4/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م