ايران... الخناق الاقتصادي يشجع على تكثير النسل

 

شبكة النبأ: أكثر ما أثار أغلب المراقبين والخبراء في الشأن الإيراني، وهم يتابعون التوجه الجديد في الدولة نحو إلغاء إجراءات تحديد النسل، الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب الايراني بسبب الالتزام بسياسة المواجهة التي تتبعها القيادة الإيرانية مع الغرب، التي انعكست مباشرة على الوضع الاقتصادي، حيث كلّف المشروع النووي الإيراني، عقوبات قاسية على المواطن الإيراني، حيث فقدت العملة المحلية حوالي (80) بالمئة من قيمتها، وبلغ التضخم مستويات مخيفة، حتى بلغ (38) بالمئة قبل مجيء الرئيس روحاني، وبمحاولاته الحثيثة انخفض الى (32) بالمئة فقط. والسبب الرئيس هو حرمان ايران من ايراداتها من النفط بنسبة حوالي (40) بالمئة، كل ذلك خلق اوضاعاً معيشية صعبة للغاية، ربما لم يعهدها المواطن الايراني منذ الثورة الاسلامية التي اطاحت بالنظام الملكي عام 1979.

وعليه؛ فان الدعوة الى كثرة الانجاب، بغض النظر عن المبررات والاسباب، وإن كان بعضها صحيحاً، إلا انها في نظر المواطن الذي يقف على صفيح ساخن في ايران، حيث الارتفاع الجنوني لاسعار المواد الغذائية والمحروقات والسكن وغيرها، تجعله يسخر بمرارة من دعوة يتلقاها من مسؤولين في الدولة، بأن تتحول الأسرة ذات الاربعة افراد، الى ستة او سبعة افراد. حتى وإن كانت هذه الدعوة صدرت عن أعلى سلطة في البلاد، وهو السيد علي خامنئي.

المشروع النووي قبل النمو السكاني

الدعوة الى إلغاء اجراءات تحديد النسل، ليست جديدة، إنما هي تعود الى حوالي اربع سنوات وتحديداً في ايام الرئيس الاسبق محمود احمدي نجاد، وبالتزامن مع التصعيد السياسي مع الغرب حول المشروع النووي وحول السياسات العدائية التي اتبعها نجاد مع الغرب، ممثلاً عن التيار المحافظ بقيادة خامنئي، في تلك الفترة كانت ايران تتطلع - وما تزال- الى مرتبة متفوقة في الشرق الاوسط، وهذا يحتاج الى قدرات بشرية تكون القاعدة العريضة للقوة العسكرية الضاربة نظراً الى المساحة الشاسعة لايران، اضافة الى ضمان الايدي العاملة في الانتاج وادارة عجلة الاقتصاد بما يقلل الاعتماد على الخارج. وكانت ايران لفترة من الزمن تفخر ان لديها نسبة عالية من الشباب، وذلك خلال ثمانينات القرن الماضي. وبالرغم من ظروف الحرب العراقية – الايرانية، فان الاوضاع الاقتصادية بشكل عام كانت افضل بكثير مما هي عليه اليوم، لاسباب عديدة لسنا بوارد الخوض فيها، اهمها العامل الاخلاقي الذي كان يدفع المجتمع الايراني للتكافل والتعاون قبل التفكير باستحصال الارباح والمكاسب المادية، وهذا ما كان يشجع القيادة الايرانية ممثلة آنذاك بالشيخ الرفسنجاني (رجل الدولة القوي آنذاك)، لأن يدعو الى التشجيع الى الزواج والانجاب من خلال صلاة الجمعة. وفي تلك الفترة لاحظ المراقبون والمتابعون العلاقة بين هذه الدعوة وبين الخسائر المريعة في الارواح في صفوف القوات الايرانية في حرب الثمان سنوات. وكانت النتيجة ظهور طبقة من الشباب بعد انتهاء الحرب، مما مكن القيادة الايرانية من البدء بعملية إصلاحات اقتصادية كبيرة ومحاولة إعمار ما هدمته الحرب.

وما يعزز هذا القول: إعلان رفسنجاني نفسه، عندما اصبح رئيساً للجمهورية ولثمان سنوات متتالية لمشروع تحديد النسل وإطلاق التخصيصات للحد من الانجاب في المستشفيات وتشجيع الناس على "تنظيم الأٍسرة"، وساد الشعار: "طفل أقل حياة أفضل". بما يعني عدم وجود أية علاقة بين التنمية السكانية التي تدعو اليها القيادة الايرانية وبين والتنمية الاقتصادية، اذ من المفترض ان تسفر التنمية الاقتصادية الى زيادة مستوى دخل الفرد الذي يعبر عنه الاقتصاديون بالقدرة الشرائية للمواطن وانخفاض تكاليف الخدمات مثل النقل والصحة والتعليم وغيرها.

وما حصل هو وجود الطبقة الشابة طيلة العشرين عاماً الماضية دون ان تسهم في معالجة الامراض المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الايراني، ابرزها عدم وجود المساواة في فرص العمل والانتاج، وجود الكارتلات الاقتصادية المرتبطة بالقيادة العسكرية والسياسية، مثل "الحرس الثوري" والمؤسسات الثورة الاخرى. بينما حصل التقدم في المجال العسكري والسياسي، حيث خاضت ايران مواجهات كلامية عنيفة مع الغرب وما تزال، مصحوبة بسباق تسلح ثم برز المشروع النووي ليطلّ برأسه على الساحة، ويغوّل القوة العسكرية الايرانية في المنطقة، رغم النفي المتكرر بعدم استخدام الطاقة النووية للاغراض العسكرية.

فاذا نسمع بنتائج ايجابية لايران في مجال التفاوض على المكسب النووي، فان الشعب الايراني حصل على نتائج سلبية فظيعة تسببت في اهتزاز النسيج الاجتماعي وضغوطات في وضعه المعيشي. فقد أظهرت بيانات رسمية نشرتها وسائل إعلام إيرانية أن ما يزيد عن خُمس الزيجات في إيران انتهت بالطلاق. وبلغت نسبة الطلاق في إيران 21 في المئة، وهذه الظاهرة تتخذ أبعادا أكبر في المدن الكبرى خصوصا في العاصمة طهران التي انتهت فيها حوالي ثلث الزيجات بالطلاق.

وحسب نفس المصادر فان نسبة النمو السكاني تراجع إلى 2.1 في المئة هذا العام، وهي أدنى نسبة في المنطقة، في حين بلغت نسبة الخصوبة 8.1 في المئة وفق وزارة الصحة. وهذا الوضع جعل المسؤولين الإيرانيين يحذرون خلال الأشهر الأخيرة من خطر شيخوخة السكان. ونبه رئيس دائرة الأحوال المدنية محمد ناظمي أردكاني إلى أن النمو الديموغرافي في إيران قد يصبح معدوما خلال الـ30 سنة المقبلة إذا ما استمر الوضع على الوتيرة الحالية. وهذا ما دفع البرلمان حالياً الى التصويت على مناقشة قانون جديد يحظر أي اجراءات من شأنها تحدّ من النسل وتمنع من الانجاب.

أكذوبة الرخاء الاقتصادي

ظهرت فكرة "تحديد النسل" أول مرة في انكلترا عام 1876 من خلال كتاب "ثمرات الفلسفة"، للطبيب البريطاني "نورتون" وقد اطلق لأول مرة دعوته لتحديد النسل لتحقيق مكاسب اقتصادية عندما ادى التطور التقني الى ارتفاع تكاليف المعيشة، مما اجبر الرجل والمرأة معاً للعمل لكسب المزيد من المال وتأمين الحياة المتطورة واقتناء اكبر عدد ممكن من وسائل الراحة والرفاهية.

هذه النظرية تسربت الى العالم الاسلامي، في وقت كان بلادنا تعيش اساساً ازمات سياسية متفجرة، ولا أحد يفكر بالتنمية الاقتصادية والاصلاح والبناء. فجاءت الفكرة وطبقتها العديد من الدول الاسلامية، ومنها ايران في عهد الشاه، ليحقق الغرب المزيد من التحجيم والتضعيف في قدرات الدول الاسلامية الكبيرة، عندما تقلل نسبة الشباب في المجتمع.

الى ذلك أشار سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- في كتابه "تحديد النسل فكرة غربية" بان هذه الفكرة بالاساس تمثل مؤامرة غربية على البلاد الاسلامية، وهنالك أكذوبة كبرى في ربط النسل وتعداد السكان بالتنمية الاقتصادية وزيادة دخل الفرد. يقول: "ان المشاكل التي تعترض طريق تقدم البلاد الإسلامية بما فيها المشاكل السياسية والاقتصادية وأزمات الغذاء والسكن. ليست ناتجة عن قلة في الثروات أو زيادة السكان وما إلى ذلك، بل يرجع الكثير منها ـ إذا لم تكن جميعها ـ إلى استبداد الحكومات الفاسدة المفسدة والأساليب الديكتاتورية التي تمارسها تجاه الشعوب، فهذه الأساليب من الطبيعي أن تقود إلى أزمات ومشاكل حادة تودي بحياة الشعب، فيأتي البعض ليعالج النتيجة دون الالتفات إلى السبب مختلقاً الحجج والتبريرات التي لا تصمد أمام الواقع". وفي ردّه على المدافعين عن تحديد النسل بدوافع اقتصادية يقول سماحته: "..للإجابة على التبرير الذي اختاره هؤلاء نقول لهم: أرجعوا الحريات الإسلامية المسلوبة إلى الناس أولاً حتى يتمكن الناس في ظل الحرية من تهيئة مستلزمات السكن والعمل بسهولة حينذاك، فإن الآباء يستطيعون تربية أطفالهم ـ مهما كثروا ـ تربية صحيحة. وهيئوا للأب الوقت اللازم والفرصة حتى يقوم بواجبه في التربية، حيث إن بعض الآباء يقضون أوقاتهم سعياً وراء متطلبات الحياة فيذهب الأب ليراجع هذه الدائرة أو تلك كل يوم لأخذ الرخصة ـ مثلاً ـ لإنشاء دار للسكن أو للحصول على العمل أو للحصول على جواز السفر أو الجنسية أو غير ذلك، مما يستهلك جهده ووقته في أمور جانبية، وقد يضطره ذلك إلى دفع الرشوة أحياناً، فمن الطبيعي أن إنساناً كهذا لا يستطيع تربية أطفال أكثر ـ التربية المطلوبة ـ إضافة إلى ذلك فإن الضرائب الثقيلة التي تجبى من الناس تجرهم أحياناً بالقوة إلى الفقر".

من هنا يتضح لنا أن الدعوة للتنمية السكانية في ايران، إنما لسد الثغرة التي يشعر بها القادة الحاليون وهم يتخندقون في مواجهة لا نهاية لها مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، بحيث يرى بعض الخبراء أن ايران في ظل القيادة الحالية ستواجه عواقب وخيمة في حالة المواجهة العنيفة والعدو المفترض.

والحقيقة الاخرى التي ربما لا يجهلها القادة الايرانيون، وهي التأخر الكثير في هذه الدعوة، فقد بات تحديد النسل، ثقافة راسخة في نفوس المواطن الايراني، لاسيما وان المعروف عن الايراني تشبثه بالحياة الوادعة والهادئة بعيداً عن الصخب والازعاج وتحمل المزيد من التكاليف، وما يعزز هذه الثقافة، الاوضاع الاقتصادية التي تعيشها ايران مما يجعل دعوة الحكومة متأخرة جدا، في مجتمع يبحث اليوم عن لقمة العيش والقدرة على معالجة المريض وتوفير السكن وفرص العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آيار/2014 - 4/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م