صدام الجماعات المتطرفة في سوريا... الإرهاب ضد الإرهاب

 

شبكة النبأ: يبدو ان انفلات الفصائل والجماعات المتطرفة عن التنظيم الام "القاعدة"، ينبئ بالكثير، كما أشار العديد من المحللين والمتابعين لشؤون التنظيمات الإرهابية، وهذا ما بات وضحا من خلال الحروب المتداخلة بين فصائل الإرهابي في سوريا فقد كشف التقاتل والتوتر المتنامي فيما بينها، صراعا محتدما يظهر النوايا المبيتة والرهانات شبة الحتمية لإثبات الوجود والهيمنة التي جسدتها حروب التآكل من الداخل التي ستواصل نحو النهاية الوشيكة.

فكما يبدو أن هذه الجماعات الإرهابية في سوريا وصلت إلى طريق مسدود فكلما طال أمد الصراع في سوريا أصبح من الواضح مدى الانقسامات والتشرذم الذي تتسم به، إذ يرى أغلب المحللين ان تلك الفصائل والجماعات المعادية لبعضها تسببت بتآكل من الداخل، فعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها بعض الدول الإقليمية والدولية في دعم هذه الجماعات المتطرفة، الا ان تفسخ هذه الفصائل الدموية باتت خارج سيطرة الدول الداعمة لها.

لذا يجمع المحللون على انه الى جانب الانتكاسات الداخلية بين تنظيم القاعدة وتنظيم  ما يسمى بـ "داعش" تتعرض الى انتكاسات خارجية بعد التراجع دعميها وذلك بعد عودة افراد التنظيمات الإرهابية الى بلدانهم كما هو الحال مع بعض البلدان الأوربية، لتعكس تلك الجهود والمساعي بالحقائق والدلائل مدى التنافس والغايات والأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة والمحرضة للمعارضات والتنظيمات الإرهابية الدموية في سوريا.

فُتحت الحرب بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية

في الوقت الذي اذاع فيه زعيم تنظيم القاعدة "ايمن الظواهري" رسالة تضمنت أمراً مباشراً لأمير "جبهة النصرة" "أبو محمد الجولاني" بوقف الاقتتال مع تنظيم ما يسمى بـ "داعش"، والتفرغ لمحاربة النظام وحلفائه، ومناشدة امير "داعش" "أبو بكر البغدادي" الانسحاب باتجاه العراق، أعلن ان ما لا يقل عن 60 ألف شخص فروا من المعارك الجارية بين جماعتي "جبهة النصرة" و"داعش" في منطقة دير الزور شرق سوريا، خصوصاً في بلدة البصيرة التي يقطنها أكثر من 35 ألف مواطن وقرية أبريهة التي يقطنها أكثر من 12 ألف مواطن، وقرية الزر التي يقطنها نحو 15 ألف مواطن.

وذكرت مصادر مطلعة ان "مقاتلي النصرة احرقوا الكثير من المنازل في البصيرة في حين قام تنظيم الدولة بالشيء ذاته في قرية ابريهة"، وقتل 62 مسلحا بينهم قيادين من الطرفين خلال الاشتباكات المستمرة منذ نحو 4 ايام في المنطقة.

فايمن الظواهري الذي تبرأ من تنظيم "داعش"، وهدر دم مقاتليه بصورة غير مباشرة، عاد ليعلن اليوم عن مبادرة جديد للصلح تحت باب "حقن دماء المجاهدين"، لكنها، حتى اللحظة الراهنة، لم تجد اذان صاغية حتى من قبل جماعة "جبهة النصرة" الموالية للتنظيم وزعيمه، بعد ان استمرت معارك الرصاص والمفخخات والانتحاريين فيما بينهم، والتي هلك فيها الالاف من مقاتلي التنظيمات والفصائل المختلفة في سوريا.   

فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أعدم سبعة أشخاص وقام بصلب اثنين منهم في مدينة الرقة، أبرز معاقله في شمال سوريا، والمقتولين هم من مقاتلين منضوين تحت إحدى فصائل المعارضة المسلحة السورية المناوئة لتنظيم "داعش" في مدينة الرقة"، وتضاف هذه الإعدامات إلى سلسلة من الممارسات التي يتهم ناشطون "الدولة الإسلامية" بارتكابها في الرقة، ومنها إعدامات ميدانية واحتجاز المئات منهم.

وقال المرصد "أعدمت الدولة الإسلامية في العراق والشام سبعة رجال عند دوار النعيم في مدينة الرقة، وذلك بتهمة تفجير وتفخيخ سيارات للدولة الإسلامية في العراق والشام، "وأشار إلى أن عملية الإعدام تمت "عن طريق إطلاق النار عليهم، ومن ثم قامت بصلب اثنتين منهم".

ونشر حساب تابع لـ "ولاية الرقة" في "الدولة الإسلامية" على موقع "تويتر"، تغريدات جاء فيها "قبل 10 أيام، قامت مجموعة تستقل الدراجات النارية بإلقاء عبوة ناسفة في دوار النعيم مستهدفة أحد جنود الدولة الإسلامية، فانفجرت العبوة وتسببت ببتر ساق لمسلم مدني وفقد طفل بصره".

ونشر المرصد صورة تظهر رجلا معصوب العينين مع آثار دماء على وجهه، وهو معلق على صليب من الخشب على دوار في شارع عام، ولفت حول جسد الرجل المصلوب، لافتة صفراء كتب عليها باللون الأحمر "هذا قام بمحاربة المسلمين، وفجر عبوة في هذا المكان"، وبدا إلى يسار الصورة، صليب آخر من الخشب، يعتقد أنه استخدم لتعليق الرجل الثاني، وكان عدد من الأشخاص بينهم أطفال يحومون حول الصليبين.

فيما قتل "أمير" جبهة النصرة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا على يد عناصر من "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بحسب ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وقال المرصد إن "أربعة مقاتلين من خلايا نائمة للدولة الإسلامية في منطقة حارم دخلوا ليل أمس إلى منزل في قرية رأس الحصن يسكنه أمير جبهة النصرة في محافظة إدلب أبو محمد الانصاري".

واوضح أن المقاتلين قتلوا أبو محمد الانصاري، وهو سوري، إضافة إلى زوجته وطفلته وشقيقه وطفلته، مشيرا إلى أن عناصر من النصرة لاحقوا الجناة واشتبكوا معهم، ما أدى إلى مقتل عنصر وقيام آخر بتفجير نفسه، في حين أسر العنصران الباقيان.

إلى ذلك، أفاد المرصد أن "الدولة الإسلامية" قامت في 16 نيسان/ابريل، بصلب شخص بعد اتهامه بارتكاب عملية سلب، وأشار إلى أن شخصا آخر اعترف بعد أيام بأن المتهم بريء، وأنه هو من قام بالعملية.

وقال المرصد أن "داعش" قامت أيضا بجلد رجل في مدينة الرقة لاتهامه بشرب الكحول، كما أعدمت ثلاثة مقاتلين ينتمون إلى فصيل معارض في مدينة تل ابيض الحدودية مع تركيا، ورجلين آخرين في بلدة سبوك في ريف الرقة بتهمة "استهداف الدولة الإسلامية".

وأقيمت تحت عنوان "الرقة تذبح بصمت"، أطلق ناشطون في المدينة الواقعة في شمال سوريا والتي تعد أبرز معاقل "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، حملة ضد الممارسات المتشددة لهذا التنظيم الذي يتهمونه باحتجاز المئات منهم.

وسلط الافراج عن اربعة صحافيين فرنسيين اعتقلوا لأشهر لدى "داعش"، والفظاعات التي رووها عن سجونها، الضوء على معاناة مئات العائلات التي تحتجز "داعش" أبناءها، ويقول الناشط عامر مطر (28 عاما) "كل يوم، تتجمع الامهات خارج مقار داعش في الرقة (في شمال سوريا)، يبكين، ويرجون الحصول على معلومات عن اولادهن او موعد الافراج عنهم".

واعتقلت "الدولة الاسلامية" الناشط الاعلامي محمد نور مطر، شقيق عامر، قبل نحو تسعة اشهر، ومنذ ذلك الحين، لم تعرف عائلة عامر المقيم حاليا في المانيا بعدما اضطر لمغادرة بلاده اثر مشاركته في الاحتجاجات ضد النظام السوري، اي شيء عن شقيقه، ويقول عامر "امي تعاني يوميا لأنها لا تحصل على اي معلومات عن نجلها الاصغر" البالغ من العمر 21 عاما.

وظهرت "الدولة الاسلامية" في سوريا في ربيع 2013، وقوبلت بداية باستحسان معارضي الرئيس بشار الاسد، الباحثين عن اي مساعدة في قتالهم ضد القوات النظامية، الا ان هذه النظرة سرعان ما تبدلت مع ارتكاب التنظيم "اساءات" بحق السوريين، وسعيه للسيطرة على مناطق وجوده.

وتدور منذ مطلع كانون الثاني/يناير معارك عنيفة بين "الدولة الاسلامية" وتشكيلات اخرى من مقاتلي المعارضة، وطردوها من مناطق واسعة في شمال سوريا، الا ان مدينة الرقة، مركز المحافظة الوحيد الخارج عن سيطرة النظام السوري، لا تزال المعقل الاساسي للتنظيم المتشدد، وترجح الناشطة في مجال حقوق الانسان سيما نصار ان "الدولة الاسلامية في العراق والشام تحتجز اكثر من الف سوري في محافظة الرقة"، مشيرة الى ان "تحديد رقم دقيق لهؤلاء أمر شبه مستحيل".

وتوضح ان الاعتقالات تطال اي شخص يعارض "القوانين" التي تفرضها "الدولة الاسلامية"، ولا يصبح ممكنا الحصول على اي معلومة بشأنه، وتشير نصار الى ان الرقة تضم عددا غير محدد من السجون، وان التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون في السجون السرية هو الأسوأ.

ويفيد ناشطون ان عناصر التنظيم يقومون احيانا بتنفيذ اعدامات ميدانية لأشخاص يسوقون بحقهم تهما مختلفة، كما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن قيام عناصر من التنظيم "بجلد مواطنة 40 جلدة" في ريف الرقة، وذلك بتهمة "رفضها ارتداء النقاب".

ويقول خبراء في الحركات المتشددة ان التنظيم يتصرف على انه "دولة" قائمة بذاتها، ويحق له فرض سلطته على كل من يخالف "قوانينه"، ودفع الخوف من ممارسات "الدولة الاسلامية" بالعديد من الناشطين السلميين الى مغادرة الرقة، وانتقلت غالبيتهم الى تركيا المجاورة، وتقول نصار ان "الدولة الاسلامية ترى في الناشطين تحديا لسلطتها، ويجدر التخلص منهم"، وأطلقت مجموعة من الناشطين الذين يستخدمون هويات سرية، حملة تطالب بخروج "الدولة الاسلامية" من الرقة.

ولقيت الحملة تأييدا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وحمل المتظاهرون المعارضون للنظام شعارات تدعو الى "تطهير الرقة من عصابة (زعيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ابو بكر) البغدادي".

وردد متظاهرون شعارات عدة منها "لا اله الا الله، داعش يا عدو الله"، و"الرقة حرة حرة، وداعش برا برا"، ويقول ابو ابراهيم، وهو احد منظمي الحملة، لوكالة فرانس برس عبر الانترنت "الرقة تذبح بصمت، معارضة داعش بات امرا شديد الخطورة، لكن علينا ان نكسر جدار الصمت"، ويضيف "علينا ان نقدم تضحيات، والا سيحكموننا الى الابد، وهذا امر غير مقبول".

واثارت الحملة حنق "الدولة الاسلامية" التي نفذت سلسلة اعتقالات طالت نحو 70 ناشطا في الرقة خلال أسبوع واحد، بحسب نصار التي تنشط مع "الشبكة السورية لحقوق الانسان".

وتقول نصار "اعتقلوا كل من وجدوه يستخدم موقع فيسبوك ولو حتى لمجرد التسلية، واحتجزوا اشخاصا لا علاقة لهم بالشأن السياسي، لقد فرضوا صيغة جنونية من قانون الطوارئ في الرقة"، واتهمت المعارضة السورية قبل أشهر "الدولة الاسلامية" بانها على "علاقة عضوية" بالنظام السوري وتعمل على تحقيق "مآربه"، وكان مصدر أمنى سوري افاد في وقت سابق ان القوات النظامية لن تعمل لاستعادة السيطرة على الرقة "لتكون المدينة مثالا، نريد ان يرى الناس ماذا يحصل عندما يسيطر المسلحون على زمام الامور". بحسب فرانس برس.

وفي حين سجلت على امتداد النزاع السوري انتهاكات متعددة لحقوق الانسان من كل الاطراف، الا ان الناشطين يرون في ممارسات "الدولة الاسلامية"، استخفافا تاما بأدنى الحقوق، وتقول نصار "يعتقد عناصر الدولة الاسلامية انهم يقومون بالأمر الصحيح، لا يكترثون لسمعتهم".

وتشير الباحثة في "هيومن رايتس ووتش" لما فقيه الى ان المنظمة تحض على وقف الدعم المالي الذي تناله "الدولة الاسلامية"، وعلى ضمان ان يرفع الشأن السوري برمته الى المحكمة الجنائية الدولية.

وتقول ان احالة مماثلة "ستسمح لبعض الضحايا بتحقيق العدالة، وستمثل رادعا لانتهاكات كهذه في المستقبل"، الا ان اقارب المعتقلين لدى "الدولة الاسلامية" لا يبدون متفائلين، ويقول عامر مطر "نحن مستعدون لكل ما يلزم لضمان الافراج عن محمد نور، لكن داعش لم يقر حتى انه محتجز لديه"، ويضيف "نشعر باننا مشلولون، نحن السوريون مواطنو اللامكان، ولا يمكننا ان نلجأ الى اي دولة او قوة عالمية، لطلب الدعم".

اتهامات وثغرات

في السياق ذاته، لا مجال للمهادنة أو المواربة بعد اليوم، فقد فُتحت الحرب على مصراعيها بين "تنظيم القاعدة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" وبات الشرخ في الصف الجهادي كبيرا ولا عودة عنه، فما هي أبرز الاتهامات بين الفصيلين وما هي ثغراتها وتداعياتها على الساحة الجهادية؟.

في ظرف ساعات قليلة لم يعد هنالك مكان للشك أو للتأويل أو للتحليل وما كان مناكفات وتحديات وفضح للمستور على شبكات التواصل الاجتماعي تحول إلى ما ينذر بحرب مفتوحة لا هوادة فيها ولا رحمة، وما بدأ في الرقة، ثم في الشرقية عموما وفي البوكمال، من تقاتل بين "جبهة النصرة لأهل الشام" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" من المرجح أن يمتد ليشمل كافة الأراضي السورية لا بل ومن الممكن أن يمتد الصراع إلى العراق.

فمن الواضح أن هذا الأمر مخطط له وقيد التهيئة، ذلك إن كان من خلال الإصدار الصوتي الأخير لأبو محمد الجولاني والذي هدد فيه بنقل المعركة إلى بلاد الرافدين عقر دار "الدولة الإسلامية" أو من خلال محاولات إعادة إحياء فصائل مناوئة "للدولة الإسلامية" أو كانت قد ابتلعتها "الدولة" عام 2006 كفصيل "أنصار الإسلام".

لن ندخل في تفاصيل الاتهامات والاتهامات المضادة فيما يخص الاغتيالات وغيرها من الأمور التي يصعب التثبت منها، إلا أننا سنحاول أن نبين الثغرات في أبرزها.

منذ أن صدر بيان أبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة، في رثاء أبو خالد السوري بعنوان "يا ليتك رثيتني" فُتحت أبواب الحرب الإعلامية بين "جبهة النصرة–تنظيم القاعدة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، فبدأت "الجبهة" بتبني ما كانت تُتهم به "الدولة" من قبل فصائل المعارضة السورية، إسلامية كانت أم لا. بحسب فرانس برس.

ومن أبرز الاتهامات "تحريرها للمحرر" من المناطق السورية، لكن كل مراقب للساحة السورية منذ أيام الحراك العسكري الأولى متيقن لفراغ هذه الاتهامات، فالدولة الإسلامية، وبحسب ما ورد على لسان أبو محمد الجولاني نفسه، في رده ورفضه لدعوة أمير الدولة أبو بكر البغدادي لحل "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" ودمجهما في "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، موجودة في سوريا قبل 2011.

ففي ذلك الإصدار الصوتي أكد الجولاني على أن "الجبهة" انبثقت من رحم "الدولة" وعلى أنه توجه مع عدد من الكوادر إلى الشام حيث تمت مساعدته واستقباله من قبل خلايا "الدولة" النائمة في سوريا عام 2011، أي بعد أشهر قليلة على بدء الحراك الثوري على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ومن المعلوم أيضا أن "جبهة النصرة" ما لبثت أن أصبحت عماد الحراك المسلح منذ مطلع عام 2012، وفي حينها كانت لا تزال تحت مظلة "الدولة الإسلامية" وكوادرها هم كوادر الدولة وأشهرهم "حجي بكر" الذي ظهر في أحد الإصدارات الأولى "المنارة البيضاء" ذراع "الجبهة" الإعلامي، لا بل ومسؤول المناطق الشمالية في سوريا ونائب الجولاني في وقته لم يكن إلا أبو محمد العدناني ابن بلدة بنش السورية، علما أن العدناني اليوم هو الناطق الرسمي باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام".

لكنه عند إعلان "الدولة"، ومع رفض الجولاني للدمج، عاد الكثيرون من مقاتلي "الجبهة" وكوادرها إلى حضن الفصيل الأم، لكن هؤلاء الجنود والأمراء هم نفسهم الذين شاركوا في المعارك وسيطروا على عدة مدن وبلدات سورية باسم "جبهة النصرة"، حتى وأن الكثير من الفصائل التي لم تكن منضوية تحت لواء "الجبهة" بايعت "الدولة" بعد فترة من إعلانها، وأشهرها "جيش المهاجرين والأنصار"، حيث بايع أمير هذا الفصيل، أبو عمر الشيشاني "الدولة الإسلامية" مع نصف جيشه، وهو اليوم أحد أهم قادتها العسكريين في سوريا، ذلك علما أن النصف الآخر لهذا الفصيل استمر في الوجود بطريقة مستقلة وبنفس المسمى بقيادة صلاح الدين الشيشاني، وهو يشارك اليوم بمعارك أساسية على تخوم مدينة حلب.

هذه الوقائع تبين أن عديد "الدولة الإسلامية" في سوريا جله من السوريين أنفسهم و"المهاجرين" من غير العراقيين الذين أتوا من أصقاع الأرض للقتال على أرض الشام، فكيف لهم أن يعودوا إلى العراق؟ بل أكثر من ذلك، فمن الواضح اليوم لكل مدقق بالواقع الميداني بين العراق وسوريا، أن عودة "الدولة" بقوة إلى الساحة العراقية لا بل وعودتها إلى المدن بعد انكفاء دام سنوات يعود إلى تمكنها في سوريا وسيطرتها على مناطق شاسعة تؤمن لها موارد بشرية وعسكرية كبيرة يتم توظيفها في بلاد الرافدين وليس العكس.

"الدولة الإسلامية" لم تهادن، وذهبت دون لف ودوران واتهمت تنظيم "القاعدة" بالانحراف عن المسار الجهادي الصحيح، معللة ذلك بعدة أسباب منها، "مدح الطغاة" لتنظيم القاعدة منذ دخوله بصراع معها، ويفسر أحد المقربين من شرعيي "جبهة النصرة" أنه ليس هنالك من ضرر في هكذا مدح، "فالناطق باسم كتائب الناصر صلاح الدين الفلسطينية مدح أبو عمر البغدادي مؤسس الدولة الإسلامية، وهذا الفصيل الفلسطيني كان من مشاركي حركة حماس، الحليفة لإيران، في السلطة وفي أجهزتها الأمنية مطلع عام 2007".

وتتهم "الدولة" "القاعدة" بالوقوف في صف "الصحوات والعلمانيين"، وهنا يقول المصدر نفسه أن هذا الاتهام باطل وأن "الظواهري حرّم التحالف مع العلمانيين منذ أكتوبر 2011، قائلا أنه لا يمكن إتمام ذلك على حساب حاكمية الشريعة وأحكام الإسلام"، أما بالنسبة لاتهام الظواهري بالقبول بالسلمية، يقول أن "هذا الأمر ليس بغريب عن القاعدة ولا عن مؤسسها، فاستعمال السلمية كوسيلة جائز، فأسامة بن لادن نفسه بارك ثورتي تونس ومصر في آخر إصدار صوتي له".

نهاية، كل فصيل يتهم الآخر "بإفساد الجهاد في سوريا وبشق صف المجاهدين في العالم"، وما كتبناه ليس إلا نقطة ماء من بحر الاتهامات التي تتواتر على أذنينا، والخلافات التي كانت تجري في السر أصبحت تنشر في العلن وعلى الملأ، موفرة على أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية مشقة البحث والتدقيق في معلومات كان يصعب الحصول عليها منذ سنوات لا بل منذ أشهر خلت.

وما كان خلاف "البيت الواحد" كما قال الجولاني، في مقابلته مع قناة الجزيرة مؤخرا، أصبح خلافا دمويا تستعمل فيه المفخخات والقنابل البشرية وآخرها التفجير الذي وقع في بلدة الغريبة في الحسكة وكانت "جبهة النصرة" مسؤولة عنه، ذلك بالرغم من دعوة الظواهري، عبر تسجيل مسرب، لعدم استعمال هذه الوسيلة والابتعاد عن الفصيل الذي يستعملها، وما بدأ في سوريا سينتقل إلى باقي مسارح الجهاد، فاليوم بات من المحتم على كل فصيل من المغرب العربي مرورا بأفغانستان وحتى الفيليبين، أن يأخذ موقفا من هذا الخلاف المُستجد بين "الدولة الإسلامية" وتنظيم "القاعدة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آيار/2014 - 4/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م