النفط الايراني والتأرجح بين الأزمة والانتعاش

 

شبكة النبأ: كثيراً ما مارست الولايات المتحدة الامريكية وإيران لعبة "الغش والاختفاء"، قبل وبعد التفاهمات الأخيرة حول الملف النووي، فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وعملية تصدير النفط الخام الى الأسواق العالمية.

إيران تحاول الخروج من الطوق والعزلة الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الامريكية بمساعدة حلفائها، والذي قلص واردات إيران النفطية كثيراً، وأدى الى ضعف أدائها الاقتصادي وارتفاع نسب التضخم وتضرر عملتها المحلية، بما لا ينسجم وتطلعات إيران نحو بروزها كقوة إقليمية في المنطقة.

وقد حاولت إيران استغلال الجو الإيجابي للمفاوضات، والرفع الجزئي للعقوبات، من اجل ضخ المزيد من نفطها الخام الى الأسواق، والذي قد يتجاوز السقف المسموح به، بالمقابل فان الولايات المتحدة الامريكية، كما يرى المتابعين، قد تغض الطرف في بعض الأحيان، لكنها سرعان ما تعيد إيران الى سكة العقوبات من اجل ممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي، الذي سيؤدي بالمحصلة النهائية الى عدم تصعيب مهمة الحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني.

فيما يرى اخرون، ان عملية ضبط تصدير النفط الإيراني، من قبل الولايات المتحدة الامريكية، امر أكثر صعوبة من ان تتحكم فيه، سيما وان الأسواق العالمية بحاجة الى المزيد من الطاقة، خصوصاً إذا كانت الأسعار المقدمة اسعاراً تغري المشتري بالإقبال عليه، مع الإشارة الى ان الولايات المتحدة تدرك هذه المسالة جيداً، الا انها تحافظ على الإطار العام للعقوبات خوفاً من انفراط عقده، قبل ان يؤدي مهمته بالصورة المطلوبة.

وعليه فعلى من الرغم من بعض التطورات الايجابية آنفة الذكر الا انه في حال استمرار العقوبات على هذه الشاكلة وبنوعية شديدة تستهدف شريان الاقتصاد الإيراني الا هو القطاع النفطي فأن ايران ستعاني من أزمات واضطرابات خطيرة على المستوى الاقتصادي حتى المدى البعيد، لكن الجهود الدبلوماسية في الاونة الاخيرة للرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني التي تجسدت بالتواصل الدبلوماسي غير المسبوق مع أمريكا أنعشت آمال السوق في عودة النفط الإيراني بقوة اذا ما ترجمت هذه الجهود إلى انفراجه في المواجهة بين الطرفين بسبب برنامج طهران النووي.

هبوط الصادرات

فقد تراجعت صادرات إيران النفطية في أبريل نيسان للشهر الثاني بحسب مصادر ترصد تحركات الناقلات لتصبح أكثر اقترابا من المستويات المسموح بها في الاتفاق المؤقت الذي وقع في نوفمبر تشرين الثاني لتقييد برنامج طهران النووي.

وربما يعكس الهبوط انخفاضا موسميا في الطلب على النفط الخام وضغوط الولايات المتحدة على بعض العملاء لشراء كميات أقل، وأدت علامات على مبيعات إيرانية أكثر ارتفاعا منذ أواخر 2013 إلى قلق في واشنطن من أن تخفيف العقوبات منح دعما للاقتصاد الإيراني.

وقال مصدر يرصد حركة الناقلات "يبدو أن الهند استوردت كميات أقل في أبريل وربما يرجع ذلك إلى مزيد من الضغوط الأمريكية إضافة إلى انخفاض الطلب على الخام في هذا الوقت من العام من المشترين في الهند".

وقالت المصادر إن صادرات إيران من النفط بلغت 1.1 مليون برميل يوميا في المتوسط في أبريل نيسان انخفاضا من نحو 1.3 مليون برميل يوميا في مارس آذار، وبمقتضى الاتفاق المؤقت الذي وقعته إيران في نوفمبر تشرين الثاني مع ست قوى عالمية وبدأ سريانه في 20 يناير كانون الثاني فإن صادرات طهران النفطية من المفترض أن تبلغ مليون برميل يوميا في المتوسط حتى 20 يوليو تموز.

وقال تيم ويلسون من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات البحثية ومقرها الولايات المتحدة والتي تدعم عقوبات أكثر شدة إن الصادرات لا تزال في مسار سيجعلها تتجاوز ذلك المستوى على مدى فترة الستة أشهر بالنظر الي ارتفاع حاد في المبيعات في الأشهر الأولى.

وأضاف قائلا "كان من المتوقع بمقتضى تلك الخطة أن تحافظ إيران على صادرات النفط عند نفس مستويات عام 2013 مع مراقبة وزارة الخارجية للكميات الإجمالية بمرور الوقت.

وتعتقد إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما أن مبيعات النفط الإيرانية ستنخفض في الأشهر القادمة لتصل إلى مليون برميل يوميا في المتوسط على مدى فترة الستة أشهر بأكملها، وقال ويلسون "للحفاظ على المستويات المتوقعة تحتاج ايران الي أن تخفض صادراتها النفطية بحوالي 80 بالمئة في الفترة المتبقية من الاتفاق".

وبخلاف انخفاض الطلب الموسمي فإن الصادرات هبطت أيضا مع إرسال إيران كميات أقل من النفط إلى حليفتها سوريا وهي إحدى الدول التي لا تفرض واشنطن عليها عقوبات لاستيراد النفط الإيراني بحسب ما قاله مصدر رصد الناقلات، وقال مصدر ثان إن صادرات إيران من الخام انخفضت في أبريل نيسان إلى أقل من 1.2 مليون برميل يوميا متراجعة من 1.3 مليون برميل يوميا في مارس آذار. بحسب رويترز.

ويبدو أن الصادرات في أبريل نيسان كانت أعلى من تلك التي تشير اليها بيانات لتحميل السفن في 17 من الشهر نفسه والتي اشارت الي صادرات للنفط تبلغ 950 ألف برميل يوميا فقط، وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الواردات العالمية من النفط الإيراني بلغت 1.65 مليون برميل يوميا في فبراير شباط مسجلة وهو أعلى مستوى لها منذ يونيو حزيران 2012، ولم تصدر الوكالة حتى الآن سوى تقديرات أولية لصادرات مارس آذار قدرها 1.05 مليون برميل يوميا وقالت إنها ستعدلها على الأرجح.

وقال فيكتور شوم استشاري قطاع النفط في آي.اتش.اس "عندما زادت الصادرات الإيرانية لاحظت السوق ذلك لذا لست مندهشا من محاولتهم خفض الكميات في الفترة المقبلة"، وأضاف "فيما يخص الصين المشتريات أعلى بعض الشيء لكنها متذبذبة لذا ستظل الصين في المتوسط دون المستهدف للعام بأكمله".

والصين أكبر مشتر للنفط الإيراني وستزيد تحميلاتها هذا الشهر إلى 552 ألف برميل يوميا بارتفاع نحو الثلث عنها قبل عام بعد تراجعها في مارس آذار إلى 458 ألف برميل يوميا، وسيستحوذ المشترون الصينيون على حوالي 60 بالمئة من النفط المنقول على ظهر الناقلات من إيران في أبريل نيسان.

وقال شوم إن خطط الصيانة الموسمية قد تفسر سبب تراجع واردات اليابان وكوريا الجنوبية من النفط الإيراني، وتابع "قد يظل الربع الأول جزءا من موسم الشتاء وهناك طفرة في الطلب لكن في الربع الثاني يبدأ الطلب على الخام في التراجع بالتزامن مع أعمال الصيانة لفصل الربيع"، وربما أحجم المشترون اليابانيون عن التحميل وسط عدم تيقن بشأن ما إذا كانت طوكيو ستمدد العمل ببرنامج تأمين سيادي لتغطية شحنات النفط بعد امتثال شركات التأمين التجارية لحظر يفرضه الاتحاد الأوروبي على تغطية النفط الإيراني.

ولم تشتر اليابان (وهي أيضا من أكبر أربعة مشترين للنفط الإيراني) أي كميات من الخام من طهران في مارس آذار لكن من المقرر أن تحمل الناقلات اليابانية 146 ألف برميل يوميا هذا الشهر مقارنة مع 119 ألف برميل يوميا في فبراير شباط.

وتركيا وجهة رئيسية أخرى لتحميلات مارس آذار وأبريل نيسان، ومنذ فرض العقوبات في 2012 والتي قلصت مبيعات النفط الإيرانية أكثر من النصف اشترت الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا جميع صادرات طهران من الخام تقريبا.

وقالت إيران إن صادراتها من النفط تقل كثيرا عن تقديرات وكالة الطاقة الدولية البالغة نحو 1.65 مليون برميل يوميا في فبراير شباط وهو ما يتناقض مع بيانات طهران السابقة بأن الغرب يبخس تقدير إمداداتها، وقال علي ماجدي نائب وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية والتجارة إن صادرات بلاده من النفط بلغت نحو مليون برميل يوميا في أوائل عام 2014.

وفي أحدث تقرير شهري لوكالة الطاقة الدولية عدلت الوكالة تقديراتها لصادرات إيران من الخام في فبراير شباط بزيادة قدرها 240 ألف برميل يوميا إلى 1.65 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ يونيو حزيران 2012.

والمثير للدهشة أن مبيعات النفط الإيراني المتزايدة لم تثر انتقادات تذكر من الغرب حتى الآن في ظل مواجهة محتدمة مع روسيا (إحدى الدول الرئيسية المصدرة للطاقة) بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، وفي النصف الثاني من العقد الماضي كانت إيران تضخ نحو أربعة ملايين برميل يوميا لكن العقوبات الدولية الصارمة تسببت في انخفاض إنتاج وصادرات الخام الإيراني إلى نحو النصف على مدى العامين الماضيين.

ورغم القيود المفروضة حاليا على أي استثمارات غربية في قطاع الطاقة الإيراني قال ماجدي خلال مؤتمر الشرق الأوسط للبترول والغاز في دبي إن بلاده تأمل في زيادة إنتاجها من النفط إلى خمسة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2018.

مقايضة النفط

من جهة اخرى قال علي ماجدي نائب وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية والتجارة إن إيران وروسيا ستواجهان صعوبة في إبرام أي اتفاق لتجارة النفط أو الغاز نظرا لتنافسهما في كلتا السوقين، وتناقش إيران وروسيا وسائل عديدة لزيادة حجم التبادل التجاري ومن بينها إمكانية استيراد موسكو ما يصل إلى 500 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني مقابل منتجات روسية تحتاجها إيران.

وتقول واشنطن إن مثل تلك الصفقة تتعارض مع شروط الاتفاق النووي المؤقت بين القوى العالمية وإيران، لكن ماجدي قال إن موسكو وطهران ستعملان جاهدتين لإبرام مثل هذا الاتفاق، وقال للصحفيين على هامش مؤتمر في دبي "يعتقد الكثيرون أن النفط والغاز هما المشكلة الرئيسية لكن المسألة صعبة للغاية نظرا لأن الدولتين تنتجان وتصدران النفط والغاز".

وتسعى موسكو وطهران لتحسين العلاقات بينهما من خلال تعزيز التبادل التجاري وهو حاليا منخفض للغاية، وقال ماجدي إن إبرام صفقة مقايضة تتضمن نفطا أو غاز يعد أكثر صعوبة مع مصدر رئيسي للطاقة مقارنة مع ابرام مثل هذه الصفقات مع مستوردين رئيسيين للنفط مثل الصين.

وأضاف على هامش مؤتمر الشرق الأوسط للبترول والغاز "روسيا منتج ومصدر للنفط لذا فإن الأمر ليس سهلا، لا يمكن أن تستورد إيران بعض النفط من روسيا، ربما يحدث العكس، ربما، لكن ليس الآن".

فيما دعا عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى فرض مزيد من القيود على إيران إذا سعت طهران إلى إبرام اتفاقية مقايضة خاصة بالطاقة مع روسيا، وكان العضوان قد قادا حملة لفرض مزيد من العقوبات على إيران خلال المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي.

يذكر أن طهران وموسكو أحرزتا تقدما باتجاه اتفاق لمبادلة النفط بالسلع قالت مصادر إن قيمته قد تصل إلى 20 مليار دولار وسيمكن إيران من تعزيز صادراتها النفطية الحيوية في تحد للعقوبات التي يفرضها الغرب عليها. بحسب رويترز.

وكتب السناتور روبرت مينينديز والسناتور مارك كيرك إلى أوباما يقولان إنه إذا تحركت إيران باتجاه تلك الخطة فيتعين أن ترد واشنطن بإعادة فرض العقوبات التي جرى تخفيفها في إطار اتفاق نووي مبدئي وأن تفرض الولايات المتحدة بصورة صارمة تخفيفا للمشتريات العالمية من النفط الخام الإيراني وتعاقب أي انتهاك بأشد ما ينص عليه القانون.

وكتب مينينديز وهو ينتمي للحزب الديمقراطي وكيري المنتمي للحزب الجمهوري "ندعوك إلى إبلاغ إيران بأن الولايات المتحدة مستعدة لإعادة فرض هذه العقوبات في حال محاولة إيران تجنب عقوباتنا وانتهكت بنود خطة العمل المشترك (الاتفاق المبدئي)".

ورعى هذان السناتوران مشروع قرار قدم العام الماضي ويقضي بفرض عقوبات جديدة على إيران إذا تعثرت المفاوضات الدولية المتعلقة بوقف طموحاتها النووية، وحشدت إدارة أوباما بشدة من أجل عدم إقرار مشروع القرار قائلة إن من شأنه تهديد المحادثات الحساسة الجارية، ولم يعرض مشروع القرار على مجلس الشيوخ للتصويت عليه، لكن مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس قال إنه مستعد للدفع به مرة أخرى حينما يكون الوقت مناسبا.

وقال مصدر روسي ان موسكو "جهزت من جانبها كل الوثائق" مضيفا ان اتمام الاتفاق ينتظر الموافقة على سعر النفط الذي ستحسب على اساسه عملية المبادلة، واضاف المصدر ان الجانبين يدرسان ترتيبات للمبادلة تتضمن مقايضة النفط الايراني بسلع صناعية روسية بما في ذلك معادن ومنتجات غذائية لكنه لن يتضمن اي معدات عسكرية.

وقال المصدر ان الاتفاق من المتوقع ان تتراوح قيمته من 15 مليار الي 20 مليار دولار وسيجري تنفيذه على مراحل وستتراوح قيمة المرحلة الاولى من 6 مليارات إلي 8 مليارات دولار، وامتنعت الحكومتان الايرانية والروسية عن التعقيب.

وقال المسؤول الايراني دون أن يشير إلي اي وثائق ان الاتفاق سيتضمن ايضا صواريخ روسية ومساعدة من موسكو في بناء محطتين نوويتين في ايران، وامتنع مسؤولون بالحكومة الروسية عن التعقيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آيار/2014 - 3/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م