التسقيط السياسي أسلوب الفاشلين

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حفلت الدورة الماضية التي استمرت أربع سنوات، بصراعات كثيرة بين الكتل والاحزاب السياسية توزعت على السلطتين التنفيذية والتشريعية، أي الحكومة من جهة والبرلمان من جهة أخرى، وكانت ظاهرة التسقيط المتبادَل في ذروتها، بين الجميع من اجل التشويه وإلحاق الضرر بالاخر، حتى لو كانت المعلومات ملفقة وغير صحيحة، فأصبحت هذه الظاهرة واضحة للعيان، يلجأ إليها جميع الاطراف في آن واحد، من اجل الاطاحة بالطرف الآخر، علما أن بعض المتصارعين، لم يضعوا قيمة للناس أو وعيهم او قدرتهم على الفرز بين الصالح والطالح، وهي استهانة بقدرات الجمهور الذي استطاع أن يميز بين الرأي الصحيح من الخاطئ.

ولكن هناك مشكلة اخرى اسهمت في الترويج لهذه الظاهرة، تتمثل باستدراج وسائل الاعلام المختلفة، لنشر الاكاذيب والمشاركة في هذه اللعبة السيئة، مقابل الاموال التي تقدمها الجهات المتصارعة لوسائل الاعلام تلك، وفي جميع الحالات أثبتت الوقائع أن الجهة او الحزب او الشخصية السياسية التي تلجأ الى التسقيط، غالبا ما تكون ضعيفة الحجة، فتذهب الى اسلوب الفبركة والتزييف من اجل إلحاق الاذى بالاخر، بغض النظر عن الضوابط والأخلاقيات، وبعضها يتجاوز حتى القوانين التي تتعلق بالقذف والتشهير وما شابه.

لقد اثبتت الوقائع ان ظاهرة التسقيط اسلوب تعتمده الامم الفاشلة، كما انه من العوامل التي تهدد السلم الاجتماعي بقوة، لهذا نحن بحاجة الى القضاء الكلي على هذه الظاهرة في الدورة الجديدة، ومن المستحسن أن تستفيد الطبقة الحاكمة من اخطاء السنوات الماضية في هذا المضمار، فالتسقيط والافتراء على الاخرين لم يعد مناسبا للتجربة العراقية الديمقراطية التي دخلت عقدها الثاني، فالسنوات الماضية والدورات التي مضت والتجربة التي خاضتها الاحزاب والكتل السياسية المختلفة، ينبغي أن تشكل دافعا للتصحيح ونبذ الاخطاء بكل اشكالها ومصادرها، ومن بينها، هذه الظاهرة التي لم تعد لائقة بالعمل السياسي العراقي، ولا ينبغي أن تتقبلها قواعد اللعبة الديمقراطية، لان التسقيط وسيلة الفاشلين، واسلوب لم يعد يرقى للتجارب الناجحة لبناء الشعوب والدول فضلا عن بناء الديمقراطيات الناجحة.

في الدورة البرلمانية الجديدة التي ستستمر اربع سنوات قادمة، لابد من تجديد أساليب العمل السياسي، كنوع من الغربلة والتشذيب، فيتم نبذ الأدوات والوسائل والظواهر الفاشلة التي رافقت التجربة الديمقراطية سابقا، ولعل نبذ ظاهرة التسقيط، تأتي في المقدمة، كونها تحمل في طياتها مضاعفات خطيرة على العمل السياسي، كما أثبتت ذلك طبيعة الصراعات الماضية بين اللاعبين في الساحة السياسية، ولاشك أن المرحلة القادمة ينبغي أن تختلف عن سابقاتها، ولعل الاجراء الاهم الان هو تجديد قواعد اللعبة الديمقراطية وتنظيفها من الاخطاء والشوائب، والاتفاق على الضوابط والحدود والفضاءات التي يمكن الحركة والتفاعل السياسي داخلها.

هناك خبراء سياسيون في القانون والتشريع وما شابه، يمكن الاعتماد عليهم، في صياغة ضوابط جديدة، تدعم اسس العملية السياسية الديمقراطية في العراق، تنبذ الظواهر الدخيلة والخطيرة التي تضعف العمل السياسي، وتعيق التقدم في بناء التجربة ومؤسسات الدولة والمجتمع معا، فليس هناك فائدة من العمل التقليدي المتعارف عليه، وليست هناك فائدة من الصراعات المجانية، كما ان اسلوب التسقيط لم يعد مناسبا للعمل السياسي المعاصر، لاسيما أننا نتطلع الى بناء دولة قوية غنية في جميع المجالات.

من الافضل أن تتفق جميع الكتل الفائزة والاحزاب الصغيرة المتحالفة على برنامج عمل مكتوب وواضح ومتفق عليه من لدن الجميع، يتم فيه رفض الاساليب القديمة، والاتفاق على اسلوب احتواء الصراع قبل حدوث التصادم، وهذا الاسلوب كفيل بالقضاء على ظاهرة التسقيط، ولا يعني انهاء حالة الاختلاف، بل وضع حالات الاختلاف في مسارها الصحيح، وهو المسار الذي يخدم العملية السياسة خاصة اذا كان يقع ضمن حدود قواعد اللعبة الديمقراطية المتفق عليها بين الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آيار/2014 - 3/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م