الملخص التنفيذي
مع ارتفاع حرارة الحملة الانتخابية تحضيراً للانتخابات البرلمانية
العراقية في 30 نيسان/أبريل، تصاعدت حدة التوترات في الفلوجة أيضاً.
لقد شهد الوضع هناك تحولاً دراماتيكياً نحو الأسوأ منذ أواخر عام 2013
عندما عاد الجيش إليها، بعد غياب طويل، رداً على الاحتجاجات التي عمّت
محافظة الأنبار. مع وجود الجيش في محيط المدينة، ومقاتلي الدولة
الإسلامية في العراق والشام (داعش) داخلها ومحاولة المجلس العسكري
المحلي الذي عيّن نفسه بنفسه أن يجد له مكاناً على الخيط الرفيع الفاصل
بين الطرفين، يبدو أن الفلوجة ستشهد تكراراً لمعارك 2004، عندما جرت
فيها بعض أشرس المعارك ضد الاحتلال الأمريكي. إن احتمال حدوث خطأ في
الحسابات، أو حدوث تصعيد متعمّد، هو احتمال كبير جداً. لقد فات الأوان
على اتخاذ خطوات كان من شأنها أن تُتَّخَذ لتخفيف حدة التوترات قبل
الانتخابات. إن أي حل دائم يتطلب معالجة الجذور الأعمق لتهميش السنة في
بلد يقع على نحو متزايد بين براثن التوترات الطائفية. إن صعود نجم داعش
يشكل عرضاً، وليس سبباً رئيسياً، لسوء الإدارة الذي يعتبر السبب
الرئيسي لعدم استقرار العراق. على الحكومة، والأمم المتحدة والولايات
المتحدة التعامل مع داعش بطريقة تختلف عن تعاملها مع المجلس العسكري
ومع الفلوجة بشكل عام، بدلاً من وضع الجميع في سلة واحدة في حرب غير
تمييزية على الإرهاب.
عندما فرَّقت السلطات المركزية العراقية في كانون الأول/ديسمبر 2013
اعتصاماً دام عاماً كاملاً في المدينة كان يطالب بمعاملة أفضل من قبل
بغداد، خرج سكان الفلوجة إلى الشوارع. استغل تنظيم داعش الفوضى التي
نشأت، وحرك قوات إلى المدينة وزعم أنه فرض سيطرته عليها. كان زعمه
مبالغاً به؛ ففي حين رفع التنظيم علمه الأسود على بعض الأبنية الإدارية
في مركز المدينة، أعاق السكان المحليون معظم غاراته وأجبره على
الانسحاب إلى محيط المدينة.
إلاّ أن بغداد بات لديها سبب لشن عمل عسكري؛ فقد حاصرت المدينة،
وتجاهلت محاولات السكان المحليين للتوسط لانسحاب داعش وهددت بالهجوم.
لم يكن لدى سكان الفلوجة الكثير من العوامل المشتركة مع داعش، إلاّ أن
كراهيتهم للجيش العراقي ـ الذي يُنظَر إليه كأداة في يد نظام شيعي
طائفي، موجّه من إيران، يميّز ضد السنة بشكل عام والأنبار بشكل خاص ـ
كان أعمق حتى من كراهيتهم لداعش. عقد مسلحو المدينة صفقة 'فاوستية'،
حيث شكّلوا تحالف مصلحة مع داعش. ربما تمكّن المقاتلون الجهاديون من
إبقاء الجيش خارج المدينة، إلاّ أن وجودهم يبرر ادعاء الحكومة بأن
المدينة بأسرها تقع تحت سيطرة الجهاديين. لقد نشأت حلقة تعزز نفسها
بنفسها؛ حيث إن الأنشطة الجهادية تشجع السلوك العدواني للحكومة الذي
يتطلب بدوره حماية أكبر من قبل الجهاديين.
مقاتلو الفلوجة وسلطات بغداد المركزية يعتبرون أنفسهم وطنيون
حقيقيون، ويزدرون خصمهم بوصفه عدواً أجنبياً. لقد استفاد داعش من تجديد
قاعدة دعمه في العراق، التي ما فتئت تتضاءل منذ تحولت الصحوة ضد
القاعدة في عام 2006. مع اكتسابه درجة أكبر من الشهرة من قتاله في
سورية وحصوله على أسلحة متفوقة، فقد أصبح مرة أخرى عنصر جذب للمستائين
من الأوضاع في العراق.
لقد أنقذت هذه الأزمة فرص رئيس الوزراء نوري المالكي في الانتخابات
البرلمانية، التي بدت، حتى دخول داعش على خط الأحداث، قاتمة بالفعل.
تعتبر فترة حكمه الثانية كارثية؛ فخلال العام الماضي، ألحق ارتفاع
وتيرة العنف في سائر أنحاء البلاد، والانتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة
الأمنية، وحالات الطوفان الكبيرة في العاصمة وسوء إدارة الحكومة
للاحتجاجات السنية ضرراً كبيراً بمصداقيته كزعيم وطني في أوساط السنة
والشيعة على حد سواء. ومن أجل إنقاذ حظوظه الانتخابية، استعار صفحة من
دليل عمل الرئيس السوري بشار الأسد بمبالغته في التهديد الذي تشكّله
الفلوجة على الاستقرار الوطني، وبذلك فاقم فعلياً من هذا التهديد. لقد
بات هذا التهديد أكبر بكثير من مجرد تحويل للانتباه؛ فقد شكّل فرصة
لإجراء تحوّل في عناصر المناظرة الانتخابية، وحشد الشيعة ضد إرهابيين
مزعومين، وتقسيم وتحييد السنة، واستعادة صورة الجيش كمدافع عن الدولة
والوطن وتعبئة المجتمع الدولي ـ الذي يتسم تركيزه المفرط على الإرهاب
الجهادي بقصر النظر ـ لدعمه.
تشكّل القاعدة تهديداً جدياً، ولذلك ينبغي على الحكومة حشد كل
المساعدة التي تستطيع الحصول عليها. تتمثل إحدى وسائل القيام بذلك،
وبالتالي تخفيف حدة التوترات في الأنبار، في التمييز بين العناصر
المختلفة الموجودة في المحافظة، وخصوصاً بين المجموعات المسلحة المحلية
التي لها مظالم ومصالح سياسية محددة ومجاهدي داعش متعددي الجنسيات،
الذين تتناقض أجندتهم بشكل صارخ مع توجهات سكان المدينة. بوجود هوية
جامعة ومتجانسة فريدة في الأنبار، فإن الفلوجة تفضّل طرد الجهاديين إذا
حصلت على ضمانات بأنها لن تواجه هجوماً من قبل النظام، تماماً كما حدث
قبل عقد من الزمن عندما انضمت الصحوة إلى الحكومة. غير أن رئيس الوزراء
راهن في إعادة انتخابه على حملة مكافحة للإرهاب تتخذ شكلاً طائفياً
فجاً؛ ومن غير المحتمل أن ينسحب هو أو أي جزء من الطيف السني منها. لقد
استثمرت قائمة متّحدون الانتخابية، وهي تحالف ذو أغلبية سنية قاد
الاحتجاجات في البداية لكنه بات متحالفاً جزئياً مع الحكومة الآن، بنفس
المقدار الذي استثمرت به الحكومة في رواية الإرهاب. كما أن خصوم قائمة
متّحدون وخصوم المالكي يعتقدون بأن الانتخابات مزورة وأنهم سيخسرون حتى
لو لم تكن كذلك، وبالتالي فإنهم سيقاطعونها.
لن تكون الانتخابات البرلمانية، على الأقل في الأنبار، ذات مصداقية
ـ ليس فقط لأنها تجري والمحافظة عبارة عن منطقة حرب فعلياً، بل أيضاً
لأن العنف، ومكافحة الإرهاب والتركيز على الأمن ـ وهي نفس العوامل التي
قوّضت الانتخابات ـ أصبحت عناصر جوهرية في طريقة حكم العراق. المطلوب
الآن هو عقد سياسي جديد، وهو أمر تعتبر الانتخابات إحدى وسائل التوصل
إليه.
السؤال هو ما الذي ينبغي فعله بعد الانتخابات. على المدى القصير،
على الحكومة أن تعمل مع المجلس العسكري في الفلوجة ـ الذي ينبغي عليه
هو أيضاً أن يحاول إصلاح علاقته بخصومه السنة ـ لدفع داعش خارج المدينة.
على المدى البعيد، ينبغي أن يُنظر إلى العنف في الفلوجة وحولها بشكل
موضوعي، أي على أنه نتيجة للعيوب السياسية العميقة للدولة، وليس سببها
الرئيسي وينبغي معالجته على هذا الأساس. ليس هناك وقت أفضل أو أكثر
ملاءمة للشروع في فعل ذلك من فترة ما بعد الانتخابات، عندما تبدأ
عمليات المساومة السياسية.
التوصيات
لكسر حلقة الصراع وإخراج داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام)
من الفلوجة.
إلى الحكومة العراقية:
1. التعامل مع المجلس العسكري في الفلوجة وداعش كلاعبين منفصلين
متمايزين، واتّباع استراتيجية منفصلة مع كل منهما وتشجيع التوصل إلى
تسوية سياسية داخل المدينة لتيسير حملة عسكرية لطرد داعش.
2. وضع حد للترتيبات التي من شأنها تعزيز التعاون بين المجلس
العسكري في الفلوجة ومقاتلي داعش، بما في ذلك الحصار، ومنع التجوّل،
والهجمات على البنية التحتية في المدينة (مثل المستشفيات والمناطق
السكنية) والترهيب.
3. تشجيع المصالحة داخل الفلوجة لتيسير طرد داعش وذلك من خلال ما
يلي، بين إجراءات أخرى:
أ. الامتناع عن تحريض فصيل ضد فصيل آخر (على سبيل المثال استمالة
الصحوات العشائرية أو المجموعات السياسية وتحريضها ضد المجلس العسكري)؛
ب. الموافقة على تعيين رئيس بلدية وقائد شرطة جديدين، اختارهما
المجلس العسكري في الفلوجة والأعضاء في قائمة متّحدون؛
ج. تقديم المساعدة العسكرية والتقنية لرئيس البلدية وقائد الشرطة
الجديدين وللصحوة لطرد داعش من المدينة؛
د. السماح للمنظمات الإنسانية والصحفيين الأجانب بدخول المدينة.
إلى المجلس العسكري في الفلوجة وممثلي قائمة متحدون من الفلوجة:
4. الانخراط في حوار يهدف، بين أشياء أخرى، إلى الاتفاق على رئيس
بلدية وقائد شرطة جديدين للمدينة.
5. شن عملية مشتركة لطرد داعش من الفلوجة، تشارك فيها الشرطة،
والمجلس العسكري ومجالس الصحوات ومطالبة الحكومة المركزية بتقديم
المساعدة العسكرية والتقنية الضرورية.
إلى الأمين العام للأمم المتحدة وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة
العراق:
6. الامتناع عن استعمال مصطلح "إرهاب" دون تمييز للإشارة إلى المجلس
العسكري في الفلوجة ومقاتلي داعش.
7. إقامة اتصالات مع أعضاء المجلس العسكري في الفلوجة والإصرار على
أن تقوم الحكومة العراقية بما يلي:
أ. ترتيب عملياتها العسكرية بشكل ضيق لاستهداف داعش وحسب والامتناع
عن الهجمات الأوسع أو غير التمييزية على المدينة؛
ب. إنهاء حصار الفلوجة؛
ج. تسهيل الوصول إلى المدينة وتسهيل العمليات داخلها.
8. تيسير المفاوضات بين المجلس العسكري في الفلوجة والممثلين
المحليين على قائمة متّحدون الانتخابية والإصرار على اعتراف الحكومة
العراقية بنتيجة هذه المفاوضات.
إلى الحكومة الأمريكية:
9. وقف الدعم العسكري للحكومة العراقية إلى أن تلتزم بتقديم توضيح
كامل لكيفية استعمالها لهذا الدعم.
10. دعم تشكيل هيئة حاكمة تتضمن الفصائل المحلية في الفلوجة (باستثناء
داعش)؛ وخصوصاً تشجيع المفاوضات بين المجلس العسكري في المدينة
والأعضاء المحليين في قائمة متّحدون الانتخابية.
من أجل الاستقرار طويل الأمد في الأنبار بعد الانتخابات البرلمانية
لعام 2014:
إلى الأحزاب السياسية العراقية:
11. منح الأولوية لاستعادة ثقة المحافظة في العملية السياسية
الوطنية وذلك من خلال ما يلي، بين أشياء أخرى:
أ. التفاوض مع القوى السياسية الأخرى على دور في المؤسسات الأمنية
الوطنية، بحيث يكون لها نفوذ في اختيار وتعيين قادة الجيش في المحافظة
(على سبيل المثال قائد عمليات الأنبار، قائد فرقة)؛
ب. تعزيز سلطة الهيئات المحلية في الأنبار في إدارة الشؤون
السياسية والأمنية للمحافظة (مثل اختيار قائد الشرطة وإدارة الأمن،
وإدارة الموارد)، وذلك من خلال التنفيذ الكامل قانون المحافظات لعام
(2008)؛
ت. تشجيع التنسيق بين القادة السياسيين والعشائريين في مختلف
الفصائل السياسية على مستويات المحافظة، والمنطقة والناحية بالتحضير
لاستراتيجية سياسية وأمنية لمحافظة الأنبار واختيار قيادة محلية أكثر
تمثيلاً.
* تأسست مجموعة الأزمات في عام 1995 في
بروكسل كمنظمة دولية غير حكومية، من اجل منع وتسوية النزاعات عبر قرع
أجراس الإنذار المبكر، ووضع التحليلات والمشورة التفصيلية وطرح تفكير
استراتيجي جديد حول بعض أكثر النزاعات والأزمات تعقيداً
http://www.crisisgroup.org/ |