الانتخابات العراقية... بين هاجس العنف والبحث عن الديمقراطية المأمولة

 

شبكة النبأ: يشهد العراق اختباراً هاماً للديمقراطية الوليدة فيه تتجسد بالانتخابات البرلمانية التي تزامنت مع تصاعد معدلات العنف على نحو مضطرد خلال الاونة الأخيرة، وذلك وسط آمال بأن تكون نتائجها مخرجاً من الانقسام والجمود السياسي، لكن هناك مخاوف من إمكانية انزلاق البلاد نحو نزاع طائفي مباشر جديد بعد نزاع مماثل بين عامي 2006 و2008.

فعلى الرغم من أن الناخبين العراقيين يشكون من هشاشة الوضع الأمني ومن النقص في الخدمات، أدلى العراقيون بأصواتهم في أول انتخابات عامة تشهدها بلاد الرافدين منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 مع سعي رئيس الوزراء نوري المالكي للفوز بولاية ثالثة وسط تصاعد أعمال العنف بغرب العراق على نحو خاص، ووضع اقتصادي مترهل نتيجة تفشي الفساد.

ويرى الكثير المحللين انه على الرغم وجود الحرية الكاملة للناخبين في اختيار المرشح وإجراء عدة ممارسات انتخابية خلال عهد الديمقراطية الجديدة، لا يزال الأداء السياسي والأمني والاقتصادي والخدمي متعثراً حتى اللحظة الراهنة، مما يوضح جهل المرشحين والناخبين معا بالثقافة الانتخابية، أي ان اختيار المرشح لا يقوم على أساس كفاءته او حتى معرفة مؤهلاته من لدن الناخبين.

بل تقوم على أساس المناطقية والعشائرية والاساليب التقليدية المعروفة غير الشرعية كشراء الأصوات مقابل المال او وعود تخلو من المصداقية، فضلا عن أهداف المرشح باقتناص منصب مرموق سياسيا وماديا، ناهيك عن تجنيد الناخبين من خلال الاقرباء واستغلال الغطاء الديني أحيانا. لذا بواسطة الحملات الدعائية لمرشحي الانتخابات.

وعليه فأن العوامل انفة الذكر تنذر بتكوين أخطر مظاهر الفساد بمختلفة أنواعه كالفساد السياسي والإداري والمالي الا وهو الفساد الانتخابي، لأن الانتخابات أساس بناء الدولة بسلطاتها الثلاث، واذا كان الفساد طرفا في العلمية الانتخابية فأن النتيجة الطبيعة لشكل سلطات هذه الدولة هو الفساد بأشكاله كافة.

بينما يرى بعض المحللين إن من غير المرجح أن يفوز اي حزب باغلبية في البرلمان البالغ عدد مقاعده 328 مقعدا. وقد يصعب تشكيل حكومة حتى اذا فاز ائتلاف دولة القانون بمعظم المقاعد كما هو متوقع وإن كان المالكي واثقا من الفوز.

فيما يرى هؤلاء المحللين ان الأحزاب السنية والكردية لا تخفي رغبتها في رحيل المالكي لكن من المتوقع أن يحصد عددا من الأصوات اكبر منها، بينما حذر البعض من أن تشكيل حكومة جديدة قد يستغرق عاما. وستجري المفاوضات في الوقت الذي تستعر فيه المعارك في الأنبار وعلى مشارف بغداد مما يضيف مزيدا من الاضطراب للعملية.

في حين يتوقع بعض المحللين انه على النقيض من حكومات وحدة وطنية سابقة فإن من المتوقع أن يسعى المالكي لتكوين ائتلاف أقوى حول حكومة أغلبية، كما يرى محللون آخرون يخوض رئيس الوزراء الانتخابات من دون منافس واضح على الساحة السياسية، على عكس الانتخابات السابقة عام 2010 التي شهدت معركة بينه وبين إياد علاوي حبست أنفاس الناخبين والمراقبين منذ اللحظات الأولى لفتح صناديق الاقتراع.

بينما يتنافس تسعة الاف و39 مرشحا ينتمون الى 277 كيانا سياسيا على 328 مقعدا في البرلمان العراقي الجديد.

لكن يرى الكثير من المراقبين أن العملية الانتخابية في هذه المرحلة شابتها بعض المخالفات والاشتباكات وان اتسمت بالهدوء غالبا، فقد تضع تلك المخالفات البلاد في مأزق كبير، إذ توجد هناك أسباب قد تجدد العنف والطائفية، بالرغم من المعالجات لبعض الإطراف الحكومية والشعبية، التي تعمل على تهدئ الأوضاع حاليا لكنها لن تقود إلى ديمقراطية مستقرة.

من جهة أخرى يرى بعض المتخصصين في الشأن السياسي العراقي أن العراق كان تاريخيا ساحة لصراع القوى العظمى، واليوم أيضا يبدو العراق من جديد ساحة لنزاعات مماثلة تحولت معها إيران والولايات المتحدة ودول الخليج ومعهم الأزمة السورية إلى ناخبين في هذه العملية الانتخابية".

ولعبت طهران وواشنطن في انتخابات العام 2010 دورا رئيسيا في إعادة انتخاب نوري المالكي، السياسي الشيعي النافذ الذي يحكم البلاد منذ 2006، لولاية ثانية على رأس الحكومة الحالية في تحالف مصالح بدا اضطراريا بينهما.

لكن الانسحاب العسكري الأمريكي نهاية العام 2011 منح النفوذ السياسي الإيراني مساحة أكبر للتحرك ضمن العملية السياسية في العراق، مما جعل طهران أكبر اللاعبين في بلاد خاضت معها حربا دامية بين 1980 و1988، وفيما يتصاعد النفوذ الإيراني، يغرق العراق أكثر في دوامة الصراع الإقليمي بين طهران وعواصم خليجية على رأسها الرياض.

على صعيد آخر يقول محللون ان اعمال العنف اليومية المتواصلة في العراق منذ اجتياحه في العام 2003 هي السبب الرئيسي وراء معاناة المراة العراقية، الى جانب امور اخرى مثل التمييز في العمل، وعليه  تشير المعطيات آنفة الذكر أن هذه الدورة الانتخابية شهدت صراعات ونزاعات حامية الوطيس لاقتناص أكبر عدد مقاعد برلمانية، وعليه فأن استمرار الجدل السياسي الحساس بين السياسيين، يضع مؤشرات الفوز والخسارة وبؤر الصراع السياسي مرهونة بما ستعلنه نتائج الانتخابات.

التصويت في الانتخابات العراقية

في سياق متصل بدأ ملايين العراقيين التوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية منذ الانسحاب الأمريكي في 2011، متحدين موجة عنف هي الأسوأ منذ سنوات.، ويتنافس في هذه الانتخابات 9039 مرشحا على أصوات أكثر من 20 مليون عراقي، أملا بدخول البرلمان المؤلف من 328 مقعدا، في يوم انتخابي طويل بدأ عند الساعة الساعة السابعة صباحا (04,00 ت غ) وانتهى عند الساعة السادسة مساء (15,00 ت غ).

وألقت الأحداث الأمنية في اليومين الأخيرين شكوكا إضافية حيال قدرة قوات الأمن على الحفاظ على أمن الناخبين، حيث شهد العراق موجة تفجيرات انتحارية يوم الاقتراع الخاص بالقوات المسلحة الاثنين، وتفجيرات إضافية الثلاثاء، قتل وأصيب فيها العشرات.

ورغم هذين اليومين الداميين، عبر العديد من العراقيين عن إصرارهم على التوجه الى صناديق الاقتراع، على أمل الخروج من الواقع الدامي.

ويتخذ المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 ويرمي بثقله السياسي في هذه الانتخابات، يتخذ من الملف الأمني أساسا لحملته، معتمدا على صورة رجل الدولة القوي التي يروج لها مؤيدوه في مواجهة التهديدات الأمنية.

وقال المالكي إن "الارهاب والمعيقين للعملية السياسية وضعوا عقبات كثيرة وراهنوا على أن الحكومة ليست قادرة على أن تحقق الانتخابات وأن المفوضية (العليا للانتخابات) غير قادرة على إدارتها (...) من دون وجود قوات أجنبية"، وتحدث عن "نجاح كبير" في الانتخابات الحالية التي رأى انها "أفضل من الانتخابات السابقة في وقت لا يوجد على أرض العراق أي جندي أجنبي".

أعمال عنف متصاعدة

فيما قالت السلطات العراقية وشهود عيان إن 50 شخصا قتلوا عندما هاجم إنتحاريون تجمعا سياسيا حاشدا وأفرادا من الشرطة والجيش كانوا يدلون بأصواتهم مبكرا في الانتخابات العامة التي تجرى خلال يومين.

وقالت مصادر أمنية إن مهاجما انتحاريا قتل 30 شخصا على الأقل وأصاب 50 آخرين في تجمع سياسي كردي في بلدة خانقين على مسافة 140 كيلومترا شمال شرقي بغداد،

في اثناء ذلك هاجم مسلحون سنة تنكر معظمهم في ملابس الجيش والشرطة عددا من مراكز الاقتراع في مناطق متفرقة من بغداد وفي شمال العراق اذ يحاول المسلحون تعطيل رابع انتخابات عامة تجري في العراق منذ سقوط صدام حسين في 2003.

ويبدأ سريان حظر تجول اعتبارا من فيما يستعد العراقيون للتصويت. وتخوض قوات الأمن حربا ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام وهي تنظيم يستلهم نهج القاعدة في محافظة الأنبار الغربية وغيرها من المناطق المحيطة بالعاصمة.

وفي حي المنصور ببغداد قالت مصادر في الشرطة ومصادر طبية إن ستة من أفراد الشرطة لاقوا حتفهم وأصيب 16 آخرون عندما فجر انتحاري يرتدي زي الشرطة المتفجرات التي كانت بحوزته عند مدخل مدرسة كانت تستخدم كمركز اقتراع.

وفي حي الأعظمية السني فجر انتحاري نفسه أمام مركز آخر للاقتراع مما أدى إلى مقتل أربعة جنود وإصابة سبعة. وكان أحمد سلطان ينتظر دوره للتصويت وقال "شاهدنا شخصا يرتدي زي الجيش يخرج من شارع جانبي. بدأ يجري في اتجاهنا فلذنا جميعا بالفرار بعد أن أدركنا انه انتحاري". بحسب رويترز.

وهدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يريد إقامة خلافة إسلامية السنة بالقتل إذا شاركوا في التصويت، وفي شمال العراق حيث يشن هذا التنظيم هجمات على قوات الأمن تتنوع بين الكمائن والاغتيالات وتفجير منازلهم قتل مالا يقل عن عشرة من أفراد الشرطة.

وفي طوزخرماتو قالت الشرطة إن انتحاريا يرتدي زي الشرطة فجر نفسه قرب مركز اقتراع فقتل ثلاثة من رجال الشرطة وأصاب تسعة، وهاجم مسلحون سنة مرارا المنطقة التي تسكنها الأقلية التركمانية الشيعية. وفجر انتحاري يرتدي زي الشرطة نفسه فقتل ستة من أفراد الشرطة عند مركز للاقتراع في مدينة كركوك بشمال البلاد، وذكرت الشرطة أن جنديا قتل وأصيب أربعة عندما فجر انتحاري يرتدي زي الجيش نفسه قرب مركز اقتراع في بلدة الحويجة التي تقع على بعد 70 كيلومترا جنوب غربي مدينة كركوك.

والقت هذه الهجمات شكوكا إ ضافية حيال قدرة القوات العراقية على تأمين الحماية للناخبين خلال الانتخابات التشريعية العامة الأربعاء، والتي تنعقد في ظل تصاعد أعمال العنف وتزايد الانقسامات الطائفية.

وكما هي الحال في معظم الأيام الدامية في العراق، لم يصدر أي رد فعل على أعمال العنف هذه من قبل حكومة الشراكة الوطنية التي تعيش منذ سنوات صراعا بين وزرائها والكتل الممثلة فيها، كما لم تتبن هذه الهجمات أي جهة حتى الآن.

ويمثل هذا اليوم الدامي ضربة لرئيس الحكومة نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 ويضع ثقله السياسي في الانتخابات محاولا العبور من خلالها نحو ولاية ثالثة على رأس الحكومة رغم الاتهامات التي يوجهها خصومه اليه بالتفرد بالحكم والعجز عن الحد من الفساد وتحسين الخدمات.

ويلقي المالكي باللوم في التدهور الأمني وتواصل اعمال العنف التي حصدت أرواح نحو ثلاثة الاف شخص منذ بداية العام 2014 بحسب حصيلة اعدتها فرانس برس على التدخلات الخارجية، وخصوصا من قبل دول مجاورة على راسها السعودية وقطر.

الاف العراقيين يقترعون في الامارات

على الصعيد نفسه يقترع الاف العراقيين المقيمين في الامارات الاحد في دبي وابوظبي في اطار الانتخابات التشريعية العراقية الاولى منذ الانسحاب العسكري الاميركي نهاية 2011، وقال رئيس مكتب الامارات الانتخابي عمر الحديث لوكالة فرانس برس ان عمليات الاقتراع تتم في مركزين في ابوظبي ودبي، مشيرا الى انه "ليس هناك اي مركز انتخابي في الخليج سوى في الامارات" وهو يفترض ان "يجمع كل العراقيين في الخليج". بحسب فرانس برس.

واشار الحديث الى ان الارقام الرسمية المعتمدة لدى الخدمات القنصلية والسلطات الاماراتية تشير الى وجود اكثر من 52 الف عراقي في الامارات و"ما بين 20 و25 الف ناخب"، الا ان بعض الناخبين القادمين من دول خليجية اخرى اكدوا انهم لم يتمكنوا من التصويت لاسباب غير واضحة، وقالت المقيمة في الامارات لينا مشتاق بعيد ادلائها بصوتها "اريد ان ارى وطني ينهض مرة ثانية ويبرز مرة ثانية ويكون في القيادة مجددا".

حقوق المرأة

الى ذلك وضعت المرشحات الى الانتخابات النيابية في العراق حقوق المرأة في صدارة برامجهن الانتخابية وسط مخاوف من تراجع هذه الحقوق مع احكام الاحزاب الدينية قبضتها على السلطة.

ورغم ان الدستور خصص 25 بالمئة من مقاعد البرلمان الى المراة، الا ان العراقيات يعانين من البطالة ومن التمييز، في وقت يناقش مجلس النواب مشروع قانون يرى ناشطون انه يحد بشكل كبير من حقوق المراة.

وتقول انعام عبد المجيد المرشحة للانتخابات البرلمانية المقررة في 30 نيسان/ابريل الحالي لوكالة فرانس برس "لم اتوقع اننا سنقاتل يوما في سبيل حقوق المراة في هذا البلد"، وتضيف "اردت ان احارب من اجل تعليم افضل وخدمات افضل وحياة افضل (...) لكننا في مازق كبير اليوم، والاولوية هي للخروج من هذا المازق".

وتمتعت النساء العراقيات بظروف افضل مقارنة مع اوضاع النساء الاخريات في الشرق الاوسط قبل حرب الخليج عام 1991 التي قضت، مع سنوات الحصار التي تلتها، على هذا الامتياز، وشهدت اوضاع النساء العراقيات تدهورا اضافيا بعد اجتياح العام 2003 عندما حازت الجماعات المتشددة على دور اكبر في السياسة والمجتمع وسط نزاع دام خلف نحو مليون ارملة، وتشير ارقام الامم المتحدة الصادرة في ايار/مايو العام 2013 الى ان اكثر من ربع العراقيات اللواتي تبلغ اعمارهن اكثر من 12 سنة يعانين من الامية وان 85 فتاة يذهبن الى المدرسة في مقابل كل 100 فتى.

كما تشير هذه الارقام الى ان 14 بالمئة من العراقيات فقط يعملن او يبحثن بشكل فعلي عن وظائف، وتقول ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق فرانسيس غاي "انها مسالة جدية لانها تؤثر على الاستقلالية المادية للمراة ومن دون هذه الاستقلالية تجد النساء انفسهن امام خيارات معدودة"، وفي العام 2011 اعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر في بغداد ان هناك اكثر من مليون امراة معيلة في العراق تنفق نحو 70 بالمئة منهن اكثر مما يكسبن، وذلك بحسب نتائج دراسة استقصائية اجرتها اللجنة. بحسب فرانس برس.

وفيما ينص الدستور العراقي على ان تمنح ربع مقاعد البرلمان للمراة، الا ان هذا الامر لا ينسحب على الحكومة التي تضم امراة واحدة هي وزيرة الدولة لشؤون المراة ابتهال كاصد الزيدي، وتقول النائب انتصار الجبوري ان اعداد العراقيات اللواتي يتولين مناصب وزارية تراجع مقارنة مع حكومات سابقة، وتضيف من جهة اخرى ان "البرامج الانتخابية للاحزاب والكتل السياسية تركز على حقوق المراة (...) لكن عندما تفوز هذه الكتل بالمقاعد في البرلمان تتجاهل هذه الحقوق".

وفيما تشتكي نساء من ان الكوتا المخصصة للمراة في البرلمان اتت بنائبات يفتقدن للمؤهلات المطلوبة، تقول النائب ميسون الدملوجي ان لهذه الحصة النيابية "تاثيرات سلبية، لكنها ايجابية رغم ذلك"، وتوضح "على الاقل ادخلت (الكوتا) النساء الى الحياة السياسية وجعلتهن جزءا من العمل السياسي"، وتقول الدملوجي المرشحة للانتخابات المقبلة حول عدم تمتع النائبات العراقيات بالمؤهلات المطلوبة "نعم، لكن هل كان اداء الرجال على المستوى الذي كان من المفترض ان يكون عليه"، وتتابع "اعتقد ان الجميع متوافق على ان لا الرجال ولا النساء كانوا على قدر المسؤولية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آيار/2014 - 29/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م