نتائج الانتخابات بين الأغلبية السياسية وحكومة الشراكة

قراءات انتخابية (٩)

نزار حيدر

 

 لا يمكن ابدا ان تتحقق الديمقراطية في اي بلد من البلدان ما لم يفرز صندوق الاقتراع أغلبية نيابية تشكل السلطة التنفيذية، وأقلية نيابية تعارضها وتراقبها، فالديمقراطية لا تطير بجناح واحد ابدا، وهذه هي مشكلة الديمقراطية في العراق الجديد:

 فمن جانب، يسعى كل من يفوز بمقعد تحت قبة البرلمان ان تكون له حصة في السلطة التنفيذية، إن لم يكن بشكل مباشر، كأن لا يحصل على عدد يكفي من المقاعد ليحجز وزارة مثلا او وكيلا لوزارة، فبشكل غير مباشر من خلال الاندماج مع كتل نيابية اخرى صغيرة الحجم مثله، ليكمّل عدد المقاعد المطلوب لحجز شيء ما في السلطة التنفيذية.

 ومن جانب آخر، فانهم جميعا أنفسهم الذين يتقاتلون ويتهالكون على المشاركة في السلطة التنفيذية، هم أنفسهم يضعون العصي في عجلاتها، وكأنهم يسعون لِلَعِب الدورين، دور الحاضر والمشارك في السلطة التنفيذية ودور المعارض لها.

 انها واحدة من مفارقات الديمقراطية العراقية الشاذة والفريدة من نوعها.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان مفهوم المعارضة عندنا، يعني ان تدمر الخصم وتقضي على الحكومة وتعرقل الإنجاز ولا تفسح المجال للآخر ان يعمل وينفذ، انه مفهوم يقترب من الانتقام، وهذا خطأ كبير يقع فيه كل من يأخذ جانب المعارضة، ففي الدول المتحضرة تعني المعارضة البرلمانية مراقبة الأداء وليس عرقلته، وترشيد الجهد وليس تدميره، ولذلك فان مفهوم المعارضة عندهم يكمّل العمل ويُحسّن الأداء وينضّج المشاريع، اما عندنا، فالمعارضة تعني العرقلة والتدمير وإيقاف البلد كلها عند نقطة.

 في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري نهاية الشهر القادم (نيسان) من المُفترض ان يُنتج لنا صندوق الاقتراع أغلبية برلمانية وأقلية نيابية، لنفصل بين الدورين، السلطة التنفيذية والرقابة، والا فسنستنسخ التجربة الُمرّة التي مررنا بها خلال السنوات الثمان الماضية، وان كنت، شخصيا، اعتقد ان مثل هذه النتيجة صعبة المرام، لسببين مهمين:

 الاول: هو غياب الاحزاب (الوطنية) التي تعتمد المواطنة كمعيار للانتماء، وليس الدين والمذهب والإثنية والمناطقية وغير ذلك، ولذلك ينتج لنا صندوق الاقتراع، في كل عملية انتخابية، كتل مذهبية وأثنية، الامر الذي لا يمكن على ضوئه، ابدا، ان تنتج لنا العملية الانتخابية أغلبية وأقلية برلمانية.

 الثاني: تأسيسا على المعادلة اعلاه، ستنتج لنا الانتخابات النيابية القادمة، كما هو ديدنها في المرات السابقة، ثلاث كتل نيابية أساسية او رئيسية، بمعيار المذهب والإثنية وليس بالمعيار السياسي او على الأقل الحزبي، الا وهي؛ الكتلة الشيعية والكتلة السنية والكتلة الكردية، فهل، بربكم، يمكن بهذا المعيار ان تفرز لنا الانتخابات أغلبية وأقلية برلمانية، لنتحدث، من ثٓمّ، عن حكومة الأغلبية؟ بالتأكيد لا يمكن ذلك ابدا ابدا ابدا، ولهذا السبب فانا اطلق على فكرة تشكيل حكومة الأغلبية السياسية في العراق الجديد في ظل غياب قانون الاحزاب والتكتل على أساس المذهب والإثنية، بالاكذوبة الكبرى او بالضحك على الذقون، لان حكومة الأغلبية في كل بلدان العالم لا تتشكل على أساس مناطقي او مذهبي او ديني او اثني، ابدا، لانها ستقسم البلاد وتكرس التفرقة وتمزق النسيج الاجتماعي، وإنما هي تقوم على أساس المعيار السياسي، اي أغلبية سياسية وأقلية سياسية، والا بالله قولوا لي مٓن مِنْ الكتل الثلاث يقبل ان لا تكون له حصة او دور في السلطة التنفيذية؟ بمعنى آخر، مٓن مِنْ الشيعة والسنة والكرد يقبل ان لا يكون له حضور ومساهمة في الحكومة؟.

 لذلك، فإننا نسمع ونقرأ في تصريحات كل الكتل والمرشحين حديثاً عن حكومة الأغلبية السياسية، ولكن، ما ان تظهر نتائج الانتخابات الا والجميع يغير سيمفونيته ليتحدث عن حكومة الشراكة، وكيف أنها مهمة لهذه المرحلة من تاريخ العراق وما الى ذلك، ولعل في تجربة انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة خير دليل على ذلك، فكلّنا يتذكر كيف ان (ائتلاف دولة القانون) وزعيمه أصمّ آذاننا بحديثه عن حكومات الأغلبية السياسية المحلية، الا انه تراجع وغيّر موجة الحديث بمجرد ان عرف بانه لم يحصد أغلبية في اية محافظة من المحافظات ليعود ويتحدث عن حكومات الشراكة، وهذا ما حصل.

 طيب، اذا كان الامر كذلك في مجالس المحافظات التي تتشكل من نسيج ومكون اجتماعي واحد، فما بالك بمجلس النواب الذي يتشكل من كل مكونات المجتمع العراقي، والتي تتمثل عادة، كما أسلفت، في ثلاث كتل نيابية، شيعية وسنية وكردية؟.

 أتحدى كل من يتحدث منهم عن حكومة الأغلبية السياسية، ان يتعهد لنا امام الملأ بانه سوف لن يتراجع عن نظريته هذه، اذا ما فشل في حصد الأغلبية المريحة تحت قبة البرلمان الجديد، لنعرف من بكى ممّن تباكى.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آيار/2014 - 29/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م