شبكة النبأ: في عام 2001، أعلن
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أن "المنافسة الشديدة على المياه
العذبة قد تصبح مصدراً للنزاع والحروب في المستقبل." وبعد عام، عدّل
هذا الموقف قائلاً أن مشاكل المياه يمكن أن تكون "حافزاً للتعاون"،
وبعد عقود من تهديدات "حروب المياه" التي لم تتحقق، تلمح التصريحات
المتضاربة لعنان إلى تعقيدات فهم كيفية تفاعل المياه والنزاع، فقبيل
قمة الأمن المائي في ماليزيا في 23 أبريل والتي تمت تسميتها منتدى
التنمية والمساعدات الدولية 2014 ، تحدثت شبكة الأنباء الإنسانية
(إيرين) مع عدد من الخبراء لمعرفة المزيد.
وأوضحت جاناني فيفيكاناندا، مدير البيئة وتغير المناخ والأمن في
برنامج قضايا بناء السلام لدى منظمة إترناشونال أليرت (International
Alert) ومقرها لندن: "إذا كنت تقوم بتحليل مسألة المياه مثل غيرها من
الموارد، سترى غياباً للنزاع في الكثير من الحالات التي قد نتوقع أن
نرى فيها نزاعاً". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".
في الواقع، يشير بعض العلماء إلى نزاع بابلي قديم قبل 4,500 سنة
بوصفه "حرب المياه" الحقيقية الوحيدة التي وقعت على مر الزمن.
ولكن عندما يواجه خمس سكان العالم شحاً في المياه ويعيش 1.6 مليار
شخص آخر في بلدان تعاني من ضعف شديد في البنية التحتية يعوق إيصال
المياه إلى حيث تكمن الحاجة إليها، لماذا لا يوجد الكثير من العنف فيما
يتعلق بهذا المورد الثمين؟ وما مدى خطورة تحذيرات أطلقتها وكالة
الاستخبارات المركزية الأمريكية مثل: "خلال السنوات الـعشر المقبلة،
ستواجه العديد من البلدان ...مشاكل تتعلق بالمياه - نقص وسوء نوعية
المياه، أو الفيضانات - والتي من شأنها تعريض تلك البلدان لخطر عدم
الاستقرار والفشل وزيادة التوترات الإقليمية"؟.
وفي إجابتهم على هذا السؤال، يشير الخبراء إلى الخصائص الفريدة
المحيطة بالمياه: فهي مورد طبيعي بخصائص تجعله ثميناً ولكنها تشكل
تحدياً في السيطرة عليه؛ هناك إطار قانوني دولي يشجع على التعاون
المحلي؛ وهناك أيضاً فهم عام يتمثل في أن الوصول المستدام للمياه أمر
حيوي لاستمرار الحياة.
أوضح ديفيد ميشيل، مدير برنامج الأمن البيئي في مركز ستيمسون ، وهي
منظمة لبحوث السلام والأمن في واشنطن، أن "قضية حروب المياه أكثر
تعقيداً من كونها نظيراً لما يوازيها بشكل مباشر من موارد أخرى. فمن
المهم أن يتم التمييز بين أنواع الموارد والمسارات التي يمكن من خلالها
أن تسهم في النزاع."
وأوضح ميشيل أن "المياه - في مقابل موارد النزاعات الأخرى مثل الماس
- غير قابلة للنهب، وهذا يعني أنها ليست مورداً يمكنك أن تحمله وتسير
به"، مضيفاً أن المتر المكعب من الماء يزن نصف طن.
"كما أنها ليست ثابتة ضمن موقع جغرافي مثل الأخشاب، بحيث أنك إذا
استطعت السيطرة على الأرض التي تتواجد عليها الغابات، يمكنك التحكم
بهذا المورد بشكل كامل،" كما أضاف، ولكن البعض الآخر يقول أن المياه
تبقى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسبل العيش، والتلاحم المحلي، والتوترات
السياسية.
ففي تقرير صدر في عام 2012 بشأن العلاقات بين الهند وباكستان، على
سبيل المثال، أوردت مجموعة الأزمات الدولية مسألة المنازعات المتعلقة
بالمياه كعائق أمام التعاون بين البلدين، وأشار التقرير إلى احتياجات
الطاقة المتنامية للهند لدعم النمو الاقتصادي فيها مما يتضارب مع
اعتماد المزارعين في باكستان على المياه المشتركة، وأوضح التقرير أنه:
"مع بناء الهند للعديد من السدود في حوض نهر السند، يرى الجيش
الباكستاني والجماعات الجهادية الآن نزاعات المياه باعتبارها قضية
أساسية، إلى جانب قضية كشمير، ويجب حلها لتطبيع العلاقات بين البلدين"،
وقد اندلعت معركة طويلة ودامية بين مجموعات قبلية تعيش في منطقة بحيرة
توركانا على جانبي الحدود بين كينيا واثيوبيا، التي يبلغ طولها 861
كيلومتراً، في السنوات الاخيرة بسبب مشاكل توفر المياه والوصول إليها.
وفي السياق نفسه، أفادت منظمة الأنهار الدولية، وهي مجموعة بيئية
مقرها الولايات المتحدة، أن "الشعوب الأصلية في وادي أومو السفلي
وبحيرة توركانا فقيرة للغاية، ولكنها مسلحة تسليحاً جيداً، ولديها
تاريخ طويل من النزاعات على موارد المياه ومصايد الأسماك والمراعي".
وأوضحت جانين كوبر، الرئيس السابق لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق
الشؤون الإنسانية (أوتشا) في كينيا نشرتها مدرسة ييل لعلوم الغابات
والبيئة: "في أوقات الجفاف، ينتقل السكان إلى أي مكان تتوفر فيه
الموارد. وهذا يؤدي إلى النزاع في كثير من الأحيان ... وفي سنوات
القحط، يحدث ذلك كل يوم تقريباً. هل سنشهد ازدياداً في النزاعات
المتعلقة بالمياه؟ بالتأكيد. ولكن هناك عدداً كبيراً من الحلول
المختلفة."
وقال بيتر غليك رئيس معهد المحيط الهادئ، وهي مؤسسة بحثية مقرها
الولايات المتحدة وتعمل على دراسة قضايا المياه العذبة، أنه يشعر
بالقلق حول "عالم أصبحت فيه المياه مورداً نادراً على نحو متزايد وتلعب
السياسة فيه دوراً قوياً في تحديد مخصصات المياه - عبر الحدود، وربما
الأهم من ذلك داخل الحدود."
ويحتفظ معهد المحيط الهادئ بسجل التسلسل الزمني لنزاعات المياه، وهي
قاعدة بيانات تغطي 5,000 سنة من تاريخ النزاعات المتعلقة بالمياه. وعلى
الرغم من أن البنية القانونية الرئيسية للتعامل مع المياه العذبة
الدولية هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية
الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997، تضم قاعدة بيانات أخرى في
جامعة ولاية أوريغون في الولايات المتحدة قائمة بـ 3,600 معاهدة
واتفاقية متعلقة بالمياه، بالإضافة إلى أمثلة عن أساليب السكان
الأصليين لتسوية منازعات المياه.
وأضاف غليك قائلاً: "نحن بحاجة إلى مؤسسات قوية لإدارة التوترات
المتعلقة بالمياه - مثل برامج إعادة التوزيع الاقتصادي المنصفة، وإدارة
الاتصالات، والقانون. لست متفائلاً بشأن استمرار التعاون الذي شهدناه
تاريخياً في المستقبل، إذا لم نبدأ في إيلاء اهتمام أكبر بالنزاعات حول
المياه التي لا تبالي بالحدود الدولية أو الدبلوماسية."
أوضحت باتريشيا ووترز، أستاذة القانون التي أسست مركز دندي لقانون
وسياسة وعلوم المياه في اسكتلندا، والتي ترأس لجنة بعنوان حوكمة المياه
وطرق التعاون في مؤتمر كوالالمبور، أن "الأمن المائي يتعلق بشكل أقل
بطريقة تفكير الأمن العسكري وبشكل أكبر بفهم المزيد حول ما يعنيه
التعاون القانوني."
ففي ورقة بعنوان إعادة تأطير حوار الأمن المائي، قالت ووترز: "ينتقص
التركيز على الجانب العسكري من مهمة إيجاد قواعد قانونية جديدة وفعالة
ونظم إدارة ... وبالتالي، يحبط التوجهات التي يمكن أن تقدم رؤى جديدة
في التصدي للمشاكل القديمة، والتي تتطور لتصبح أكثر تعقيداً."
وأضافت ووترز في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية أن "سيادة القانون
تعني شيئاً مختلفاً قليلاً من مكان لآخر، وكذلك تكتيكات الدبلوماسية
المتتابعة - ولكن النظام القانوني الدولي يشدد على التعاون لإدارة
المياه والتوترات أو النزاعات المرتبطة بها، بدلاً من التحليل بالأسلوب
العسكري."
ووفقاً لووترز، تركز اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشكل أساسي
على استخدام المياه في الوقت الحاضر: "يلزم إطار العمل الدول على
استخدام موارد المياه بطريقة منصفة ومعقولة. ويتعين على الدول أن تسأل
"ما هو معقول ومنصف للاستخدام المقترح لهذا النهر في هذا الوقت؟"،
ولكن، حتى بدون وجود إطار قانوني قوي، هناك أدلة على وجود التعاون
بخصوص المياه.
يفتقر ثلثا المجاري المائية والمياه الجوفية العابرة للحدود في
العالم إلى أي إطار عمل رسمي للإدارة التعاونية، وقالت فيفيكاناندا من
منظمة إنترناشونال أليرت: "يضيع الكثير من الجهد في محاولة دعم
اتفاقيات المجاري المائية العابرة للحدود غير الموجودة أو الهشة. ولكن
ما يبقي السلام قائماً في الحقيقة... في كثير من الأحيان، هو وجود
تفاهمات على المستوى المحلي وعلى مستوى السياسات بخصوص الحاجة لتقاسم
المياه من أجل منفعة الجميع."
وتابعت فيفيكاناندا حديثها قائلة: "لقد أجريت مقابلات مع أشخاص في
كينيا في الأماكن التي يوجد فيها توتر دائر حول حقول النفط، ولا زالوا
يقولون لي أن الماء أكثر أهمية بالنسبة لهم من النفط. فالنفط يمكن أن
يأتي ويذهب كمصدر للدخل والازدهار، كما يقولون، ولكن الماء ضروري من
أجل البقاء." وأضافت أن هذا التفاهم المتبادل يمكن أن يفسر سبب عدم
اندلاع نزاع دولي على المياه عبر التاريخ.
وختمت حديثها قائلة: "إنه مورد مهم يدرك كلا الطرفين أن عليهما
التعاون بشأنه. فخطر عدم التعاون شديد للغاية"، ووفقاً لميشيل، فإن فهم
المياه والنزاع هي مسألة تتعلق بتقدير تعقيدات هذا المورد، واستطرد
قائلاً: "الماء هو منتج للغذاء، وهو مصدر للشرب، ووسيلة لصيد الأسماك
والنقل، ومذيب، ومرتبط بالصحة والصرف الصحي، ويستخدم في التبريد، وله
أهمية دينية. عندما تقوم بإدارة المياه فإنك تدير كل هذه الأمور
أيضاً". |