في التغيير الذاتي: مشكلة العيوب النفسية

وضرورة التخلّص منها

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: في زحمة الاعمال وخضم الحياة المتسارعة، لا تواجه بعض العيوب النفسية ذلك الاعتراض او التقويم او الإصلاح، بسبب أن الانسان في احيان كثيرة، ربما لا يعد خصلة معينة او سلوك معين لديه، بانه أمر يُعاب عليه في المجتمع، بل ربما يعده ما بينه وبين نفسه، بأنه امر ايجابي ومطلوب، لاسيما اذا كان من بين شريحة المثقفين والمتعلمين، فانه من الصعب عليه الاقرار بكون عمل ما او كلام تفوّه به، بانه كان معيباً وغير لائقاً، لانه يعد نفسه القدوة والمثال لان يتعلم منه الآخرون.

علماً؛ أن مسألة "العيب" أو "المأخذ" اذا أعددناها من بنود التعامل الاجتماعي، فانها تبدو طبيعية في نشوءها داخل الانسان غير المعصوم. فارتكاب عمل محرم، يعد عيباً، كما ان ارتكاب عمل لا اخلاقي او لا انساني، هو الآخر يعد عيباً على صاحبه، اضافة الى ان العيوب النفسية الكامنة في داخل أي واحد منّا، هي الاخرى تعد عيوباً مثل الحسد، والكِبر، والعُجب، والغضب، والافراط في الاعتداد بالنفس وغيرها. وهي حقيقة انسانية أقرّها الأولياء الصالحين ومن بعدهم العلماء، لكن في الوقت نفسه جاء الحثّ والتأكيد الشديد على ضرورة المعالجة والتقويم والاصلاح حتى يتحقق التوازن في السلوك والعادات، ولا نشهد إطلاله بعض العيوب او السلوكيات المعيبة – إن صحّ التعبير- وهي تطل برأسها على الواقع الاجتماعي فتثير فيه الاشمئزاز وتبعث فيه التوتر.

من هنا يأتي سماحة المرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي – دام ظله- ليسهم في عملية التقويم والإصلاح هذه من خلال كتابه القيّم: "حلية الصالحين"، وهو قراءة شفافة لدعاء "مكارم الأخلاق" للإمام زين العابدين، عليه السلام، حيث نجد أن الامام يدعو الله سبحانه وتعالى: "اللهم لا تدع لي خصلة تُعاب منّي إلا أصلحتها، ولا عائبة أؤنب عليها إلا احسنتها، ولا أكرومة فيّ ناقصة إلا أتممتها..".

وبما أننا في وسط يقلّ فيه – الى حدٍ كبير- ارتكاب المحرمات علانية بما تلحق بصاحبه صفة العيب وحتى العار في حياته وبعد مماته، فاننا نستفيد من هذا النصّ الثمين، في تتبع آثار العيوب المتشكلة من خلال بعض السلوكيات والاعمال خلال حياتنا اليومية، وهذا ما يدعونا اليه سماحة المرجع الشيرازي عندما يشير الى وجود "عيوب عرفية"، الى جانب "عيوب شرعية" لدى الانسان، ويستدل بوجوب معالجة هذا النوع من العيوب عندما يستشهد بتعريف العدالة عند الفقهاء، ووفق ما جاء في الحديث المروي عن الامام الصادق، عليه السلام، بأنه ".. والساتر لجميع عيوبه". يقول سماحته: "لقد اعتبر الشرع العيوب العرفية نقائص، وأوصى بالتخلص منها، وخير مثال على ذلك رفضه للباس الشهرة.. ومن الفقهاء من أفتى بحرمة بعض المستحبات اذا صارت مدعاة للسخرية من عاملها..".

اذا طالعنا النصوص الدينية بدقة فيما يتعلق بهذه المسألة تحديداً، نجد الحرص البالغ على بلوغ الانسان حالة التكامل والتسامي في منظومته الاخلاقية والتي تغذي قطعاً منظومته الثقافية والفكرية، فاذا تخلص من كم كبير من الترسبات النفسية التي يُعاب عليها في المجتمع، فانه – بالضرورة- سيكسب ودّ واحترام الجميع، وتكون كلمته مسموعة ورأيه نافذ وطلبه مطاع.

ومن اجل ذلك، يبين سماحة المرجع الشيرازي انماطاً من العيب على الانسان معالجتها في ضوء دعاء الإمام السجاد، عليه السلام، الاول: "المعيب" وهي الصفة الذميمة والسيئة التي بحاجة الى إصلاح، والثاني: "العائبة" وهي العيوب التي يُلام عليها الانسان ويعاتب، فهي بحاجة الى تحسين وتقويم، والثالث: "الأكرومة"، وهي العيوب التي تسبب نقصاناً في المكارم، لذا تكون الحاجة الى الإتمام. ويوضح سماحته، الثلاثة؛ بأن الاول: ذو خلق سيئ، مثل الغضب والكبر وغيرها، والثاني: حسن الخلق، لكنه خارج حد الاعتدال، مثل كثير المزاح والهزل، والثالث: الحسن الخلق، لكن مع هذا دون ذاك. وإذن؛ فنحن امام آلية واضحة ومحددة وسهلة التنفيذ لمن عزم أمره على التغيير.. فالإصلاح، والتقويم، والإتمام.

هذه العيوب التي ربما يكون بعضها غير مقصوداً، فيما يتعلق بحالة الافراط ومنافاة الاعتدال في السلوك، لها تأثير كبير وواضح في حياتنا اليومية، وفي ميدان العمل على مختلف الصعد.. لنلاحظ – مثلاً- حالة العجب والكبر – في الحالة الاولى- او حالة التمييز في التعاطي مع الآخرين – الحالة الثالثة- كم هي مؤثرة في علاقاتنا الاجتماعية على صعيد الافراد، كما هي مؤثرة ايضاً في العلاقة بين المجتمع وبين المسؤول في الدولة؟.

بعض الافراد يتصور أنه بلغ مرحلة لا حاجة فيها لأن يراجع شيء اسمه "عيب" في سلوكه او كلامه ومواقفه، متجاهلاً ردود فعل المجتمع وتفاعلات ما يصدر عنه من تصريح او فكرة او موقف. وهذا التجاهل ربما تكون له عواقب وخيمة عندما تدور الدوائرة، ويكون مجرداً من صفاته وامتيازاته وما يحيطه من هالة او ترفعه عن الآخرين، ويكون مصيره مثل مصير الصحابي المعروف "سعد بن معاذ" وهو مسجّى في لحده، وكان النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، هو الذي تكفّل بدفنه ووضعه داخل لحده، فراق ذلك لأمه فهتفت: "هنيئاً لك الجنة يا سعد.."، فرفع النبي رأسه من داخل القبر وقال: "لا تحتمي على الله يا أم سعد..". فاتضح السبب للجميع بأن هذا الصحابي كان "له سوء مع أهله"، او في رواية أخرى: "كان سيئ الخلق مع أهله..". لذا فان يد النبي الأكرم، وصحبته وايمانه وجهاده، لم يشفع له من ضغطة القبر التي قال عنها، صلى الله عليه وآله، بانها ستخرج حليب أمه من أصابع يديه.

نعم؛ اذا رافقت العيوب، البعض منّا في حياته، فربما تتحول الى حالة عادية او ربما تكون عادة وتقليد يروج له ويتم تكريسها في الواقع بتبريرات ومسوغات عديدة، كما هو الحال في ظاهرة العنف التي طالما تشكو منها مجتمعاتنا، او حالة الكراهية او الأنانية، فرغم الاقرار الضمني من الجميع بسلبيتها، إلا ان الغالبية العظمى يرتكبها او يتخذها منهجاً وطريقاً في حياته، بحيث من دونها، لا يتمكن من النجاح وتحقيق طموحاته السياسية او العلمية وأي هدف آخر في حياته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/نيسان/2014 - 25/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م