في 30 نيسان/أبريل، سوف يتوجه الجمهور العراقي للتصويت في
الانتخابات البرلمانية في جميع أنحاء البلاد، لاختيار أعضاء "مجلس
النواب" الذي يضم 328 مقعداً لفترة الأربع سنوات المقبلة. وبعد ذلك سوف
تبدأ عملية مساومات لها نفس القدر من التأثير والتبعات، وهي أخذ تشكيل
الحكومة القادمة بعيداً عن أعين الجمهور وتجميعها خلف الأبواب المغلقة.
لقد حثت الولايات المتحدة بغداد مراراً وتكراراً على ضمان إجراء
التصويت في موعده، وفي جميع المناطق، وبطريقة حرة وعادلة. وقد يكون دور
واشنطن في عملية تشكيل الحكومة بنفس القدر من البناء والفعالية، لكنه
يمثل تحدياً أكثر صعوبة بكثير. وفي الواقع أن طريقة استجابة الحكومة
الأمريكية عقب الانتخابات يمكن أن تضع الأساس لشكل العلاقات الثنائية
طوال فترة ولاية الحكومة المقبلة.
حقل الألغام الذي يمر به تشكيل الحكومة
العراقية
إن عملية تشكيل الحكومات في العراق عادة ما تكون مطولة ويكتنفها
التعقيد. فقد استغرق اعتماد نتائج الانتخابات ثمانية أسابيع في عام
2006 وأربعة عشر أسبوعاً في 2010. وما أن يتم الاتفاق على النتائج حتى
يتعين على المشرعين البدء في انتخاب رئيس لـ "مجلس النواب" أثناء
الجلسة الأولى لانعقاد البرلمان الجديد؛ وبعد ذلك يجب عليهم عقد جلسة
ثانية خلال شهر، يختارون خلالها رئيساً للبلاد بأغلبية الثلثين . ويفرض
تعيين الرئيس قيداً زمنياً على تشكيل الحكومة، حيث يجب على الرئيس
التنفيذي الجديد تسمية رئيس وزراء مكلف خلال خمسة عشر يوماً وإجراء
تصويت للمصادقة على تشكيل الحكومة في موعد أقصاه ثلاثين يوماً عقب ذلك
الإعلان.
وفي عامي 2006 و2010، قامت الفصائل العراقية عمداً بتجميد العملية
في أول مرحلة عن طريق ترك الجلسة الافتتاحية للبرلمان "مفتوحة" من
الناحية الفنية لعدة أسابيع من أجل كسب الوقت للتفاوض. وقد دامت فترة
الفراغ أربعة وعشرين أسبوعاً بعد الانتخابات في عام 2006 وثمانية
وثلاثين أسبوعاً في عام 2010. وفي كلتا الحالتين، فإن قِطع الدومينو
التي تم تنظيمها بشق الأنفس سقطت في تتابع سريع، بما في ذلك التصديق
السريع لرئيس الوزراء وحكومته.
ويمكن أن يمضي اختيار رئيس الوزراء بواحدة من طريقتين عقب انتخابات
الأسبوع المقبل. فإذا تم السير على نموذج 2006 و2010، سوف تجتمع
الفصائل الشيعية سراً للتفاوض على من سيصبح رئيس الوزراء المقبل، مع
معاملة الفصائل الأخرى على أنها أطراف ثانوية يمكن دمجها في الاتفاق
بعد التوصل إليه. وكبديل لذلك، يستطيع رئيس الوزراء الحالي نوري
المالكي وخصومه من الشيعة السعي إلى حشد أكبر عدد ممكن من المقاعد من
التكتلات غير الشيعية من أجل خلق مركز الدعم الأكبر قبل قيام الرئيس
الجديد بتسمية رئيس الوزراء المكلف. وسوف يمثِّل هذا المسار الثاني
نقطة تراجع تاريخية في التضامن الشيعي الكُلي، وهي نتيجة عملت الأحزاب
الشيعية والمؤسسة الدينية الشيعية وإيران بجد من أجل تجنبها منذ عام
2003.
دور القوى الخارجية
لقد سعت الفصائل العراقية عادة إلى استجداء القوى الخارجية - مثل
الولايات المتحدة وإيران وتركيا ودول الخليج - لدعم فرصها أثناء تشكيل
الحكومة. وفي هذا الصدد فإن الفترات التي تلت انتخابات 2006 و2010 توفر
الكثير من الدروس التي يمكن أن تساعد واشنطن على تعظيم آمالها في
المشاركة البناءة بعد الانتخابات المقبلة.
مشاركة الولايات المتحدة. في عام 2006، لعب السفير الأمريكي زلماي
خليل زاد دوراً محورياً في اختيار ودعم المالكي بصفته مرشح الكتلة
الشيعية ليصبح رئيس الوزراء، مما عكس وضع أمريكا باعتبارها قوة
الاحتلال الأساسية. وكانت واشنطن أقل حزماً في عام 2010، حيث انتظرت
نتيجة المفاوضات بين الفصائل الشيعية التي لم يبرز منها أي بديل
للمالكي. وقد ركّز المسؤولون الأمريكيون حينها على السعي إلى تحقيق نذر
يسير من الشمولية في حكومة 2010-2014. غير أنه من وجهة نظر خصوم
المالكي، بدت واشنطن وكأنها تتخلى عن المعارضة، بخلقها انطباعاً دائماً
بأن الحكومة الأمريكية تدعمه بشكل ثابت لا يتأرجح.
دور إيران. كانت طهران على الأرجح القوة الخارجية الأكثر تأثيراً
أثناء تشكيل الحكومة ونقاط الارتكاز الأخرى في التاريخ السياسي الحديث
للعراق. على سبيل المثال، أدى التأثير الإيراني على الزعيم الشيعي
مقتدى الصدر إلى تقويض محاولة إبراهيم الجعفري الاحتفاظ برئاسة الوزراء
في عام 2006 ووضع الأساس لإعادة تعيين المالكي في عام 2010. كما شجعت
طهران إعادة تعيين الرئيس جلال طالباني أثناء تجمع لفصائل شيعية عراقية
في إيران قبل انتخابات آذار/مارس 2010؛ وقد حصدت لاحقاً نتيجة ذلك من
خلال توجيه طالباني بأن يعمل على تعطيل التصويت بعدم الثقة ضد المالكي
في نيسان/أبريل 2012.
بيد أن عدم قدرة إيران على إبعاد الصدر عن تصويت سحب الثقة أظهرت
أنها فقدت درجة من النفوذ على زعيم شيعي رئيسي في تلك المرحلة. وفي
المفاوضات الأخيرة بشأن التشكيل الذي تأخر كثيراً لـ "حكومة إقليم
كردستان"، يبدو أن طهران فشلت في كسب دور أكبر لفصيلها المفضل، "الاتحاد
الوطني الكردستاني". ولا يزال دور طهران قوياً إلا أن الأحداث الجارية
في سوريا وارتباط إيران القوي بالمالكي قد أضعفه، لذا فإن تأثير
الجمهورية الإسلامية على تشكيل قيادة العراق المقبلة قد يواجه صراعاً
أكثر حدة وصعوبة عما كان عليه الوضع في الماضي.
تركيا ودول الخليج. عندما يتعلق الأمر بالتأثير على الشؤون السياسية
العراقية، فإن دور الدول ذات الأغلبية السنية يقتصر على المسائل
الثانوية المتمثلة في الشؤون السياسية بين فصائل السنة والأكراد. وفي
عام 2010، كانت كتلة "العراقية" القومية ذات الأغلبية السُنية، المفضلة
على تركيا، على قدم المساواة مع "ائتلاف دولة القانون" بقيادة المالكي
إلى حين توطد دعم الشيعة للمالكي. وقد سعت أنقرة بجد وفشلت في تقويض
إعادة تعيين المالكي، مما أفسد العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة.
ويمثل ذلك الإخفاق رسالة تحذير واضحة ضد محاولة اختيار فائز في ظل غياب
سيطرة قوية على النتيجة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
سوف تكون انتخابات الأسبوع المقبل التي هي أول انتخابات وطنية بعد
الاحتلال في العراق - اختباراً حساساً ليس فقط للديمقراطية العراقية،
ولكن للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق أيضاً. لقد تجنبت واشنطن
بشكل واضح مساندة أي مرشح حتى الآن، ويجب أن تجعل هذا الموقف جلياً
للعيان لأن النوايا والأفعال بل وعدم الأفعال الأمريكية عُرضة
للتفسيرات الخاطئة.
وبعد كل ذلك، فإن الولايات المتحدة ستحسن التصرف لو أنها أعربت عن
أن دعمها القيِّم في مكافحة الإرهاب - بما في ذلك التدابير المكثفة
التي تشمل تنفيذ هجمات بواسطة المروحيات - لن يكون متاحاً سوى لحكومة
تمارس باتساق مخططاً لمشاركة السلطة بين الفصائل والأعراق المختلفة على
نحو يتجاوز بكثير ما حدث خلال فترة ولاية المالكي الثانية. وخلال فترة
تشكيل الحكومة التي ربما تطول لفترة تتراوح من ستة إلى تسعة أشهر،
سيكون أمام واشنطن مهمة لا تُحسد عليها: دعم العراق في صراع يائس مع
المقاتلين المتطرفين مع تحجيم ميول حكومة تصريف الأعمال تجاه ممارسة
صلاحيات طارئة قد تعيق الانتقال السلمي وتزيد من تنفير المجتمعات
السُنية في العراق وجميع أنحاء المنطقة.
يجب أن تظل الولايات المتحدة أيضاً منتبهة لاحتمالية تدهور العلاقات
بين بغداد و"حكومة إقليم كردستان". فعلى مدى الأشهر الستة الماضية عملت
واشنطن بجد من أجل تقريب المالكي والأكراد نحو عقد اتفاق حول مشاركة
إيرادات النفط، لكن تلك العملية انهارت وتعثرت بسبب محاولات كسب جمهور
الناخبين في بغداد. وفي أعقاب الانتخابات، سوف يظل البرلمان العراقي
مجتمعاً في جلسة خاصة مطولة إلى حين الموافقة على ميزانية 2014، والتي
تتضمن نصوصاً تبين قدرة الحكومة الفدرالية على قطع المخصصات المالية لـ
"حكومة إقليم كردستان". إن الموافقة على ميزانية من أي نوع يمثل أولوية
لجميع الفصائل العراقية، لكن استبعاد النصوص المناهضة للأكراد سوف يخلق
قوة دافعة يمكن أن تستمر إلى عملية تشكيل الحكومة. ووفقاً لذلك، ينبغي
على المسؤولين الأمريكيين في العراق أن يركزوا جهودهم بعد الانتخابات
على توجيه تدفقات النفط الكردية عبر نظام الصادرات الفيدرالي واستعادة
تحويلات بغداد المالية إلى "حكومة إقليم كردستان".
* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن
ومقره في بوسطن.
http://www.washingtoninstitute.org |