السقوط في فخ السلطة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة حالة يتعرض لها القادة السياسيون، أو العاملون في ميدان السياسة، بعضهم من المحنكين، وآخرين ضعفاء حيال رغبات النفس وأهوائها، يُصطلَح على ذلك بالسقوط السياسي، هنا لا يتعلق الامر بالذكاء والحنكة وقوة الشخصية، إنما يتعلق بمنظومة القيم التي تحكم تفكير وعمل السياسي، فبعضهم مثلا يحقق أهدافا كبيرة لصالحه على حساب الآخرين، لأنه لا يخضع للقيم الأخلاقية، ولا يحتكم إليها في سعيه نحو أهدافه، بل لا يرى أمامه سوى السبل التي تدعم سلطته وتقوي من نفوذه، ولا يتوقف هذا الطموح عند حد معين، بغض النظر عن التجاوزات التي يرتكبها السياسي بحق الناس، فالمهم لديه كيف يحكم الناس، وكيف يسيطر على السلطة، حتى لو تم ذلك بعيدا عن القيم والأخلاق!.

مثل هؤلاء المسؤولين قد يحققون نجاحا في ما يسعون إليه، بالطرق والوسائل غير السليمة، ولكن في نهاية المطاف، ليس امامهم سوى السقوط، لأن السلطة لها سحرها، والجاه والنفوذ والقوة والمال كلها عوامل داعمة للسلطة، فإذا كان القائد او المدير او الرئيس او المسؤول الاول، لا يُخضع نفسه للقيم والضوابط الانسانية التي تكفل حقوق الاخرين وتحميها من الهدر، فإنه سوف يرتكب تجاوزات لا تحصى وهو في طريقه الى دعم سلطته وحمايتها.

هذا الامر لا ينحصر برئيس الدولة فحسب، إنه يتعلق بمدير الدائرة الرسمية الصغيرة، ومدير المدرسة، ورئيس المؤسسة، وهكذا، فكل مسؤول مهما كان حجم منصبه، تقع عليه مسؤولية السلوك ضمن منظومة القيم التي تحمي الناس من تجاوزاته، لان المسؤول الذي يحترم حقوق الناس ويصون كرامتهم سوف يفوز بتأييدهم، وسوف يكون هو الافضل لديهم، على العكس مما يسلكه الحكام المستبدون، أولئك الباحثون اللاهثون وراء السلطة، بغض النظر عن النتائج التي غالبا ما تلحق الاذى بعامة الناس، وهو أمر أثبتته تجارب التاريخ بوضوح.

من هنا لابد للقائد السياسي، أو المدير او المسؤول الاول، أن يحمي نفسه من السقوط في فخ السلطة، يتم هذا بطبيعة الحال، عندما يخضع السياسي للضوابط بشقيها القانوني والانساني، فالقانون أو الدستور مثلا يمنح الحاكم صلاحيات معينة، لا يجوز أن يتجاوزها، ولا يصح أن يمنح نفسه صلاحيات أوسع، أما الشق الثاني فهو يتعلق بالجانب القيمي أو الاخلاقي، بمعنى لابد أن تتوافر في المسؤول الاول قدرة ضبط الذات، وردع النفس، والاحتكام الى معايير العدالة والمساواة والحق، خاصة عندما يتعلق الامر بالواجبات والحقوق، وفرص العمل، وتوزيع الثروات، وتوفير العيش الكريم للانسان، فالحاكم او المسؤول على وجه العموم، يمكنه تجنب السقوط في فخ السلطة عندما يحتمي بمنظومة القيم الاخلاقية ويلتزم بها اثناء ادارته لشؤون الدولة او الدائرة او المدرسة، ويمكنه تحقيق النجاح الاكيد، كونه التزم العدالة ومعايير القيم والاخلاق التي تحميه وتقيه من مساوئ السلطة الكثيرة.

وعندما يستطيع السياسي، والمسؤول الاول كسب تأييد الناس، وثقتهم ومحبتهم، من خلال ادارته الصحيحة لعمله، وتعامله السليم مع السلطة ومغرياتها، فإنه ربح الجميع في هذه الحالة حتى نفسه، فما فائدة أن يربح الانسان السلطة وامتيازاتها ويخسر نفسه، أي بمعنى لا يحترمها، وهو شعور مخزي يتملك الانسان حتى لو كان في أعلى المراتب، لانه يفهم ويعرف ويعي، أنه بنى سلطته ومجده وعرشه من خلال انتهاك حرمة الناس والتجاوز على حقوقهم، وبهذا سوف ينظر لنفسه باستصغار، ويعرف انه سقط في فخ السلطة، والجميع لا يحترمونه، حتى اقرب الناس إليه، ولكنهم يتقربون اليه ويتزلفون له خوفا منه وتحاشيا لبطشه، وليس حبا به او بشخصه، وبالنتيجة اذا اراد المسؤول أن يربح نفسه والناس معا، عليه أن يتجنب السقوط في فخ السلطة، ليس بمعنى رفضها او التخلي عنها، ولكن عليه الاستعانة بالسلطة لتقديم العون للناس وحفظ كرامتهم من خلال التعامل مع امتيازات الكرسي وفقا لمنظومة الاخلاق التي تحمي الجميع من السقوط السياسي او سواه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/نيسان/2014 - 24/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م