شبكة النبأ: تمثل البرامج البعيدة عن
الجدّية والتنظير، والتي يُعبر عنها بـ "الترفيهية"، نسبة لا يستهان
بها مما يطلبه قطاع واسع من اصدقاء الشاشة الصغيرة، بسبب الضغوط
النفسية والشد العصبي المنتج من الظروف المحيطة بانسان اليوم، الامر
الذي يدفعه للتوسل بهذا النمط من البرامج للهروب من واقعه تارةً، أو
التخفيف عن تلكم الضغوط تارةً اخرى.
وبما أن هذا "الترفيه" له صلة بالحالات النفسية للمشاهد، وما يحمله
من طباع وأذواق وغرائز، فانها تكون بحاجة الى أطر وضوابط تضمن فوائدها
للمشاهد، لان الترفيه بالاساس يعرفه الخبراء في الاعلام المرأي على انه
نوع من "الاستمتاع البصري - بالدرجة الاولى-" ، وإلا فان مئات القنوات
العربية وغير العربية التي تهطل على البيوت، تحمل أنماط مختلفة من
برامج الترفيه، في مقدمتها برامج الطرب والغناء واخبار الممثلين
والممثلات الى جانب الكم الهائل من المسلسلات التلفزيونية والافلام
والبرامج الوثائقية.
وقد استغلت القنوات العربية التي تعد محيط الأسرة، الرأسمال الاول
بعد الرأسمال الثاني (المال)، هاجس بعض المجتمعات العربية المحافظة من
غزو الشبكة العنكبوتية للبيوت وغرف النوم، ثم الهاتف النقال في الجيب
الصغير، وما يعكسه من عالم فسيح دون حدود ولا قيود. وبالرغم من ضحالة
مستوى البرامج الترفيهية في هذه القنوات، وكونها وسيلة واضحة لقضاء
الوقت ليس إلا، فان شريحة لابأس بها من المجتمع تجد الشاشة الصغيرة
ربما تكون "أهون الشرّين" في الوقت الحاضر.
وقد ناقش باحثون وخبراء اعلام مرأي، هذه القضية من وجهات نظر عديدة،
مطالبين بمنهجة هذه البرامج وتحديد أطر وضوابط تحدد الهدف منها، بما
يسدي الخدمة للمشاهد، ويعطيه المادة المفيدة في نفس اطار "الترفيه"،
بحيث لا تكون هنالك نتائج عكسية، كما نلاحظ كثيرة تسببها هذه البرامج،
وتترك تأثيرها السلبي على الطالب والمرأة والطفل وحتى الرجل المتزوج
وربّ الأسرة.
المنتج والاكاديمي المصري في مجال الاعلام المرأي "دويدار الطاهر"،
يدعو الى "ترفيه إعلامي"، وهو نوع من الترفيه الهادف، ففي كتابه "فنون
المنوعات والتلفزيون" يقول: ان البرامج الموجودة في القنوات العربية هي
"ترفيه من أجل الترفيه وإضاعة الوقت أو يتم استخدامها على أحسن الفروض
في أهداف سياسية في المقام الأول، فهي إما برامج تعبوية سياسية أو
برامج دعائية أو برامج تفريغية لشحنات الغضب من الحالة الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية أو برامج ترفيهية يغلب عليها البعد الربحي
والتجاري، كما نرى الآن في محطات الغناء والسينما والكليب والإعلانات
التجارية، ومن ثم تغيب - وبالضرورة التجارية ـ عن أكثر من 90 % من تلك
المحطات، الأهداف الإعلامية الأخرى مثل التنمية والتعليم والجانب
الثقافي والفني الرفيع..".
ويرى خبراء آخرون أن الخطورة الكامنة خلف هذا النهج الاعلامي،
طغيانه من حيث التأثير على المتلقي، نظراً للحرية المفتوحة دون قيود
أمامه لاستخدام كل اساليب الجذب البصري والذهني والغرائزي، محذرين مما
صدرته "العولمة الثقافية" من مفاهيم ليبرالية تركت بصمات لها في ذهنية
المشاهد العربي، لاسيما الناشئة والشباب، في سباق محموم ، وربما نعده
غير متكافئ مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية التي تحمل على
عاتقها مسؤولية صياغة الوعي وانتاج المعرفة وتقويم المنظومة الثقافية،
وهو ما يستغرق – عادةً- فترة طويلة من الزمن، لكن هذا لايمنع بأي حال
من الاحوال، مبادرة القنوات الفضائية الملتزمة برسالة اعلامية رفيعة،
من أن تخوض تجربة انتاج برامج ترفيهية هادفة.
وفي مقال سابق، أوردنا احصائية عن وجود (140) قناة فضائية دينية
ناطقة باللغة العربية، مع عدد غير قليل من القنوات المماثلة التي تبث
بلغات اخرى في الشرق الاوسط والعالم. هذا الرقم الكبير بامكانه تطعيم
برامجه الدينية والتوجيهية المباشرة، ببرامج خفيفة الظل – إن صحّ
التعبير- على المشاهد ولاسيما الشباب والناشئة والاطفال، تثير فيهم حبّ
الاطلاع والمعرفة والابداع والشعور بقوة النفس، وربما تكون بعض البرامج
بمنزلة الدروس العملية ذات التطبيقات على الواقع الخارجي داخل الاسرة
وفي اوساط المجتمع، من خلال التذكير بمفاهيم التعايش والتعاون والتكافل
وغيرها من المفاهيم الانسانية والاخلاقية.
وحسب بعض الخبراء في هذا المجال، فان "الفنون الجميلة"، تعد أقصر
الطرق الى التحضّر الانساني ومساعدة المتلقي على التعامل مع تحديات
الواقع المعاصر بشكل إبداعي خلاق. ويمكن الاشارة الى المسرح والسينما
والرياضة والرسم والخط ومختلف فنون الزخرفة والبناء، هذا الى جانب
الحثّ على الاشغال اليدوية الممتعة والمفيدة للبنات على وجه التحديد،
مثل الحياكة والخياطة وعملية تدوير وتحويل القطع الصغيرة في البيت،
وقبل ان تتحول الى نفايات، الى أشياء عديدة ومفيدة.
هذا المنحى الاعلامي على الشاشة الصغيرة، من شأنه ان يسهم بشكل كبير
في حماية المتلقي إن عاجلاً أم آجلاً من سهام التأثير الثقافي القادمة
من المدارس البعيدة، حيث نجد التهافت لدى عديد الدول المنتجة للبرامج
الترفيهية، وأخصّ بالذكر؛ المسلسلات التلفزيونية وبرامج الاطفال، على
توجيه الرسائل الخاصة التي تحمل الأذواق والسلوكيات والعادات، ولعل
ابرز فقرة في هذا الجهد الكبير، هو تسويغ حالة "الاختلاط" بين الجنسين،
وإظهار حتميتها وأنها امر لابد منه في الحياة الطبيعية. او تكريس مفهوم
الحرية الفردية من خلال عموم هذه البرامج.
واذا تصفحنا التراث الضخم والثري لدينا، وجدناه قادراً على إغناء
برامج ترفيهية، ربما لمئات الساعات على الشاشة الصغيرة، حيث العبر
والحكايات والحكم وغيرها، الى جانب البرامج الابداعية الحديثة، وهو ما
يتعارض بالمرة مع أي توجه ديني – عقائدي، وهذا ما لايجهله القائمون على
القنوات الدينية، لاسيما الملمون بعلم النفس الاجتماعي، و دوره في
تهيئة الارضية الخصبة للتلقي، وهذا ما اشار اليه قبل حوالي اربعة عشر
قرناً، الامام علي بن أبي طالب، عليه السلام، عندما قال: "ان القلوب
تملّ كما تمل الابدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة". |