خيارات الشعب... بوتفليقة أو الفوضى والدمار

 

شبكة النبأ: يرى أغلب المراقبين للشأن الجزائري، أن الطريقة الكلاسيكية التي تم من خلالها انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة، لم تأتي، على الأقل حباً في الرئيس بوتفليقة، او قصوراً في الشعب الجزائري الطامح نحو المزيد من الحريات وتحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وانما جاء لخوفهم من عودة الخريف الجزائري، من جديد، وما رافقه من فضائع ومجازر لم تمحى من ذاكرة الجيل الذي عايش ذلك الواقع المر.

وقد بدء بوتفليقة حملته في العزف على هذا الخوف المتجذر في الثقافة الاجتماعية لدى الشعب الجزائري، من خلال السرد المتكرر لإحداث الماضي، من جيل شهد الفوضى، الى جيل يخشى عودة الماضي، وهو ما أثر عميقاً في نفوس المواطنين، ليحصد بوتفليقة رضا أكثر من 80% من المقترعين لوصوله الى سدة الرئاسة.

وبحسب ما يراه محللون فأن عدة عوائق أو مخاوف تقف أمام التغيير السياسي في الجزائر، مثل الحرب ألأهلية التي ذاق منها الشعب الجزائري الأمرين، وتسببت في مقتل أكثر من 150 ألف مواطن، ولهذا فأنه غير مستعد للقيام بتغيير رأس السلطة وتقديم التضحيات من أجل إرساء نظام ديمقراطي حقيقي، وهذا يعد من أهم احد العوائق ضد التغيير، لكن يبقى السؤال الاهم: ما هو العائق أمام التغيير؟ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟ أم العسكر؟ أم الأحزاب السياسية؟، مما يضع علامات الاستفهام الكبيرة حول أمكانية الإصلاح والتغيير التي قد يقوم بها في المستقبل القريب لكن من المرجح أن تواجه ولاية بوتفليقة الرابعة حراكا شعبيا محموما.

بينما يرى محللون آخرون أن المخاوف تتزايد داخل الشارع الجزائري بأن عدم انتخاب بوتفليقة سيعني عودة البلاد إلى المواجهة مع الإسلاميين وخصوصا بعد وصول جماعات إسلامية للسلطة في دول مجاورة شهدت الربيع العربي، وعليه تلوح العديد من التحديات بشأن قيادة البلاد الجزائرية خلال الآونة القليلة المقلبة في ظل الحالة الصحية الصعبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما اثار تكهنات وتساؤلات كثيرة حول كيفية ادارة البلاد في المرحلة المقلبة.

مبررات قوية

في سياق متصل ربما يلتمس المرء العذر لأمين كرشاش فيما يشعر به من غضب لأنه لم يستفد شيئا من ثروة الغاز في الجزائر إذ يعيش هو وزوجته الشابة وأطفالهما الثلاثة في بيت بسيط أشبه بالكوخ بأحد الأحياء الفقيرة في العاصمة، لكن بعد انتظار سنوات للحصول على شقة سكنية جديدة من الدولة فإن ذكرياته عن الحرب الأهلية الدموية وحلم الاستفادة من سخاء الدولة مبررات قوية بما يكفي لمواصلة الانتظار.

وفي حين أن مشاعر الاحباط في مصر وتونس وليبيا وسوريا كانت سببا في قيام انتفاضات الربيع العربي عام 2011 فإن الوضع في الجزائر مختلف إذ أن الاستقرار مقدم على مشاعر الغضب إزاء البطالة والمشاكل الاقتصادية في نظام يقول منتقدوه أنه لم يشهد تغيرا يذكر منذ استقلال البلاد عام 1962.

والجزائريون أمثال كرشاش يوضحون سبب إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات بأصوات من يرون فيه رمزا لانفاق الدولة وضمانة للأمن في بلد مازال يعاني من جراح الحرب الاهلية في التسعينات، وبعد عام من إصابته بجلطة لا يواجه تحديا يذكر يحول دون فوزه بولاية رابعة بعد أن أمضى على رأس هرم السلطة في البلاد 15 عاما رغم أنه لم يتحدث في مناسبات علنية إلا نادرا منذ مرضه وسفره إلى باريس للعلاج حيث قضى ثلاثة أشهر في المستشفى.

ولا تزال الحرب الجزائرية التي ارتكب فيها متطرفون اسلاميون مذابح وسقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل جرحا غائرا في نظر كثير من الجزائريين حتى بعد مرور عشر سنوات على انتهائها وهي ذكريات لاتزال حديثة نسبيا بما يكفي لبقاء الإحساس بعدم وضوح الصورة.

قال كرشاش الذي يعمل حارسا في مشرحة بمدينة هزتها الحرب "ما شهدته في ذلك الوقت لا أريد أن أشاهده ابدا مرة أخرى، أنا لا أقول أن كل شيء على ما يرام هنا، توجد مشاكل، فهل يكفي (مالدي)؟ لا، لكنه شيء" أفضل من لا شيء.

وعزف حلفاء بوتفليقة وأنصاره على نغمة ذكريات التسعينات في كل فرصة خلال الحملة الانتخابية التي لم يظهر فيها الرئيس نفسه سوى لمرات وجيزة في التلفزيون وهو يستقبل بعض الشخصيات الزائرة لكنه لم يحضر أي مؤتمر انتخابي بنفسه.

وفي ضوء الأزمة الأوكرانية التي تهدد إمدادات الغاز الروسية ازدادت أهمية الكيفية التي ستدير بها الجزائر انتاج الطاقة الثابت حاليا والطلب على جولة استكشافات جديدة، وتزود الجزائر أوروبا بخمس وارداتها من الغاز، ويقول مراقبون إن الحياة السياسية في الجزائر يديرها من وراء الستار نخبة جبهة التحرير الوطني وكبار قادة الجيش الذين يرون في أنفسهم حماة الاستقرار.

ويقول خصوم بوتفليقة إن الرئيس أضعف من أن يدير البلاد، وقد قاطعت عدة أحزاب النظام الذي ترى أنه فاسد ويميل لصالح بوتفليقة الذي فاز بنسبة 90 في المئة من الاصوات في عام 2004 و85 في المئة في انتخابات 2009.

وبتأييد جبهة التحرير الوطني والأحزاب المتحالفة معها والاتحادات العمالية والجيش خرج بوتفليقة من الانتخابات فائزا، ويقول حلفائه إنه بحالة تسمح له بحكم البلاد، لكن الحالة الصحية لبوتفليقة البالغ من العمر 77 عاما تثير تساؤلات بشأن مستقبل الجزائر وتغذي ما يتردد عن فترة انتقال سياسي خلال ولايته الرابعة ومزيدا من التشاحن بين مراكز القوى.

وقال رئيس وزرائه السابق عبد المالك سلال "الهدف الوحيد من (وجود) الرئيس هو تحقيق السلام والأمن للبلاد، فهذا أهم من أي شيء آخر"، ومازال بوسع الجزائر التي تبلغ احتياطاتها الخارجية نحو 200 مليار دولار أن تزيد الانفاق بما يخفف من حدة التوترات الاجتماعية مثلما فعل بوتفليقة عام 2011 لتحاشي امتداد موجة الربيع العربي إلى بلاده.

ويعد نقص الوحدات السكنية والبطالة والمشاكل السياسية مزيجا قابلا للاشتعال، لكن الاحتجاجات في الجزائر تميل للتركيز على مشاكل المجتمعات المحلية، وفي عام 2011 زادت الجزائر الانفاق في ميزانيتها بنسبة 25 في المئة مع التركيز على زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام وذلك في أعقاب أعمال شغب بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ومن المقرر أن يصل الانفاق العام في 2014 إلى 98 مليار دولار بزيادة 11.3 في المئة عن العام الماضي، ويوجه جانب كبير من الانفاق لدعم أسعار السلع والخدمات، ويزيد الدعم في 2014 بمبلغ 1.35 مليار دولار ليصل إلى 22 مليار دولار، ويمثل الانفاق على السلع الغذائية الاساسية 12.8 في المئة من اجمالي الانفاق.

ويتيح أحد برامج الدولة قروضا للشباب لبدء مشروعاتهم كأحد الوسائل لمكافحة البطالة بين الشباب، وقال محمد مكيدش الذي أقام مركزا للعلاج الطبيعي في العاصمة "سيكون من الغباء ألا تستفيد من المشروع، سأكون صادقا، أنا مع بوتفليقة، فقد قدم لي قرضا رغم أنني لن أمنحه صوتي لأنه ليس بخير".

ويشكك البعض في المدى الذي يمكن أن يستمر عليه سخاء الدولة، فحتى الحكومة نفسها تعترف بضرورة الإصلاح، ويقول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إن الجزائر عرضة للتأثر بانخفاض أسعار النفط العالمية في الأجل الطويل.

لكن رئيس الوزراء السابق سلال قال إن الحكومة تتوقع أن تبقى أسعار النفط أعلى من 75 دولارا للبرميل في السنوات القليلة المقبلة على الأقل، وأضاف "نحن لا نهدر أموالنا، ونحن نساعد شبابنا، وسنواصل ذلك في المستقبل، سنواصل مساعدتهم على بدء مشروعاتهم"، وتتضمن شروط جولة عروض التنقيب الجديدة هذا العام خيارات تشمل الغاز الصخري وهو ما قد يفتح الباب لزيادة الإنتاج، لكن الشركات قلقة بسبب التكاليف والأمن بعد الهجوم الذي وقع العام الماضي على محطة للغاز وقتل فيه 40 عاملا. بحسب رويترز.

وفي الوقت الراهن لا يتوقع الدبلوماسيون والمحللون تغيرا يذكر ما لم تواجه الجزائر مشاحنات سياسية وأزمة اقتصادية ومعارضة أكثر فاعلية في آن واحد، وقال دبلوماسي "الجزائريون لا يتطلعون فعلا إلى تغيير شامل بل يتطلعون فقط لمزيد من حرية التعبير عن الرأي"، فحتى إبداء مشاعر الاحباط علانية بسبب التغيير السياسي والاقتصادي على ندرته يبلور المشاكل التي تواجهها قيادات المعارضة الجزائرية في مواجهة بوتفليقة.

وفي أحد شوارع العاصمة نظم عشرات من المحتجين هذا الشهر اعتصاما ورددوا هتافات تطالب بعدم انتخاب بوتفليقة وتحدوا حظرا على الاحتجاجات في العاصمة، وأحاط رجال الشرطة والأمن السري بأعضاء الحركة الجديدة التي يطلق عليها بركات وهي كلمة باللهجة المحلية تعني كفى وهم يرفعون اللافتات ويرددون أناشيد ويلقون خطبا بينما كان المارة يمضون في طريقهم والسائقون يحدقون فيهم باستغراب بل وهتف أحدهم "تحيا جبهة التحرير الوطني".

وبعد أن كانت الشرطة تحتجزهم في البداية سمحت لهم مؤخرا بتنظيم مظاهراتهم لكن أعدادهم لم تتجاوز قط 100 في العاصمة الجزائرية، ويقول زعماء المعارضة أن الوقت حان لجيل بوتفليقة أن يترك الساحة لغيره، لكنهم منقسمون ويفتقرون إلى ما يجذب الجماهير إليهم، ولا يبالي جيل الشباب بالسياسة ويشعر بالانفصال عن جيل القادة المخضرمين.

الشباب الجزائري

ومع إعادة انتخاب بوتفليقة لرئاسية رابعة بعد قضاء 15 عاما على رأس الجزائر، يشكك الكثير من الجزائريين وخاصة الشباب منهم في أن يفي بوتفليقة، الذي يعاني من مشاكل صحية كثيرة، بوعوده في تسليم السلطة للأجيال الجديدة.

ويقول النائب المعارض كمال (36 عاما) في لهجة لا تخلو من شك "بوتفليقة مسكون بحب السلطة، ولن يقبل جيله أبدا الانسحاب لترك المجال للشبان، ووعده بتسليمهم المشعل ليس سوى ذر للرماد في العيون".

وانتخب بوتفليقة (77 عاما) الذي يحكم البلاد منذ 15 عاما رغم مرضه، رئيسا لولاية رابعة منذ الدورة الأولى وبنسبة بلغت 81,53 بالمئة من الأصوات، وخلال حملته الانتخابية التي لم يقم بها شخصيا كرر مبعوثوه في التجمعات الانتخابية التأكيد على رغبته في ادخال عنصر الشباب في الطبقة السياسية ولكن أيضا داخل الحاشية من التكنوقراط والعسكر.

وقال مدير حملته الانتخابية عبد المالك سلال إن رئيس الدولة سيسلم السلطة للجيل الذي ولد بعد الاستقلال في 1962 في هذا البلد الذي تجاوز أهم قادته السبعين، لكن الوعد يثير شكوكا كما لاحظت صحيفة "لو كوتديان دوران" التي كتبت ان "البوتفليقية فازت" مع نتائج الاقتراع واصفة الظاهرة بانها ترجمة ل "خوف من المستقبل ومن التحرك" وانعكاس "لجمود محبب" يستمر بفعل نفقات اجتماعية هائلة.

وأضافت الصحيفة أنه مع هذا الفوز "خسرنا فرصة انتقال جميل وقطيعة ناعمة نحن نؤجل المستقبل"، وكرر مبعوثو بوتفليقة أثناء الحملة الانتخابية شعارات تقدمه في صورة المنقذ الأشبه بالمقدس، وقال وزير الداخلية طيب بلعيز لدى إعلانه النتائج في حماس أن بوتفليقة "رفع الجزائر إلى السماء السابعة والثامنة إن كانت هناك ثامنة".  بحسب فرانس برس.

أما سلال فقال مرارا أن بوتفليقة "أخرج الجزائر من الظلمات إلى النور"، وأطلق متصفحون على الانترنت مسابقة "الشيتة (فرشاة الأحذية) الذهبية" لمكافأة أشد أنصار بوتفليقة تملقا، وتقول زاهية (34 عاما) الطبيبة في مستشفى عام أنه مع مثل هذه التصريحات "ليس هناك أي أمل في أن يتغير النظام الذي أقيم منذ الاستقلال خلال ولاية واحدة".

وأضافت "نحتاج الكثير من السنوات لاقتلاع هذا النظام" معتبرة أن التغيير كان يجب أن يبدأ "بانتخاب رجل ليس مسنا كثيرا ويملك كامل لياقته البدنية (وليس) بوتفليقة المسن والمريض جدا"، وكان بوتفليقة أدى واجبه الانتخابي وهو على كرسي متحرك واحتاج مرافقا في الخلوة.

ورأى المحلل السياسي شفيق مصباح الذي كان ضابط مخابرات سابق أن بوتفليقة "أراد اللعب على مشاعر الجزائريين الذين يأخذون بخاطر المريض"، واضاف ان رئيس الدولة لم يهتم للأثر المدمر لهذه الصورة في الخارج.

من جهته قال المحلل رشيد قريم أنه "لا يرى الشباب يبرزون في النظام الحالي" واضاف منتقدا "من الواضح ان اعادة انتخاب بوتفليقة تكرس الاستمرارية"، وايده المحلل رشيد تلمساني الذي قال ان "التجديد لبوتفليقة سيكرس ترسيخ الامر الواقع"، لكن "عليه بالتأكيد ان يقوم بمراجعة الدستور" الذي ترتهن خطوطه الكبرى الى "صفقة ابرمت بين مختلف مراكز قوى النظام" بشان ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، وأضاف تلمساني "بوتفليقة مريض ولا يمكنه إدارة البلاد، وبعد إعادة انتخابه فإن الجزائر أصبحت بين يدي مراكز القوى التي اتخذت البلاد رهينة منذ مرضه" في نيسان/أبريل 2013.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/نيسان/2014 - 22/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م