في السعودية... ترهل المملكة يضعها على محك التغيير

شبكة النبأ: يبدو أن قانون الإرهاب الجديد في السعودية وسلسلة المراسيم الملكية المتعلقة به تنشئ إطاراً قانونياً تقريباً يجسد مفهوم التضييق والتشدد على الحريات العامة، بل يقترب من أنه يجرم أشكال الفكر المعارض أو التعبير عن الرأي كافة بوصفه إرهاباً، حيث تشكل هذه الأحكام الكاسحة الواردة في تلك الأنظمة القانونية، تهديدا صارخا على حق ممارسة المعارضة ونقد الدولة، ووضعها في اطار قانوني يدخل ضمن قائمة الإرهاب لكن على الطريقة السعودية كما يراه أغلب المراقبين.

وقد كشف قانون الإرهاب الجديد في السعودية ملامح التوجس من القادم، الذي قد تشهده العائلة الحاكمة في المملكة، سيما وان هذه القوانين تزامنت مع التغييرات الكبيرة في هرم السلطة والاعفاءات التي شملت بعضاً من قادة "الحرس القديم للدولة" من أمثال "بندر"، والتي انعكست كمحصلة نهائية لطريقة إدارة السعودية لملفات حساسة في المنطقة، كالأزمة السورية والملف النووي الإيراني والمظاهرات البحرينية، إضافة الى ملف العراق الأمني والسياسي.

ويرى الكثير كم المحللين أنه تجنبا للسقوط في خضم الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط تكثف المملكة العربية السعودية حملتها على الأصوات المعارضة في الداخل مما أثار مخاوف من ضياع مساحة أكثر انفتاحا للنقاش العام ظهرت في السنوات الأخيرة.

ووقع تحت طائلة سلسلة اعتقالات وقوانين جديدة إسلاميون سنة ومسلمون شيعة وإصلاحيون ليبراليون وملحدون ودعاة حقوق إنسان فيما وصفه أحد النشطاء بأنه "حالة طوارئ غير معلنة"، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي وما يصفه المحللون بمساعي الملك عبد الله لتعزيز مناخ أكثر انفتاحا منذ بدايات القرن الحادي والعشرين قد أتاحت للسعوديين مجالا أكبر من ذي قبل لانتقاد السلطات ومناقشة موضوعات كانت تعتبر من المحرمات.

إلا أن المملكة اتخذت منذ تفجر انتفاضات الربيع العربي عام 2011 خطا أكثر صرامة بكثير في مواجهة أشكال كثيرة من المعارضة دفعها لاحتجاز إصلاحيين ليبراليين ومنتقدين إسلاميين بتهم منها التحريض والمساس بأمن الدولة.

ولا تزال الأسرة الحاكمة تسيطر على مقاليد الأمور في البلاد التي هي أكبر مصدر للنفط في العالم والتي تشهد من آن لآخر مظاهرات محدودة تطالب بالإفراج عن متشددين سنة أو نشطاء ليبراليين أو مظاهرات شيعية في المنطقة الشرقية.

لكن محللين على صلة وثيقة بالنخبة في المملكة يقولون إن الحكومة تلمس خطرا لم تلمسه من قبل وترى أن الحرب الدائرة بسوريا والأزمة السياسية التي تمر بها مصر تشكلان خطرا في الداخل وتحديا للسياسة في الخارج، وفي مواجهة هذه المخاطر أقرت السعودية مجموعة من القوانين تحظر على المواطنين القتال في الخارج أو التبرع بالمال لأي فصيل في سوريا أو إبداء التعاطف مع أي فكر متشدد.

ويرى بعض المحللين، ان محاولة العائلة المالكة لتحصين قلاعها السلطوية، وحفظ النظام الداخلي، والذي بدء متزامناً مع الربيع العربي 2011، لم يأتي من فراغ، وانما جاء من شعور عام بالخطر الحقيقي نحو "التغيير" الذي اصبح على مسافة قريبة من أبواب السعودية، خصوصاً مع شعور شرائح واسعة من المجتمع السعودي بضرورة رفع القيود التي فصلتهم عن الواقع المتمدن، إضافة الى الواقع السياسي الخارجي الذي ادركه صناع القرار السعودي، ربما متأخرا، بان الاحداث الدولية لا تجري بصالحهم على الأقل في سوريا وايران، مع كل التدابير والدعم اللذان وفرتهما السعودية بسخاء للطرف الاخر.

تشيد القيود

في سياق متصل قال نشط حقوقي طلب عدم نشر اسمه "ما حصل هو أن هناك انخفاضا واضحا في سقف الحريات وازدياد وتيرة القمع الأمني وتشريع كثير من القوانين التي يمكن بها تجريم كل الناشطين السياسيين أو المهتمين بالشأن العام مثل قوانين مكافحة الإرهاب والمراسيم الملكية الأخيرة"، وتقول المملكة إنه لا يوجد لديها معتقلون سياسيون ولا تعذيب، ودافع مسؤولون كبار عن الرقابة المفروضة على النشطاء قائلا إن هذا أمر ضروري للحفاظ على استقرار المجتمع.

وقال مسؤول بارز بوزارة الداخلية "لا نريد أشياء تؤثر على وحدتنا" مشيرا إلى أن الوزارة ستولي اهتماما كبيرا بأي شيء يمكن أن يزعزع استقرار المجتمع أو وحدته، تيسر القوانين الجديدة على الحكومة معاقبة كل من يعبر عن انتقاد أو معارضة، لا في التجمعات العامة أو وسائل الإعلام التقليدية فقط وإنما على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا.

وهي تسعى بهذا فيما يبدو لدرء الاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة وتصاعد الجدل العام على تويتر ويوتيوب، والأحزاب السياسية محظورة في المملكة وكذلك الاحتجاجات كما أن النقابات العمالية غير قانونية والصحافة خاضعة لرقابة شديدة وانتقاد الأسرة الحاكمة يمكن أن يؤدي للسجن.

من ناحية أخرى أتاح التواصل الاجتماعي للسعوديين توسيع مساحة النقاش العام وفتح الطريق أمام انتقاد واسع للمسؤولين والسياسات على نحو لم يكن متصورا قبل عشر سنوات، وتطبق الحكومة الآن سلسلة من اللوائح تتطلب وجود تراخيص للمواقع الإخبارية على الإنترنت وتلوح بعقاب الأصوات المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال نشط متحدثا إلى أقاربه إن ثلاثة شبان من أسر سعودية معروفة احتجزوا هذا الشهر لنشرهم أفلاما على الإنترنت تشكو من تدني مستوى المعيشة وتنتقد الأسرة الحاكمة، ووضعت لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك السعودية بين أكبر عشر دول في العالم من حيث فرض الرقابة إلى جانب سوريا وإريتريا وكوريا الشمالية.

وتستهدف الحكومة في الأساس إسلاميين من الغالبية السنية وبخاصة من خلال مرسوم وصم جماعة الإخوان المسلمين بأنها تنظيم إرهابي وأيضا من خلال خطوات تستهدف شخصيات معينة تعتبر مصدر خطر.

وفي العام الماضي أدين الإعلامي السعودي وجدي الغزاوي صاحب قناة الفجر التلفزيونية التي يقع مقرها بالقاهرة بتهمة "تشويه سمعة المملكة" من خلال برامج من شأنها التأثير على الأمن العام.

لكن السلطات تستهدف أيضا من يبدو أنهم يحيدون عن المذهب الوهابي من خلال فرض أحكام قاسية على من ترى أنهم ينشرون عبارات تنطوي على تجديف على مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدم مسؤولون حكوميون أيضا عبارات قوية لدى الحديث عن الليبراليين كما فعل الشيخ صالح بن عبد العزيز آل شيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في تصريحات لصحيفة الحياة حين قال "هناك اتجاهات تغريبية ليبرالية واتجاهات حركية إسلامية وغير إسلامية تهدد البلاد".

وفي أكتوبر تشرين الأول احتجزت السلطات الصحفي طارق المبارك لأيام بعد أن نشر مقالا ينتقد فيه الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات وقيودا أخرى، وقال مسؤول سعودي بشكل غير رسمي إن المبارك تجاوز خطا حين حاول تنظيم معارضة.

وأثارت مجموعة من النشطاء كانت قد احتجزت خلال العام الأخير بعد تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) غضب الحكومة حين نشرت مطالب بإرساء الملكية الدستورية واتهامات تنال من شخصيات بارزة.

وصدر حكم بسجن محمد فهد القحطاني عشر سنوات وعبد الله حامد 11 عاما لاتهامات منها تحريض المنظمات الدولية على المملكة وتقديم معلومات زائفة عن السعودية لآليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وقال أحد الأقارب إنهما مضربان عن الطعام الآن وهو ما نفته الحكومة.

وقال النشط الحقوقي الذي طلب عدم نشر اسمه "التضييق ليس علينا فقط، التضييق جرى على كل الناشطين السياسيين المطالبين بالإصلاح والمشاركة الشعبية في القرار السياسي"، وأضاف "جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) -وهي الجهة الأكثر جرأة في المطالبة بالإصلاح السياسي في السعودية- نصف أعضائها معتقلون والنصف الآخر تجرى لهم محاكمات".

حتى معرض الكتاب السنوي الذي يقام بالرياض لم يسلم، فقد قال ناشرون إن السلطات أمرت بسحب أكثر من 400 كتاب من المعرض من بينها مؤلفات كتاب بارزين مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعرين العراقيين بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي.

وإلى جانب قلق السعودية من الأحداث في سوريا ومصر يشعر حكام المملكة بأنهم محاطون بالاضطرابات، فالعنف الطائفي لايزال يمزق العراق والقلاقل السياسية مازالت تلقي بظلالها على جارين آخرين هما اليمن والبحرين.

وقال المحلل الأمني مصطفى العاني الذي له صلات قوية بوزارة الداخلية "تعتقد السلطات أنها تمسك بزمام السيطرة داخل السعودية بشكل أو بآخر لكنها ليست متأكدة من الأثر الخارجي على السعودية في المستقبل القريب". بحسب رويترز

وهي تخشى عودة عدد ربما يقدر بمئات من المتشددين الذين شاركوا في الحرب السورية دون أن تغيب عن أذهانها هجمات وقعت خلال الفترة من 2003 إلى 2006 نفذها إسلاميون متشددون شاركوا في الاقتتال بالعراق.

وقال جريجوري جوس الزميل غير المقيم بمركز بروكنجز الدوحة "أعتقد أن القلق إزاء سوريا منعكس على التشريع الأخير الذي يتيح للقضاة إصدار أحكام بالسجن على السعوديين الذين يشاركون في حروب بالخارج."

وتابع "أعتقد أن هذا رد مباشر على التدفق المتزايد للعائدين من سوريا إلى السعودية، لكن هذا بالطبع فيلم شاهدناه من قبل من أفغانستان ومن العراق"، وقال جوس إن زعماء السعودية يخشون أيضا أن يؤدي التعبير في الداخل عن التأييد للإخوان المسلمين إلى زيادة تعقيد سياستهم في مصر أهم حليف عربي ضد الخصم الرئيسي المشترك، إيران.

وجاءت مثل هذه المخاوف في وقت تزداد فيه الشكاوى في الداخل من عدم توافر فرص العمل ونقص وحدات الإسكان والفساد الإداري ويكثر الجدل حول ما إذا كانت المملكة تتحرك بسرعة شديدة نحو تبني قيم غربية.

لكن إبراهيم المقيطيب رئيس جميعه حقوق الإنسان أولا بالسعودية قال إن الخطوات الأمنية ليست هي الرد المناسب على المعارضين، وقال إن الأمر يتطلب ما هو أكثر من القسوة والشدة اللتين ظهرتا في الآونة الأخيرة من خلال الأحكام، وقال إن الحكومة ينبغي لها بدلا من ذلك أن تعتبر الانتقاد أمرا بناء وأعرب عن أمله في أن تدفع السلطات الإصلاحات بخطى أسرع، وأضاف "نحتاج تفهما أكبر" للدوافع.

اعفاء رئيس المخابرات

فيما قال محللون ان اعفاء رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان الذي اتبع سياسة حازمة حيال سوريا، جرى تحت ضغط اميركي لكنه لا يعني بالضرورة تغييرا في سياسة الرياض المصممة على اسقاط بشار الأسد، ولم ترد اي توضيحات رسمية حول رحيل بندر الذي يتمتع بنفوذ كبير وابن احد اشقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز اذ اكتفت وسائل الاعلام الرسمية بالقول انه اعفي من مهامه "بناء على طلبه".

لكن خبيرا سعوديا طلب عدم كشف هويته قال ان الولايات المتحدة تشعر باستياء متزايد من ادارته للملف السوري وطلبت منذ كانون الاول/ديسمبر استبعاده، وكان السعودي في الواجهة في تمويل وتسليح وتوحيد المعرضة السورية المسلحة التي لم تسجل حتى الآن انتصارات كبيرة في مواجهة النظام.

وقد اصطدم بتحفظات واشنطن التي رفضت تسليم المعارضين اسلحة يمكن ان تغير التوازن على الارض، حسب عدة محللين.

وقبل اعفائه من منصبه لم يتردد الرجل الذي كان يوصف "ببندر بوش" عندما كان سفيرا للمملكة في واشنطن بسبب علاقاته الوثيقة مع الادارة الجمهورية، في توجيه انتقادات الى الولايات المتحدة.

فقد عبر عن غضبه خصوصا امام دبلوماسيين غربيين بعدما تخلت واشنطن في اللحظة الاخيرة عن توجيه ضربة عسكرية الى سوريا على الرغم من الاتهامات باستخدام النظام اسلحة كيميائية ضد المدنيين.

وقال دبلوماسيون ان بندر اكد حينذاك ان السعودية لم تعد تعتبر الولايات المتحدة حليفتها الرئيسية وستسعى للحصول على دعم دول اخرى مثل فرنسا او قوى أخرى، وكان آخر نشاط رسمي لبندر في بداية كانون الاول/ديسمبر 2013 في محاولة لتغيير موقف روسيا من الأسد، واكد خبراء آخرون ان تشجيعه للإسلاميين المتطرفين عزز الخطر الذي يشكله الجهاديون السعوديون على المملكة.

وقال ايميل حكيم الخبير في الامن الاقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان "الاسلوب الهجومي لبندر بشأن سوريا كشف الهوة بين التوقعات والقدرات العملانية والاستخباراتية السعودية"، واوضح ان "القيام بجهد واسع ومعقد لأسقاط نظام اجنبي مدعوم من ايران وروسيا هو ببساطة امر اكبر من قدرة السعودية خصوصا بسبب تحفظات حلفائها الغربيين الرئيسيين واجندات مختلفة لدول مهمة فاعلة اقليميا مثل قطر وتركيا".

وتابع ان "الرياض قدمت الاسلحة والمال" لكنها اضطرت للعمل مع "مجموعات خطيرة وغير منضبطة" بينما تتمتع دمشق بدعم غير محدود من قبل ايران التي امنت لها مساندة مجموعات مدربة ومنظمة بشكل جيد جدا مثل حزب الله اللبناني الشيعي.

وكان دبلوماسيون ذكروا منذ شباط/فبراير ان ادارة الملف السوري سحبت من بندر ليعهد بها الى وزير الداخلية محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي يتولى مكافحة تنظيم القاعدة، وكانت النتيجة تحذير شديد اللهجة من الرياض الى السعوديين الذين يقاتلون مع الجهاديين في الخارج ويمكن ان يعاقبوا بالسجن عشرين عاما.

وقال حكيم انه حتى اذا كان بندر "متساهلا" حيال الجماعات الاسلاميين اكثر منه "شريكا" لهم، فقد "ساهمت في هذا التغيير زيادة عدد الجهاديين السعوديين في سوريا التي سيكون لها على الارجح نتائج سلبية على المملكة، والاخفاقات في سوريا".

ويؤكد محللون سعوديون من جانبهم ان هذا التعديل لن يؤثر على سياسة الرياض حيال سوريا، وقال جمال خاشقجي مدير القناة الاخبارية الجديدة "العرب" انه "ليس هناك من تغيير، السعودية تريد سقوط بشار الاسد"، واضاف "ليس هناك شيء اسمه سياسة بندر هناك سياسة الحكومة وتوجيهات الملك عبد الله واي رئيس مخابرات سينفدها".

واخير سيحل محل بندر مساعده يوسف بن علي الادريسي الذي كلف حاليا القيام بمهامه، لكن مصادر سعودية مطلعة قالت ان احد افراد الاسرة الحاكمة يمكن ان يتولى المنصب الذي يشغله منذ اكثر من ثلاثين عاما امراء من الصف الاول، آخرهم قبل بندر بن سلطان مقرن بن عبد العزيز الذي عين مؤخرا وليا لولي العهد السعودي.

وقال محلل سياسي أمريكي إن عدة عوامل سياسية وأمنية فرضت حصول التغيير على رأس جهاز الاستخبارات العامة السعودي، بإعلان إعفاء بندر بن سلطان من منصبه، بينها تعذر تنفيذ الرؤية السعودية في سوريا وبمواجهة إيران، إلى جانب التوتر الذي حصل في العلاقات بين أمريكا والسعودية.

ويرى محللون أن بندر كان موكلا بمهمة وضع وتنفيذ الاستراتيجية السعودية في المنطقة، وخاصة بسوريا، وكان من بين أبرز الداعمين للمعارضة السورية المسلحة، وقد دافع طويلا عن طلب تسليح الجيش السوري الحر، ولكن جهوده تعثرت بسبب فتور الموقف الغربي حيال التدخل بسوريا ومن ثم تحسن العلاقات بين طهران والغرب، علما أن إيران هي أبرز حليف للنظام السوري حاليا.

وقال كريستوفر ديكي، محرر الشؤون الدولية لدى "ديلي بيست"، "رغم أن بندر ظل سفيرا في أمريكا طوال 22 سنة، وكان له علاقات قوية للغاية مع آل بوش، غير أنه لم يعد له أصدقاء بمراكز القرار منذ ثلاث إلى أربع سنوات". بحسب سي ان ان.

وتابع ديكي قائلا: "كان بندر عدائيا جدا حيال إيران، حتى قبل تسلمه رئاسة جهاز الاستخبارات، وقد حاول أكثر من مرة تسجيل نقاط على حساب إيران ولكنه لم يوفق كثيرا إلى فعل ذلك"، ولفت ديكي إلى التصريحات التي نقلت عن لسان بندر في اكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقوله إن الرياض تفكر في تحويل سياستها الخارجية بعيدا عن أمريكا، وعلق المحلل الأمريكي قائلا: "أظن أن العلاقات بين أمريكا والرياض ستكون أقل توترا بغياب بندر عن المشهد".

إثارة الخلافات

من جانب اخر قال وزير التربية والتعليم خالد الفيصل إن قرار تعيين مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد يمنع "الحاقدين من التدخل لإثارة الخلافات"، وذلك بحسب مصدر رسمي، ونقل مصدر رسمي سعودي عن وزير التربية والتعليم السعودي خالد الفيصل قوله إن قرار تعيين مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد يمنع "الحاقدين من التدخل لإثارة الخلافات".

ونقل المصدر عن الفيصل دعوته إلى عدم تمكين "المرجفين والحاقدين من أن يتدخلوا فنختلف دون أن يكون لذلك الاختلاف جدوى سوى أن نجعل للمغرضين شوكة في خاصرة الوطن يحركونها متى شاءوا"، وليس واضحا ما إذا كان الوزير يرد على تقارير إعلامية خارجية أثارت احتمال وجود خلافات داخل العائلة المالكة إثر تعيين مقرن.

يذكر أن عددا من أعضاء هيئة البيعة، وعددهم 34 أميرا، لم يوافقوا على قرار الملك السعودي تعيين مقرن، وأشار الفيصل إلى "نظرة متزنة لسلاسة تناقل المسؤولية وتبادل الأدوار بأيدي أفراد القيادة المالكة في وقت يطغى فيه الصراع وعدم الاستقرار على المشهد الإقليمي والعالمي".

وقد أصدر الملك عبد الله (90 عاما) مؤخراً قرارا مفاجئا نص على تعيين أخيه غير الشقيق مقرن أصغر أبناء الملك المؤسس الخمسة والثلاثين وليا للعهد مستقبلا، ويمهد قرار الملك الطريق أمام مقرن لكي يتبوأ سدة العرش.

وقال دبلوماسيون إن مقرن (69 عاما) الذي تولى رئاسة جهاز الاستخبارات بين 2005 و2012 من المقربين جدا من الملك و"محل ثقته"، وبغية قطع الطريق أمام أي محاولة لإلغاء أو تغيير القرار في حال وجود خلافات، أكد الملك أنه "لا يجوز تعديله بأي حال من الأحوال أو تبديله بأي صورة كانت ومن أي كائن كان أو تسبيب أو تأويل".

وتقترب أسرة آل سعود الحاكمة بسرعة من اللحظة التي يجب أن تقرر فيها كيف ستقفز من جيل ابناء الملك عبد العزيز مؤسس المملكة الى جيل ابنائهم وابناء اخوتهم وهي عملية تحفها الصعوبات، وترى الأسرة نفسها الآن على أنها تحكم جزيرة نادرة من الاستقرار في منطقة مشتعلة بالصراعات والخلافات السياسية وتواجه تحديات سكانية وشيكة مما يجعل هذا القرار اكثر إلحاحا.

ويقول الكاتب خالد المعينا في مقال بصحيفة سعودي جازيت اليومية التي تصدر بالإنجليزية "لا يوجد بديل، لا يوجد خيار، يجب أن يكون هناك وضوح وتعامل سليم مع مسألة الخلافة"، ورغم الحرص الشديد على إبقاء أي نوع من التنافس على السلطة بين فروع سلالة الملك عبد العزيز خلف أبواب القصور الملكية يقول سعوديون لهم صلات بالأسرة الحاكمة إن بعض أعضائها قلقون من تهميشهم.

لكنهم يحرصون على تجنب صراع داخلي شامل على السلطة على غرار ذلك الذي سبق أن أسقط أسرتين سعوديتين حاكمتين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كما يحرصون على منع تكرار حالة الشلل الإداري التي أصابت البلاد قبل 18 عاما حين أقعدت جلطة الملك فهد دون أن ينقل صلاحياته رسميا لغيره.

وقال جوزيف كتشيتشيان المؤرخ المتخصص في شؤون الممالك الخليجية "هذا ترتيب للبيت لأن الملك وولي العهد متقدمان في السن وليسا في أفضل حال صحيا، وبالتالي فهذه خطوة احترازية لضمان ألا يحدث فراغ عند الحاجة وأعتقد أن هذا مهم في حد ذاته".

ومع اصطفاف الأمراء لمبايعة مقرن تحت ثريات قصر الحكم في الرياض في صور بثتها وسائل الإعلام الرسمية زخرت الصفحات السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي بالشائعات عن مزيد من الخطوات، ويتجاوز تعيينه الامتياز الخاص بولي العهد سلمان في اختيار ولي عهده حين يتولى الحكم وقد أثار تكهنات بشأن اتفاق أوسع بين الأجنحة المختلفة للأسرة الحاكمة.

وعلى مدى العامين المنصرمين أجرى الملك عبد الله سلسلة من التعيينات ورقى الكثير من الأمراء الشبان بينهم ابناؤه لمناصب كان يشغلها فيما سبق أعضاء أكبر سنا من أسرة آل سعود في محاولة على ما يبدو لتشكيل فريق جديد للحكم، ومن هؤلاء الشبان ابنه متعب بن عبد الله الذي يقود الحرس الوطني السعودي وابن اخيه محمد بن نايف وزير الداخلية وهما يعتبران أقوى مرشحين من جيلهما لحكم المملكة في المستقبل.

وللمرة الأولى منذ الستينيات لا يستطيع معظم السعوديين التكهن بأي درجة من اليقين بأسماء الأمراء الثلاثة او الأربعة التاليين في التسلسل غير الرسمي للحكم، ويعد الملك عبد الله وولي العهد سلمان آخر عضوين نشطين بالأسرة الحاكمة من مجموعة من الأمراء أطاحوا بالملك سعود عام 1964 لصالح الملك فيصل ليؤسسوا مبدأ انتقال السلطة من أخ لأخيه.

ولم تأت على المجموعة التالية من الأمراء بعد لحظة مماثلة توحد المواقف ويخشى البعض أن يؤدي الانتقال في نهاية الأمر الى الجيل القادم الى زعزعة استقرار ميزان القوى بين الفروع المختلفة لأسرة آل سعود، ويعتقد اقتصاديون أن من المرجح أن تضطر حكومة مستقبلية لاتخاذ قرارات لن تحظى بشعبية بشأن الدعم والأعداد الكبيرة من الموظفين في القطاع العام للحفاظ على دوران عجلة اقتصاد البلاد.

ويقول سعوديون مطلعون إن الحصول على موافقة الأسرة على المضي قدما في تعيين مقرن قبل وفاة الملك عبد الله ربما يكون انطوى على مفاوضات مطولة ومعقدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/نيسان/2014 - 22/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م